حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
04 فبراير/شباط 2022
العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية
الفصل الخامس
لم يكن الشركس طرفا في كذبة الانضمام
لا ينبغي للشركس أن يشاركوا في الاحتفال بأحداث لم تحدث إلا في خيال من اخترعها للاستفادة من حشد الدعاية لنشر الأكاذيب ضد النشطاء الشركس الذين بذلوا جهودهم لشرح الحقائق عن الشركس للعالم بأكمله. إنهم يبذلون قصارى جهدهم للتحقق وتحديد سبل ووسائل التمتع بحقوق الإنسان المُصادرة من خلال اختيار الأساليب الصحيحة والإيجابية وغير العنيفة والحضارية لاسترداد واستعادة حقوقهم المشروعة في وطنهم الأم. والأهم من ذلك كله، أن عليهم الرد على الشائعات والأكاذيب، لإنكار مثل هذه الأحداث الزائفة ومناقضتها. على الرغم من أن الناس يرون ذلك على أنه تشويه للتاريخ وإنكار للمآسي المُرَوِّعة التي عاشها الشركس، للأسف، لم يتمكن العديد من الشركس من التعبير عن أفكارهم بسبب عدم وجود منظمات غير حكومية (NGOs) للتعبير عن أفكارهم في مواجهة آلة الدعاية النشطة التي تواصل تحريف الحقيقة.
وقال زاور جيوكوجيف (Zaur Dzeukozhev)، نائب رئيس الكونجرس الشركسي (Circassian Congress)، لمعهد صحافة الحرب والسلام (IWPR): ”لقد استعمرت الإمبراطورية الروسية أديغيا في سياق حرب دامية استمرت قرنًا من الزمان بين روسيا والقوقاز. ويُقر جميع المؤرخين الشرفاء بذلك، ونريد من السلطات الروسية أن تقول الحقيقة“. قال مراد برزيجوف، رئيس الكونجرس الشّركسي، ”من الخطأ الاحتفال بحدث لم يحدث من الناحية التاريخية. فلو انضممنا إلى روسيا طواعية، لما كانت الحرب الروسية–القوقازية في القرن التاسع عشر على شكل حرب تحرير شعبية، بل تمرد الشعب ضد قيصره. . . . هذه هي الطريقة التي يمكن لتاريخ واحد — مناسبة لا ينبغي الاحتفال بها — من تغيير تاريخ شعب، وتحويله من أبطال وأبطال للحرية إلى قُطَّاع طُرق“.770
منذ عام 2005، أصبحت عملية إحياء الذكرى الشركسية المتجددة عنصرًا أساسيًا في تعبئة المجتمع المدني الشركسي، واتخذت بشكل متزايد شكل تخليد ذكرى مضاد يستهدف التأريخ الرّسمي الروسي، والذي ينص اليوم على فهم الإدْماج الشركسي في الإمبراطورية الروسية على أنه طوعي. إن هذا لا يعارضه معظم الشركس فحسب، ولكن أيضًا مرفوض رفضًا قطعيًا من قبل معظم الأبحاث الدولية — بما في ذلك عدد من العلماء الروس — بشأن هذه القضية.771
ساهم المؤرخ الفرنسي بيير نورا (Pierre Nora) في النقاش حول دور الأقليات أو المجموعات العرقية فيما يتعلق بـ ”تحويل الذاكرة“ — عبر الإشارة إلى هذا النوع من عمليات تخليد الذكرى على أنها ”اتجاه متحرر“ وكجزء من ”دمقرطة التاريخ“. ويشير نورا إلي سببين رئيسيين وراء اندلاع الذاكرة هذا. السبب الأول هو تسارع التاريخ كما ينعكس هنا، على سبيل المثال، في الكتب الإعلامية والمتاحف والسياحة وإعادة التشريع التاريخي. وسبب ثان. . . ذات طبيعة اجتماعية، ووصفها ”باختصار، على أنّها ظهور كل تلك الأشكال من الذاكرة خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، مرتبطة بمجموعات الأقليات التي تعتبر إعادة تأهيل ماضيها جزءًا لا يتجزأ من إعادة تأكيد هويتها (Nora 2002, 5)“.772
على ما يبدو، لا تزال روسيا تتهرب من قبول المسؤولية عن الغزو والاحتلال والجرائم التي ارتكبتها القوات المسلحة للإمبراطورية الروسية ضد الشركس، وفقًا للأدلّة الدامغة. إن رفض الروس العنيد الاعتراف بالإبادة الجماعية التي لحقت بالشركس يقع في نطاق ليس فقط إنكار أفعالهم الخاطئة، بل أيضًا الكذب، الذي أغفل حقائق الحرب والاحتلال والعواقب المرتبطة بها والرغبة في إلزام الشركس بإحياء ذكرى انضمام طوعي لم يحدث قط!
قال بول غوبل: لكن في عام 1990، أعلن الشركس عبر شمال القوقاز أن الحادي والعشرين من مايو/أيّار هو يوم حداد وطني، وهو حدث أحيوه كل عام منذ ذلك الحين. لكن هذا العام، ليس فقط هناك المزيد والمزيد من الشراكسة هناك وفي جميع أنحاء العالم يُحْيون هذا التاريخ، بل إنهم يؤكدون أيضًا على جوانب مختلفة من معناه (https://www.kavkaz-uzel.eu/articles/136684/).773
ثُمّ أكمل،
وبغض النظر عن أي شك، سيشهد اليوم العديد من الملاحظات الحكيمة للشركس وأصدقائهم ومؤيديهم في جميع أنحاء العالم، لكن سيتعين عليهم قطع شوط طويل لتجاوز بلاغة واحدة قدمها بالفعل الأسبوع الماضي شخص شركسي غير معروف في جمهورية قباردينو– بلكاريا (www.runewsweek.ru/rubrics/?rubric=country&rid=2536). منذ العام الماضي، دأب المسؤولون المؤيدون لموسكو على وضع ملصقات تحمل أسطورة ”450 عامًا على إنضمام قباردينو – بلكاريا الطوعي إلى روسيا. معًا إلى الأبد!“ لكن شخصًا ما كان يشطب بشكل دوري عبارة ”الانضمام الطوعي معًا“ ويكتب بدلاً من ذلك 1785 – 1864“.774
إن احتفالات روسيا بما يسمى ”450 عامًا من الارتباط الطوعي للشركس مع روسيا“ إلى جانب الخطط الروسية وقرار اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) بعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، والتي تعتبر ”أرض الإبادة الجماعية“ أثار الغضب وعدم الرضا وعدم قبول الشركس، الأمر الذي أثبت حقيقة السياسات الروسية في تجاهل القضايا الحقيقية المتعلقة بحل المشاكل والخلافات التي حدثت في الماضي وحتى الوقت الحاضر. أظهر هذا الميْل أن الجانب الآخر يتعمق أكثر في عدم احترام المقابر الشركسية لأولئك الذين لقوا حتفهم أثناء الدفاع عن وطنهم الأم ومناطق المحمية الطبيعية الفريدة في منطقة سوتشي الكبرى التي كانت محمية بموجب القانون الروسي ومُنظمة الأمم المتحدة للتعليم، والعلم، والثقافة {اليونسكو} (UNESCO).
وقد أظهر الشركس رفضهم المشاركة في مثل هذه الاحتفالات.
وكانت المظاهرة الأولى قد أقيمت أمام القنصلية الروسية في مدينة نيويورك، حيث كان المتظاهرون يحملون شعارات ولافتات وأعلام شركيسيا، احتجاجًا على الكذبة الروسية الكبرى لما يسمى 450 عامًا من الارتباط الطّوعي مع روسيا، وهو ما اعتبره المتظاهرون الذين مثلوا غالبية الشركس الذين يعيشون في الولايات المتحدة على أن ذلك مثير للاشمئزاز، وبغيض، وغير مقبول وساذج، ولن يصدقهم بشأنه إلا الجاهلين والذين يفتقرون إلى التسامح واتساع الرؤية.775
وقد أوضح تقرير بعنوان الشركس والتاريخ والعلاقات الثقافية موضوع الادعاءات الكاذبة بالكامل، وهو مذكور في الآتي:
في القرن السادس عشر، أقامت إحدى العائلات القباردية النبيلة، كيميروقيو (Kemirgoquo) (بالروسية: Temryuk)، علاقات وثيقة مع البلاط الروسي {أصل عائلة شركاسكي (Cherkasski)}، لم يرَ الشركس هذا التحالف على أنه تصرف بالخضوع. ومع ذلك، عندما جلبت الطموحات الإمبراطورية القيصرية القوات الروسية إلى القوقاز وأصبحت متأهِّبة في وقت متأخر من القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، لم يبد القباردي مقاومة طويلة، بينما قاتل أقاربهم في الغرب — في البداية بدعم من العثمانيين ثم بشكل مستقل — حتى عام 1864. -776
تثبت الأدلة بما لا يدع مجالاً للشك أنه لم يكن هناك مطلقًا أي اتفاق أو معاهدة من قبل غالبية الشركس لقبول أو التعاون بشأن الانضمام الطوعي الشركسي إلى روسيا على هذا النحو. إن القضية المشروعة هي أنه بافتراض وجود ما يسمى ارتباط طوعي مع روسيا لمدة 450 عامًا كما ينص الادعاء، فلماذا كل الحروب التي شنتها روسيا ضد شركيسيا والشركس مع حقيقة أن الحرب الأخيرة استمرت 101 عامًا؟
يتبع…