النشاط السياسي الشركسي – أُمم ذات مصير مماثل — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


20 مايو/أيار 2022

النشاط السياسي الشركسي

الفصل العاشر

أُمم ذات مصير مماثل

PHOTO-2022-05-19-21-10-15

لم تتردد الشعوب والدول الصديقة في مساعدة الشركس وتقديم يد العون لهم في خضم الأزمة المشؤومة التي كان عليهم مواجهتها، وذلك على المستويين الفردي والوطني، وشملت تلك المساعدة مساعدتهم قبل  واثناء وبعد الترحيل. ”حمل البولنديون قسوة مضطهديهم حتى عام 1830؛ وعندما لم يعد بإمكانهم تحمُّل المزيد، ثاروا.

لكن الرّوس لم يترددوا في استخدام أشد الإجراءات التأديبية ضد المتمردين والعصاة. كانت نتيجة هذا التمرد أن العديد من البولنديين اضطروا إلى الفرار، تاركين وراءهم ممتلكاتهم وأمتعتهم، واللجوء إلى بلدان أخرى من شأنها أن تأويهم وتحميهم من قسوة مطارديهم“.1046

تتفاعل الشعوب والأمم المضطهدة بشكل مشابه مع الاستبداد والطغيان. إنهم لا يقفون مكشوفين أمام الاحتلال وغطرسة الإمبريالية والاستعمار. فعندما يضيع صوت العقل، تتعامل السلطات مع هؤلاء الناس بشعور من التفوق والوحشية والإذلال وعدم الاحترام. وتميل هذه السلطات ذاتها إلى الإساءة إلى الشعوب المحتلة والمضطهدة لتنفيذ سياسات غير ملائمة وقصيرة النظر وحمقاء.

تم نفي العديد من أولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار من قبل الحكومة الروسية إلى أجزاء مختلفة من روسيا، بما في ذلك القفقاس، حيث ارتفع عددهم في وقت ما إلى 30000 شخص. هذا العدد يتألف من ضباط وجنود وسياسيين ومتمردين وآخرين. لقد عوملوا في منفاهم بقسوة شديدة، الأمر الذي دفع الكثيرين منهم للهروب من الجبهات والمعسكرات الروسية إلى الجانب الشركسي من أجل الانضمام إلى صفوف أصدقائهم في محاربة عدوهم الروسي المشترك.1047

وهناك العشرات من هؤلاء الأشخاص الودودين، سواء في القوقاز أو غيرها من الأمم المنكوبة نتيجة الاحتلال الروسي أو دول إقليمية ودولية أخرى. ”البولنديون، الذين كانوا لفترة طويلة يشاهدون قتال القفقاسيين مع الروس، تمنوا لهم النجاح. نحن على يقين من أن نواياهم كانت طيبة وأن مشاعرهم الودية ناتجة بلا شك عن الآلام والجروح النازفة التي عانوا منها تحت وطأة تعذيب السلطات الروسيّة. ونعتقد أيضًا أن مشاعرهم نبيلة وحقيقية، وبالتالي فهم يستحقون تقديرنا وإعجابنا الفائقين“.1048

مناسبة في بولونيزكوي لتوضيح القضيّة الشّركسيّة

في ذكرى استقلال بولندا، اقترحت مجموعة وطنيو شركيسيا (Patriots of Circassia Group) في تركيا مبادرة للدعوة إلى تجمع للشركس يُعقد في بولونيزكوي (Polonezköy)، الواقعة إلى الشرق من اسطنبول. كانوا يعتزمون الوقوف في ذكرى الاستقلال البولندي، الذي تم الاحتفال به في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وجاء ذلك من منطلق تكريم كل من البولنديين والشركس.

كان ذلك في وقت احتلت فيه بولندا من قبل الإمبراطورية الروسية. فكان الجيش الروسي يجند البولنديين في صفوف الوحدات العسكرية للقتال في القوقاز. تم إرسال العديد من هؤلاء الجنود البولنديين إلى الجبهات في شركيسيا خلال الحرب الروسية-الشركسية. فضل الكثيرين منهم الهروب عبر القوقاز إلى الإمبراطورية العثمانية. بينما فضل بعضهم التحول إلى الجانب الشركسي، مع العلم أن الشركس كانوا يقاتلون بشكل مطلق القوات الغازية، ويدافعون عن وطنهم، وحريتهم.

خلفية بولونيزكوي

بولونيزكوي أو آدمبول (Polonezköy or Adampol)، هي قرية صغيرة تقع إلى الشرق من  اسطنبول، وهي داخل حدود مديرية بيكوز (Beykoz) التابعة حاليًا لمحافظة إسطنبول. بدأ تاريخ قرية بولونيزكوي أو آدمبول البولندية في عام 1842، عندما أسس الدوق آدم شارتوريسكي (Duke Adam Czartoryski) مستوطنة للمهاجرين البولنديين إلى تركيا.

وبولونيزكوي اليوم، هي التي كان قدأسسها آدم شارتوريسكي في عام 1842. وهو الذي شغل منصب رئيس حكومة الانتفاضة الوطنية البولندية (National Uprising Government) وزعيم حزب الهجرة السياسية. وبسبب اسم المؤسس، تم تسمية هذا المكان بآدم كوي، وهو ما يعنيقرية آدمباللغة التّركيّة (اختصار من آدمبول)“.1049

ذكرت مدونة بولونيا أوتومانيكا (Polonia Ottomanica): ”في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان الأمير آدم شارتوريسكي (Adam Czartoryski)، أحد الرعاة الرئيسيين للهجرة الكبرى (Wielka Emigracja) للمثقفين البولنديين والقوميين من الكومنولث البولنديالليتواني البائد إلى المراكز الثقافية والسياسية في باريس ولندن واسطنبول، أرسل الوكلاء البولنديون الأوائل للقاء القادة الشركس في معاقلهم، في مناطقهم المحصّنة في شمال القفقاس“.1050

في مقال بعنوان التعاون البولنديالشركسي ضد روسيا في القرن التاسع عشر، نُشِر بتاريخ 18 مارس/آذار 2014، جاء فيه: ”على الرغم من أن البولنديين وأعضاء الشتات الشركسي قد يبدون وكأن لديهم القليل من القواسم المشتركة اليوم، إلا أن الأمر لم يكن كذلك دائمًا. ربما تكون واحدة من أكثر الشراكات غرابة في القرن التاسع عشر، هي التي وجدت من أجل حشد جهود التعاون المكثف للبولنديين والشركس لتحرير أنفسهم من الهيمنة الروسية“.1051

وتابعت بأن البولنديين،في كفاحهم المستمر من أجل الاستقلال الوطني بعد تقسيم وحل الكومنولث البولنديالليتواني في نهاية القرن الثامن عشر من قبل كلٍ من روسيا وبروسيا والنمسا، أدرك القوميون البولنديون أنهم وحدهم تمامًا بين مجموعات الأقليات المختلفة في إمبراطورية رومانوف (Romanov Empire) تتضافر جهودهم لتنظيم انتفاضات واسعة النطاق ضد الحكم الروسي. ومع ذلك، في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أدرك المتمردون البولنديون أنهم يتشاركون أهدافًا مشتركة مع السكان الشركس في القوقاز، كونهم كانوا في خضم مقاومة مسلّحة مطوّلة ضد توسع عائلة رومانوف.1052

وخلص المقال إلى أن: ”التأثير الكلي لمجتمع المهاجرين البولنديين على كفاح الشركس من أجل البقاء قد لا يكون هائلاً في نطاقه، لكن التضحية الشخصية بالمقاتلين والتأثير السياسي الذي مارسه رعاتهم البولنديون في الخارج قد وفروا خطوط اتصال جديدة. ويمكن للشركس من خلالها إقامة علاقات مع حكومات الدول الغربية. فكانت نتيجة هذه الجهود الحفاظ علىالقضيّة البولنديّةحية بين القوى العظمى في أوروبا؛ لكن لم يكن الشركس محظوظين في ذلك“.1053

بيان صحفى

وتمت قراءة بيان صحفي أمام الحاضرين جاء فيه:

مثلما تحرك جدار برلين فعليًا عدة مئات من الكيلومترات إلى الشرق منذ انهياره قبل 25 عامًا، تدهور الوضع على الأرض بالنسبة للشركس أيضًا.

أقيمت الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2014 في سوتشي، التي هي أرض أسلاف الشركس، على الرغم من الحملة العالمية لوقفها، ولم يُسمح للشركس السوريين المحاصرين في الحرب الأهلية بالعودة إلى وطنهم، وكذلك تجاهلت موسكو مطالب الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية، فهذا على سبيل المثال مجرد عدد قليل من المظالم.

كل ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الشركس أن ذلكعودة لصفات الأسلاف في الحرب الباردة“.

القضيّة الشركسية التي يعود تاريخها إلى عام 1864 تحولت بشكل مفاجئ إلى الحرب الباردة على حد تعبير السيد بوتين.

لقد كانت جورجيا أول دولة تعترف بالإبادة الجماعية الشركسية في عام 2011.

ثم ناشدنا أوكرانيا الشقيقة على أمل أن تكون التالية.

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وفي يومها الوطني، تم الطلب رسميًا من بولندا الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية.

لقد تعاون الشعبان الشركسي والبولندي في عدة مناسبات في التاريخ.

أولاً، قاتل عدة آلاف من المتطوعين البولنديين مع الشركس في القرن التاسع عشر في النضال من أجل الحرية ضد تقدم القوات الروسية.

ثانياً، بعد الثورة البلشفية، رعت بولندا بيلسودسكي (Pilsudski) إعداد الحركة التي جمعت المهاجرين غير الروس في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

ثالثًا، عملت بولندا كجسر بين الدول الشيوعية السابقة والغرب منذ عام 1989.

تحت الشعار البولنديمن أجل حريتك وحريتنا“ (za nasza i wasza wolnosc) يتشارك الشركس والبولنديون في رؤية مشتركة لأوروبا كاملة وحرة وفي سلام.

والاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية هو الخطوة الأولى لحل سلمي للقضيّة الشركسية.

نداء لبولندا سيكون الفصل الأخير في عام 2014، الذكرى 150 للإبادة الجماعية الشركسية.

لذا دعونا نحيي العالم من المكان الرمزي لآدامبول، الذي سمي على اسم الأمير الراحل آدم شارتوريسكي، الذي كان صديقًا للشعب الشركسي:

من أجل حريتكم وحريتنا! (ZA NASZA I WASZA WOLNOSC!) اعترفوا بالإبادة الجماعية الشركسيةلن يحدث ذلك مرة أخرى،المبادرة الشركسية“.1954

إلقاء كلمة

لقد كنت من المشاركين في الفعالية، وألقيت الكلمة التالي:

حضرات السيدات والسادة المحترمون،

بمناسبة ذكرى استقلال بولندا الذي تم الاحتفال به في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، أفتخر ويشرفني أن أكون من بين زملائي الشركس للصلاة من أجل أسلافنا الذين قضوا نحبهم، وأن أحيي إخوتنا وأخواتنا، سكان بولونيزكوي الذين هم أحفاد الأبطال البولنديين الذين بذلوا جهودهم المباركة لمساعدة إخوانهم الشركس خلال نضالهم المشروع ضد الغزو الإمبريالي القيصري الروسي ضد بلادهم شركيسيا.

الرسالة التي أُرسلت إلى القيادة البولندية، والتي كانت مبادرة اتخذهاوطنيو شركيسيا، ووقعها 52 شركسيًا من 10 دول مختلفة يمثلون أكثر من 50 دولة يتواجد فيها الشتات الشركسي.

غالبًا ما تحتاج الفكرة النبيلة إلى الإحساس بها، وهذا بالضبط ما فعله هؤلاء الأشخاص العظماء عندما قرروا الوقوف إلى جانب الحق والعدالة والقيم الإنسانية المتميزة الذين كانوا يقاتلون مع رفاقهم الشركس في محنتهم، الذين خاضوا حربًا دفاعية لمدة 101 سنة، ضد الجيوش العسكرية الهمجيّة والمُجرِمة، التي نفذت في النهاية خطط ارتكاب التدمير الذي أدى إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والترحيل القسري للأمة الشركسية بأكملها. إن آمال وتطلعات وإيمان الجنس البشري بأكمله أزلية والحقيقة سوف تسود“. وتذكرنا هذه الحقائق بما قاله المهاتما غاندي ذات مرة: ”الحقيقة لا تلحق الضرر أبدًا بقضية عادلة“.

والجدير بالذكر أنه بعد أولمبياد سوتشي مباشرة انتقد الرئيس الروسي في تعليق نادر على الموضوع محاولة الغرب استغلال القضيّة الشّركسيّة لتشويه سمعة روسيا أو إلحاق الضرر بها! ومن الجيد أن يؤكد مسؤول روسي رفيع المستوى أخيرًا (الرئيس الروسي في هذه الحالة الحصرية) أن هناك مشكلة لم يتم حلها بعد، وأن روسيا ملزمة بحلها.

يمكن لبولندا وغيرها من ضحايا القمع والاستعمار الروسي إيجاد تعاون وتنسيق بين جميع المعنيين وعبر العالم المتحضر لمساعدة الشراكسة من خلال الاعتراف بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية الشركسية من أجل استعادة الحقوق المشروعة وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة .

من قال أن الشركس ليس لديهم ذاكرة؟ بل على العكس من ذلك تمامًا، فإن الشركس يتذكرونالجيّد والسّيّء والقبيح“. وهذا يعني: (اقرأ شفتاي) … لن ينسوا أيًا منهم! يجب على الشركس أن يشكروا ويقدروا عاليًا الإجراء الحقيقي والشجاع والصادق الذي لا ينسى الذي اتخذه برلمان جمهورية جورجيا القفقاسية للاعتراف بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي لحق بالأمة الشركسية. وبفضل خطاب الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2013، فقد ذكر في كلمته آنذاك الإبادة الجماعية: (لهذا السبب اعترف البرلمان الجورجي [في مايو/أيار 2011] بالإبادة الجماعية للشعب الشركسيإحدى أكثر الصفحات المجهولة والمأساوية في تاريخ العالم، عندما تم القضاء على الأمة بأكملها لأن الإمبراطورية الروسية كانت في حاجة إلى أرضهم.)!

ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة التي لا تزال جارية في جنوبشرق أوكرانيا، والتي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم بطريقة تذكر بأسلوب الإمبراطورية القيصرية الروسية لضم شركيسيا والشيشان وأمم أخرى سواء في شمال القوقاز أو في أمكنة أخرى.

ونظرًا لأن هدفنا هو حماية الأمة الشركسية عبر أساليب ووسائل قانونية وغير عنيفة وحضارية، ونتطلع إلى حماية هوية الشركس ولغتهم وثقافتهم ووطنهم، إلى جانب التمتع بحقوقهم في أن يكونوا أمة أصلية محترمة، فإنّي أدعو كل الشركس سواء في الوطن أو في الشتات بأن يتّحدوا من أجل هذه الأغراض المقدسة.

بارك الله بكم جميعا.

عاشت شركيسيا وتحيا بولندا وأُحيّي الحرية والاستقلال.1055

يتبع..

Share Button

اترك تعليقاً