الإستعمار والإمبريالية واحتلال شركيسيا

الإستعمار والإمبريالية واحتلال شركيسيا

عادل بشقوي

14 مايو/أيار 2024

File:Montagnards circassiens. Adolphe Laurent Joanne. Voyage en Orient. 1850.jpg

المقدمة

يشير تعريف الاستعمار والإمبريالية بحسب قاموس ”ميريام ويبستر“ (Merriam-Webster) إلى الفرق بين المصطلحين. ”في السياقات التي تتناول هيمنة قوة أجنبية على شعب أو منطقة، غالبًا ما يتم استخدام الاستعمار والإمبريالية معًا دون أي تمييز حقيقي في المعنىومع ذلك، عند استخدامها بشكل منفصل، يمكن لكل كلمة من هذه الكلمات أن تأخذ تركيزًا مختلفًا قليلاًيأتي مصطلح الاستعمار من المستعمرة، ويميل إلى تطبيقه في سياقات تتناول آثار الاستعمار على حياة أولئك الذين يعيشون في المستعمراتويرتبط مصطلح الإمبريالية ارتباطًا وثيقًا بالإمبراطورية، وبالتالي يميل إلى التركيز بشكل أكبر على السلطة الحاكمة وعزمها على توسيع هيمنتها، وكذلك على الإمبراطورية الموسعة لنفسها، مع إدراج أجزائها المتميزة تحت راية القوة المهيمنة“.

إلا أن كلا المصطلحين يشيران إلى الاستبداد وتقييد الحريات والقضاء على الاستقلال، استنادا إلى أسس وأساليب تقليدية وبدائية في الحرب والصراع بين الإمبراطوريات الاستعمارية سعيا للسيطرة على أوطان الآخرين، والسيطرة على مصائر الشعوب والأمم. وذلك من دون الاهتمام بالمعايير الإنسانية وحقوق الإنسان، فضلا عن احترام حقوق الشعوب، والأمم المستهدفة. علمًا بأن الشراكسة يتميزون بالوفاء بوعودهم، ويتطلّعون إلى الرحمة والعدالة والحرية لأنفسهم وللآخرين.

File:Wierusz-Kowalski Czerkieski zwiad 1885.jpg

المثال الشركسي

ومن المعروف أن الإمبراطورية الروسية هي الجهة المسؤولة، التي شنت حرباً لم تكن سوى تطبيقًا لسياسة الأرض المحروقة. ومثلت الدولة الاستعمارية الوجه القبيح للمعتدين الروس بشن الحرب على الأمم المجاورة. لقد قادت الإمبراطورية القيصرية الروسية الجشعة حرب الإبادة القاسية بسبب جنون العظمة. وهو سلوك غير طبيعي يعكس ارتكاب الجرائم والمجازر لإبادة الإنسان وتدمير البشريّة.

وفي خضم التهور والشراسة والشعور الزائف بالتفوق الأخلاقي والثقافي، فإنهم يميلون إلى اتهام الضحايا والمضطهدين بأفعال الغزاة الخاطئة. لقد انتهك المحتلون في مناسبات عديدة القيم والأعراف الإنسانية. ومن المؤسف حقًا أن الأمة المسيطر عليها والبائسة إما قُتل أفرادها أو تعرّضت للتطهير العرقي أو الإبادة أو تم ترحيلها بعيداً عن أماكن إقامة أبناءها الأصلية، عندما كان الشراكسة يغادرون قراهم وبلداتهم. ناهيك عن تقسيم الوطن غير الروسي إلى سلطات إدارية ترأسها شخصيات عسكرية روسيّة. بالتالي تم ضم الوطن الشركسي بشكل تعسفي إلى الدولة الروسية.

لقد تم تدمير وطن الشراكسة، وتعرض الشراكسة وما زالوا لكارثة شاملة. وما زالوا معرّضين لخطر الإنصهار والاندماج مع الأمم الأخرى. لقد تم احتلالهم وتجاهلهم من قبل الغزاة العنصريين والمتوحشين، حيث اختُتم العدوان الروسي بعرض عسكري للقوات المعتدية حتّى يرمز لانتصار الإمبراطورية الروسية، ولانتهاء حرب القوقاز في سوتشي، باعتبارها آخر عاصمة شركسية، وذلك في 21 مايو/أيار 1864. ولم تكن الإمبراطورية الروسية تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان من خلال سلوكها الوحشي.

File:Гагарин Летний лагерь.jpg

القرب الجغرافي

في توجه المخططين في الإمبراطورية الروسية التوسعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى مسألة الاستيلاء على شركيسيا وبقية شعوب وأمم شمال القوقاز، توصلت العقلية الاستعمارية إلى حقيقة جدوى هذه السيطرة، ليس فقط بسبب قربها الجغرافي، لكن بسبب أنّها متاخمة بشكل مباشر للحدود الرّوسيّة والمناطق الجغرافية التي أصبحت تحت سيطرتها.

فالاستعمار، أي الاحتلال نفسه وأدواته وتداعياته، عمل جاهداً على محو معالم الهوية القوميّة الأساسية والتاريخية، وخلق الطائفية والانقسامات المجتمعية. وبعبارة أخرى، عزز الاستعمار وشجع سياسةفرق تسدبين أفراد الأمة الواحدة عندما زرع الأعوان والوكلاء. في حين أن هدف الشعوب والأمم المحتلة يكمن في الحصول تحت أي ظرف من الظروف على الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال الوطني.

شملت النوايا الخبيثة إبادة وتهجير وتدمير الوطن الشركسي، والتي تضمنت حصارًا بحريًا خانقًا. وكان الهدف النهائي هو ضم شركيسيا إلى الدولة الاستعمارية الروسية. كل ذلك حدث وسط صمت دولي تام. لقد فشلت الدول الأوروبية في التحرك. ناهيك عن دول المنطقة، وخاصة الدولة العثمانية، التي كانت ضعيفة للغاية؛ غير أنّها استفادت كثيرًا من توطين المرحّلين في المناطق النائية من الإمبراطورية وإشراكهم في حروبها الخاسرة.

كان العثمانيون مهتمين بتجنيد المرحلين وأبناءهم في جيشهم والوحدات شبه العسكرية. فقد تورطت الوحدات والقوات العسكرية وشبه العسكرية في مهام فرضت في مناطق مختلفة من البلاد، وبحسب بعض التقارير والمصادر، لتنفيذ سياسات وسلوكيات غير أخلاقية وغير إنسانية وحتى عديمة الضمير. مع العلم أن القوات العثمانية كانت مكونة من جنسيات عديدة، وكل ما نتج عن عملياتها وحروبها كان يعتبر السياسة الرسمية للدولة العثمانية.

Russian medal for subjugation of Western Caucasus 1859–1864
https://en.wikipedia.org/wiki/Caucasian_War#/media/File:Russian_medal_for_subjugation_of_Western_Caucasus_1859-1864.PNG

القادة الذين ارتكبوا الجرائم

من المعروف والثابت بما لا يدع مجالاً للشك أن الإمبراطورة والأباطرة المذكورين في هذا النص مسؤولون جنائياً عن الجرائم المرتكبة، بالإضافة إلى كبار المسؤولين في الحكومة الروسية وقادة وجنرالات الجيش الروسي. فهم يتحملون المسؤولية المباشرة عن التخطيط والموافقة على حروب الاستيطان الاستعماري والمآسي التي لحقت بالشعوب والأمم المنكوبة التي تحملت الغزو والاحتلال والضم. فقد تم تدميرهم وإبادتهم سواء جزئيًا أو كليًا.

الإمبراطورة كاثرين الثانية  1762–96

الأباطرة:

بول                              1796 – 1801       

ألكسندر الأول                 1801 – 25

نيكولاس الأول                 1825 – 55   

ألكسندر الثاني               1855 – 81“ [1]

الجدير بالذكر أنهم في عهد الإتحاد السوفياتي وما يسمى حالياً بروسيا الفيدرالية عملوا على الحفاظ على نتائج وتداعيات الاحتلال وعدم إعادة الحقوق المشروعة إلى أصحابها. إضافة إلى التغاضي عن منح حق تقرير المصير.

لقد تصرف جنرالات وأباطرة الجيش الإمبراطوري الروسي المجرمين والهمجيّين والقتلة بوحشية لا مثيل لها. حتى أنهم شاركوا في أعمال الإبادة والقسوة التي لا توصف. وستُحفر أسماؤهم في التاريخ، في سجلات الطغاة والفاشيين والمجرمين الذين ارتكبوا وحشية تفوق الوصف.

لا يزال مرتكبو الفظائع، على سبيل المثال لا الحصر، جرائم الغزو والقتل والاحتلال والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والترحيل القسري، يجري تكريمهم وتخليدهم من قبل السلطات الروسية. ويواصل المسؤولون الروس تكريمهم وإقامة وبناء التماثيل والنصب التذكارية تخليداً لذكراهم الشريرة. ومنهم الكونت نيكولاي يفدوكيموف، وديمتري ميليوتين، وأليكسي يرمولوف، وغريغوري زاس، وحاكم القوقاز والدوق الأكبر ميخائيل نيكولايفيتش.

والمثير للسُّخرية أن هناك من يميل إلي التقليل من شأن الانسانية وفق العقلية الاستعمارية، عندما يعلق أحدهم بشأن القتل والابادة بحق الابرياء، فيقول بان هؤلاء القتلة ليسوا الوحيدين الذين قتلوا او يقتلون الابرياء، لان دولته فعلت الشيء ذاته في أماكن أخرى. كما لو أنّ مثل هذا التفاضل يعفي الطرفين من جرائمهم وأفعالهم الخاطئة.

الخاتمة

تكمن الإبادة الجماعية في قلب سياسات الغزاة المحدّدة مسبقًا للسيطرة الاستعمارية والتخلص من الغالبية العظمى من السكان. إن الشعوب البريئة والمحرومة من حقوقها ليست على استعداد لقبول الامر الواقع، بل العمل بجد واجتهاد لتعبئة الجماهير ورفع الامر الى المحافل الدولية للمطالبة بحقوقها التي لا تسقط بالتقادم. فالنجاح ليس قفزة إلى المجهول، بل هو صعود تدريجي إلى الواقع.

[1] https://www.britannica.com/place/Russia/Leaders-of-Russia-from-1276

Share Button