سيناريو الإحتلال والإخضاع القهري

سيناريو الإحتلال والإخضاع القهري

عادل بشقوي

27 فبراير/شباط 2022

Max Avdeev for BuzzFeed News
Max Avdeev for BuzzFeed News

المقدمة

ان ما يحدث حاليا في القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا في اوكرانيا، الدولة الأوروبّيّة العضو في الأمم المتحدة، ما هو الا تكملة لمسلسل تقويض الحكومات الوطنية. الذي يتناقض مع رغبة المواطنين الذين انتخبوها. وهذه تعتبر عمليات غزو واجتياح سافرة تقوم بها قوى خارجية طاغية تطمع بأوطان الغير، لتحاكي انتهاكات حدثت في الماضي.

لا بد وان طال الزمن ومن منطلق المحافظة على حق تقرير المصير في الحرية والاستقلال واختيار المستقبل الذي يناسب الشعوب المضطهدة، أن يتمتع بها جميع البشر، ذلك وفقا للقوانين والاعراف الدولية ذات الصلة، ووفقًا للمشروعية المعتمدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تشمل  الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية.

وبما ان الشيء بالشيء يذكر، فانه من المناسب في هذا المجال ذكر بعض الأحداث المشابهة التي حدثت في الماضي بعد الحرب العالمية الثانية. وينبغي الاشارة هنا الى ان تلك المخالفات والانتهاكات كان لها تاثيرات ايجابية على تلك الشعوب وحتى امتدت النتائج الايجابية لتشمل مناطق ودول اخرى. فالأمر اللافت الذي يعرفه الجميع هو ان النظام السوفياتي البائد قضى على نفسه نتيجة لاعماله الشريرة ضد الشعوب المستضعفة والآثار السلبية المرافقة لها. وينطبق عليه المثل المشهور: ”جنت على نفسها براقش“.

الثورة المجرية 1956: لم تكن سيطرة الإتحاد السوفياتي، التي لم تدم طويلًا (69 عامًا) على أنظمة وحكومات الدول التي اصبحت جزءًا من جمهوريات الإتحاد السوفياتي، والدول ذات النظام الاشتراكي و/او الشيوعي، سوى فترة مثيرة للرعب من تاريخ شعوب هذه البلدان التي قاستْ الامرّين من مضايقات الاستخبارات الروسية (KGB) وخاصة في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين (Joseph Stalin)، ومنها ما أُطْلِقَ عليها في حينه، كتلة دول اوروبا الشّرقيّة.

THIS DAY IN HISTORY
THIS DAY IN HISTORY

انتفاضة وطنية عفوية بدأت قبل 12 يومًا (من هذا التاريخ) في المجر (هنغاريا)، وتم سحقها بوحشية من قبل الدبابات والقوات السوفيتية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1956. قُتل وجُرح الآلاف وفر ما يقرب من ربع مليون مجري إلى خارج البلاد. بدأت المشاكل في المجر في أكتوبر/تشرين الأول 1956، عندما خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع مطالبين بنظام سياسي أكثر ديمقراطية والتحرر من القمع السوفيتي“. دفعت تلك المظاهرات السلطات الى التهدئة والعمل على التخطيط للتخلص من السياسيين الوطنيين والمنادين بالاصلاح، في الوقت المناسب.

رداً على ذلك، قام مسؤولو الحزب الشيوعي بتعيين إمري ناجي (Imre Nagy)، رئيس الوزراء السابق الذي تم فصله من الحزب بسبب انتقاداته للسياسات الستالينية، كرئيس وزراء جديد. حاول ناجي استعادة السلام وطلب من السوفييت سحب قواتهم. فعل السوفييت ذلك، لكن حاول ناجي بعد ذلك دفع الثورة المجرية إلى الأمام بإلغاء حكم الحزب الواحد. كما أعلن أن المجر تنسحب من حلف وارسو (الكتلة السوفيتية المكافئة لحلف شمال الأطلسي). في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 توغلت الدبابات السوفيتية في بودابست لسحق الانتفاضة الوطنية بشكل نهائي. واندلع قتال شرس في الشوارع، لكن القوة العظمى للسوفييت ضمنت النصر“. [1]

