حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
13 مايو/أيار 2022
النشاط السياسي الشركسي
الفصل العاشر
الكاتب والمؤرخ من سانت بطرسبورغ
وصل الكاتب والمؤرخ الروسي من سانت بطرسبورغ جاكوف غوردين (Jacov Gordin) إلى مايكوب في 4 ديسمبر/كانون الأول 2006، وفقًا لوكالة الأنباء الروسية رِغنوم (REGNUM) وقال: ”لا يعرف المجتمع الروسي سوى القليل عن مأساة الشركس“. وكان قد وُصِفَ بأنه متخصص في شؤون القفقاس والشركس على وجه الخصوص.
وقد أجرى معه مراسل وكالة أنباء ”رغنوم“ مقابلة، وطُلب منه شرح الغرض من زيارته.1021
كان من المفترض أن تستخدم زيارة غوردين ”لجمع المواد والمعلومات لكتابه الجديد عن القفقاس. ومع ذلك، كما يشير آخرون، إذا أخذنا في عين الاعتبار بعض الظروف المحيطة، فمن الممكن افتراض أن المعلومات الواردة يمكن أن يستخدمها الضيف لبعض الاحتياجات الأخرى“.1022
غوردين، باعتباره شخصية عامة، وهو الشخص من سانت بطرسبورغ الذي ”له منظور يتوافق تمامًا تقريبًا مع نظرة بوتين“ ويُعتقد أنه ”جمع المواد والمعلومات لكتابه الجديد عن القفقاس. ومع ذلك، كما يُشير آخرون، إذا أخذنا في عين الاعتبار بعض الظروف المحيطة، فمن الممكن افتراض أن المعلومات الواردة يمكن أن يستخدمها الضيف لبعض الاحتياجات الأخرى“.1023
واختُتِم هذا الموضوع ببيان لافت للنظر: ”يمثل غوردين موقفه كباحث عن الدقة والموضوعية التاريخية. يتم التوصل إليه بتقسيم التوسع الروسي في ”الأفعال الطبيعية والضرورية المتأصلة في أي دولة نامية“ و ”الحماقة الإمبريالية“ التي دفعت الإمبراطورية إلى الإجراءات المفرطة والمتهورة وعلى المدى الطويل ليس فقط غير ضرورية ولكنها أيضًا خطيرة بالنسبة للبلاد“.1024
يبرز السؤال عن سبب ارتكاب الإبادة الجماعية ضد جميع الشركس على حد سواء، بالإضافة إلى الترحيل القسري لمعظم الشركس من وطنهم، والذي أدى علاوة على ذلك إلى موت مئات الآلاف من الشركس خلال الحرب اللاإنسانية. لماذا تم حذف اسم شركيسيا من كل الخرائط الروسية، ولماذا حدثت كل هذه التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية في شركيسيا؟
إذا كانت عملية الترحيل مبادرة ودية وإيماءة رقيقة تجاه الشركس من شركائهم الروس (الذين ادّعوا أن الشركس قد ربطوا مصيرهم ومصير امتهم طواعية بهم)، فلماذا تم ترحيل معظم الشركس؟
أعمال الاحتجاج
دفعت الإجراءات التي فرضتها السلطات الروسية هؤلاء الأشخاص اليائسين (عندما أدركوا أنهم يتجهون نحو المجهول) إلى اتخاذ قرارات مصيريّة؛ إنهم يميلون إلى اعتبار أن الحالات اليائسة تتطلب علاجات يائسة. فعندما يعامل المواطنون العاديون معاملة على نحو سيء ومتهور، فإن توقعاتهم المنطقية تتمحور في الشعور بعدم الأمان وعدم الإطمئنان. ما يلي، على سبيل المثال لا الحصر، تُذكر بعض الاحتجاجات الشركسية في مواقع مختلفة من الشتات وفي وطنهم.
ونتيجة للظروف الصعبة في وطنهم، يميل بعض المواطنين اليائسين إلى إيذاء أنفسهم لدرجة الانتحار احتجاجًا على انتهاكات ”وكالات إنفاذ القانون“ ضدهم وضد وجودهم، مثل أحد سكان قباردينو – بلكاريا، الذي حاول الانتحار عن طريق حرق نفسه في المكان المسمى لوبنو مستو ”Lobnoe Mesto“ (مكان الإعدام القديم) في الساحة الحمراء في موسكو، ”بعد أن أوضح محاولة إظهار استيائه من عمل ضباط إنفاذ القانون في التحقيق في مقتل شقيقه“.1025
في حادثة أخرى: ”سوسلان زيغونوف (Soslan Zhigunov)، الشاهد على وفاة مراد بورلاكوف (Murat Borlakov)، من سكان كراشاي – شركيسيا في أوست–دجيغوتا {Ust-Djeguta ROVD} (في الشعبة الداخلية للمقاطعة)، الذي تم استجوابه في المحاكمة في القضية المرفوعة ضد خمسة من رجال الشرطة، قد تغيرت شهادته في مرحلة التحقيق الأولي. وادّعى المحامي ميرزاكولوف (Merzakulov) الذي يمثله، أنّ موكِّله تعرض للضغوط“.1026
”قفز أحد المحامين من نافذة مستشفى شركيسك، في محاولة للانتحار على ما يبدو“، وقال والد المحامي، ”سوف نناشد جميع السلطات. الآن، لدينا عطلة نهاية أسبوع، وهذا يجعل من الصعب التصرف. سوف نتحرى كيف أراد رجل سليم تمامًا فجأة القفز من نافذة المستشفى ولماذا حدث ذلك“.1027
في 17 مارس/آذار 2008، وفي مقاطعة كراسنودار، ”حاول أناتولي ماليشيف (Anatoli Malyshev)، من سكان توابسه (Tuapse)، حرق نفسه احتجاجًا على طرد عائلته من المسْكن الجماعي“.1028
تم تنظيم اعتصام في مدينة مايكوب عاصمة جمهورية أديغيه في الخامس من يوليو/تموز 2007 ضد إقامة ”دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014“ في سوتشي. وكانت شعاراتهم التي رفعوها: ”لا للدعاية الأولمبية الكاذبة!“، و ”الغابات للأوليغارشية (oligarchs)، وجذوع الأشجار للأحفاد؟“ و ”لا لخصخصة الغابات!“، شارك بها المنظمات والأحزاب العامة، بما في ذلك اتحاد السلاف في جمهورية أديغيه، وفرع الحزب الشيوعي لروسيا الفيدرالية في جمهورية أديغيه وآخرين، حيث أعربوا عن استيائهم من قرار اللجنة الأولمبية الدولية [جعل سوتشي تستضيف أولمبياد 2014] الذي جاء على الرغم من حقيقة أن المنظمات البيئية العامة قامت منذ فترة طويلة بإبلاغ اللجنة الأولمبية الدولية بالتهديدات البيئية الخطيرة التي سيجلبها عقد الألعاب الأولمبية الشّتويّة في سوتشي“.1029
في أكتوبر/تشرين الأول 2007، نظّم الشركس مظاهرتين في مدينة نيويورك، واحدة ”أمام القنصلية الروسية“ والثانية ”أمام مبنى الأمم المتحدة“ … ”أظهرت كلا المظاهرتين مشاعر حماسية ملحوظة فيما يتعلق بدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي لعام 2014، والتي ستقام على المقابر التي تحتوي على عظام وبقايا أولئك الذين لقوا حتفهم وهم يدافعون عن وطنهم ضد الغزاة القياصرة الروس الذين أرهبوا، وقتلوا، وشرّدوا، وهجّروا ونفوا الأمة الشركسية الشجاعة بأكملها“.1030
أيضًا، ”قام الشركس في تركيا بمظاهرة في اسطنبول جاءت في نفس التاريخ وهم يحملون نفس المطالب واللافتات الاحتجاجية“.1031
عكست المظاهرات التي جرت في المجتمعات الشركسية مشاعر حماسية ملحوظة حول دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، والتي أقيمت على رفات أولئك الذين لقوا حتفهم أثناء الدفاع عن وطنهم الغالي ضد الغزاة القياصرة الروس الذين أرهبوا وقتلوا وشردوا ورحّلوا ونفوا الأمة الشركسية الشجاعة بأكملها. فقد تم إدانة واستنكار الإبادة الجماعية ومزاعم الانضمام الطوعي إلى روسيا.
في 21 مايو/أيار 2014، ”أحفاد المجتمع الشركسي الذي تم إرساله إلى المنفى بعد أن هزمت روسيا جيشًا من شعوب القفقاس، اجتمعوا في اسطنبول في حدث نظّمه اتّحاد الجمعيات الشركسية رافعين لافتات وأعلام ”شركسية“. ورددوا هتافات تقول: {شركيسيا لن تكون أراضٍ روسية}، ”روسيا ستدفع ثمن الإبادة الجماعية“ وقد حملوا المشاعل أثناء مسيرتهم“.1032
كيف يمكن لما يسمى بالفيدرالية الرّوسيّة أن تعتبر نفسها على هذا النحو، بينما تميز في معاملتها بين المواطنين الروس، وأولئك الذين يُنظر إليهم في موسكو على أنهم من أبناء القفقاس أو الشركس. ”في الصباح الباكر من يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2010، دخلت مجموعة من الشبان الروس في معركة مع عدد قليل من الشبان من القفقاس. وأثناء الاشتباك، قُتل رميا بالرّصاص إيغور سفيريدوف (Yegor Sviridov)، وهو روسي الإثنيّة. وقد حدد التحقيق أن أصلان شيركيسوف (Aslan Cherkesov)، وهو شركسي يبلغ من العمر 26 عامًا، يعتبر الرجل الذي ضغط على الزناد. لكن في حقيقة الأمر، فإن شجار السكارى الذي ينتهى بجريمة في موسكو ليس أمرًا غير معتاد ولم يكن ينبغي لِيجذب أي اهتمام خاص، لكن في 11 ديسمبر/كانون الأول، سار عدة آلاف من المتظاهرين من موقع إطلاق النار إلى ساحة مانيج (Manezh Square) مقابل الكرملين، وهم يهتفون بشعارات قومية ويؤدّون تحية النازية“.1033
كيف يمكن لمسؤولين رفيعي المستوى في الفيدراليّة المزعومة أن ينحازوا إلى أي جانب؟ كيف يمكن أن يقفوا إلى جانب أحد الطرفين ضد الآخر، كل ذلك بينما لم تقرر المحكمة بعد من هو المسؤول عن القتل؟
وبالتالي أثّرت في نهاية المطاف على مسار التحقيق ونتائجه، كما فرضت تأثيرًا على القضاة والمحكمة. وقد تأثرت نتائج المحاكمة بسبب التحيُّز الرسمي ضد المُدّعى عليه.
كانت أعمال الشغب نتيجة هذه الحملة الدعائية. بعد ذلك، وعدت ”أندية كرة القدم“ بمزيد من العنف إذا لم تقم الحكومة بقمع القوقازيين في موسكو. الرئيس الروسي آنئذِ، دميتري ميدفيديف (Dmitry Medvedev) أدان تصرفات القوميين وحاول تصحيح العلاقات المتدهورة بسرعة بين الروس والقوقازيين. لكن، من ناحية أخرى، قام رئيس الوزراء حينئذٍ فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) بزيارة قبر سفيريدوف ووضع على القبر إكليلًا الزهور، وهو تصرف كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه دفاع عن القومي المتطرف.1034
من الواضح تمامًا أن الشركس والأمم الأخرى التي تحكمها روسيا لا تُعامل بالطريقة التي يُعامل بها من ينتمون إلى العرق السلافي الروسي. وفقًا لهذا المثال، يتم التعامل مع الشركس، كمواطنين من الدرجة الثالثة، وذلك وفقًا لسياسة التّمييز العنصري التي تمارسها الدولة الروسية الحالية ومسؤولوها.
تم إجراء التحقيق اللاحق مثل محاكمة المشاهير. فقد حوّل السياسيون والصحفيون على حد سواء سفيريدوف إلى شهيد، قُتِل بدم بارد على يد شركسي مجرم — اسمه شيركيسوف — جاء إلى موسكو لإرهاب المواطنين هناك. أصدر مركز حقوق الإنسان في قباردينو – بلكاريا بيانًا في 15 ديسمبر/كانون الأوّل لخص فيه التصور الشركسي للحدث:
لا يسعنا إلا أن نشعر بالانزعاج والسخط من الهستيريا المعادية للقوقاز التي تثيرها بعض وسائل الإعلام الروسية وبعض السياسيين فيما يتعلق بمقتل إيغور سفيريدوف والأحداث التي وقعت في ميدان مانيج. على مدار العامين الماضيين، سجلنا ما لا يقل عن خمس حالات قتل لأشخاص من جمهوريتنا في مدن روسية كبيرة لأسباب تتعلق بالكراهية العرقية والإثنية. لم تظهر أي بيانات مهمة حول أي من هذه القضايا في الصحافة الروسية. ولم يتم إجراء تحقيق موضوعي في أي من هذه الحالات أو توجيه اتهامات للقتلة.1035
يتبع…