آن للعالم المتحضر أن يستوعب الدرس
عادل بشقوي
14 مارس/آذار 2022
من الضروري أن نبدأ مباشرة بالموضوع الأكثر أهمية في هذه الأيام الحزينة من حرب باهظة الثمن، وغير متكافئة، وغير عادلة يتعرض فيها الشعب الأوكراني وحق الدولة الأوكرانية في الاستمرار لخطر وشيك. ومما لا شك فيه أن حدتها لن تنحسر دون وجود الإرادة القوية للشعب الأوكراني لمواجهة محاولات تصفية هذه الدولة الطموحة والمبدعة والمزدهرة التي انبثقت عن الاتحاد السوفياتي المنهار في تسعينيات القرن الماضي حيث ترشح الآن محاولات شريرة تبذل للقضاء عليها ككيان، وفق العنجهية الاستعمارية المعروفة.
ولا بد من الاشارة هنا الى القوات الأوكرانية المدافعة عن وطنها وبالتعاون مع المتطوعين الأوكرانيين، لأن بلادهم أصبحت موضع جشع لا حدود له. وهذا يعتمد على دعم العالم المتحضر للدفاع عن الوجود وحق اختيار الشعب الأوكراني ودولته في اتباع السياسة التي تضمن لها حريتها واستقلالها واختيار التوجه الدولي والنظام السياسي الذي يناسبها. فالحرب باختصار، هي أزمة مصطنعة ضد شعب ذنبه أن بلاده أصبحت موضع جشع لا حدود له، وذلك بسبب مجاورتها لدولة طامعة باوطان الآخرين. وهذا ليس من قبيل الاتهام غير المبرر، بل على العكس تماما، انه يعتمد على التجارب القاسية التي ذاقتها عشرات الشعوب والأمم منذ عهد ايفان الرهيب وإلى يومنا الحاضر.
ومن مهازل القدر، إحداث فوضى إقليمية وعالمية للالتفاف على المبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة والعلاقات الدولية السلمية، ومبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، مما يمهد الطريق للهجوم على حقوق الحرية والاستقلال واختيار النظام السياسي الذي تختاره الدول. تعمل الحرب على انتهاك سيادة الدولة، وتكرار الأساليب المعادية لنفس الأهداف الاستعمارية التي تسعى، وفقًا للأدلة الموثوقة، إلى تطبيق قانون الغاب والاحتلال في أوكرانيا، من خلال الاستمرار في تقسيمها إلى مناطق تشكل جمهوريات انفصالية مثل دونيتسك و لوهانسك، التي ترتبط بالضرورة مباشرة بالدولة الروسية. وسيحدد ذلك حتماً سياساتها وفقاً للمصالح الروسية، التي قد يتم ضمها ”رسمياً“ إلى الدولة الروسية، في الوقت المناسب، بالطريقة التي تم بها ضم جمهورية القرم في عام 2014.
وختامًا، يبدو ان كافة الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت غير ذات قيمة، خصوصا من قبل دولة كانت من الدول الموقعة عليها. لقد تم قصف الاهداف المدنية، واستهداف المدنيين، وقصف مركز لحفظ السلام والأمن وتدمير المستشفيات والمدارس والمنشآت المدنية التي تعتبر جرائم حرب، ترتكبها القوات الروسية، التي تستعمل القنابل الفراغية والحرارية والذخائر العنقودية. كل ذلك أدّى إلى فرار مئات الآلاف من المدنيين بعيدا عن أماكن العمليات الحربية أو إلى الدول المجاورة، وكل ذلك يتناقض مع اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة والتعامل معها.