21 مايو/أيار، 160 عامًا على إبادة الشركس وتهجيرهم: الصبر يجلب النجاح

21 مايو/أيار، 160 عامًا على إبادة الشركس وتهجيرهم:

الصبر يجلب النجاح

عادل بشقوي

21 مايو/أيار 2024

لا تزال ذكريات الاحتلال المؤلمة تطارد الوعي الجمعي حتى يومنا هذا. فعلى الرغم من مرور عقود عديدة، دأبت الدولة الروسية باستمرار على إختبار صبر الشراكسة والشعوب الأخرى في شمال القوقاز. ومن خلال التعاون الوثيق مع السلطات المحلية والوكلاء المخلصين، تتجاهل الدولة الروسية باستمرار المطالب القانونية باستعادة الحقوق المشروعة لأصحابها الأصليين.

ترمي الأهداف والطموحات الاستعمارية، سواء العلنية أو السرية، دائمًا إلى الحفاظ على الوضع الراهن المتمثل في الضم والاستيعاب وصولا إلى الإنقراض والفناء، مما يؤدي إلى إدامة عمليات  التقسيم الطائفي والعرقي والثقافي. ومع ذلك، قد تختلف التكتيكات المستخدمة.  أحد هذه التكتيكات هو حث الشباب من شمال القوقاز للانتقال إلى المدن الروسية مثل موسكو للعمل فيها، وبالتالي المساهمة في إبعادهم عن عائلاتهم ووطنهم.

تعمل هذه الإستراتيجية على إضعاف الشعور بالهوية الوطنية بدلاً من تعزيز فرص العمل المحلي وتحسين الظروف في مناطقهم الأصلية. أما النهج الأكثر إيجابية فيكمن في تحفيزهم على القيام بمسؤولياتهم وتعزيز أواصر الأخوة والاحترام والمودة والتضامن والتعاون والوحدة الوطنية مع مواطنيهم بكل الطرق الممكنة. إن مثل هذه الجهود ضرورية لمواجهة الأنانية والنرجسية والغرور، التي لا تؤدي إلا إلى صرف الانتباه عن المهمة الحاسمة المتمثلة في الحفاظ على الوطن واستعادة الحقوق المغتصبة.

ومن الأهمّيّةِ بمكان أن ندرك أن الأجندة الاستعمارية تسعى إلى صرف الأمة الشركسية عن أفكار حماية الوطن واستعادة الحقوق التي تم تجاهلها لفترة طويلة، وهو النضال الذي استمر، ولا يزال مستمرا، لأكثر من مائة وستين سنة. لكن في سعيهم الدؤوب لاستعادة حقوقهم المشروعة، فإن الشراكسة لن يستسلموا لمصيرسيزيف، الذي ُحكِمَ عليْه بدفع صخرة مرارًا وتكرارًا إلى أعلى التل فقط لكي تتدحرج حتما إلى أسفل، وذلك وِفْقًا للأسطورة اليونانيّة.


Image source: Wikimedia Commons

لا يمكن إنكار حقيقة الكراهية العمياء والهوس الدائم الذي يميز السياسة الإقصائية والديموغرافية الروسية في الماضي والحاضر. حيث تتركز هذه السياسة على تهجير وتجزئة السكان الأصليين وفي الوقت نفسه إدخال مستوطنين جدد لتحقيق الأجندة الاستعمارية النموذجية. إن الهدف هو استبدال أكبر عدد ممكن من السكان الأصليين، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الترحيل الجماعي، وكل ذلك سعياً لتحقيق الهدف الاستعماري المتمثل في تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة.

يجب على الدولة الروسية أن تعترف وتواجه الإبادة الجماعية الشركسية وعواقبها الدائمة. لذلك، من الضروري أن تعترف الحكومة الروسية بحق الشراكسة في العودة إلى وطنهم تحت رعاية دولية. فهذا من شأنه أن يُسهِّل ممارسة حقهم في تقرير المصير في أراضي أجدادهم مع ضمان الحفاظ على هويتهم القومية وثقافتهم وتراثهم ولغتهم الشركسية الموحدة.

يجب توجيه الاهتمام أيضاً نحو معالجة أوجه عدم المساواة القائمة واتخاذ خطوات استباقية في إطار التعاون الشامل. فالحوار الهادف، الذي يتسم بالحكمة والمسؤولية والتقارب والانسجام والتوافق بين شرائح المجتمعات الشركسية سواء في الوطن أو في الشتات، ضروري. لكن من المهم أن يتجاوز هذا الحوار مجرد الكلام وأن يؤدي إلى إجراءات ملموسة.

ومن المهم أن نتبنى نهجاً يعطي الأولوية للمصالح الوطنية على الاهتمامات الشخصية الضيقة. ومن شأن التعاون والتنسيق بين أصحاب المصلحة أن يعزز الجهود الرامية إلى تعزيز الصالح العام. وبدلاً من الخوض في مظالم الماضي بالعويل والنحيب، يتطلب الواجب الوطني التركيز على التصدي للآثار الدائمة للاحتلال الوحشي الممتد من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا.

إن القرارات التي تسترشد بالتفكير العقلاني تستلزم الالتزام المستمر بالمسارات المختارة التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة. وهذا يستلزم بذل جهود جماعية موجهة نحو الأهداف النبيلة، وبالتالي منع هيمنة أي كيان منفرد على عمليات صنع القرار. ويجب أن يظل الاهتمام ثابتاً على معالجة القضايا الحاسمة، بما في ذلك إعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.

اتّسمت سياسات الدولة الاستعمارية باستغلال التناقضات. وانخرط المسؤولون المعروفون في أساليب التلاعب والمنطق الاستعماري التي تغلغلت و تحايلت على القوانين والأنظمة المخصصة لأغراض ظاهريّة وعلاقات عامة. لقد استهانوا بوقاحة بالشعوب والأمم، وتجاهلوا حتى حقوقهم الأساسية، من خلال انتهاك القوانين والأنظمة ذاتها التي زعموا أنهم أنشأوها وأقروها في ظل ما يسمى بالاتحاد الفيدرالي.

وأخيرا، ينطبق قول أرسطو طاليس على أولئك الذين يمتنعون و/أو يحاولون منع الآخرين من أداء الواجب الملقى على عاتقهم: ”لكي تتجنب النقد، لا تقل شيئًا، ولا تفعل شيئًا، ولا تكن شيئًا“. [1]

[1] https://www.goodreads.com/quotes/6569072

Share Button