دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي — الألعاب الأولمبية على أرض الإبادة الجماعية — من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ للكاتب عادل بشقوي

حضرات القُرّاء الأعزاء،

يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد

عادل بشقوي


06 سبتمبر/أيلول 2022

دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي

الفصل الخامس عشر

الألعاب الأولمبية على أرض الإبادة الجماعية

تعتبر الألعاب الأولمبية الشتوية حدثًا رياضيًا شتويًا دوليًا يقام مرة كل أربع سنوات. كانت استضافة حدث دولي في سوتشي من أولويات الدولة الروسية وأرادت تحقيق ذلك بأي ثمن.

جرت المحادثات الأولية حول استضافة سوتشي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الثمانينيات من القرن الماضي. وفي عام 1990، تم مسح منطقة كراسنايا بوليانا (Krasnaya Pollyanna) [المنطقة التي أصبحت قرية التزلج الأولمبية] من قبل خبراء من الاتحادات الدولية للرياضات الشتوية واللجنة الأولمبية الدولية (IOC). تم تقديم عرض رسمي لاستضافة أولمبياد 2002 في سوتشي في عام 1994، لكن مدينة المنتجع المطلة على البحر الأسود لم تصل إلى القائمة المختصرة للمدن المرشحة. وخلصت اللجنة الأولمبية الدولية إلى أن سوتشي لم تستوف المعايير الفنية.1451

تم توثيق ما قاله ليونيد تياغاتشيف (Leonid Tyagachev)، رئيس اللجنة الأولمبية الروسية، حيث قال في مقابلة صحفية،

بدأ مشروع الألعاب الأولمبية لعام 2014 [في عام 2000] عندما قمنا بزيارة كراسنايا بوليانا (Krasnaya Pollyanna) مع الرئيس الروسي. نظرنا إلى الجبال وفكرنا،كيف يمكن أن يكون لدينا منتجع على مستوى عالمي هنا؟ بالطبع، نحن بحاجة إلى الأولمبياد“. ومن ثم فتنت هذه الفكرة الرئيس. وبطبيعة الحال، حتّى لو لم يكن هو نفسه متزلجًا، لكان قد فهمسحر كراسنايا بوليانا“. كان هناك ثلاثة مؤيدين فقط للأولمبياد. لم يعتقد آخرون أن هذه المعجزة كانت ممكنة. أما بالنسبة لي، كان من المهم إقناع الرئيس أن هذا ليس ضروريًا لي، ولا له، لكنه ضروري للبلاد. لقد حان الوقت لأن يكون لبلدنا منتجعًا حقيقيًا واحدًا على الأقل. كان ذلك مهمًا لشعبنا، وللرياضة.1452 

يبدو أن الحكومة الروسية أنشأت ورشتها الخاصة وخططت لمتابعة وتنفيذ مشروعها، بغض النظر عن جميع العقبات القانونية والقوانين التي تم انتهاكها، وبالتالي القضاء على الأماكن والمناطق والظواهر الطبيعية التي لا يمكن تعويضها أو إعادتها إلى حالتها الطبيعية.

في فبراير 2003، وقّع رئيس الحكومة الروسية، ميخائيل كاسيانوف (Mikhail Kasyanov)، المرسوم رقم (238-r): ”وصف حدود حديقة سوتشي الوطنية التي يمكن تأجيرها لبناء منتجع رياضي وسياحي في كراسنايا بوليانا“. أصبحت هذه الوثيقة في الواقع نقطة البداية لجميع حالات الخروج عن القانون الأولمبية اللاحقة. أمر كاسيانوف بتخصيص مناطق طبيعية قيّمة للبناء، مثل التلال الجبلية في إيبغا (Aibga) وبسيكاكو (Psekhako) وغريشيفوي (Gryshevui) ومنطقة بحيرات هميليفسكي (Hmelevskih).1453

