حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
29 يوليو/تموز 2022
مأسسة الغزو الأيديولوجي
الفصل الثاني عشر
عناوين اعتباطية (2)
في مفهوم مماثل، نشرت نشرة أوراسيا ديلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor) مقالاً بعنوان ”يبدو أن النشاط الشركسي شائك في الجانب الروسي، على الرغم من اعتداله“ بقلم فاليري دزوتساتي (Valery Dzutsati). وتناول المقال حملة الدعاية الروسية حيث ذكر فيه يانا أميلينا (Yana Amelina) بشكل خاص وما كتبته ونشرته.
صرح دزوتساتي أن أميلينا ”انتقدت بشكل غير متوقع النشطاء الشركس لمحاولاتهم {الهادفة لإحياء} القضيّة الشركسيّة. وفقًا لأميلينا، كانت القضيّة الشركسية قد {انتهت} بالفعل في فترة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي التي اقيمت في عام 2014، لكن في الآونة الأخيرة، حاول البعض في المملكة المتحدة وجورجيا وتركيا تنشيط الحركة الشركسية. وقامت الخبيرة بازدراء يوم العلم الشركسي، الذي يحتفل به الشركس في نهاية أبريل/نيسان، ووصفته بأنه حدث غير مهم“.1280
وذكر المقال أن ”الخبراء الروس مثل أميلينا استخدموا التهديدات بشكل متزايد لإقناع النشطاء الشركس بالتخلي عن محاولاتهم للدفاع عن مصالحهم. مرة أخرى، حذّرت أميلينا من أن الشركس لا ينبغي أن يعتمدوا على المملكة المتحدة وتركيا كحليفين، لأنهم استخدموهما سابقًا في {حرب عقيمة ضد روسيا} وفي النهاية، تخلوا عنهم (Rusplt.ru, May 4)“.1281
لقد أوضح دزوتساتي أهداف النشطاء الشركس والأعراف الروسية اللا أُبالية.
حاول النشطاء الشركس لفت انتباه العالم إلى محنة شعبهم في السنوات الماضية. استخدمت الإمبراطورية الروسية القوة العسكرية والمجاعة والمرض لطرد غالبية السكان الشركس من وطنهم في شمال القوقاز في القرن التاسع عشر. انتهى المطاف بحوالي 90 بالمائة من السكان الشركس خارج وطنهم. لكن الحكومة الروسية رفضت الاعتراف بتأثيرها السلبي على الأمة الشركسية أو التخفيف من عواقبها. فقد قام العديد من الشركس بحملة ضد أولمبياد سوتشي، {زاعمين} أن سوتشي هي ”أرض الإبادة الجماعية“. لكن روسيا رفضت الاعتراف بالغزو والتطهير العرقي للشركس من ساحل البحر الأسود على أنه ”إبادة جماعية“. لم تقدم السلطات الروسية حتى حوافز كبيرة للموالين لموسكو بين الشركس. لم تنقذ موسكو الشركس السوريين، الأمر الذي كان سيسمح لها بالظهور كمنقذ لهم والفوز ببعض التاييد من الشركس.1282
أظهر مقال أوراسيا ديلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor) كيف تقلل أميلينا من تأثير حركة النشطاء الشركس وتخفف من تأثيرها. تحاول نشر أخبار كاذبة عن المؤسسات الشركسية: ”وفقا لأميلينا، رفض الزعماء الشركس الفكرة ووصفوها بأنها {افتراضية ووُلِدت ميتة}. كما لاحظت الباحثة الارتفاع الأخير في أنشطة المركز الثقافي الشركسي في تبليسي، في جورجيا. وبحسب ما ورد فقد تلقى رئيس هذا المركز، ميراب شوخوا (Merab Chukhua)، دعمًا من الشركس في تركيا ومن الأوساط الأكاديمية السويدية (Rusplt.ru, May 4)“.1283
ذكر دزوتساتي أنه يبدو أن هناك كاتبًا مدعومًا من روسيا يتظاهر بأنه جورجي. هدفه هو الإساءة إلى الدوافع الإنسانية الجورجية الصادقة تجاه الشركس: إنّهُ ”إيراكلي غوغوبريدزي (Irakly Gogoberidze)، كاتب موالي لروسيا يتظاهر بأنه جورجي، ويحذر من أن جورجيا يجب أن تتخلى عن جهودها لدعم الشركس أو مواجهة رد فعل عنيف من قبل روسيا. ويدّعي غوغوبريدزي أن القوى الأجنبية ترسل {آلاف الدولارات} من أجل {المزيد من التحريض على الكراهية العرقية، وإطلاق العنان لحرب جديدة بين الأشقاء} (Worldandwe.com, May 5)“.1284
تأتي الهجمات اللفظية الجديدة على الشركس في وقت يتحفظ فيه النشطاء الشركس إلى حد ما بشأن نشاطاتهم الأخرى، على الرغم من أن يوم العلم الشركسي ويوم الذكرى يحدثان عادة في أبريل/نيسان ومايو/أيار من كل عام. في غضون ذلك، لم تقتصر الهجمات على الشركس على الاعتداءات اللفظية. فقد حُكم على الناشط الشركسي المعروف عدنان خواد بالسجن لمدة 15 يومًا لقيادة سيارته دون ترخيص. بالإضافة إلى ذلك، اتهمته شرطة الطرق الروسية، المشهورة بالفساد في جميع أنحاء روسيا، بمحاولة رشوة ضباط شرطة المرور. عُرف خواد بقيامه باحتجاجات متعددة تطالب روسيا بإعادة الشركس من سوريا التي مزقتها الحرب (Natpressru.info, May 6).1285
التحيز والتعصب والظلم والدّفع بالإتهامات هي ممارسات روسية معتادة ومألوفة.
في شهر مارس/آذار، قام مجهولون بتخريب نصب تذكاري شركسي في نالتشيك، عاصمة جمهورية قباردينو – بلكاريا، حيث تم تكريسه خصيصًا لإحياء ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم خلال الغزو الروسي للأراضي الشركسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. قدم الناشط الشركسي، أستمير شيبزوكوف (Astemir Shebzukhov)، مناشدة رسمية إلى السلطات مطالبا إياها بالتحقيق في الحادث. ومع ذلك، فإن الشرطة التي تتولى عادة مثل هذه التحقيقات، رفضت استئناف شيبزوكوف (Natpressru.info, May 6).1286
يتم الإعداد والتنسيق للسياسات الروسية، حيث يهتم المسؤولون وأدواتهم ووكلائهم بالحث على إطلاق مزاعم ضد النشطاء الشركس ”سواء كانوا جزءًا من حملة من قبل السلطات الروسية أم لا، لكن سلسلة الوقائع والاتهامات الروسية من قبل الخبراء (الروس) ضد النشطاء الشركس تظهر أن موسكو قلقة ليس فقط بشأن قيام الشركس بإجراءات ضد الحكومة، ولكن أيضًا بشأن إحياء الشركس لمناسباتهم الخاصة بهم بشأن إحياء الذكرى وتعزيز هويتهم“.1287
إن تزوير التاريخ والتخلص من الأدلة هي من الأدوات المعروفة المستخدمة ضد الشركس والأمم المضطهدة الأخرى.
قالت الحكومة الروسية على أعلى المستويات مرات عديدة إنها مصممة على محاربة تزوير التاريخ. حيث تعتبر موسكو جميع تفسيرات التاريخ باستثناء تلك التي تمت الموافقة عليها رسميًا ”خاطئة“. إن رواية الشركس المتسقة حول تدميرهم من قبل الإمبراطورية الروسية والنفي اللاحق تشكل تحدِّيًا شاملًا للحكومة الروسية. لقد أصبح الشركس على دراية إلى حد كبير بتاريخهم وعلاقاتهم المتوترة مع الروس، وتجد موسكو صعوبة في محاربة ذلك.1288
يعرف الشركس ما هي حقوقهم، ولن يتنازلوا عنها مطلقًا.
وبالتالي فإن السلطات الروسية متوترة لأنها لا تستطيع إجبار الشركس على نسيان ما تعلموه. تُقوض القضيّة الشركسية النسخة ”الصحيحة“ من التاريخ الروسي، والتي تصور تقليديًا الفتوحات الإقليمية من قبل الإمبراطورية الروسية على أنها سليمة بالنسبة للشعوب التي تم إخضاعها.
في كثير من الحالات، ينكر المؤرخون الروس تمامًا أن هذه كانت فتوحات على الإطلاق، مشيرين إلى المناطق التي تم احتلالها على أنها ”انضمت إلى روسيا طواعية“. ويدرك الشركس الآن أنهم تعرّضوا للغزو والتدمير من قبل روسيا. إن هذا الوعي الذاتي يثير قلق الخبراء الروس ويظهر حدود دعاية وتضليل الدولة الروسية.1289
تعاون روسي–تركي لإنتاج مسلسلات تلفزيونية مشتركة
ليس من قبيل المصادفة أن يتفق الروس والأتراك على التعاون والعمل من أجل أهداف معينة لتنفيذ مشاريع مشتركة، فهي ممارسة عادية بين الشركاء المُتعاونين. لكن بعد فترة من الركود في العلاقات وصل إلى حد العداء بعد ”إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية 1290 على الحدود السورية–التركية المشتركة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، استأنف الطرفان العلاقات في العديد من المجالات.
بعد التوصل إلى توافق بين البلدين، أعلن الطرفان العمل على مشاريع مشتركة لإنتاج أعمال تاريخية و ”تصوير مسلسل تلفزيوني تاريخي مشترك“.1291 وقد يؤدي هذا المشروع التلفزيوني المتعلق بالجوانب التاريخية للمنطقة إلى تزوير التاريخ أكثر مما كان عليه الحال إذا لم يتوخّى أحد الدقة والحقيقة.
يتبع في الفصل الثالث عشر…