الوضع القانوني الشركسي والحق في تقرير المصير – الحق في تقرير المصير — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


22 أبريل/نيسان 2022

الوضع القانوني الشركسي والحق في تقرير المصير 

الفصل التّاسع

الحق في تقرير المصير

PHOTO-2022-04-21-23-48-07

التعريف يستمد المفهوم.

يشير مبدأ حق تقرير المصير إلى حق الشعب في تقرير مصيره السياسي. وبخلاف هذا التعريف العريض، لا توجد معايير قانونية تحدد المجموعات التي يحق لها بشكل شرعي المطالبة بهذا الحق في حالات معينة. أصبح الحق في تقرير المصير من أكثر القضايا تعقيدًا والتي تواجه صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل. في نهاية القرن العشرين، يمكن أن يعني حق الناس في اختيار شكل حكومتهم داخل الحدود القائمة أو من خلال تحقيق الاستقلال عن قوة استعمارية.963

إن حق تقرير المصير هو أحد حقوق الإنسان الأساسية: ”إن مبدأ حق تقرير المصير كان أفضل بكثير في مناطق أخرى من العالم. في حقيقة الأمر، ما فعلته الحرب العالمية الأولى لأوروبا الشرقية، حقّقته الحرب العالمية الثانية في آسيا وأفريقيا. بين عامي 1946 و 1960، برزت 37 دولة جديدة من التي كانت تحت السّيطرة الاستعماريّة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط“.964

إن مرجع وممارسة حق تقرير المصير واضحان، حيث ؛يعكس ميثاق الأمم المتحدة انتصار مفهوم ويلسون (Wilson) لتقرير المصير والتغيير في العلاقات الدولية الذي حدث خلال السنوات الفاصلة. في حين أن ميثاق عصبة الأمم لم يتضمن في النهاية أي إشارات إلى مفهوم تقرير المصير القومي، فقد ذكره ميثاق الأمم المتحدة ثلاث مرات. ومع ذلك، فإن الميثاق لم يصر على الاستقلال، بل تحدّث فقط عن الحكم الذاتي“.965

بالنسبة للأمم الصغيرة، تم توفير خيارات للحفاظ على الهوية القومية والكرامة مع الارتباط مع الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن التطبيق الواقعي جعل هذا الاتجاه أسلوبًا للهيمنة تحت وصف زائف ومزخرف: ”كان مبدأ الفيدرالية واعدًا أكثر من مبدأ الاستقلال الوطني. ما كان ضروريًا في التقاليد الديمقراطيةوهنا استمد الميثاق مواده إلى حد كبير من فكر ويلسون (Wilsonian thought) — لم يكن الاستقلال الوطني بل الحكم الذاتي، وحكمًا قائمًا على موافقة المحكومين، واحترام المساواة بين الشعوب المعنية. وبعد عام 1960، أعيد التأكيد على حق الشعوب المستعمرة في تقرير المصير والاستقلال بشكلٍ سنويٍ تقريبًا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة“.966

فمن حق كل الشعوب المضطهدة التي تعيش تحت قهر وظلم الاستعمار الانفصال وتشكيل دولها المستقلة. يجب أن تحمي الناس من إلغاء مزاياهم والقيود العرقية والقومية والدينية. يجب على جميع الأقليات والجماعات العرقية استعادة حريتها الكاملة. كما ينبغي حماية واحترام الأقليات والجماعات العرقية والشعوب والأمم الأصليّة.

هناك ثلاثة أنواع من إنهاء الاستعمار: دولي ومحلي وأيديولوجي. وهذا الأخير هو الأكثر صلة فيما يتعلق بالسياق الشركسي كعناوين لسياق الماضي الشمولي حيث أنالشعوب المحرّرةلها {ذكريات طويلة المدى تمت مصادرتها أو تدميرها أو التلاعب بها}“.967

تقرير المصير الذي تبع سقوط الإمبراطورية الروسية

حاولت القوى الاستعمارية دائمًا، وحتى اللحظة الأخيرة، السيطرة على الشعوب والأمم الأخرى وحكمها من خلال السيطرة عليها.

بدأ تفكك الإمبراطورية الروسية بعد ثورة فبراير/شباط من عام 1917. على الرغم من أن الاستيلاء على السلطة من قبل البلاشفة أدى إلى تسريع هذه العملية، إلا أنه لم يكن السبب الجذري. بحلول عام 1917، كانت الإمبراطورية الروسية، التي لم تهزم من الناحية الفنية في الحرب العالمية، كعضو في الوفاق، قد عانت في الواقع من الهزيمة. في سياق الأعمال العدائية العسكرية خسرت بولندا وجزءًا كبيرًا من أراضي البلطيق. وبعد الإطاحة بالحكم المطلق، أضعفت ثورة فبراير/شباط عام 1917 المركز الإمبراطوري إلى حد كبير، ووجه لها انقلاب أكتوبر/تشرين الأول ضربة جديدة.968

حتى عندما تستعيد الدول حريتها واستقلالها، فإن القوى الاستعمارية ستعيد احتلال هذه البلدان عندما يسمح الوقت بذلك. 

في الفترة من 1917 إلى 1920، تم إعلان الاستقلال الوطني من قبل دول مثل بولندا وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان ومستعمرات أخرى من الإمبراطورية الروسية. كما فقدت روسيا قوتها الحقيقية على تركستان. نتيجة لذلك، وفي ذروة الحرب الأهلية، ضمت الجمهورية السوفيتية 25 مقاطعة فقط من روسيا الوسطى. ومع ذلك، بحلول نهاية الحرب الأهلية، تمكن البلاشفة من استعادة غالبية المستعمرات السابقة للإمبراطورية الروسية، باستثناء بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وفنلندا وبيسارابيا (Bessarabia).969

ارتبط مبدأ حق تقرير المصير بالثورة البلشفية منذ بدايتها في عام 1917. وظهر هذا التطبيق في إعلان حقوق شعب روسيا، الصادر في عام 1917. ونص على أن الحق في تقرير المصير يتلخص في احترام الخصائص القومية لكل شعب وعلى أساس المساواة في جميع الحقوق بين الأمم. أدى ذلك إلى تحقيق النظام البروليتاري (proletarian)، الذي يعني تضامن جميع عمال العالم.

تم منح حق تقرير المصير في الثورة البلشفية في عام 1917.

أصدر مجلس مفوضي الشعب“ (Sovnarkom) سلسلة من المراسيم المتعلقة بالسلام والأرض وتأسيس الرقابة العمالية وتأميم كل الصناعات الثقيلة. كما أصدر إعلانًا بشأن حقوق شعوب روسيا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، والذي أُعلن فيه المساواة بين جميع الشعوب، والذي تم فيه الاعتراف رسميًا بِ ”حق تقرير المصير، حتى الانفصال“.970

على هذا الأساس، تم تطبيق حق تقرير المصير للشعوب التي عاشت تحت حكم القياصرة، ومن بين الشعوب التي فازت بهذا الحق شعوب دول البلطيقإستونيا وليتوانيا ولاتفيا وكذلك شعب أوكرانيا؛ ونتيجة لتطبيق هذا المبدأ بلغت نسبة المناطق التي تخلت عنها 62 في المائة من سكان روسيا (Saad-Allah, 38: 1986). وهكذا، نستنتج أن الثورة البلشفية الروسية طبقت واعترفت بحق تقرير المصير منذ الولادة واعتبرته مبدءًا أساسياً لأي تسوية سلمية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.971

ومع ذلك، فإن إنهاء الاستعمار العالمي يُعتبر ذو صلة مع السياق الشركسي أيضًا؛ ويُسْهِم بإنهاء الاستعمار العالمي، الذي سمح للمجتمعات التي كانت كامنة في السابق بشأن القصور الذاتي العرقي للقمع الاستعماري بالاقتراب من الوعي التاريخي ورد اعتبار (أو إحياء) الذكريات.972