ربيع براغ 1968: في عام 1968، اجتاحت الدبابات السوفيتية مدينة براغ عاصمة شيكوسلوفاكيا واحتلتها، وبالتالي السيطرة على الدولة باكملها، وهي احدى دول أوروبا الشرقية سابقا، والتي كانت عمليا تخضع لسيطرة الإتحاد السُّوفياتي المباشرة. وقد تم ذلك لإجهاض الاصلاحات التي ارادت بعض القوى الوطنية تفعيل النظام الديمقراطي بها، ما تسبب في التدخل السوفييتي الإستبدادي لإحكام القبضة الحديدية و للابقاء على دكتاتورية الحزب الشيوعي. وكانت مثل هذه التصرفات امتدادا لسياسة الستار الحديدي التي جعلت قتل الناس بدم بارد على أسوار جدار برلين الفاصل حينها بين الشرق والغرب امرا طبيعيا.

فكانت النتائج المستقبلية الواعدة قد تحققت بعد ان انطلقت هذه الشرارة وحافظت على إبقاء شعلة الحرية والتخلص من الهيمنة السوفياتية. فلم يكن ممكنا آنذاك اظهار وجه انساني للقوى الحاكمة. حيث قامبغزو شيكوسلوفاكيا 600000 جندي من قوات حلف وارسو. لم تكن براغ حريصة على إفساح المجال، لكن مقاومة الطلاب المتناثرة لم تكن لتضاهي قوة الدبابات السوفيتية“. [2]

حرب الشيشان الأولى: لم يكتفِ الروس بما اقترفوه من تجاوزات وتعديات ضد شعوب وأمم منطقة القفقاس في العهد الإمبراطوري، وبعده العهد السوفياتي. بل واستمر نفس النهج لاثبات الحقيقة الدامغة ومفادها تطبيق نفس الأساليب والثبات على نفس السياسات العنصرية  والاستعمارية. فقد أظهروا على الملأ بوضوح ولكل من كان عندة شك بما نُقِلَ او قِيلَ عن حقيقة جرائمهم في الماضي المرير المؤلم.

Grozny after the War By: Twitter
Grozny after the War By: Twitter

لم يبدأ الأمر على أنه غزو، بل بمثابة تعثر في الوحل والثلج من قبل المجندين الروس الخائفين الذين يعانون من سوء التغذية، وفلول المخلّفات المجوّفة لقوة كانت قبل تفكك الاتحاد السوفياتي، أي فقط قبل ثلاث سنوات، الجيش الأحمر العظيم. لكن القوات الروسية التي تقدمت من ثلاثة اتجاهات إلى منطقة الشيشان المتمردة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1994، فحملت قوى غيرت التاريخ وأعادت تشكيل روسيا والعالم منذ ذلك الحين. كان الهجوم الروسي، في البداية يتصف بحالة من الفوضى المذهلة، لكن بعد ذلك وبشكل متزايد، منظم ووحشي، حيث لم يشر فقط إلى بداية الحرب الشيشانية الأولىوهو صراع لا يرحم أودى بحياة عشرات الآلاف من الناس، معظمهم من المدنيينلكن أيضًا إلى نهاية الحلم الليبرالي لروسيا“. [3]

حرب الشيشان الثانية: في النصف الثاني من عام 1999، تم تهيئة جو من التناقضات بين الأقوال والأفعال الذي قامت السلطات الروسية بِإعداده وبلورته. غير أنّهُم  قاموا بتوجيه اللوم الى بعض القوى المتواجدة في الشيشان. وبالتالي تكريس هذا الواقع على الساحة الشيشانية. وكان ذلك لتوفير الاسباب والدوافع التي سيقت ونُشِرت في وسائل الإعلام. لقد أوجدوا أسبابًا موجبة لشن الحرب الروسيّةالشيشانية الثانية، مِمّا تسبّب في انتشار الدمار في كافّة أنحاء الشيشان.

يجب البحث عن السبب الرئيسي للحرب الشيشانية الثانية في سمات خاصة للمشهد السياسي الروسي الحالي. كانت الحرب الأولى ضرورية لإعادة انتخاب الرئيس يلتسين. هذه الحرب ضرورية لرفع مكانة رئيس الوزراء (حينئذٍ)، فلاديمير بوتين، في استطلاعات الرأي، الذي أيّده الرئيس يلتسين علنًا ليكون خليفته المختار. وبالنسبة للجيش الروسي، تعتبر الحرب جذابة لأنها تمنح الجنرالات فرصة للانتقام من الهزائم التي لحقت بهم في الحرب الأفغانية وفي حرب الشيشان الأولى (1994 – 1996). وهم يعتقدون أن البيريسترويكا وغورباتشوف حالا دون انتصارهم في أفغانستان، كذلك تألّفت الأسباب في الشيشان من: ألكسندر ليبيد، والصحافة الحرة في روسيا، والرأي العام“. [4]

الحرب الروسيةالجورجية 2008: في أغسطس/آب 2008،شنت القوات الروسية هجومًا في أوسيتيا الجنوبية وواصلت طريقها إلى ما وراء حدودها نحو غوري، وهي بلدة في وسط جورجيا. كما أنهم يتجهون جنوب الحدود الأبخازيةالجورجية في الغرب، بينما يفرض أسطول البحر الأسود الروسي طوقًا بحريًا يمنع الوصول إلى الساحل الجورجي بما في ذلك ساحل بوتي (Poti) … ويقدر تقرير لاحق صادر عن الاتحاد الأوروبي أن 850 شخصًا قتلوا في الصراع، بما في ذلك 365 من سكان أوسيتيا الجنوبية، و 170 جنديًا من جورجيا، و 65 جنديًا روسيًا، وأن أكثر من 100000 شخص أُجبروا على ترك منازلهم“. [5]

IWPR Georgia
IWPR Georgia

الأزمة في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا 2014:حاصرت مجموعات من الرجال المسلحين الذين يفتقر زيهم العسكري إلى أي علامات تعريف أو تمييز واضحة للمطارات في سيمفيروبول وسيفاستوبول. احتل مسلحون ملثمون مبنى برلمان القرم ورفعوا عليه العلم الروسي، حيث رفض المشرعون المؤيدون لروسيا الحكومة القائمة وعينوا سيرغي أكسيونوف، زعيم حزب الوحدة الروسي، رئيسًا لوزراء القرم. تم قطع روابط الصوت والبيانات بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، واعترفت السلطات الروسية بأنها نقلت قواتها إلى المنطقةفي 6 مارس/اذار، صوّت برلمان القرم للانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى الفيدرالية الروسية“.

علاوة على ذلك، كان شرق أوكرانيا ميدان عمليات. في عام 2014  تم اتخاذ خطوات أخرى في مشهد استيلاء آخر، من أجل اقتطاع المزيد من الأراضي من شرق أوكرانيا. ”في أوائل أبريل/نيسان (2014)، كشف إيجاز صحفي لحلف الناتو عن وجود ما يقدر بنحو 40.000 جندي روسي، محتشدين في حالة استعداد عالية، عبر الحدود الأوكرانية. بعد ذلك، اقتحم مسلحون مدججون بالسلاح موالون لروسيا المباني الحكومية في مدن شرق أوكرانيا في دونيتسك ولوهانسك وهورليفكا وكراماتورسك. في خاركيف، استولت مجموعة من المسلحين المحليين ظاهريًا عن طريق الخطأ على دار أوبرا، معتقدين أنها دار البلدية. كما كان الحال في شبه جزيرة القرم، وتم تنفيذ عدد من عمليات الاستحواذ هذه من قبل رجال بمعدات روسية، يرتدون زيًا رسميًا لا يحمل أي شارات، ويتصرفون وفقًا للضبط والربط العسكري. في مدينة سلوفيانسك في حوض نهر دونيتس، اندلعت معركة بالأسلحة النارية حيث احتل رجال الميليشيات الموالية لروسيا المباني وأقاموا حواجز على الطرق“. [6]

Britannica
Britannica

متفرقات: العمليات العسكرية الروسية في سوريا منذ عام 2015، ساعدت النظام على البقاء على قيد الحياة والنجاة منالحرب الأهلية الذي فاجأ الكثيرين وأثار تساؤلات حول إمكانية القيام بأعمال مماثلة في صراعات أخرى خارج أوراسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي. يقيّم مؤلفو هذا التقرير أين وتحت أي ظروف يمكن أن تتدخل موسكو مرة أخرى من خلال تحليل العوامل التي تدفع عملية اتخاذ القرار الروسي بشأن التدخل. بالإضافة إلى تدخل عام 2015 في سوريا، قاموا ببحث أربعة تدخلات على نطاق أضيق في صراعات خارج الجوار المباشر لروسيا: مثل ليبيا واليمن وأفغانستان وسوريا نفسها قبل عام 2015“. [7]

مجموعة فاغنر: تعتبر هذه المجموعة المسلحة، فئة مهمة ولها بالفعل سمعة التدخل في النزاعات المسلحة في العديد من البلدان. فعلى الرغم من النفي الرسمي الروسي، هناك اتهامات، بما في ذلك من الاتحاد الأوروبي، بوجود صلات بين فاغنر والكرملين. ويقول المحللون إن هذه العلاقات مكّنت عملاء فاغنر المسلحين من بدء العمل في جمهورية إفريقيا الوسطى بعد توقيع الاتفاق مع روسيا“.

تواجه المجموعة المشاكل نتيجة لتصرفات أعضائها، وكذلك بسبب سياسات الدول المختلفة، وكذلك علاقتها بسياسة الدولة الروسية، وهي المالك والمشغل لهذه الشركة. وتقول الأمم المتحدة وكذلك الفرنسيين: ”قام عملاء فاغنر، وكذلك القوات الحكومية، باغتصاب وسرقة المدنيين العُزَّل في المناطق الريفية بالبلاد. وفي تقرير صدر في أغسطس (2021) حول انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية إفريقيا الوسطى، وثقت الأمم المتحدة أكثر من 500 حادثة في العام اعتبارًا من يوليو/تموز 2020. ومن بين تلك الحوادث، القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والعنف الجنسي“. [8]

BBC / Last month, a monument to the Russian military was erected in CAR's capital, Bangui BBC / Last month, a monument to the Russian military was erected in CAR's capital, Bangui
BBC / Last month, a monument to the Russian military was erected in CAR’s capital, Bangui

ويجب ذكر مشاركة فاغنر في الحرب الأهلية الحالية في ليبيا. حيث يتم تجنيد مرتزقة من دول مختلفة للقيام بمهام قتالية باستخدام جميع أنواع الأسلحة. [9]

Daily Sabah / Syrian militia are seen standing in front of a Wagner soldier in Syria, in this undated photo provided by security sources.
Daily Sabah / Syrian militia are seen standing in front of a Wagner soldier in Syria, in this undated photo provided by security sources.

الخاتمة

لا يسعنا سوى ان نامل في ان يتم ايقاف هذه الحرب المجنونة، التي لن يكسب من استمرارها سوى المروجين لها وكل الطامعين بأوطان جيرانهم. ”أن تكون حراً لا يعني مجرد التخلص من سلاسلك، بل العيش بطريقة تحترم وتعزز حياة الآخرين“. — نلسون مانديلا

*****************

المراجع

[1] https://www.history.com/this-day-in-history/soviets-put-brutal-end-to-hungarian-revolution

[2] https://www.history.com/this-day-in-history/prague-spring-begins-in-czechoslovakia

[3] https://www.nytimes.com/2019/12/10/world/europe/photos-chechen-war-russia.html

[4] https://reliefweb.int/report/russian-federation/second-chechen-war

[5] https://iwpr.net/global-voices/august-2008-russian-georgian-war-timeline

[6] https://www.britannica.com/place/Ukraine/The-crisis-in-Crimea-and-eastern-Ukraine

[7] https://www.rand.org/pubs/research_reports/RR3180.html

[8] https://www.bbc.com/news/world-africa-59699350

[9] https://www.dailysabah.com/world/africa/russian-wagner-group-to-send-300-syrian-fighters-to-libya

Share Button

اترك تعليقاً