حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
22 يوليو/تموز 2022
مأسسة الغزو الأيديولوجي
الفصل الثاني عشر
التناقضات الروسية
منذ اندلاع القتال في سوريا في ربيع عام 2011، برزت قضية شركس سوريا، بالإضافة إلى المجتمعات القوقازية الأخرى، مما أدى إلى تفاقم هذه القضية بشكل مطرد بسبب الأحداث. في 17 يناير/كانون الثاني 2012، زار وفد رسمي أبخازي سوريا فجأة وناقش ما تم وصفه بأنه:
”التحقق من وضع السكان الأبخاز والشركس هناك“.
في 16 مارس/آذار 2012، زار وفد برلماني روسي سوريا. كانت مهامه مناقشة 1258 محنة الشركس في سوريا وإمكانية إعادتهم إلى وطنهم في شمال القوقاز. وضم الوفد أعضاء من مجلس الإتحاد (Federation Council) وهو مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي ومسئولون إقليميون ونشطاء من جمهوريات أديغيا وكراشيفو – شركيسيا وقباردينو – بلكاريا وعددهم 11 شخصا. ووفقًا لـ ”العقدة القوقازية“ 1259، قال بعض المشاركين أن الوفد سوف يسعى جاهداً لتعزيز فرص هجرة الشركس الذين يعيشون في سوريا.
بعد هذه الزيارة، قال أحد المشاركين في الوفد، وهو عسكر سوخت (Askar Sukht)، بأن ”على شركس سوريا مراجعة القنصليات الروسية في المواقع التي يقيمون فيها (سوريا أو الأردن أو لبنان) لتقديم“ طلبات للحصول على وضع اللاجئين، بعد ثلاثة أشهر من تقديم الطلب، وبشكل مبدئي لمدة ثلاث سنوات للدخول إلى الأراضي الروسية في سبيل الحصول على جنسية الفيدرالية الروسية ضمن آلية خاصة لتسريع العملية“.1260
ومع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، نشر موقع ”العقدة القوقازية“1261 أن النشطاء الشركس رصدوا لعبة للأطفال للإشارة إلى القوزاق ”الطيبين“ الذين يقاتلون الجبليين ”الأشرار“ — بعبارة أخرى، أشخاص من شمال القوقاز.
في التاسع من شهر يناير/كانون الثاني رد مجلس الدوما الروسي على رئيس أديغه خاسه، الجمعية الشركسية في جمهورية أديغيا، آدم شعيب بوغوص (Adam Shoaib Boghos)، فيما يتعلق بمساعدة الشركس السوريين على العودة إلى وطنهم التاريخي، حيث جاء الرد: ”ستبلغك لجنة القوميات في مجلس الدوما الروسي بأن طلبك لمساعدة الشراكسة في سوريا على العودة إلى الفيدرالية الروسية قد تم تحويله إلى وزارة التنمية الإقليمية في الفيدرالية الروسية، وسوف نرسل لك نسخة لاستجابة الوزارة!“ وجاء في الرد بأن ”شركس سوريا هم من أحفاد المهاجرين من أصول أديغية، من شمال وغرب القوقاز، الذين لم يقبلوا الجنسية الروسية، واختاروا الهجرة الطوعية من المنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية لحرب القوقاز (1817 – 1864). وبالتالي، فإن أسلاف الشركس الموجودين في سوريا أقاموا في الأراضي التي لم تكن في ذلك الحين ضمن الإمبراطورية الروسية. ولا يمكن اعتبار هجرتهم في عام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية كمهاجرين من الدولة الروسية، وفقًا “للفقرة 3 من المادة 1 من القانون الفيدرالي“. بالإضافة إلى التفاصيل المتعلقة بالاعتبارات التي صاغها ما سمي بالقانون الفيدرالي الروسي، وكذلك ”تنفيذ البرنامج الحكومي لدعم المواطنين المقيمين بالخارج لعودتهم إلى الوطن، والذي تمت صياغته بصيغته الجديدة مع القانون الرئاسي رقم 1289 المؤرخ بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2012“.
واختتم ”مدير إدارة العلاقات مع القوميات، أ. ف. جورافسكي (A. F. Joravsky) الرد بما يلي: “بناءً على ما ذكر أعلاه، نعتقد أن موضوع لم شمل الشركس في سوريا والمواطنين الذين يعيشون في الخارج يحتاج إلى دراسة شاملة بالتعاون مع الروس. وزارة الخارجية وإدارة خدمات الهجرة في الفيدرالية الروسية“. وعلى ما يبدو، لا تزال الدراسة الشاملة مستمرة حتّى الآن.
خطاب رمزي
أرسل أمين جخيجيف (Amin Zekhizv)، رئيس الحركة الاجتماعية ”أديغه خاسه — القرن الحادي والعشرون“ خطابًا رمزيًا في 18 يناير/كانون الثاني 2013 إلى مجلس الدوما الروسي وإلى وزارة التنمية الإقليمية الروسية جاء فيه ما يلي:
السيد جيورافسكي (Georavsky) المحترم!
بالنيابة عن أعضاء الحركة الإجتماعية، وبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الشركس في شمال وغرب القوقاز، أشكرك على الرد رقم 31 368 / 04 المؤرخ في 21 / 12 / 2012، لأنك الشخص الوحيد الذي وضع المؤشِّر على الكذبة التاريخية المستمرة منذ 500 عام حول ما يسمى انضمام شركيسيا الطوعي إلى روسيا.
الجواب صحيح ويعني ما يلي:
— الشركس شعب محتل،
— أراضينا مستعمرة من قبل الدولة الروسية،
— نحن من أحفاد الشعب المحتل،
— طالما أن شركيسيا تقع ضمن الفيدرالية الروسية، فإنّهُ ليس للشركس من وسيلة للعودة،
— إن حكام منطقة شمال القوقاز هم الحكام الإداريين الإستعماريين في القوقاز،
– يجب إزالة تمثال ماريا، زوجة القيصر الروسي، المقام في مدينة نالتشيك،
هذه بعض القضايا التي فُتِحت أعين الشركس والشعوب القوقازية الأخرى عليها.
مع تحياتي، متمنيا لكم ولكل الشعب الروسي البركة والازدهار،
— رئيس الحركة الاجتماعية ”أديغه خاسه — القرن الحادي والعشرون.1263
وفيما يتعلق بهذه الردود المثيرة للجدل، يجب ملاحظة ما يلي:
— تقوم لجنة شؤون القوميات التابعة لمجلس الاتحاد للفيدرالية الروسية / الدورة السادسة في مجلس الدوما بنقل رد طرف آخر (رد رسمي) وكأنها تقر بمعلومات ومواقف بدرجة عالية من الأهمية. وهذا يصل إلى حد التناقض مع الحقائق التاريخية من جهة ومع الدستور والقوانين الروسية النافذة من جهة أخرى. ما جاء في الرد، لا يلمح فقط إلى تجاهل حقوق الشعب الشركسي (الأمة الشركسية) كواحد من الشعوب الأصلية والأصيلة في شمال القوقاز، بل يتجاهل أيضًا حقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة وتشريعات حقوق الإنسان، والقانون الدولي. المرجع (No. 10).
— هناك إصرار من الجانب الروسي على وصف الحرب الروسية–الشركسية (القوقازية) بأنها حرب القوقاز، مما يؤدي إلى تجاهل التسمية الحقيقية، وتحويل الأنظار والمصالح نحو القراءة بين السطور لمحاولة تشويه الواقع وتغيير الحقائق. المرجع (No. 2)
— الحرب الروسية–الشركسية، التي استمرت لمدة مائة سنة وسنة واحدة (101) بين 1763 — 1864، ورد ذكرها في هذا النطاق: ”العمليات العسكرية لحرب القوقاز (1817 – 1864)“، وهو أمر غير متسق مع صواب الوصف والدقة في التأريخ مما يثير اللبس في المعنى والرّغبة. المرجع (No. 2)
— هناك تناقض في السياسات والتأكيدات الروسية الموثقة واللفظية التي لم تر النور بشكل جاد ومتوازن. وانطلاقًا من تصريحات الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسين، في عام 1996، وما أعقب ذلك من تعامل السلطات الروسية مع الجمعية الشركسية العالمية ومقرها نالتشيك، وانتهاءً بالطريق المسدود الذي وصلت إليه المحنة الإنسانية. فقد واجه شراكسة سوريا صعوبات نتيجة لاستمرار العنف فيها، وعدم استعداد السلطات الروسية للتعاون في هذه الظروف والتطورات المأساوية والمتكررة!
— إن التصديق غير المسبوق من قبل ”وزارة التنمية الإقليمية في الفيدرالية الروسية“، بدعم من ”لجنة شؤون القوميات في مجلس الدوما الروسي“، يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الشركس من الأصول الأديغيه يشكلون 90٪ من نصف الذين نجوا بعد الإبادة الجماعية الممنهجة والتطهير العرقي والتهجير القسري في ظروف مأساوية بعيدًا عن الوطن الأم. فقد أُجبروا على اللجوء إلى ملاذ آمن يحميهم من الجرائم المنظمة الشريرة. فقد تم وصفهم بأنهم شركس سوريا الحاليون الذين أقاموا في تلك الأراضي في ذلك الوقت، ولم يكونوا داخل الفيدرالية الروسية حتى هجرتهم في عام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية.
— كذلك، لا يمكن اعتبارهم مهاجرين من الدولة الروسية، وفقًا للفقرة 3 من المادة 1 من القانون الفيدرالي، وهذا اعتراف روسي غير مسبوق، يثبت ويعلن أن روسيا احتلت وطنهم في عام 1864. فكيف يمكن أن يحمل مواطنو الأراضي المحتلة جنسية الدولة التي احتلت وطنهم!
— على الرغم من كل التناقضات السابقة، فقد تجرّأ مجلس الدوما الروسي على إعلان الاعتراف بما يسمى بذكرى الانضمام الطوعي للأمة الشركسية إلى الإمبراطورية الروسية، قبل 450 عامًا. على عكس ما تزعمه وزارة التنمية الإقليمية في الفيدرالية الروسية، وكما يزعم المسؤول الروسي، حيث احتفلت الحكومة الروسية بهذه المناسبة في شهر سبتمبر/أيلول من سنة 2007. المرجع (رقم 14).
كان من المفترض أن تكون الذكرى السنوية لهذا الحدث بمشاركة الأطراف الشركسية التي تعتبر جزءًا من الإدارة الرسمية الروسية في شمال القوقاز وبعض الشركس الآخرين في الشتات المرتبطين بالجمعية الشركسية العالمية في نالتشيك. هذا يعني أن مجلس الدوما الروسي قد اعترف لحسن الحظ بأن الوطن الشركسي لم يكن في أي وقت من الأوقات من ضمن ممتلكات الإمبراطورية الروسية، لكن الإمبراطورية القيصرية الروسية احتلتهُ في القرن التاسع عشر بعد حرب وحشية ومدمرة. المرجع (رقم 14)
تم الإقتباس عن جون كولاروسو (John Colarusso) من جامعة ماكماستر ووالتر ريتشموند (Walter Richmond) من كلية أوكسيدنتال عن “الترحيل / الغزو وترحيل الشركس” بقلم ستيفن دي. شينفيلد (محرر) قائمة جونسون الروسية، ملحق البحث والتحليل، العدد الخاص: الشركس، العدد 43 – مايو 2008. وقد ذكروا في ما يلي، الخطة الشاملة لروسيا، والتي تتميز بالبلطجة، للتخلص من الأمة الشّركسية:
في اجتماع عقد في أكتوبر/تشرين الأول 1860، دعا الأمير بارياتينكسي (Bariatinksy) والجنرال فاديف (Fadeev) إلى ”الطرد غير المشروط للشركس من ملاذاتهم الجبلية“. أراد الجنرال إيفدوكيموف (Yevdokimov) ”إجبارهم إما على إعادة الإستيطان في الأراضي المنخفضة المفتوحة أو المغادرة إلى تركيا“. تم ترحيل القبائل التي تم اخضاعها بالفعل وكذلك تلك التي ما زالت تقاوم، مثل الشابسوغ (Shapsegh) والناتخواي (Natukhay) والأوبيخ (Ubykh) والأباظة (Abaza) والأبخاز (Abkhaz).1264
يتبع…