حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
28 يونيو/حزيران 2022
الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية
الفصل الحادي عشر
الشركس وتتار القرم وخطر القمع
في الرابع عشر من مايو/أيار 2016، نشر موقع نافذة على أوراسيا (Window on Eurasia) مقالاً بعنوان ”تحت حكم بوتين فإن الشركس وتتار القرم في خطر أكبر من القمع — ولأسباب مماثلة“ بقلم المحلل المرموق بول غوبل (Paul Goble). استهل تحليله بالقول: ”بالنسبة لمعظم الحقبة السوفيتية، افترض المعلقون الغربيون، إلى الحد الذي تعاملوا فيه مع القضية بوجه عام، أن تلك المجتمعات العرقية داخل الاتحاد السوفياتي والتي تجاهلها الغرب كانت أكثر عرضة لخطر القمع لأن موسكو يمكن أن تتصرف تجاههم دون هلع أو خوف من التداعيات الدولية“.1194
تم إعطاء إيجاز حول اهتمام الغرب بالشعوب الخاضعة للسيطرة الروسية. أوضح المقال أنه ”في عهد فلاديمير بوتين، أولئك الذين استقطبوا قدرًا كبيرًا من الاهتمام في الغرب ثم فقدوه، هم الأكثر عرضة للخطر لأن زعيم الكرملين ينظر إليهم على أنهم {عملاء} للغرب وبالتالي مرشحين رئيسيين للاضطهاد“.1195
من الواضح أن الاهتمام بالشعوب المقموعة يبيْن أنّ: “من بين جميع الأمم الموجودة داخل حدود الفيدراليّة الرّوسيّة أو التي تحتلها القوات الروسية، هما الأمّتان اللتان تقعان في فئة استقطبت اهتمامًا كبيرًا في وقت ما، ثم اهتمامًا أقل بعد فترة، الشركس في شمال القوقاز وتتار القرم الذين يعتبر موطنهم في شبه جزيرة القرم الأوكرانية“.1196
أوضح غوبل نقص المعرفة حول التوزيع الديموغرافي للشركس: ”فقبل أولمبياد سوتشي، كان عدد قليل من غير المجتمع المتخصص يهتم كثيرًا بالعدد الكبير للسكان الشركس في شمال القوقاز (500000) وفي الشرق الأوسط (أكثر من خمسة ملايين )؛ لكن بفضل عمل النشطاء الشركس في كل من الوطن والشتات، أصبح العالم يعرف تاريخ هذا الشعب الأبي“.1197
وذكر أن ”الشركس يقاومون العدوان الروسي لفترة أطول بكثير من أي شعب آخر حيث تم إخضاعهم في نهاية المطاف لحكم الإمبراطورية“ وتابع: ”لم يكن بوتين سعيدًا بالاهتمام الذي استقطبوه خلال الفترة التي سبقت إقامة ألعاب سوتشي الأولمبيّة، الذي كان مقيَّدًا به ويثنيه عن العمل ضد هذه الأمة. في الواقع، ومن أجل تعكير المياه بأفضل طريقة {هجينة} (hybrid) لديه، قدم زعيم الكرملين بعض التنازلات لهم ووعد بالمزيد“.1198
أظهر المقال ضعف الاهتمام الإعلامي والسياسي الذي تلقاه الموضوع: ”لكن للأسف وعلى الرغم من الأسباب العصرية والمقنعة للانتباه إلى هذه الأمة، فإن العديد من أفرادها يحاولون الفرار من سوريا التي مزقتها الحرب، لكن تم منعهم من العودة إلى وطن الأجداد — وقد تم اجتذاب الاهتمام الدولي بهذا الشأن. النشطاء الشركس يواصلون التحدث علانية، لكن لم يعد لديهم ”المشجب“ الذي مثّلتْهُ الألعاب الأولمبية لربط القصص والوقائع المتعلقة بهم، وبالتالي فإن اهتمامهم الإعلامي والسياسي تضائل أكثر فأكثر“.1199
أظهر التحليل كيف أن الشركس لا يزالون مستهدفين ومقموعين: ”بسبب ذلك وبسبب نشاطاتهم السابقة، يبدو أن الشركس أصبحوا هدفًا لقمع بوتين المتزايد. ومن المرجح أن يزداد قمعه ضدهم لأنه يعتقد أنهم يستحقون العقاب على ما فعلوه في وقت سابق وهو مقتنع بأنهم سيرون أن الغرب سيتجاهلهم هذه المرة — وسيشعرون بأنهم مضطرون إلى اللجوء إليه“.1200
ضرب تفسير غوبل على العصب الحساس. وذكر أن هناك عدم اهتمام بفهم النتائج المروعة للشعوب والأمم المضطهدة بسبب الغزو والاحتلال الاستعماري: ”لكن الآن، بينما لا تزال الوسائط الإعلامية الغربية تتحدث عن حاجة روسيا لإعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، فهم يتحدثون أقل فأقل عن تتار القرم — وقد استجابت موسكو بنفس الطريقة التي استجابت بها للشركس بعد أن بدأ الغرب في تجاهلهم بعد انتهاء دورة ألعاب سوتشي الأولمبيّة“.1201
كشف التحليل الموضوعي عن أهمية تقديم المعلومات. وهذا يفسر أن الشركس لا يزالون يفتقرون إلى القدرة على تقديم وثائق معدة جيدًا حول محنتهم: فقد ”تم توثيق القمع الروسي لتتار القرم بشكل أفضل بكثير من القمع الروسي ضد الشركس، وذلك بفضل عمل مجموعة رائعة من تتار القرم والصحفيين والنشطاء الأوكرانيين وحقيقة أن القمع الروسي في القرم كان همجيًا ووحشيًا“.1202
ومع ذلك، يؤكد المقال على أن المعلومات التي يتم تداولها في الغالب هي في وسائل الإعلام الأوكرانية المحلية. ويؤكد أن الدولة الروسية تستغل النقص وعدم نشر المعلومات. كلما قل ظهور القصص والأخبار عن الشركس وتتار القرم، زادت ثقته في قدرته على الإفلات من أفعاله الاستبدادية. فالطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها إيقافه هي أن يبدأ الغرب في إيلاء المزيد من الاهتمام لكل من هذين الشعبين والآخرين في الإمبراطورية الروسية الجديدة. واختتم غوبل تحليله قائلاً: ”إن وسائل الإعلام الغربية والحكومات عليها التزام مزدوج للقيام بذلك: فمن ناحية، يعتبر الدفاع عن الضحايا الضعفاء ضد الأقوياء الشرسين في كثير من الأحيان مسألة أخلاقية بسيطة. ومن ناحية أخرى، ساعدت التغطية الغربية السابقة في جعل هؤلاء الأشخاص أهدافًا للقمع الروسي. فقط المزيد من التغطية لهم لديه فرصة لوقف تحركات بوتين ضدهم“.1203
إحياء ذكرى الإبادة الجماعية
نشرت الصحيفة الجورجية المستقلة الرائدة باللغة الإنجليزية، جورجيا اليوم (Georgia Today)، مقالًا بعنوان ”الشراكسة حول العالم يحيون ذكرى الإبادة الجماعية“، بقلم نيكولاس والر (Nicholas Waller). تناول إحياء الشركس لذكرى الإبادة الجماعية ونتائجها.
بدأ المؤلف بمقدمة مقتبسة عن القيادة العسكرية الروسية: ”في هذا العام، 1864، تم إنجاز عمل يكاد يكون الوحيد ولم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية: لم يبق أحد من السكان الجبليّين في أماكن إقامتهم السابقة، ويتم اتخاذ التدابير لتطهير المنطقة وذلك لإعدادها للسكان الروس الجدد“. — ”هيئة الأركان العامة للجيش الإمبراطوري الروسي في القفقاس“.1204
أضاف والر أن ”غزو روسيا للقوقاز الذي استمر قرن من الزمان كان شأنا دمويا مروعا اتسم في كثير من الأحيان بأعمال من الفظائع التي يندى لها الجبين وهوس مروّع واستثنائي من قبل جيوش القيصر لإلحاق هذا النوع من الألم بضحاياهم والذي من شأنه أن يترك أجيالا من القوميات المحلية تلتهب بكراهية عميقة الجذور للغزاة السلافيين“.1205
ويوضح المقال الأحداث المأساوية: ”تركت عقود من حرب العصابات الوحشية في الجبال المعزولة أجزاءً كاملة من المنطقة في حالة خراب حيث حاول الروس حرمان السُّكَّان الأصليين المحاربين من أي ملاذ آمن من جيوشهم الطامعة. بعد خمس سنوات من أسر الإمام شامل — المقاتل الأسطوري الذي قاد القوات الشيشانية والداغستانية في حرب ملحمية استمرت 25 عامًا ضد الروس — أخضع الروس أخيرًا آخر شعوب القوقاز المتبقين لمقاومة الحكم القيصري في مايو/أيار 1864“.1206
وصرّح الكاتب، ”المعروفين بشكل جماعي بالشراكسة (Circassians) — أو الشركس (Cherkess) — كانوا أكبر مجموعة عرقية في شمال القوقاز، وتمتد عبر جنوب روسيا والمناطق الجبلية في جمهوريات أديغيا (Adygea)، وقباردينو – بلكاريا (Kabardino-Balkaria)، وكراشاي – شركيسيا (Karachay– Cherkessia) ومنطقة البحر الأسود في جورجيا (Georgia) في أبخازيا (Abkhazia). لقد شكلوا مقاومة شديدة للجيش الإمبراطوري الروسي الأفضل تجهيزًا. مثل الشيشان تحت حكم شامل، كان الشركس ذوو الأغلبية المسلمة مقاتلين بارعين في حرب العصابات، حيث استخدموا معرفتهم بالتضاريس، ومهاراتهم الفائقة بالسُّيوف وقدرات الركوب الأسطورية لإبقاء الروس في مأزق لما يقرب من 100 عام“.1207
دأبت الدعاية الروسية القيصرية على إصدار ونشر الأكاذيب والمبالغة في الأرقام غير الدقيقة: ”بعد هزيمتهم، تم إما إرسال السكان أو ترحيلهم بشكل جماعي إلى الإمبراطورية العثمانية. ووفقًا للوثائق القيصرية الرسمية في ذلك الوقت، قُتل ما يزيد قليلاً عن 400000 شركسي وتم ترحيل 497000 آخرين إلى تركيا الحديثة والشرق الأدنى“.1208
وتناثر الناجون في أنحاء الأناضول وأجزاء من بلاد الشام، ورحبت السلطات المحلية بالعديد منهم كمقاتلين شرسين ومخلصين. حتى يومنا هذا، يتكون الحرس الملكي للأسرة الهاشمية في الأردن بالكامل من الشركس، وجميعهم من نسل مباشر لأولئك الذين نجوا من المأساة. يرفض المسؤولون الروس والأغلبية الساحقة من الأكاديميين في البلاد بشدة أي مزاعم بأن سياسات الإبادة الجماعية كانت جزءًا من استراتيجية الجيش الإمبراطوري الروسي عندما أخضع القوقاز.1209
وقال المؤلف: ”على نفس المنوال مع إنكار تركيا للإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، تظل القضية المتعلقة بتاريخ الشركس قضية سياسية مثيرة للجدل في روسيا. لقد حاولت روسيا فلاديمير بوتين باستمرار إخفاء حجم قسوتها وفظاظتها تجاه مجموعات مثل الشركس من خلال خلق جدار من الصمت والإنكار بشأن حروب القوقاز في القرن التاسع عشر“.1210
ولامسَ والر (Waller) واقع ما يجري فيما يتعلق بالحريات في روسيا اليوم وشرعية مكانة الشركس داخل روسيا.
يتم قمع المناقشات المفتوحة من قبل الباحثين الروس؛ لا توجد دولة معينة تحيي ذكرى الإبادة الجماعية الشركسية، ويواصل الموالون للكرملين في الأوساط الأكاديمية ابتكار أسباب جديدة تفسر سبب انضمام الشركس ”طواعية“ إلى الإمبراطورية القيصرية. تم كل ذلك بينما يواصل المسؤولون الروس الدّفع بالإنكار الذي ترعاه الدولة بأن القادة العسكريين الروس قد اقترفوه ضد شعوب القوقاز.1211
وأوضح أيضًا أن ”النشطاء الشركس كانوا غاضبين من أن حكومة بوتين اختارت بناء معظم أماكن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014 في كراسنايا بوليانا، وهو موقع مذبحة كبرى للشركس في الموقع الذي كان فيما مضى قرية أتقواج (Atquaj) في 21 مايو/أيار 1864. تجاهلت الحكومة الروسية كما كان متوَقَّعًا مطالب الشركس لاحترام ذكرى الموقع، لكن هدف الشتات البالغ تعداده ستة ملايين نسمة إلى اجتذاب المزيد من الانتباه لقضيتهم كان ناجحًا إلى حدٍ كبير“.1212
ذكر المقال مطالب الشركس وسلوكهم الثقافي: ”المظاهرات السنوية واسعة النطاق التي تطالب روسيا بتحمل المسؤولية عن أفعالها تتزايد مع مرور كل عام في كلٍ من تركيا والأردن وإسرائيل. من المتوقع الآن أن يتبع المسؤولون الجورجيون البروتوكول القياسي من خلال القيام بزيارة المركز الثقافي الشركسي في تبليسي لتقديم احترامهم“.1213
وأشار والر إلى حقيقة أن ”جورجيا كانت الدولة الأولى والوحيدة في العالم حتى الآن التي أعلنت رسميًا أن التطهير العرقي للشركس عمل من أعمال الإبادة الجماعية“. كما أشار إلى حقيقة خلق إرباك في تاريخ يوم الذكرى الشركسية. فعلى ما يبدو أقدمت ”أبخازيا، المنطقة الانفصالية الجورجية المدعومة من موسكو على البحر الأسود، على اعتبار يوم 21 مايو/أيار، يومًا لإحياء ذكرى ضحايا حرب القوقاز“.2114
واختتم الكاتب مقاله بالتركيز على علاقة موسكو المتدهورة مع جمهورية قباردينو–بلكاريا (KBR): ”حتى في روسيا، ظهر صدع نادر في خطاب الكرملين المعتاد في جمهورية شمال القوقاز في قباردينو – بلكاريا. أعلن حاكم المنطقة يوم 21 مايو/أيار يوم الشركس وأقر علنا بشأن ”بعض المصاعب الّتي تحمّلها“ سكان المنطقة السابقون“. 1215
يتبع في الفصل الثاني عشر…