العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية / خطاب أوركهارت في غلاسكو — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


21 يناير/كانون الثاني 2022

العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية

الفصل الخامس

خطاب أوركهارت في غلاسكو

PHOTO-2022-01-20-22-27-35

شركيسيا والعلم الشركسي في خطاب السيد أوركهارت

ألقى السيد أوركهارت خطابًا في غلاسكو (Glasgow) في 23 مايو/أيار 1838، والذي نشرته اللجنة الشركسية في عام 1863، حيث دعا فيه إلى تقدير الإحترام الذي لقِيهُ بنفسه: ”تلك الدولة المولودة حديثًا، ولشكركم على التعاطف الذي عبرتم عنه بشأن رفاهيتها ونموها، مذكّرًا أنه حتى إلى وقت قريب، كان اسم شركيسيا يستدعي فقط ”أفكار الخرافات والرومانسية، أو رؤى الجمال الرجولي أو سحر الجمال الأنثوي“.745

وأضاف: ”ما زالت شركيسيا أرض الشعر والرومانسية، لكنها لم تعد أرض الغموض أو الأساطيروعلى الرغم من أن شهرة جمالها قد وصلت حتى الآن إلى شواطئ أوروبا الغربية، فقد تعلم الآلاف ومئات الآلف من موظّفي القيصر (CZAR) المنضبطين تقدير فضائلها الرجولية وأعمالها البطولية“.746

وتحدث السيد أوركهارت عن كون شركيسيا ”نجم الشرق الجديد“ لِما فيه من خيال، ورومانسية، وسحر، وسطوع، وجمال، ورسوخ، قائلاً: ”إذا كنت قد أشدت بحماس بصعود نجم الشرق الجديد هذا لأنه مشرق وجميل وشاعري، فما الذي لن يكون رضاك عنه ​​أكثر هدوءًا، عند التفكير في هذا الشعار الجديد الذي ينطلق من بحر قزوين، ويتلألأ فوق جبل إلبروز (Elbrouz)، حيث كان بإمكانك رؤية ممثل حقيقي لذلك الشّعب، وعيّنة من حامية القوقاز“.747

وقرر أن يصف امتنانه العميق لما رآه في شركيسيا:

من المستحيل تمامًا بالنسبة لي، بالكلمات، أن أنقل مشاعر الإعجاب وشعور التعلق الذي ألهمني به ذلك الشّعب؛ لكن ليس عليّ وحدي أن تكون قد ظهرت هذه الانطباعاتلقد رست سفينتان إنجليزيتان على شواطئهم، ومن القبطان إلى مضيف مقصورة الركاب، وكل بريطاني نزل من السُّفن إلى الشاطئ، استولى عليه سحر هذه الأرض الرومانسية، وكان مليئًا بالحماس لِعِرقية المندوبين، في هذه الأيام القاسية شديدة الدّمار، للوجود الأخلاقي والتواصل الشاعري مع العصور البدائية للإنساناثنان من رفاقكم أبناء وطنكم يقيمان منذ عام بين هؤلاء — كما تخبرنا روسيا — الرجال، الذين هم قطاع طرق متوحشين ولصوص؛ أحد هؤلاء من المواطنين من مدينتكم، وصديق للكثيرين الذين يستمعون إلي الآنعاطفته تجاه الشركس، وتقديره لشخصية رجالهم — لأهمِّيَّتِهِم بالنسبة لنا كشعب — نما مع كل شهر من الإقامة بينهم.748

يبتعد عن موقف حكومته ودوافعها وتوجيهاتها ومحسوبياتها من الاقتراب من قبول الأجندة الروسية ضد شركيسيا وأفراد شعبها الشجاع، الذين كرّسوا أنفسهم للدفاع عن أنفسهم ووطنهم ضد أساليب الغزو الشريرة غير المسبوقة والسيناريوهات التي تحمّلها الشّراكسة، وعانوا منها بصمت وهدوء، لكن مؤلمة كنتيجة مباشرة للاعتداءات والدمار الهائل والقاسي والوحشي الذي يعني التخويف والإهانة والإبادة في نهاية المطاف.

على الرغم من أن عدد السكان الشركس كان حوالي أربعة ملايين، إلا أنهم كانوا يركزون على الدفاع عن بلادهم وكسر الحصار القاسي والعقوبات التي فرضتها القوات الروسية على شركيسيا، والتي تركت الأمة الأصلية دون مجال للنظر في خيارات أو عوامل أخرى مثل تأسيس و تنظيم حكومة مركزية وإنشاء سلطة إدارية حديثة لرعاية التعليم والثقافة والاقتصاد والزراعة وغيرها من المجالات بالإضافة إلى إنشاء نظام للعلاقات الخارجية من شأنه تأكيد الاتصالات والتواصل مع الدول الأجنبية، وخاصة الدول الأوروبية التي كان يمكن أن يكون لها أثر إيجابي على الحرب وأهدافها ونتائجها.

