حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
14 مارس/آذار 2022
ذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار
الفصل الثّامن
النصب التذكاري للإبادة الجماعية الشركسية
في الحادي والعشرين من شهر مايو/أيار 2012، وبعد عام واحد بالضبط من اعتراف جورجيا بالإبادة الجماعية الشركسية والتطهير العرقي والترحيل القسري من وطنهم، افتتحت جورجيا نصبًا تذكاريًا في منتجع أناكليا على البحر الأسود، تخليداً لذكرى الضحايا الشركس الذين لقوا حتفهم أثناء تنفيذ أسلوب شديد الوحشية في القرن التاسع عشر، يهدف إلى تطهير الوطن الشركسي من شعبه من خلال إجلاء كل من بقوا على قيد الحياة: ”{افتتح نصب تذكاري لضحايا الإبادة الجماعية الشركسية} في أناكليا، بالقرب من الحدود الإدارية الأبخازية، وذلك بحضور الوزير الجورجي المسؤول عن قضايا الشتات بابونا دافيتايا (Papuna Davitaia)“.877
تكمن أهمية ومغزى أناكليا (Anaklya) في حقيقة أنه كان ميناءً بحريًا لإمارة مينغريليا (Mingrelia) الجورجية، حيث تم الاستيلاء على البلدة في عام 1723، من قبل الإمبراطورية العثمانية وتحويلها إلى موقعها البحري في المنطقة وكذلك لتجارة الرقيق. استعادت مملكة إيميريتي (Imereti) الجورجية الغربية السيطرة على أناكليا في عام 1770، حيث اغتنمت فرصة كون الإمبراطورية العثمانية في حالة حرب مع روسيا (الحرب الروسية–التركية {1768 – 1774}). وكان من المفترض أن يتم دعم ملك إيميريتي، سليمان الأول، في هذا المسعى من قبل وحدة روسية صغيرة بقيادة الجنرال توتلِبِن (Totleben)، لكن القوات الروسية تراجعت قبل الاشتباك مع الأتراك.878
أظهرت التطورات سيطرة روسية نهائية على المنطقة.
في عام 1802، استفاد كيليش–بي شارفاشيدزه (Kelesh-Bey Sharvashidze)، الحاكم الموالي لتركيا لإمارة أبخازيا المجاورة من النزاعات الداخلية في مينغريليا، وأجبر الأمير غريغول دادياني (Grigol Dadiani) من مينغريليا على تسليم أناكليا، وأخذ ابن غريغول ووريثه، ليفان (Levan)، كرهينة. عندما قبلت مينغريليا الحماية الروسية في عام 1803، طالب القائد الروسي في جورجيا، الأمير تسيتسيانوف (Tsitsianov)، كيليش–بي بالإفراج عن ليفان. لكن بعد رفضه، أرسل تسيتسيانوف اللواء أيون ريكجوف (Ion Rykgof) إلى أبخازيا. في مارس/آذار 1805، استولى الروس على أناكليا وهددوا بالمسير إلى سوخوم كاله (Sukhum-Kaleh)، مما أجبر الأمير الأبخازي على إطلاق سراح دادياني.879
ذكرت صحيفة ”سيفيل جورجيا“ (Civil Georgia) بشأن ذلك التاريخ: ”21 مايو/أيار، هو اليوم الذي أعلنت فيه الإمبراطورية الروسية النصر في حرب القوقاز في عام 1864، حيث تم العمل لإحياء ذكرى ضحايا ترحيل الشركس وغيرهم من شعوب شمال القوقاز. تم التخطيط في 21 – 22 مايو/أيار لإقامة عدد من الفعاليات في أناكليا لإحياء ذلك اليوم، بما في ذلك مؤتمر لمناقشة نتائج الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس من قبل جورجيا“، وذُكر أن بابونا دافيتايا، الوزير الجورجي المسؤول عن قضايا الشتات قال، ”هذا [النصب التذكاري] خطوة مهمة نحو التضامن القوقازي“، مضيفًا أن الدولة الجورجية أصبحت قادرة الآن على تنفيذ سياستها القوقازية والانخراط مع شعوب شمال القوقاز.880
ليس من قبيل المصادفة أن الآلاف من الشركس يتجمعون كل عام في نالتشيك عاصمة جمهورية قباردينو–بلكاريا (KBR)، مثل أماكن أخرى في الوطن الشركسي وفي الشتات لتخليد ذكرى الضحايا الذين لقوا حتفهم في مذابح القرن التاسع عشر.881
في خطوة تهدف إلى تقليل تأثير المظاهرات والوقفات، كانت بالعادة تقام أمام السفارات والقنصليات الروسية التي ينظمها الشركس في يوم الذِّكْرى هذا، قامت السلطات الروسية (باتباع تكتيكات مختلفة لوقف هذه الأنشطة أو على الأقل لتقليص عدد المشاركين بها)، بدعوة بعض النشطاء للتواجد في القوقاز في الحادي والعشرين من مايو/أيار 2015.
كانت استجابة الحكومة الروسية للنشاط الشركسي شديدة الدقة. يبدو أن موسكو اختارت استراتيجية احتواء منخفضة المستوى. وتخشى السلطات من قمع النشطاء الشركس بكامل قوتها، خوفا من ردود الفعل العنيفة من الشركس في شمال القوقاز وفي الخارج. فبدلا من ذلك، يتم وضع عقبات صغيرة في طريق النشطاء لوقف أنشطتهم ومنعهم من العمل بشكل فعال. في الوقت نفسه، حاولت موسكو بنجاح إشراك الشتات الشركسي في الخارج في محاولة لإظهار أن الشركس في شمال القوقاز يعامَلون معاملة حسنة.
في 20 مايو/أيار، وصل وفد دولي كبير من الشركس إلى شمال القوقاز. جاء معظم أعضاء الوفد من تركيا، لكن بعضهم جاء من ألمانيا. قام الوفد بجولة في جمهوريات شمال القوقاز الثلاث التي تضم عددًا كبيرًا من السكان الشركس — أديغيا، وقباردينو – بلكاريا، وكراشيفو – شركيسيا. على الرغم من أن المشاركين حضروا مراسم الحداد في هذه الجمهوريات الثلاث، إلا أنهم لسبب ما لم يزوروا منطقة سوتشي، أو منطقة كراسنودار بشكل عام، والتي تم طرد الشركس منها بشكل كامل وقسري من قبل الروس منذ 150 عامًا (Natpressru.info, May 24).882
وأضاف المقال: ”من غير الواضح من رعى زيارة الوفد الشركسي إلى شمال القوقاز، لكن بالتأكيد كانت مدعومة ماليًا بطريقة أو بأخرى من قبل الحكومة الروسية“.883
يتبع…