حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
15 فبراير/شباط 2022
اللغة والثقافة وتكنولوجيا المعلومات
الفصل السابع
الوضع العام
نظرًا لكون شركيسيا جزءًا لا يتجزأ من شعوب وأمم شمال القوقاز، فقد جعلها محور الطموحات الاستعمارية والتوسعية عبر العصور، حيث يشكل الشركس حضارة فريدة من نوعها لا يقل عمرها عن خمسة آلاف عام. لقد تمكنوا عبر القرون من الاستقرار في وطنهم والحفاظ على حضارتهم وثقافتهم ولغتهم، مما جعلهم أمة قادرة على البقاء رغم كل العقبات والظروف التي واجهتهم.
هذا مكن الشركس من التكيف مع جميع أنواع المواقف الصعبة والحفاظ على هويتهم القوميّة والثقافية على الرغم من كل الصعاب، سواء كان ذلك في وطنهم أو في المنفى. عند معالجة القضيّة الشركسية بكل تفاصيلها، من المهم إدراك الظروف والعوامل المختلفة التي أثرت فيها واستمرت في التأثير عليها مع جميع التطورات المرتبطة بها. فالثقافة والتعليم مهمان لمستقبل الشركس.
تعتبر اللغة مكونًا رئيسيًا للهوية القومية والعناصر الأساسية لثقافة أي شعب أو أمة. لذلك، ينبغي إلقاء نظرة فاحصة على الاستنتاج الذي تم التوصل إليه فيما يتعلق بحالة لغة الأديغه، والتي يبدو أنها في طريقها إلى الانقراض. ويرجع ذلك إلى عدم وجود برامج مؤسّسية جادّة أو جهود لوقف الانحدار الذي قد يؤدي في النهاية إلى إبادة اللغة والقضاء التام عليها. يجب ألا يقلل الوضع من شأن حقيقة أن 90٪ من تعداد سكان الأمة الشركسية يقيمون في الشّتات.
يتم استخدام اللغة الأم بشكل غير مستمر، وهناك 10 في المائة فقط من إجمالي التعداد السكاني من الذين يقيمون في الوطن في شمال القوقاز في ست مناطق (جيوب)، بما في ذلك ثلاث جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي؛ لكن لسوء الحظ، لا يتم وضع لغة الأديغه (Adygha) في مستوى اللغة الرئيسية سواء للاستخدام التعليمي أو الرسمي، حيث أن اللغة الروسية هي اللغة الرسمية ويجب استخدامها وفقًا للقواعد واللوائح المعمول بها في جميع مناحي الحياة.
التراث الإنساني الثمين هو أحد أعمدة الحضارة الشركسية التي ترسخ التوافق مع الواقع وتبرز الهوية القومية والوطنية وملامحها بينما يتم تداولها وتناقلها عبر الأجيال وعلى مر السنين مثل التقاليد والعادات والعلوم والأدب. التي ترتبط بالفروسية وركوب الخيل والملاحم الأدبية والشعر والعادات والتقاليد الشعبية والحكايات والقصص والحرف اليدوية والمهارات والمعرفة الشعبية والفنون الجميلة والفولكلور والموسيقى. هذا يربط الأمة بالدروس وبالأسلوب الذي تم فهمه وإدراكه منذ الماضي، ليتم نقله إلى الأجيال الشابة الحالية والمستقبلية.
يعتبر الشركس على وشك الانقراض. لم يتم ذكر مشاكلهم إلا قليلاً، على الرغم من الألم الهائل والمعاناة التي كان عليهم تكبدها وتحملها عندما تعرض وطنهم الأصلي في شمال القوقاز للهجوم وأصبح محفوفًا بالمخاطر. تم تفريق معظمهم بعد ترحيلهم إلى المنفى بالقوة، خارج بيوتهم وأراضيهم، ليتم فرزهم في ذلك الوقت، وتوزيعهم عبر الشرق الأدنى، وبالتالي تشتتوا في بعض أجزاء الإمبراطورية العثمانية.
عندما تم تهجيرهم واستقرارهم في مكان آخر، لم يتمكنوا في كثير من الأحيان من استخدام لغتهم الأصلية أو التحدث بها بسبب الظروف غير الملائمة، والأحوال المختلفة وغير العادية، وفي أوقات معيّنة تم التمييز ضدهم بطرق عديدة. كان الشركس الذين عاشوا في المناطق الروسية يتبددون ويختفون تدريجياً في مجتمع يتحدث اللغة الروسية، وحتى ثقافتهم وهويتهم لم تتمتع بالحماية إلّا بشكل ضئيل.
ومع ذلك، لم تتخذ الحكومة الروسية والسلطات الإقليمية أي تدابير لمساعدتهم أو لحماية حقوقهم الإنسانية الأساسية ومتطلباتهم الثقافية. كان على الحكومة الروسية التزامًا وفقًا للقانون الذي وضعه الروس أنفسهم — لمساعدة الشركس، كونهم إحدى عشرات الأقليات، والتعاون في هذا الشأن مع الجمعيات التي تمثل السكان الشركس والسماح لأولئك الذين تم ترحيلهم منذ أكثر من 150 عامًا بالعودة إلى وطنهم الأصلي.
وفي حدثٍ مستوحى من الواقع، نشرت جمعية ”نافنا“ (خابزه) في مايكوب مقالاً بعنوان ”للحجر ذاكرة يفتقدها الناس“، في انتقاد للوضع العام والمرحلة التي وصلت إليها القضية القوميّة الشّركسيّة.802
سر المقال وتساءل عن عدم الاهتمام بالقضايا الملحة للشركس، وذكر موضوع إقامة نصب تذكاري للضحايا ”تكريما لمائة ألف شخص، يعيشون هناك، قاموا بحماية الوطن الأصلي. فقد كانوا من نسل الشركس المعروفين المتواجدين في جميع أنحاء العالم والذين أوجدوا الحضارة الشركسية منذ قرون عديدة“.803
وتساءل المحرر عن الطريقة التي تفكر بها السلطات وتقترحها: ”من يستطيع أن يقول، ما يفكر فيه، عندما لا تتطابق {أفكارهم}، حتى أنها غير ملائمة تمامًا لما يفكر فيه الناس؟“ ناقش عدم اهتمام المسؤولين والمرشحين: ”تذكر الانتخابات الأخيرة: لم يصرح أي مرشح عن المجلس الأعلى، خاسه، في برنامجه بأي تصريح يتعلق بمشاكل بقاء الأديغه والحفاظ على لغتهم وثقافتهم. وليس حول مشاكل الروس“.804
جعلت الظروف ومحاولات الغزو المتكررة، وخاصة الحرب الروسية–الشركسية الطاحنة (1763 – 1864)، من الصعب الحفاظ على عناصر التراث الثقافي والوطني للشركس بسبب خصوصيات الحرب وفرض سياسات الإمبراطورية الروسية. في كثير من الأحيان تم تدمير هذه العناصر، أو سرقتها من قبل القوات الغازية ومرتزقتها، أو مصادرتها لنقلها إلى سانت بطرسبورغ كرموز تذكاريّة، ليتم الاحتفاظ بها في القصور والمتاحف.
تم العبث بالأشياء والمواد المصادرة من قبل الإدارات والأنظمة الروسية المتعاقبة لجعلها تفقد أهميتها وقيمتها التاريخية؛ وهي التي ساهمت في تدمير ركائز المجتمع الشركسي، والثقافة، والحياة الاجتماعية المدنية، والاقتصاد، والبنية السياسية.
أمة معذّبة تتعرض إلى إجراءات صارمة!
بعد ثلاث سنوات من نهاية حرب المائة عام، وتحديدًا في عام 1867، وصلت أول بعثة استكشافية لأكاديمية العلوم الرّوسية إلى شركيسيا، والتي كانت بحلول ذلك الوقت خالية تمامًا من السكان. كان للحفريات التي أجريت نتائج مذهلة. اكتشف علماء البيئة أمثلة لا تصدق وقيِّمة للغاية لثقافة قديمة. استمرت الحفريات لمدة 140 عامًا. تم العثور على عشرات الآلاف من القطع الأثرية على مدار 140 عامًا وتم إرسالها وهي الآن موجودة في متاحف مختلفة في موسكو وسانت بطرسبورغ.
وخلال الحقبة السوفيتية، كان على الأشخاص الذين شاركوا في الثقافة والتراث الشركسي أن يواجهوا نهايات غير سارة.
لا يحق لأيٍ من المعاهد الثقافية في ثلاث جمهوريات هي قباردينو – بلكاريا، وكراشيفو – شركيسيا، وأديغيا القيام بعمل مستقل بشأن هذه الكنوز. لكن مرة أخرى، يعود هذا الحق إلى الوكالات الثقافية في مقاطعتي ستافروبول (Stavropol) وكراسنودار (Krasnodar). فقد تم تدمير الميراث الثقافي للأديغه باستمرار خلال عهد ستالين. أحد الأمثلة: في عام 1937، وفي نفس الوقت في جميع الجمهوريات الثلاث، تم اعتقال حوالي خمسين عالمًا من علماء الأديغه. هؤلاء اللغويين والمؤرخين وأخصائيي الفلكلور والشعراء،حيث تم قتلهم على الفور رميًا بالرصاص. وتم تدمير وحرق جميع المحفوظات والأرشيفات التي كانت لديهم. كان من بين الذين تم إطلاق النار عليهم مجموعة من العلماء الذين جمعوا لأول مرة ملحمة الأمة الشركسية. ومن بين الوثائق التي تم إحراقها واتلافها، 20000 من الأشعار والأقوال والأمثال والقصائد الأخلاقية للشركس كان قد تم جمعها، وذلك في ثلاثينيات القرن الماضي، ولا يمكن استعادة تلك الخسائر الفادحة.806
لقد جدّ تطور حديث في السابع عشر من مارس/آذار 2016، عندما قامت مجموعة من النشطاء الشركس من جمهوريتي كراشيفو – شركيسيا وقباردينو – بلكاريا ”بالتعبير عن اقتراح لإنشاء منظمة أقليمية موحدة للمشاركة في حماية وتنمية ثقافة الشعب الشركسي.807
يتبع…