تساءل السيد أوركهارت عن كيفية تمكن الشركس من المقاومة والحفاظ على استقلالهم وحريتهم ضد “المعتدين عليهم“:

لقد تم تمكينهم من القيام بذلك من خلال أهمِّيَّة قيمة الفرد، من خلال قوة البطولة الفرديةإن الطفل هناك، مثل حضانة سبارتا (Sparta) {أسبرطة}، يُعتبر ملكًا للمجتمع، ويتم تعليمه من أجل الصالح العام، من خلال الانضباط على حد سواء للعقل والجسد، مما يمنح الثبات والرصانة إلى الأول، ثم التحمل والبراعة إلى الثاني. فالطفل الذي يتم وضعه تحت رعاية الأب بالتبني، لا يعود إلى منزله حتى يكسب حقوقه في الرجولة من خلال بعض التصرفات العسكرية.749

وتابع وهو في نفس الوقت يمتدح الشركس:

رأيت هنا الأشخاص الوحيدين من نوفا زيمبلا (Nova Zembla ) إلى طنجة (Tangier) — من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي — على استعداد للانتقام من إهانة أو مقاومة الإصابة من قيصر موسكوفيثم طفحت من بين شفتي بشكل غير ارادي: ”لم تعودوا قبائلًا، بل أنتم شعبًاأنتم شركسًا، وهذه شركيسيا“.750

وهنا يوضح:

لكن العَلَم أو الّلون يكتسب قوته من الماضي — من الارتباط برجال عظماء أو من مبادئ مفيدة في وقتٍ مضى — من الذين ترتبط شهرتهم أو ذاكرتهم، وهي تطفو في مجرى الزمن، بمشاعر الرجال في سنوات الطفولة، وتصبح تعبيرًا عن الإعجاب بما هو عظيم، والحب لما هو خيرشركيسيا، التي تعود أصولها إلى خمسة آلاف سنة، لم تقدم مثل هذه الارتباطات؛ لا بطل قد صدّ فاتحًا — لم يمنح أي مُشرّع الحرية والازدهار من خلال المعاهد والقوانين — لا يمكن اختيار أسلحة أي عائلة كرمز للتفاني النبيل — يعتبر رمز عدم اعتماد أي مؤسسة كتعبير عن الوحدة الوطنية — من ضرورات اللحظة المجردة، فبناء على ذلك، كان هو اللون المراد اشتقاقه — وفقًا لظروف المشاعر السائدة في ذلك اليوم، وكانت الشعارات التي سيتم اختيارها.751

وتُسْتكمل قصة العلم الشركسي بالتفصيل: ”الأخضر، اللون الذي يكسو جبالهم، والذي يدل على ديانتهم المرتبطة بمكة، هو الذي اخترتهوُضِعت عليه مجموعة من السهام وأذرعها المميزة وتاج من النجوم، بحيث يمكن ربط حريتهم بإرادة خالقهم وأمجاد السماوات“.752

وأعرب السيد أوركهارت في الفقرات الأخيرة من خطابه عن نظرة مستقبلية حول الحصار المفروض على موانئ البحر الأسود الشركسية:

وفوق ذلك، فقد كان ذلك الساحل، وأمام أعين هذا الشعب، هو المكان الذي ارتكبت فيه فظاعة لم يسمع بها من قبل على العلم البريطاني،  واني — يحْمَرُّ وجهي خجلاً كرجل، وأرتجف كبريطاني لتدوين ذلك — لقد استسلمت إنجلترا إلى ذلك لفعل الفظيع وتم تبريره زورًا وبهتانًا. فقد تم الاستيلاء على السفينة الإنجليزية فكسن (Vixen)  بواسطة طراد روسي بينما كانت تقوم بالتداول والتبادل التجاري بسلام مع الشعب الحُر المستقل، وتحمل الآن على طول هذه السواحل أسلحة الموت وراية روسيا.

لو كانت شركيسيا منذ زمن بعيد تحت تبعية روسيا، فإن الاستيلاء على السفينة فكسن كان سيشكل أيضًا غضبًا على إنجلترا، وانتهاكًا ليس فقط للقانون الدولي ولكن أيضًا للسلام؛ لكن إنجلترا وروسيا التزمتا بشكل متبادل بمعاهدة 6 يوليو/تموز، المبرمة من أجل ”تهدئة الشرق“ (the pacification of the East)، للسعي إلى عدم ضم الأراضي أو الحصول على أي مزايا تجارية أو سياسية حصريةإن العذر الذي قدمته روسيا، والذي استوعبته إنجلترا بشغف، باحتلال الساحل المعني من قبل القوة الروسية، وهو تأكيد زائف في حد ذاته، ويعد انتهاكًا للاتفاق والمعاهدة؛ ومع ذلك، فإن هذا الانتهاك معترف به — كلا، فقد تم اختراعه، لتبرير الاستيلاء على سفينة ذهبت إلى ذلك الساحل تحت موافقة ورعاية الحكومة البريطانية نفسها — مما يدل على تعقيد الخزي والعار الذي لم يُسمع به بين بني البشر من قبل، والذي يجب أن يقضي على الجاني بإيقاع الحد الأقصى للعقوبة عليه. إن السؤال المطروح هو ما الذي يمكن فعله للحفاظ على استقلال شركيسيا.753

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً