حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
10 يونيو/حزيران 2022
الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية
الفصل الحادي عشر
الإعتراف بالإبادة
أظهر الشراكسة باستمرار الصدق والصبر. إنهم يأملون دائمًا الأفضل، لكنهم يستعدون للأسوأ. لقد واجهوا في كثير من الأحيان أطرافًا مختلفة تمارس نقض العهود أو التراجع عن الوعود والتأكيدات والضمانات، حيث يتجرأون دائمًا على تحمل العواقب بشجاعة واستمرار. إنهم لا ينتظرون حدوث الأشياء الجيدة لهم؛ بقدر ما أنّهُم بدلاً من ذلك، يعملون بجد وبراعة لتحقيق أهدافهم.
تعتبر الإبادة الجماعية القضية الرئيسية من بين العديد من القضايا والشؤون الشركسية الأخرى. لذلك، فإن التأكيد على هذه القضية يعتبر جوهريًا لحل المشكلات الأخرى، استنادًا إلى ”عناصر جريمة الإبادة الجماعية“ 1125 التي اتفقت عليها ”اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية في نيويورك في 30 يونيو/حزيران 2000“، 1126 و”الملاحظة التوضيحية: تتبع أركان جريمة الإبادة الجماعية الأحكام المقابلة لها في المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والمادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948“.1127
هناك منظمات ونشطاء من الشركس يبذلون كل ما في وسعهم ويعملون بشكل منفصل وجماعي في الوصول إلى العديد من الأطراف حول العالم لتقديم جميع الحقائق ذات الصلة حول الفظائع الشركسية. وشملت الدول والمنظمات والأفراد لشرح وتوضيح جميع جوانب المأساة الشركسية. يعمل الشركس بجد ونشاط من أجل البقاء على قيد الحياة كأمة ويصرّون على استعادة حقوق شركيسيا، مع وضع دافع مهم في عين الاعتبار:
الاعتراف بالإبادة الجماعية سيؤدي إلى إعادة بعث شركيسيا من جديد ضمن حدودها التاريخية. كما قال الباحث في شؤون القوقاز، ياكوف غوردن (Yakov Gordin) لهذا الكاتب، بأن ذلك قد يؤدي إلى خسارة روسيا للقوقاز بأكملها. هذا هو السبب في أن وسائل الإعلام الروسية تعرض أحيانًا قصصًا تتعلق بـ ”الخطط الخطيرة لإعادة إنشاء {شركيسيا الكبرى} الممتدة من البحر إلى البحر“. كان المؤيد الجلي لهذه الخطة هو المتوفي في منفاه في لندن بوريس بيريزوفسكي ( Boris Berezovsky)، حيث كان أحد رجال الأعمال الروس الأثرياء القلة. تشير مثل هذه المقالات إلى أن الكرملين يأخذ المشكلة الشركسية على محمل الجد وأنه مستعد لتنفيذ خطوات قاسية لسحق أصغر مطالب الشركس للاعتراف بحقوقهم.1128
وكبادرة طيبة تجاه الشركس، كانت إحدى دول منطقة القوقاز ألا وهي جمهورية جورجيا قد استضافت مؤتمرا عقد في الفترة ما بين 20 و 21 مارس/آذار 2010 في تبليسي، والذي عُقِدَ بالتعاون بين مؤسسة جيمس تاون (Jamestown Foundation)، وجامعة إليا الجورجية (Elia University)، والمعهد الدولي لدراسات القفقاس (International School for Caucasus Studies). وكان المؤتمر بعنوان الأمم المخفية، الجرائم المستمرة: الشركس وشعوب شمال القوقاز بين الماضي والمستقبل (Hidden Nations, Enduring Crimes: The Circassians and the Peoples of the North Caucasus Between Past and Future)، والذي قدم فرصة للاتصال المباشر بين الجورجيين والعديد من الأمم الأخرى في شمال القفقاس، وخاصة الشركس، مما مهد الطريق للمزيد من الخطوات التي اتخذت في وقت لاحق.1129
الحدث الخاص التالي المرتبط مباشرة بـ 21 مايو/أيار 1864، تطور بشكل قانوني في هذه الحالة من خلال القنوات التشريعية في تبليسي، عاصمة جمهورية جورجيا، بعد أكثر من عام من الدراسة والتدقيق في المعلومات المتعلقة بما طالب به الشركس في مارس/آذار 2010، بشأن الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية التي اقترفت ضد الأمة الشركسية في القرن التاسع عشر. في الختام، قام برلمان جورجيا بتشكيل هيئات من خلال عدة لجان اعتمادا على مساعدة الباحثين والمؤرخين والعلماء الذين أشاروا إلى صكوك موثوقة وقانونية يمكن الاعتماد عليها بما لا يدع مجالاً للشك مثل أرشيف تبليسي الذي يحتوي على وثائق أصلية ومشروعة مدونة ومكتوبة وصادرة ومُتابعة من قبل الزعماء والقادة الجناة المعنيين والعاملين في حملة الإمبراطورية الروسية العسكرية ضد الشركس. كان هؤلاء المحترفون والمتخصصون الذين أدلوا بشهاداتهم بشأن النتائج التي توصلوا إليها من دول مختلفة، بما في ذلك روسيا.
في 19 مايو/أيار 2011، اعتمدت اللجان المعنية في البرلمان الجورجي مشروع قانون لهذا الغرض. وقد أقر البرلمان الجورجي في 20 مايو/أيار بأغلبية 90 صوتًا مقابل لا شيء، قرارًا ينُص على أن عمليات القتل الجماعي التي كان ”مخطّطًا لها مسبقًا“ ضد الشركس على يد روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مصحوبة بـ ”مجاعة وأوبئة متعمدة“، حيث يجب الاعتراف بها على أنها ”إبادة جماعية“ واعتبار أولئك الذين تم ترحيلهم خلال تلك الأحداث من أوطانهم ”كلاجئين“.1130
ولإظهار رد فعل عفوي للتقدير تجاه الشعب الجورجي، قام الشركس المشاركون في يوم الذكرى الشركسية في نالتشيك، عاصمة جمهورية قباردينو–بلكاريا (KBR)، في الحادي والعشرين من مايو/أيار 2011، برفع العلم الجورجي بجانب الأعلام الشركسية خلال الحدث السنوي، وحتى أنّهُ تم وضع العلم الجورجي على النّصب التذكاري الشركسي هناك.
تم إجراء دراسة مهمة في تبليسي، في جورجيا، من قبل البروفيسور ميراب شوخوا (Merab Chukhua) حول الإبادة الجماعية الشركسية بعنوان، ”تاريخ المشكلة، وتأريخ الأحداث، والاستنتاج العلمي“،1131 والتي قدمت أدلة علمية مهمة ومراجع لإثبات الفظائع التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية ضد الشركس. تم تقديم الدراسة إلى البرلمان الجورجي، ووُضِعت أساسًا للاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية.1132
الاعتراف الجورجي بالإبادة الجماعية
مرَّ تقدُّم الإعتراف الجورجي بالمراحل التالية:
— بدأ الحدث بالاتصال والتفاعل بين النشطاء الشركس والقادة الجورجيين.
— عُقِد مؤتمرين شركسيين في تبليسي في عام 2010 في مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني منه، بعنوان: ”الأمم المغيّبة، المجابهة للجرائم: الشّركس وشعوب شمال القوقاز بين الماضي والمستقبل“.
— في مارس/آذار 2010، 1133 وقّعَ الناشطون الشركس الذين شاركوا في المؤتمر الشركسي الأوّل في تبليسي، وبحضور بعض أعضاء البرلمان الجورجي، على خطاب رسمي تم تسليمه إلى البرلمان الجورجي يناشد فيه الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية على أساس الشهادات والحقائق والأدلة المُوَثّقة.
— أتاحت السلطات الجورجية للشركس الوصول إلى الوثائق المحفوظة في المحفوظات (الأرشيفات) الجورجية في تبليسي، والتي كتبها وحفظها القادة العسكريون القياصرة الرّوس وضباط القيادة الجنوبية الرّوسيّة، حيث كانت تبليسي آنئذٍ مُحتلّة وتحكمها الإمبراطورية الروسية، في حين واصلت روسيا مهاجمة شركيسيا من الجانب الجنوبي الشرقي.1134
— درس البرلمان الجورجي ضمن لجانه، 1135 المطالب العادلة للشركس، فشكّل لجانًا علمية متخصصة مؤلّفة من علماء ومؤرخين ومتخصصين وأكاديميين من أصول مختلفة، حتى من روسيا نفسها، وحضروا جلسات استماع خاصة، وعروضًا علمية، وتم عرض وثائق مشروعة تثبت وقوع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي لحق بالشركس.
— في 11 يونيو/حزيران 2010، عقدت جلسات استماع عامة في البرلمان الجورجي حول القضيّة الشركسية. تم بثها على الهواء مباشرة وعلنا على التلفزيون الوطني الجورجي، والذي شاهده العديد من الجورجيين. تحدث اثنان من المؤرخين الجورجيين المشهورين، بيجان تشورافا (Bejan Chorava) وميراب تشوخوا (Merab Chukhua)، أمام البرلمان الجورجي حول حقائق تاريخية. كان من المثير للصدمة الاستماع إلى شهاداتهم وعلى الأدلة التى عُرِضت وقُدِّمت للحضور.1136
— بعد أربعة عشر شهرًا من تقديم الرسالة الشركسية، صادقت الّلجان البرلمانية الجورجية في 19 مايو/أيار 2011، 1137 على مشروع قرار يعترف بمذبحة القرن التاسع عشر وترحيل الشركس، والتي عقدها البرلمان الجورجي في 20 مايو/أيار 2011، (1138) وتم التصويت بشأن مشروع قرار أدى إلى الموافقة على الاعتراف بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي 1139 التي لحقت بالأمة الشركسية في القرن التاسع عشر.
— في 21 مايو/أيار 2012، (1141) تم افتتاح النصب التذكاري للإبادة الجماعية الشركسية بعد أن أقيم على شاطئ منتجع أناكليا المطل على البحر الأسود، في جورجيا، أحد الموانئ البحرية التي استخدمت في ترحيل الشركس إلى الإمبراطورية العثمانية، وذلك لإحياء ذكرى الضحايا الشركس وغيرهم. 1142 كان افتتاح النصب التذكاري للإبادة الجماعية الشركسية جزءًا من أيام الثقافة الشركسية في أناكليا، التي استمرت بين 20-23 مايو/أيار 2012. (1143)
— قال بابونا دافيتيا (Papuna Davitaia)، وزير الدولة الجورجي لقضايا الشتات: إن هذا [النصب التذكاري] يعتبر خطوة مهمة نحو التضامن القوقازي، مضيفًا أن الدولة الجورجية أصبحت الآن قادرة على تنفيذ سياستها القوقازية والانخراط مع شعوب شمال القوقاز.1144
فيما يتعلق بمركز القيادة الجنوبية الروسية في تبليسي، في جورجيا، يجْدُر أن يُذكر التالي:
في 12 أبريل/نيسان 1802، نشر القائد العام الروسي في القوقاز، الجنرال كارل كنورينغ (Karl Knorring)، في تبليسي الإعلان الإمبراطوري الصادر في سبتمبر/أيلول 1801، مؤكداً مرسوم القيصر بول (بطرس) السابق، وأكد أن منطقة كارتلو كاخيتي (Kartlo-Kakheti) جزء لا يتجزأ من السيادة الروسية. ثم طلب الجنرال من أمراء جورجيا وأعيانها بإداء قسم الولاء للقيصر. وقد شاب ذلك إلى حدٍ ما، تأثير وجود حُرّاس روس مسلحين حول القاعة التي يتواجد بها الجمهور، مما يوضح أن أي محاولة لتجنب الامتثال لما يجب عليهم القيام به من شأنه أن يؤدي إلى أعمال انتقامية. وقد احتُجز عدد قليل من الجورجيين الذين أعربوا عن عدم موافقتهم. وقد ترك هذا انطباعًا سيئًا لدى رعايا روسيا الجدد، الذين اعتُبر أنهم وضعوا أنفسهم طواعية تحت حماية القيصر الخيِّرة“.
وفي ضوء تفكك الإتحاد السوفياتي، أعلن البرلمان الجورجي أن ”الانفصال عن الاتحاد السوفياتي بعد الاستقلال مدعوم بأغلبية ساحقة نتيجة للإستفتاء الذي جرى تنظيمه آنذاك“.1145
يتبع…