أثار عقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي تساؤلات وشكوكًا وقضايا، وكشف عن تداعياتها ونتائجها بالإضافة إلى آثارها، لا سيما على قطاعات البيئة والبناء والمواد: ”تم اتخاذ القرار بعد النظر في المواد والمعلومات التي قدمتها منظمة السلام الأخضر في روسيا. يقوم علماء البيئة بإبلاغ أعضاء اللجنة عن البناء واسع النطاق المخطط له في المنطقة العازلة من {غرب القوقاز} (والذي تم حظره مؤخرًا بموجب القوانين الروسية، ومع ذلك، فقد تم تغيير التشريع من أجل إضفاء الشرعية على احتلال مناطق محمية طبيعية فريدة من نوعها).1454

أسقطت السلطات الروسية من حساباتها إمكانية الالتزام بالقوانين المتعلقة بتقييد البناء وتغيير معالم شمال غرب القوقاز، لكنها واصلت التعدي على المواقع المحمية رغم كل المحاذير والإجراءات الوقائية.

في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004، قامت مجموعة من كبار المسئولين بصبالمكعب الأولالرمزي من الخرسانة، وبدأوا في بناء مصعد التزلج الخاص بالمنتجع الجديدغورنايا كاروسيل“ (Gornaya Karusel) على تلة إيبغا (Aibga Ridge) بالقرب من سوتشي. تمت تغطية الحدث في وسائل الإعلام على أنهإنجاز كبيرومعلم جديد في تاريخ سوتشي“. لكن وسائل الإعلام لم تذكرعلامة فارقةأخرى — العمل خارج نطاق القانون: لم يكمل المقاولون أو غورنايا كاروسيل (Gornaya Karusel) تقييم الأثر البيئي. بالضبط بنفس الطريقة، وفي انتهاك للقواعد التشريعية المختلفة، تم بناء الهياكل الأولمبية اللاحقة، فكانت الانتهاكات متعمدة وتعتبر سلوكًا عاديًا ومعتادًا.1455

لقد خلقت أولمبياد سوتشي سابقة خطيرة للغاية لبلدنا: تعديل القوانين الفيدرالية للسماح ببناء المشاريع العملاقة. جانب آخر مخجل كان دور المؤسسات الدولية مثل اللجان الأولمبية الوطنية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في مراقبة وإنفاذ المعايير البيئية استعدادًا للألعاب. لقد فشلوا في الوفاء بمسؤولياتهم؛ فقد أغمضوا أعينهم عن الانتهاكات العديدة.1456

لا ينبغي لأحد أن ينسى دور بعض الجهات الدولية التي شاركت في تسييس مثل هذا الحدث الرياضي وما يترتب عليها من قرارات أخرى مع الإضرار بأشياء كثيرة من أجل إرضاء وإبهار بعض الأجندات والمشاهير والمسؤولين.

سمح التراخي الدولي للحكومة الروسية بتنفيذ مشروع بناء واسع النطاق دمر نظامًا بيئيًا فريدًا من نوعه، وتسبب في أضرار بيئية لم يسمع بها منذ عصر التصنيع قبل أكثر من قرن من الزمن. لا نريد أن يتحول هذا التحليل للأخطاء إلى لعبة لإلقاء اللوم، بل نريد أن يُسْتخدم كدرس جاد لنا جميعًا.1457

قبلت اللجنة الأولمبية الدولية العرض الروسي، وفي الوقت نفسه، تجاهل جميع المسؤولين المعنيين المشاركين في هذا الخيار المشبوه في الوقت نفسه جميع الحقائق والاحتياطات أثناء اختيارهم لمدينة سوتشي الشركسية لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014: فقد قبلت العرض الروسي، بينما في الوقت نفسه تجاهل كل المعنيين لهذا الاختيار المشبوه كل الحقائق والاحتياطات، في حين اختاروا مدينة سوتشي الشركسية لاستضافةدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام2014“.1458

نشرت مجلة ناشيونال جيوغرافيك (National Geographic) مقالاً بعنوانحزب بوتين“ (Putin’s Party)، وهو تقرير مفصل عن الألعاب الأولمبية الشتوية والمرافق التي شُيدت في سوتشي وكراسنايا بوليانا. تضمنت المقالة مقابلات وصور ومعلومات وحقائق عن الشركس، بما في ذلك خريطة شركيسيا التي نشرت في عام 1855 باللغة الإنجليزية وأشار المقال،

في نهاية المطاف، أثبتت القدرة العسكرية الروسية الكثير بالنسبة لمحاربي الجبال، الذين رفضوا قبول عرض القيصر للعيش في سيبيريا أو الهجرة إلى الإمبراطورية العثمانية. اتخذ الشركس موقفهم الأخير في الوادي الصغير الذي يسمى الآن كراسنايا بوليانا، أو المرج الأحمر، وهو اسم ينسبه البعض خطأً إلى حقيقة إراقة الدماء في المعركة. لكن بعد استسلامهم في عام 1864 تم تهجير الشركس، وتوفي اللاجئون بالآلاف وهم في طريقهم إلى سوتشي. لقد تم نقل الناجين إلى أركان مختلفة من الإمبراطورية العثمانية. توفي بعضهم على متن السفن التركية وقد تم إلقاء جثثهم في البحر الأسود.1459

قبل عام واحد من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، نشر بول غوبل ما يلي:

في كل يوم جمعة خلال الأشهر المقبلة، سأقوم بإعداد نافذة خاصة على  أوراسيا حول معنى وتأثير الأولمبياد المخطط له على الأمم في المنطقة المحيطة. لن تهدف هذه النوافذ (المقالات) إلى أن تكون شاملة، بل ستتألف من سلسلة من النقاط الهامّة حول هذه التطورات. أود دعوة أي شخص لديه معرفة خاصة أو معلومات حول هذا الموضوع لإرسال مراجع للمعلومات المعنية.1460

رفض علماء البيئة والمؤرخون وجماعات ومنظمات حقوق الإنسان رفضًا قاطعًا خطوة تلويث مشهد محمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). كان من الممكن ملاحظة انتهاك سلامة الحفاظ على واحدة من أهم الغابات القديمة المحمية في العالم، والموائل النباتية الطبيعية، وأنواع وحيوانات الحياة البرية، والمحميات الطبيعية.

القرار النهائي للجنة ليس صارمًا للغاية. يبدو أن هذا مرتبط بحقيقة أن الخبراء لا يرغبون في ممارسة أي تأثير على اللجنة الأولمبية الدولية في عملية اتخاذ قرار بشأن مكان إقامة أولمبياد 2014“، كما يقول رومان فازينكوف (Roman Vazhenkov)، مدير برنامج المناطق الطبيعية المحمية بشكل خاص، من منظمة السلام الأخضر الروسية.1461

اتخذت السلطات الروسية مبادرة لدعوة أفراد من الشركس إلى سوتشي، وفق خطة مدروسة ومعدّة جيدًا لتنظيم وتنفيذ جولة في مناطق البناء وخاصة زيارة المنطقة التي شهدت تغييرًا جذريًا في معالمها، فقط قبل وقت قصير من بدء الألعاب الأولمبية: ”في الآونة الأخيرة، سافر وفد من الشركس إلى موطن أجدادهم لزيارة المواقع التاريخية قبل انعقاد  الألعاب“.1462 من المناسب القول إن اثنين فقط من المجموعة، هما زهير تحاوخو (Zoher Thawcho) ونالتشيك أشموز (Nalchik Ashmoz)، وهما شركسيان من بلدة كفر كما بإسرائيل، رفضا مواصلة الجولة في اللحظة التي اكتشفوا فيها أنهم ذاهبون جميعا إلى سوتشي. فقد رفضوا المضي في الجولة وغادروا المنطقة على الفور، عائدين إلى كفر كما.

يتبع…

Share Button

اترك تعليقاً