موسكو تواصل جهودها للتغلغل في الشتات الشركسي

موسكو تواصل جهودها للتغلغل في الشتات الشركسي

الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor Volume) المجلد: 20 العدد: 29

الكاتب: بول غوبل (Paul Goble)

16 فبراير/شباط 2023

ترجمة: عادل بشقوي

17 فبراير/شباط 2023

A Circassian procession through Istanbul in memory of the 1864 expulsion by the Russian Empire. (Source: Eurasianet)

على مدار تاريخها ، لم تبدي أي حكومة في أي بلد اهتمامًا بالمهجّرين والمقيمين في الشتات أكثر من اهتمام روسيا بهم. ولم تتخذ أي دولة أخرى المزيد من الخطوات لمحاولة زرع الفوضى والتّغلغل والسيطرة عليهم. والسبب في ذلك بسيط: لقد لعب المهجّرون والشتات الذين غادروا روسيا بانتظام أدوارًا كبيرة في تاريخ البلاد، وغالبًا ما كانوا بمثابة القاعدة الوحيدة التي يمكن لشعوبها من خلالها التعبير عن معارضتها للأنظمة الحاكمة. في بعض الأحيان، والأكثر إثارة للقلق من وجهة نظر الكرملين، يعود بعض المهاجرين إلى ديارهم ويطيحون بالنظام الحاكم، كما فعل فلاديمير لينين بشكل أكثر شهرة في عام 1917 (Window on Eurasia, February 13). وعلى الرغم من أنها تلقت اهتمامًا دوليًا أقل من الهجرة العرقية الروسية في الماضي والحاضر، إلا أن الحكومة الروسية لم تكرس نفس القدر من الاهتمام أو تعمل بجد لفوضى ونزع سلاح أي شتات آخر غير الشتات الشركسي، الذين يبلغ عددهم أكثر من سبعة ملايين في جميع أنحاء العالم، مع التركيز بشكل خاص في الشرق الأوسط. (لمعرفة المزيد عن هذه الجهود الروسية، بما في ذلك الاستيلاء على الجمعية الشركسية العالمية من قبل أفراد ومجموعات تعمل لصالح أجهزة المخابرات الروسية، يمكن الإشارة إلى مقال نافذة على أوراسيا (March 14, 2020May 4, 2022Zapravakbr.ru, December 19, 2022).

تكمن أسباب هذا التركيز في أربعة أمثلة. أولاً، الشتات الشركسي عاقد العزم على بلفت الانتباه الدولي إلى واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الروسي، وهي التّرحيل الجماعي للشركس من شمال القوقاز في سنة 1864 بعد أكثر من قرن من المقاومة للتوسع الإمبرياليوهو فعل يكاد أن يعتبره المجتمع الشركسي دوليا على أنّهُ إبادة جماعية. ثانيًا، يسعى بعض الشركس إلى إعادة بناء الدولة الشركسية التاريخية في شمال القوقاز، الأمر الذي من شأنه إعادة رسم حدود تلك المنطقة وإنهاء السّلطة الروسية هناك. ثالثًا، ارتقى قادة الاغتراب الشركسي إلى مواقع القوة والسلطة في البلدان التي فرّوا إليها، مما مكّنهم من لعب دور كبير في تفكير الحكومات هناك. ومن أبرز هذه الدول تركيا وغيرها مثل جورجيا، التي اعترفت بالإبادة الجماعية الشركسية بينما طوّرت علاقات أوثق مع 700 ألف شركسي في الوطن عبر التكنولوجيا الحديثة (Window on Eurasia, September 15, 2020). ورابعًا، بدلاً من مجرد الاستسلام والتراجع عن الفضاء العام كما فعلت مجموعات المهجّرين الأخرى عندما تخترق موسكو مصالح مجموعات وتؤثر عليها، فإن الشركس لديهم سجلا طويلا في تشكيل مجموعات جديدة استجابة لمثل هذه الجهود، مما يعني أنّ الصراع يتجدّد بين الدولة الروسية والأمة الشركسية باستمرار. للمزيد عن خلفية هذا الصراع يمكن الاشارة الى (EDM June 20, 2017October 5, 2021May 19, 2022).

في هذا الصراع، تم تحقيق انتصارات على الجانبين. الروس، من جانبهم، أنشأوا منظمات شركسية مختلفة من ورق بالإضافة إلى اختطاف المنظمات الموجودة. سمح استخدام هذين الأسلوبين لموسكو بإصدار بيانات تتعارض مع وجهات نظر معظم الشركس حول بعض القضايا، بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، وهو المكان نفسه الذي حدث منه الطرد والتهجير في سنة 1864، وحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، التي يعارضها معظم الشركس لكن بعض المنظمات الشركسية تدعمها (Justice for North Caucasus, June 2November 10, 2022). هذا التعتيم لا يربك الشركس في وطنهم فحسب، ولكن الأهم من ذلك يربك المراقبين الأجانب فيما يتعلق بما يمثله الشركس في واقع الأمركما هو مقصود بلا شك. كذلك فإنّ لها فائدة إضافية من وجهة نظر موسكو المتمثلة في قيادة العديد من الشركس لتجنب المشاركة في أي جهد معارض ومنظم لئلا يقعوا ضحية لتصرفات جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. علاوة على ذلك، كما هو الحال في شمال القوقاز، حيث سعت موسكو إلى تقسيم الشركس إلى مجموعات فرعية عديدة مثل القباردي والشركس والأديغه والشابسوغ وغيرهم، حاول الكرملين إقناع الشركس في الشتات بالتماهي مع أحدهم. من هذه المجموعات الفرعية، الأبخاز المرتبطون بهم أو مع مكان إقامتهم الحاليوهي استراتيجية نجحت مع الكثيرين في الشتات (Justice for North Caucasus, October 16, 2021).

ومع ذلك، فقد تفوق النشطاء الشركس مؤخرًا على موسكو من خلال فضحهم مرارًا وتكرارًا للجهود الروسية لتخريب المجموعات القديمة بينما يقومون بإنشاء مجموعات جديدة يمكنها العمل بشكل مستقل عن موسكو لفترة من الوقت على الأقل. بالتالي، فإن هذه المجموعات تعكس بشكل أفضل وجهات نظر الشركس، في كل من الشتات والأهم من ذلك في الوطن. يمثل مجلس شركيسيا الموحّدة (Council of United Circassia) آخر وافد شركسي في هذا النضال بين الذهاب والإياب (United-circassia.org, January 30). بالإضافة إلى المهام التقليدية للجماعات الشركسية، مثل الدعوة إلى الاعتراف الدولي بالتهجير الذي حدث في سنة 1864 على اعتبار أنّهُ إبادة جماعية ودعم استعادة الدولة الشركسية، فإن هذا التشكيل الجديد ملتزم صراحة بمواجهة موسكو. في رسالته التأسيسية، أعلن المجلس أنه يجب ألا ينخدع الشركس بالحجج المؤيدة لموسكو بشأن أوكرانيا التي قدمتها الجماعات الشركسية الخاضعة للسيطرة الروسية. يجب عليهم بدلاً من ذلك رفض القتال في حرب استعمارية روسية أخرى والمجازفة بأن يصبحوا جزءًا من القائمة المتزايدة للشركس الذين لقوا حتفهم خلال العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تعهد المجلس بكشف الجهود الروسية لاختراق المنظمات الشركسية وقمع حقوق وحريات الشعب الشركسي. ستواجه موسكو بالتأكيد هذه الخطوة من خلال السعي لاختراق المجلس أيضًا، مضيفة فصلًا آخر لفصول المعركة بين الشتات الشركسي والكرملين.

لكن الأسباب المقنعة تسلط الضوء على سبب ظهور هذا المجلس بعد كل جهود موسكو السابقة لتدمير المنظمات الشركسية الأخرى أو الاستيلاء عليها قد يمثل نقطة تحول ليس فقط في تاريخ روسيا والأمة الشركسية ولكن على نطاق أوسع أيضًا. بالنسبة لروسيا، فإن تركيزها على الشركس في الخارج وفي الداخل يسلط الضوء على موقعها المتدهور في شمال القوقاز. فعلى الرغم من قتال موسكو المستمر، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنها لا تنتصر على هذه الجبهة كما في العديد من الحالات الأخرى. بالنسبة للشركس، فهذه إشارة، ربما أكثر دلالة من أي إشارة أخرى، على مدى أهمّيّة الأمة الشركسية ليس فقط في أذهان النخبة المصابة بجنون العظمة في العاصمة الروسية ولكن أيضًا على أرض الواقع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفيما يمكن للمرء أن يأمل فقط بأن يكون هناك حقا الوطن الشركسي، في شمال القوقاز. وبالنسبة للآخرين، بما في ذلك داخل الحدود الحالية للفيدرالية الروسية وخارجها، فإن ما فعله الشركس لمواجهة تحركات موسكو كان نموذجًا يحتذى به وأهدافهم تنذر بأشياء قادمة.

المصدر:

https://jamestown.org/program/moscow-continues-efforts-to-penetrate-circassian-diaspora/

Share Button