يلاحظ المراقب للقضية الشركسيّة أن هناك فجوة واسعة بين كل منالمعالجة السياسية والقانونيةفيما يتعلق بالقضية الشركسية وعناصرها الرئيسية، كما هو معترف به في القانون (أحكام قانون و/أو دستور روسيا). تحاول بعض الأطراف إفراغها من محتوياتها من خلال سياسات الوعود التي نُكِث بها، والإتصالات غير الفعالة، والأنشطة الثقافية التي تقتصر على الأمور التقنية البحتة والأهم من ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على الطبيعة الاجتماعية للأنشطة والاجتماعات وتبادل الزيارات والاتصالات المختلفة، والتي تظهر نيّة متعمدة مُسْبقًا (مع سبق الإصرار) من خلال إلهام الجميع للبقاء في الشتات لما لذلك من تداعيات إيجابية عليهم؛ يبقى التنسيق بينهم سواء مع السلطات التابعة للدولة الروسية في شمال القوقاز  أو مع الأحزاب الرسمية فيها، وكذلك الجمعية الشركسية العالمية من ناحية، أو مباشرة مع السلطات الروسية من خلال سفاراتها والمراكز الثقافية الروسية المرتبطة مباشرة بوزارة الخارجية الروسية من ناحية أخرى، وذلك من أجل فرض سياسة الأمر الواقع التي تتجاهل الأمور البديهية من أجل طمس القضايا الجوهرية.973  وبالتالي، يجب ملاحظة وفهم القوانين الدولية ذات الصلة، وذلك كحد أدنى، لا يجب قبول أقل منه عند التعامل مع كل من يريد التعاون والدخول في حوار وقد لا يتنازل عن الحقوق القومية المشروعة غير القابلة للتصرف، والتي يجب أن تأخذ في عين الاعتبار إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية“.974

يرتبط ذلك بعصر الإمبراطوريّة الرّوسية ما قبل الاتحاد السوفياتي كما تم تناوله في جهود التوثيق والبحث التي أعطتها الأولوية للعديد من المنظمات الشركسية وشركائها. إنإنهاء الاستعمار المحليالمُعدّل هو ما تطلبه الجهات الفاعلة الشركسية من نواحٍ عديدة. من ناحية أخرى، تؤطر هذه الأنواع من إنهاء الاستعمار جهود تخليد الذكرى الشركسية كأجزاء من إعادة تحديد ذكريات الأقليات من منظور التحول الديمقراطي والتحرر. من ناحية أخرى، هم يوضحون أيضًا أن هذا الصراع هو من أجلإنهاء الاستعمارالمستمر في حالة الصّحوة الشركسية.975

لذلك فإن المنطق يقضي بأنّ علينا إيجاد نواة عاملة لإظهار الشراكة بين الشركس في كل أماكن وجودهم وكل أولئك المهتمين بقضيتهم ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات القانونية لتفعيل القرارات والأنظمة الدولية ولإطلاع العالم على القضية الشركسية بشكل وافٍ، وبما يتماشى مع حق العودة غير المشروطة والتعويض العادل وحق تقرير المصير دون مزايدة من قبل أي طرف، والعمل على رفض إمكانية التنازل من أي نوع فيما يتعلق بشأن الحقوق الشركسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه لنشر المعرفة والمعلومات الموثقة التي تتعلق بالقضيّة الشّركسية للأمة الشركسية لتكون على دراية بما حدث وما سيحدث، ويجب أن تحافظ على الاتصال والتواصل باستمرار لهذا الغرض، وذلك باستخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة.976

إنها المرة الأولى في التاريخ المعاصر التي دعا فيها الشركس إلى الحرية في بياناتهم الجماعية، مستخدمين شعار نريد ”شركيسيا حرة الآن“.977

نشر موقع مجموعة العدالة لشمال القفقاس (JFNC) على موقعه على الإنترنت مقالًا موقعًا من إيجل (Eagle) بعنوانالشركس أشدُّ عزماً وأكثر تصميماً، والذي تناول احتمالاً حول العزم الشركسي على استعادة الحقوق المشروعة للشركس.

لن تولد الأمم من جديد، ولن تُبنى الأوطان بالخضوع والضعف والتبعية والأنانية والانحطاط والإذلال، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى العبودية، ولكن بالكرامة والكبرياء والشهامة والإيثار؛ فلو أراد الأسلاف العظماء أن يعيشوا مهانين في ظل قوات الاحتلال القيصريّة الرّوسيّة، لكان بإمكانهم فعل ذلك، لكن الشركسي الحقيقي لن يسمح بالظلم والإذلال على نفسه.978

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً