ذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار / إحياء ذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


11 مارس/آذار 2022

الفصل الثّامن

ذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار

PHOTO-2022-03-10-22-09-47

التاريخ هو سجل لسلسلة الأحداث الماضية التي تتعلق بالأفراد والأمم. وتتم دراسة الحقائق والإجراءات التاريخية وتقييمها ومعالجتها للتخطيط والاختبار فيما يتعلق باختيار الخطوات اللازمة التي يجب اتخاذها من قبل أولئك الذين يتحملون المسؤولية البشرية والمثابرة من أجل استمرار التغيير الإيجابي في المجتمع في الحاضر والمستقبل، وذلك اعتمادًا على نتائج الأخطار التي طالت الحياة والتقدم والنهوض بالمجتمع والأمة.

يُنسب إحياء ذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار، أو غيرها من الأحداث الهامة دائمًا، إلى ذكرى ضحايا شركيسيا والقوقاز ويتضرع إلى النفوس والأرواح المقدسة أن ترقد في سلام إلى الأبد، ولكل أولئك الذين قاتلوا في الكفاح من أجل الدفاع عن الوطن بالسلاح الشخصي ضد جيش جيد التجهيز من المجرمين والمرتزقة. لم يكن لدى المدنيين أي وسيلة للدفاع عن النفس، لكن كان عليهم أن يواجهوا مصيرهم الحتمي المتمثل في الجوع، والتعرض لظروف مناخية قاسية، والإصابة بأمراض معدية، والقتل، أو تم الضغط عليهم من أجل التهجير والترحيل.

يتم إحياء الذكرى السنوية من قبل الشركس لتذكر ضحايا الإبادة الجماعية: ”في الحادي والعشرين من مايو/أيار من كل عام ، يتجمع العديد من الناس أمام القنصليات الروسية للاحتجاج، مع التنظيم الفاعل للاعتراض على موضوع الإبادة الجماعية“.872

حدثت العديد من التطورات الإيجابية والسلبية خلال السنوات الماضية، حيث أن الإحياء السنوي ليوم الحادي والعشرين من مايو/أيار من كل عام يذكرنا بالكارثة الشركسية الكبرى التي حلّت بالأمة الشركسية، والتي تذكر بالألم والكارثة التي عانى منها الشعب الشركسي. لقد دافعوا عن وطنهم وهويتهم وبقائهم عندما كان عليهم خوض حرب شرسة دفاعية ضد الغزاة الإمبرياليين الروس لمدة 101 عام. لقد شمل ذلك الاحتلال الكامل بينما ارتكبت القوات الروسية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والدمار الشامل، تلاه تهجير 90 في المائة من الشعب، وهو ما يمكن وصفه بالهجرة القسرية الكبرى نحو المنفى في الإمبراطورية العثمانية ثم التّشتُّت في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم.

لقد حدّد الشركس يوم للذكرى.

قرّر القوقازيون في شمالغرب القوقاز يوم 21 مايو/أيار يومًا للحداد الوطني، إحياءً لذكرى مأساة الأمة. تقام مناسبات إحياء الذكرى من قبل كافة المجتمعات في القوقاز والشتات. بالإضافة إلى ذلك، أقيم نصب تذكاري للشهداء والمُهجّرين في حديقة الحرية في نالتشيك بالقرب من تمثال الحكيم الشركسي جباغ قيزينوقوا (Zhebaghi Qezenoqwe). في هذا التاريخ من عام 1914، احتفلت روسيا القيصرية بالذكرى الخمسين لانتهاء الحرب رسميَا، معتبرةً إياها أحد أعظم انتصاراتها الوطنية. لكن في تناقض صارخ، كان على الشركس غير المحظوظين أن ينتظروا 70 سنة أخرى لإحياء المناسبة الكئيبة.873

لا يمكن مقارنة أي حدث بسابقه. أظهرت الفروق بين إحياء ذكرى يوم الذكرى الشركسية المتتالية تحسناً في عدد المشاركين والأنشطة التي تمارس مقارنة بالسنوات السابقة. وقد لاحظ جميع المراقبين الاختلافات والتطورات الإيجابية بينما يسود المزيد من الوعي والقلق وأصبح المزيد من الناس يدركون بشكل متزايد محنة الشركس بسبب المعلومات المتاحة المنشورة في الكتب والوسائل الأخرى، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي.

إن التجمع الذي يقام في الحادي والعشرين من مايو/أيار في ذكرى ذات مغزى هو لإبداء الإعجاب والاحترام لجميع أولئك الذين لقوا حتفهم كضحايا لعدوان محدد سلفًا كان له نوايا وأفعال استعمارية وإمبريالية من خلال تنفيذ توجيهاتهم، مما أدى إلى خلق تأثيرات كارثية على شركيسيا كدولة بارزة في شمال القوقاز، بكل ما يعنيه هذا التعبير ويشير إليه.

لهذه المناسبة المؤلمة في تاريخ الشركس وشعوب شمال القوقاز والبشرية على حد سواء وللأسف أنواع مختلفة من إحياء الذكرى من قبل الأفراد والمواطنين ونشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة إلى المسؤولين والوكلاء والدمى الذين لهم اتجاهات مختلفة، من طموحات ورغبات وأجندات للاحتفال بهذا اليوم لتذكر البشر الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والترحيل القسري والتطهير العرقي والفصل العنصري والإجراءات خارج نطاق القضاء والتعذيب والاغتصاب والاختطاف بهذه المآسي؛ إلى جانب تدمير كل مقومات وعناصر ومكونات الوطن.

منذ عام 2005، أصبحت عملية إحياء الذكرى الشركسية المتجددة عنصرًا أساسيًا في تعبئة المجتمع المدني الشركسي، واتخذت بشكل متزايد شكل تخليد الذكرى الذي يستهدف التأريخ الرسمي لروسيا، والذي يصف اليوم فهماً لإدماج الشركس في روسيا الإستعمارية على أنه طوعي. هذا لا يعارضه معظم الشركس فحسب، بل ترفضه عمومًا معظم الأبحاث العالميةبما في ذلك عدد من العلماء الروسحول هذه القضية تحديدًا.874

أظهر أسلوب العمل الأحادي الجانب بأن أجندة التشغيل الروسية تحاول تجاهل الحقائق والأرقام قدر الإمكان: ”العمل على مبدأ أنه إذا لم يكن هناك إشهار أو إعلام، فلا توجد مشكلة، حيث سعى مكتب الأمن الفيدرالي إلى تقليص ذلك إلى الحد الأدنى في تغطية القضية الشركسية في كل من روسيا وخارجها، وهي جهود تعكس مخاوف موسكو بشأنها وتشير للأسف إلى المزيد من المشاكل في شمال القوقاز“.875

ذكر مقال بول غوبل بعنوانخدمات جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) تسعى لقمع تغطية الشّأن الشركسيما يلي:

في الخارج، كما يشير، فإن خدمات جهاز الأمن الفيدرالي الروسيتعمل بين الشتات الشركسي، وحث قادتها على عدم إثارة القضية خشية تدهور وضع عرقيتهم داخل الفيدرالية الروسية، وهي استراتيجية كلاسيكية من الحقبة السوفيتية تعود جذورها إلى الماضي. إن عمليات مكافحة التجسس السرية (ترست) {Trust} التي نظّمها فليكس دزيرجينسكي (Feliks Dzerzhinsky) تحت رعاية لينين للعمل ضد الهجرة الروسية الأولى. في حين أن جهاز الأمن الفيدرالي قد حقق بعض النجاح بين الجيل الأكبر سنًا، إلا أن جهوده أثبتت أنهاانتصار باهظ الثمنعلى الأكثر، لأن آخرين في الشتات وخاصة أعضائه الأصغر سنًا يدركون أن أجهزة الأمن الروسية لن تبذل هذه الجهود إن لم تكن مذعورة.876

هذه الذكرى تربط الشركس، سواء في شمال القوقاز أو في الشتات، للتأكيد بأنهم لن ينسوا وطنهم أبدًا، طالما أن لديهم شرايين تنبض وجفون تغمض. ويؤكدون أيضًا أن وطنهم الأصلي له مودة خاصة لديهم بقدر ما يحترمون ويُقدِّرون أجدادهم الشجعان الذين ضحّوا بالغالي والنفيس وبالدماء والعرق والدموع. فدفعتهم الكرامة إلى عدم الاستسلام بسهولة، بينما رفضوا الاستسلام لعشرات السنين، لكن للأسف أسفر ذلك عن احتلال روسي بغيض.

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً