الأكل مع الذئاب والبكاء مع الراعي
عادل بشقوي
19 مارس/آذار 2022
ليس من المستغرب ان تختلط الأوراق، لا بل الأفكار والنوايا في خضم الحرب الطاحنة التي تجري في هذه الأيام في أوكرانيا نتيجة للغزو الروسي الذي بدأ منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير/شباط الماضي، ولا تزال على أشُدُّها. وما يخفف من وطأة هذه الكارثة المدمِّرة أنه نتج عنها تضامن وتضافر جهود عشرات الدول الأوروبية وغيرها، مع الشعب الأوكراني الذي استهجن بمجموعه هذا الغزو غير المبرر وغير المسبوق بشجاعة فائقة، فقرر الدفاع عن حرية واستقلال بلده بمشاركة قواته المسلحة والمتطوعين من كافة فئات الشعب الأوكراني، رغم كل التداعيات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
شركيسيا
وما يجري في أوكرانيا الآن، لا يجب أن يصرف الاهتمام، لا بل الانتباه عن قضية هامة اخرى وشبيهة نسبيا، ألا وهي القضية الشركسية، التي بقيت من حيث انتهت عليه الأمور آنذاك في 21 مايو/أيار 1864، من حيث عدم إيجاد حل مناسب يعيد للأمة الشركسية حقوقها المشروعة. مع وجوب التأكيد على ان شركيسيا لم تجد الصديق الصدوق الذي يمكن ان يقف الى جانبها، رغم أن الحرب الروسية–الشركسية استغرقت مدة 101 عام.
فقد ظلّت دون حل، رغم كافة النتائج الكارثية التي عصفت بالأمة الشركسية والتي شملت ولم تقتصر على التدمير والاحتلال والإبادة والتطهير العرقي وتهجير 90٪ من تعداد الأمة قسريا الى منفى دائم، قوامة أكثر من ثلاثين دولة في عالم اليوم. علما بان 10٪ من تعداد الشعب الشّركسي البالغ حوالي 800000 بقي في الوطن ويقيم في مناطق إدارية غير متجاورة تابعة للدولة الروسية.
وهنا يمكن رؤية الموضوع بان هناك طرفان في هذه المعادلة:
الطرف الأول: الشركس الذين يمثلون الضحايا واحفادهم، وهم الذين هُجِّروا من وطنهم، ولم يستطيعوا للآن من استعادة حقوقهم المشروعة التي لا تسقط بالتقادم. يقف مع هذا الطرف الأصدقاء الذين ما ان عرفوا الحقائق الموثّقة لِما حصل مع الأمة الشركسية، ما انفكّوا عن الوقوف الى جانبهم والدفاع عن حقوقهم، لا بل والمطالبة باستعادتها وفقًا للقوانين والأعراف الدولية. وهم ”لا يخشون في الحق لومة لائم“.
الطرف الثاني: الدولة الروسية التي تمثل الاطماع الاستعمارية القيصرية والسوفياتية والمشاريع الحديثة المتمثلة بالقضاء على اللغة والثقافة وحتى الوجود الشركسي في الوطن عبر وقف وحتى منع حق العودة الى الوطن بشتّى السبل، ويسير في هذا الاتجاه بعض المنتفعين والإنتهازيين الذين وإن عرفوا واستوعبوا الموضوع بوضوح، الا انهم يقفون الى جانب الباطل، والذي ليس له تفسير سوى: ”لحاجة في نفس يعقوب“.
الصراع هو فكري بامتياز، لان الشركس وحتى كل المؤازرين من الأخوة والأصدقاء وناشطي حقوق الإنسان والكتاب والمثقفين والباحثين والمؤسسات البحثية والأكاديمية، لا ينتظرون الحصول على شهادة حسن سلوك من أحد، وخاصة الطرف الرافض لاحقاق الحق وردّه الى اصحابه، بل يقفون الى جانب الحقوق وهم لا يؤمنون بالعنف بان يكون وسيلة لاستعادة الحقوق المشروعة.
الاستنتاج
وختاما، نجد من يعرف ببواطن الأمور ومدى استفحال بعض المشاكل التي لم تجد حلا بعد، لا يتخذ القرار المناسب، أو على الأقل اتخاذ وجهة النظر المنطقية التي تناسب وضع أمة لم تتمكّن من استعادة حقوقها من الدولة التي خلَفَت امبراطورية الشر السوفياتية ومن قبلها روسيا القيصرية (الإمبراطورية الروسية). ونجد من لا يملك موقفًا مبدئيًا الى جانب الخير والعدل وضد الشر، كأنّهُ ينتظر من سيكون الطّرف الخاسر لاتّخاذ الموقف الانتهازي الذي يناسب أهواءه. أو من يعتبر نفسه يشاهد فيلمًا من افلام هوليوود، ويبقى متضامنا ومؤيّدًا ومشجعا للمجرم (بطل الفيلم) الذي يقترف جرائمه طوال الوقت ويبقى كذلك حتى النهاية. قال أحد المعلقين وهو من نشطاء حقوق الانسان:
”أعددنا لكم أجيالا ستتابع الطريق مهما طال، فقد نبتت من تحت أكوام الدمار، وترعرعت في مدرسة التهجير والشتات والاغتراب، فيا لسوء حظكم!“