القضايا الإنسانية — البعد الإنساني للقضيّة الشركسية — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


12 أغسطس/آب 2022

القضايا الإنسانية

الفصل الرابع عشر

البعد الإنساني للقضيّة الشركسية

إذا أراد الشركس الحفاظ على مطالباتهم، فهم بحاجة إلى الوقوف موحدين في مواجهة المشاريع والخطط الإقصائية المتعلقة بتصفيةالقضيّة الشركسيةسواء من خلال تبديد وتقسيم المناطق الشركسية في شمال القوقاز أو من خلال محاولات السلطات الروسية الحفاظ على الوضع الراهن الذي يتجسّد في فرض إنكار الحقوق الشركسية، وإهمال موضوع الشتات الشركسي، وتقزيم الشركس من خلال التشجيع والحفاظ على وضعهم الحالي بشكل دائم في أماكن إقامتهم الحالية من خلال التعاون مع بعض رؤساء وأعضاء بعض مجالس إدارة بعض المؤسسات الشركسية المرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالمصالح الروسية.

في ظل علاقة غير متكافئة، لم يلْقى الشركس أي شيء من الروس (الذين قاتلوهم وغزوهم في وطنهم)، سوى القتل والتدمير والظلم والاضطهاد والطرد والترحيل إلى المنفى. أولئك الذين نجوا وتمكنوا من الوصول إلى بر الأمان، في كثير من الحالات، تمكنوا من الوصول إلى الأماكن التي يوجد بها أُناس من ذوي القلوب الكبيرة، يتّصِفون بالشهامة والفروسية. لقد ذهبوا إلى بلدان بها أشخاص يتمتعون بصفات جيدة معروفين بالأخلاق والخصال الحميدة والحكمة وحسن التقدير، ولا يترددون في فعل الخير أو إتاحة الأمل في مقابل الوفاء، فضلاً عن الصدق واللطف والإنصاف والإخلاص في تحمل المسؤولية وفقا للقيم النبيلة.

في المقابل، حافظ الشركس على قيمهم المتمثلة في الولاء الثابت والشجاعة واللطف والأمانة والنزاهة والصبر والرضا بإرادة الله والبحث عن مخرج من الصعوبات والمصاعب دون فقدان الهدف الأساسي المتمثل في استعادة حقوقهم المشروعة.

ما هي حقوق الانسان؟

تعتبر حقوق الإنسان عنصرًا أساسيًا وضروريًا للعالم المتحضر كبشر بغض النظر عن أصلهم أو دينهم أو لغتهم أو عرقهم، وذلك بشكل فردي وجماعي، حيث يستحقّون الاحترام والحرية والامتيازات: ”الافتراض الأساسي هو أن كل إنسان كائن أخلاقي وعقلاني يستحق أن يعامل بكرامة“.1324

وانطلاقا من حقيقة أن القضيّة الشركسية هي قضية إنسانية بامتياز ومرتبطة بقضية القيم الإنسانية السامية، فإنها تفترض طلب تطبيق حقوق الإنسان، والتي يمكن ربطها بما يجب أن يطالب به الشركس لتطبيق القوانين الدولية ذات الصلة بالمأساة الشركسية وفقا للحقوق الثلاثين المدرجة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها جميع الناس على حد سواء، بغض النظر عن مكان إقامتهم، هي أن يتمتّعو الجميع بما يلي:

حقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم القومي أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. إن لنا جميع الحق في الحصول على حقوقنا الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز. وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة.

غالبًا ما يتم التعبير عن حقوق الإنسان العالمية وضمانها بموجب القانون، في أشكال المعاهدات والقانون الدولي العرفي والمبادئ العامة ومصادر القانون الدولي الأخرى. يحدد القانون العالمي لحقوق الإنسان التزامات الحكومات بالتصرف بطرق معينة أو الامتناع عن أفعال معينة، من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد أو الجماعات.1325

تم وصف مقالات الحقوق المذكورة على أنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) — فهو وثيقة تاريخية بارزة في تاريخ حقوق الإنسان — صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتباره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف (217 A) بوصفه معيار مشترك للانجازات لكافة الشعوب والأمم. وهو يحدد لأول مرة، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا.1327

إنالإنجاز لجميع الشعوب والأمموالمذكور هنا، له قيمة لخدمة كرامة الإنسان والحفاظ عليها. تم سرد ما يلي للتقريب، والذي يذكر بعض المواد التي لها علاقة مباشرة بحقوق الشركس المصادرة، دون التقليل من أهمية باقي النّقاط، والتي تذكر جميعها، من دون استثناء، حقوق الإنسان المهمة

المادة 7. ”الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز“.

المادة 9: ”لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسُّفاً“.

المادة 13.

”(1) لكلِّ فرد الحقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة.

(2) لكلِّ فرد الحقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده“.

المادة 15

”(1) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

(2) لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته“.

المادة 28. ”لكل فرد الحق في نظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق فيه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان بالكامل“.

المادة 30: ”لا يجوز تفسير أي شيء في هذا الإعلان على أنه يخول لأية دولة أو جماعة أو فرد أي حق في الانخراط في أي نشاط أو أداء أي عمل يهدف إلى تدمير أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان“.1328

الديمقراطية والإمبريالية وحقوق الإنسان

مصطلح الديمقراطية يستخدم من قبل أي شخص يكون مولعًا في مهاجمة الآخرين، حتى عندما يُنظر إليه على أنه نتيجة تؤدي إلى نزوات الارتباط الانتقائي إلى عدم التوافق بين المخطط النظري ومحتوياته الحقيقية مما يؤدي إلى عدم تنفيذ عناصره الأساسية. في هذا المفهوم وفي ضوء اتهام القادة الغربيين لـِ ”السيد. بوتين بأنّهُ يتراجع عن الديمقراطية، نشر موقع بي بي سي (BBC) مقالاً بعنوانبوتين يزجر الغرب {المستعمر}“ الذي بدأه بِالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتّهِم النقاد الغربيين لسجل روسيا في الديمقراطية باستخدام الخطاب {الاستعماري}. في المقابلات التلفزيونية، قال إنه من غير المقبول أن يستخدم الغرب هذه القضية للتدخل في شؤون روسيا“.1329

وقال الرئيس الروسي، من خلال مقابلة مع تلفزيون إل. سي. آي. (LCI) الفرنسي،إذا نظرت إلى الصحف منذ 100 عام، سترى كيف برّرت الدول الاستعمارية في ذلك الوقت سياساتها في إفريقيا أو في آسيا. تحدثوا عن دورهم الحضاري، وعن مهمة الرجل الأبيض“.1330 لقد تصرف وكأن أحداً لم يشهد كيف تجسدت أقواله في دور روسيا في التعامل مع الشعوب والأمم التي غزتها واحتلتها الإمبراطورية الروسية في الماضي، وما زالت، بالإضافة إلى ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، والدور السلبي الذي تلعبه روسيا في شرق أوكرانيا وسوريا، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع العديد من الدول، بما في ذلك تركيا.

يظهر الواقع أن روسيا لا تمنح حقوق الإنسان والحقوق المشروعة وحق تقرير المصير وحرية الاختيار للعديد من الشعوب والأمم التي تعتبر جزءًا من الفيدرالية الروسية! وتعليقًا على مقال بي بي سي، وجّهتْ إحدى المقالات على الإنترنت سؤالًا منطقيًا: من هم المستعمرون، يا سيد بوتين؟

بدأ المقال: ”أولئك الذين يعيشون في بيوت زجاجية يجب ألا يرشقوا الآخرين بالحجارة، ويبدو أنك تفترض تمامًا جهل الآخرين، وأنت في نفس الوقت تتجاهل حقيقة أن الدولة المسماة {جمهورية روسيا الاتحادية} وهي دولة عضو في الأمم المتحدة ونفترض أن هذا العضو الموقر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد وقّع بالفعل وصادق ووافق على جميع ما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب. إن المعرفة هي القوة، وليس هناك من أعمى مثل أولئك الذين لا يريدون أن يروا“.1331

وأضاف المقال،إن القوى الاستعمارية المعروفة، التي قصدها السيد بوتين، قد اعترفت بالفعل بمستعمراتها كدول مستقلة وانضمت تلك الدول المستقلة إلى الأمم المتحدة والوكالات والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى“.1332

تعرف الشجرة من ثمارها

مبادرة إنسانية وقصة مؤثرة قدمها العاهل الأردني الملك عبد الله الأول، الذي اتخذ خطوة إنسانية ولم تكن خطوة مفاجِئة من قبله. نشرت صحيفة الدستور الأردنية في السادس من شهر يناير/كانون الثاني 2011 مقالاً كان قد نُشِر قبل ستين عاماً، يعطي فكرة عن الهجرة الشركسية إلى الأردن في منتصف القرن العشرين، وهو تذكير بهجرة الشركس في القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين، التي كانت تدور حول شاب شركسي سافر إلى عمان من أجل قضية إنسانية معينة.

في عام 1948، وسط انشغال الحكومة الأردنية باستقبال اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة الفلسطينية، استقبل الملك الراحل الشاب الشركسي الذي أبلغ جلالة الملك بوجود عدد من الشركس اللاجئين في روما في أعقاب هزيمة ألمانيا الهتلرية، حيث يتعرضون لتسليمهم لروسيا السوفيتية بموجب اتفاقيةيالطاباعتبار أنّهم من الرعايا السوفييت، وكانو قد انضمّوا إلى القوات الألمانية أثناء احتلالها لأراضي القوقاز في الحرب العالمية الثانية.1334

لقد كانت خطوة إنسانية مهمة وجب اتخاذها من أجل إنقاذ الشركس:

فقد لجأ هؤلاء الأشخاص إلى الفاتيكان طلباً للحماية، وتم الترحيب بهم، ورُفضوا أن يشملهم تبادل الأسرى بين الحلفاء وروسيا السوفيتية، وسعى السيد شوابزوقة (Shwabzouqa) إلى الطلب من الملك الراحل قبول هؤلاء المسلمين الشركس بصفتهم رعايا أردنيين مثل إخوانهم الذين يعيشون في الأردن حيث استجاب له جلالة الملك، وأمر على الفور باتخاذ إجراءات لنقلهم على الفور من روما إلى الأردن.1335

الخطوة تبعتها أُخرى.

ووصل إلى عمّان السيد جانغري حبجوقة (Jangeri Habjouqa) قادماً من روما، وطلب من الملك الراحل قبول المجموعة الثانية التي كانت تتألف من 86 شخصاً من المهاجرين القباردي، حيث استجاب الملك لطلبه، و أعطيت الأوامر لاستقبالهم.

طُلب من الشركس وما زالوا يتأقلمون مع ما نشره أحد المواقع بشكل ساخر بعنوانإبق في الجحيم ولا تحلم بالجنة، والذي وصف الوضع والظروف التي واجهها الشركس وبرزت في وطنهم.1336

لسوء الحظ، فهم مستهدفون بالعنصرية والتمييز العرقي والتعصب وكراهية الأجانب وجميع أشكال التحيز بينما لا تزال التماثيل والنصب التذكارية الروسية والسوفياتية التي تشيد بقواتها المنتصرة، تُذكّر بالإبادة الجماعية والاستعمار والاحتلال وهي منتصبة في جميع أنحاء وطنهم: ”في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أقامت السلطات المحلية في مدينة سوتشي الواقعة على البحر الأسود نصبًا تذكاريًا للقيصر الروسي ألكسندر الثاني“.1337

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً