الحقوق الشركسية يقابلها باطل الإنكار

الحقوق الشركسية يقابلها باطل الإنكار

عادل بشقوي

3 أغسطس/آب 2022

نشأت الإمبراطورية الروسية ومن ثم ترعرعت وترسخت منذ إيفان الرهيب على عقيدة استعمارية، تهدف الى سلوك سياسة الإبادة أو الاحتواء والاستحواذ. فقد اعتمدت أجندة سياسية ذات خطط إمبريالية مقاومة للتغيير، تقوم على التمييز والفكر العنصري والتعصب، حيث قامت بموجبه الطبقات الحاكمة المتعاقبة ومجتمعاتها السياسية والارستقراطية وحتى الكنيسة الى حدٍ ما، بالمجاهرة والترديد علانية بما تقوم عليه فاشيتهم التي تتماشى مع الثقافة العنصرية المؤسسية، وتعميمها في الأماكن التي يتم تمزيق المجتمعات فيها وفق أبعاد وأسس غير انسانية. لا يمكن تفسير ما حدث سوى أنّهُ صراع بين الخير والشر، وبين حضارات عريقة ومتجذرة في أوطانها منذ آلاف السنين (لكن توقف تطورها منذ الغزو والاخضاع)، وأخرى وليدة ذات أبعاد عدوانية و استحواذية.

لفت انتباهي مقال بعنوانلا شيوعية ولا استعمار، جاء في مقدمته: ”جرى البحث فى أنواع المستعمرات عندما شعر المستعمرون أنهم لا يستطيعون أن يعاملوا البلاد المغلوبة معاملةً واحدةً“. وتطرق الى الفتوحات الاستعمارية في حقب تاريخية مختلفة منذ الاسكندر المقدوني وإلى العصر الحديث. ويقول: ”قام ميثاق الأمم بعد الحرب العالمية الأولى على بطلان الاستعمار، واحترام حق تقرير المصير، ومعنى تقرير المصير أن الاستقلال حقٌّ طبيعيٌّ لكل أمةٍ تحكم نفسها أو تحكمها غيرها؛ فمَن كانت من الأمم مستقلة معترفًا لها بالاستقلال، فهي صاحبة السيادة على نفسها ولا سيادة لأحدٍ عليها، ومَن كانت سيادتها بيد غيرها، أو كانت موقوفة لعلةٍ عارضةٍ تحول بينها وبين ولاية حَقٍّ السيادة فيها، فهي في ذمة الإنسانية تختار لها مَن يحكمها إلى أن تملك زمام سيادتها، وليس للدولة المختارة لحكمها حق في تسخيرها واستغلالها“. (https://www.hindawi.org/books/19631637/10/)

قطعا لم يحالف الحظ الامة الشركسية لاسترداد حقوقها المهدورة. ”فالبلاد التي اقتحمها النازيون والفاشيون ودعاة السطوة الحربية من اليابانيين قد خرجت جميعًا من أيديهم، ولم يحصلوا منها على غير الخسارة والهزيمة وسوء القالة، ولم يحصل مثل ذلك للدول التي قبلت المبدأ، ولو بالاحتيال عليه. ولا يقال إن النازيين والفاشيين ودعاة السطوة الحربية قد أصابهم ما أصابهم لأنهم مهزومون ساء بهم الحظ، فأصابهم جزاء القانون“.

أصبح معظم المستعمرون يتنصلون من عنجهية المستعمر، ولو بِتزلُّفٍ وتواضع مصطنع، لكن لم يتضح ذلك في حالة الدولة الروسية مع الامة الشركسية بشكل خاص وشعوب شمال القفقاس بشكل عام، حيث تبين غيهم وعنادهم. ”فلما بطل فخر الاستعمار ظهر «التواضع الاستعماري» قبل أن تظهر المبادئ العامة في السياسة الدولية، وما زال المستعمرون من أوائل القرن العشرين يتقربون إلى رعاياهم بمساواتهم في حقوق المواطنة، ويعبرون عن هذه المساواة بما طاب لهم من الصِّيَغ الدستورية، أو صِيَغ العُرف الشائع بين الديمقراطيين المحدثين.

** بالانجليزي سمح للهندي أن يساويه في حق الترشيح للنيابة في العاصمة الإنجليزية.

** والفرنسي يقول: إن الجزائر وطن للفرنسيين، وإن فرنسا وطن للجزائريين.

** والروسي يقول للترك الآسيويين: إن صعاليك الأمم قاطبة مشتركون في حقوق الأوطان. (فأين موقع الشركس من هذا الوصف؟)

** والأمريكي يقول لأبناء الفليبين قبل تعديل الدستور الأخير: إن رعايا الولايات المتحدة، ورعايا الجزر الوطنيين سواء في حقوق المواطنة.“

ورغم تعاقب أنظمة حكم مختلفة، فإنّهُ يتم إجبار الشعوب والأمم بطرق مختلفة سواء بالترغيب أو الترهيب، على التخلي عن ثقافتهم الأصلية لوصفها أحيانا بالمتخلفة، وذلك عبر تعديلات في مواد الدستور، وتقديم بدائل يتم تمريرها بأغلبية من العنصر السلافي الروسي، ومثال على ذلك استفتاء على تغيير مواد في الدستور الروسي تجعل اللغة الروسية دون غيرها، هي اللغة الرئيسية والرسمية في طول البلاد وعرضها. كذلك يمكن وصف السلطات المحلية المُغلفَّة بأقنِعة ديكورية بانها تمثل نظامًا شموليًا دكتاتوريًا أو سلطويًا. ويتم وفقا لذلك، سن قوانين محلية تطبَّق تحديدا على السُّكان الأصليين، وهي شبيهة بالقوانين العرفية التي تطبقها الأنظمة العنصرية، يجري تطبيقها من قبل أجهزة المخابرات أو ميليشات لا تخضع للمساءلة القانونية.

ربما من هول المفاجأة وعنصر المباغتة، وبسبب استمرار التأثير الاستبدادي على المجتمعات الخاضعة، برزت حقيقة الحاكمين الاقوياء والمحكومين الضعفاء. بالتالي، خضوع البعض راغبين صاغرين لرغبات وتوقعات غير محمودة ضمن مقامرة غير محسوبة النتائج. وتبدو على هذا البعض بالضرورة أعراض متلازمة ستوكهولم، وذلك نتيجة لاتباع مؤثرات متعددة لإبقاء الوضع على ما هو عليه

بالأحرى، يتم استخدام أساليب وأدوات، بما في ذلك ترويض أذهان الضحايا وذريتهم، وهم الذين تعرّضوا للاضطهاد والتهجير القسري، لكن ما زالوا مجبرين على العيش في الشتات، ليس بمقدورهم العودة إلى وطنهم الأصلي، وفق تنفيذ سهل لخطة عودة إلى الوطن. إلا أن البعض، سواء في الشتات أو في الوطن، يتصرف وفق آلية توصف بالأمية الوظيفية (functionally illiterate) تدخل ضمن نرجسية النظام والنفاق السياسي الّذي لا تُحمد عقباه. فعندما يكون الذئب راعياً، فلن ينجو أحد من الظلم والاضطهاد

وختامًا، فإن تطبيق سياسة استعمارية مستمرة وفق عقيدة أمنية ذات مضمون عنصري، واستمرار الإبادة الجماعية حتى يومنا هذا، لن يكون له إلا المزيد من البشاعة الّتي يكتوي بنارها الجميع. ليس فقط شراكسة الشتات، بل أيضا مواطنيهم في الوطن. الشيء الغريب هو أن الشراكسة في الشتات مشغولون بمعالجة أمور غير قابلة للحل بالنظر إلى القوانين والقواعد الروسية المعرقلة وغير القانونية المجحفة وغير المؤاتية. وهذا يجعلهم ينسون حقوقًا أكثر أهمية فقدوها. فمن الواضح أنه سيتم التعامل معهم على أنهم هواة، وسيتم دفعهم لنسيان أهم الحقوق المصادرة، والتي ترتبط بالمشكلة الجوهرية المتعلقة ببحث كافّة الموضوعات ذات الصلة.

Share Button

اترك تعليقاً