الملك المكشوف

الملك المكشوف

23 مايو/أيار 2024

اعترف ميخائيل خودوركوفسكي (Mikhail Khodorkovsky)، الملياردير الروسي الذي يدّعي أنه يقود المعارضة الديمقراطية الروسية في المنفى، باعتراف مفاجئ يدين نفسه في مقابلة مع الصحفي يوري دود (Yuri Dud) بثّت على قناته على موقع يوتيوب في 22 مايو/أيار 2024.

ما هي المعلومات التي حصلنا عليها من هذه المقابلة؟

كان خودوركوفسكي هو صاحب شركةكولوس“ (Kolos) التي كانت تنتج حصص مؤن الطعام للقوات المسلحة الروسية. لم يتم دفع ثمن هذه الإمدادات. لقد قدمها خودوركوفسكي مجانًا لدعم الجيش الروسي في الشيشان. قام خودوركوفسكي بتزويد نصف الجيش الروسي بأكمله بالوقود ومواد التشحيم خلال الحرب في الشيشان. وقام كذلك بتسليح وحدة تومسك أومون (وحدة الشرطة الخاصة) للحرب في الشيشان. فقد اعترف بأنه قام بترتيب إمدادات الأسلحة لوحدة تومسك للشرطة الخاصة (Tomsk OMON) من خلال مؤسسة المعدات الخاصة التابعة لوزارة الشؤون الداخلية، والذي قام هو بتسديد أثمانها. كما اعترف بالتوجيه لإقرار هذا القرار من خلال مجلس إدارة شركته.

بصفته مالك مصنع كورغان لتصنيع الآليات (Kurgan Machine-Building Plant)، قام خودوركوفسكي بتزويد الجيش الروسي في الشيشان بمركبات مشاة قتالية (IFV). وقد أوصى الرئيس يلتسين ووزير الدفاع غراتشيف بتصنيع مركبات مشاة قتالية معدّلة جديدة لتحسين اأداء القوات الروسية في الشيشان، لكن يلتسين وغراتشيف رفضا ابتكاراته وطلبا نماذج أقدم.

واعترف خودوركوفسكي خلال مقابلته بتورطه في الجرائم المرتكبة في الشيشان. ومن المثير للدهشة أنه لا يدرك أنه أدلى باعترافات لا تسقط بالتقادم بالنسبة للشعب الشيشاني. وهو لا يشعر بأي مسؤولية أخلاقية ولا يُظهر أي إشارة إلى طلب الصفح من الشعب الشيشاني لاشتراكه في هذه الجرائم. فهذا أمر مستحيل في بوصلته الأخلاقية، لأن قيمه تشكّلت في أدغال الرأسمالية الروسية المتوحّشة في التسعينيات من القرن الماضي، حيث أنّ القوة هي الحق.

فعندما يبرر خودوركوفسكي الغزو العسكري الروسي للشيشان، فهو يحاول التلاعب بالسرد من خلال المقارنة بين الحرب الشيشانية والحرب في أوكرانيا. لكن هذه خدعة، تخفق وتتهاوى عند التحليل المقارن

1. مبررات الغزو العسكري:

الشيشان:

صوّرت الدعاية والتضليل المسلحين الشيشان على أنهم إرهابيون ومتطرّفون يهددون أمن روسيا. وتم إظهار التدخل الروسي على أنه ضروري لحماية السكان المدنيين من التهديدات الإرهابية.

أوكرانيا:

صورت وسائل الإعلام الروسية العسكريين والقوميين الأوكرانيين على أنهم فاشيين ونازيين جدد يهدّدون السكان الناطقين باللغة الروسية. وتم تأطير العمليات في دونباس (Donbas) وكذلك ضم شبه جزيرة القرم على أنها حماية للمواطنين الناطقين باللغة الروسية من العدوان الأوكراني المزعوم.

2. التهديد الخارجي والتعبئة الوطنية

الشيشان:

زعمت الدعاية أن المسلحين الشيشان يتلقون الدعم من الإرهابيين الدوليين والمرتزقة الأجانب، مما خلق صورة للتهديد الخارجي والعمل على تعبئة الرأي العام لدعم الحرب.

أوكرانيا:

روّجت وسائل الإعلام الروسية بنشاط للفكرة المتمثلة بأن الصراع في أوكرانيا قد حرّض عليه الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وذلك لإضعاف روسيا. وهو ما أثار المشاعر الوطنية داخل البلاد.

3. التبريرات الإنسانية والحقوقية:

الشيشان:

تم تبرير الحرب بالحاجة إلى استعادة النظام وحماية المدنيين من الإرهابيين، مما خلق وهم المهمة الإنسانية.

أوكرانيا:

تم تبرير ضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في دونباس على أنه حماية لحقوق المواطنين الناطقين باللغة الروسية من الاضطهاد والعنف، كما تم تقديم ذلك كمهمة إنسانية.

ومن ثم فإن خودوركوفسكي يستخدم نفس التكتيكات التي تستخدمها الدعاية الروسية لتبرير تصرفاته في الشيشان، ولكن هذه المبررات لا تختلف عن تلك المستخدمة في الحرب في أوكرانيا. فهذا تلاعب يهدف إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لأفعاله وتحويل الانتباه عن مسؤوليته عن التواطؤ في الجرائم.

عند مناقشة مصير الأمة والدولة والديمقراطية والاتصالات مع الكي جي بي والأخلاقيات في مقابلة مطولة مدتها ثلاث ساعات، يكفي الاستماع إلى إجابة خودوركوفسكي على سؤال الصحفي: ”هل كنت تعلم أن الأسلحة الّتي قدّمتها للجنود الروس تم استخدامها لاقتراف جرائم في الشيشان؟يجيب خودوركوفسكي: ”إنهم ملكنا“. فهذا يعكس نفس النهج الذي يتبناه بوتين في التعامل مع العدالة: إذا كان فرد ما واحداً منا، فهو على حق، ومن الممكن أن يرتكب جرائم، ولابد من مساعدته. وبرر موقفه قائلاً إنه نشأ في شوارع مقاطعةمازوتكا“ (Mazutka) الموسكوفية، حيث كانت هناك مفاهيمها الخاصة عنخاصّتناوالآخرين“. ولا شك في أن هذه إشارة غير مقصودة إلى المقابلة التي أجراها بوتين، حيث قال: ”لقد علّمني شارع لينينغراد قاعدة واحدة: إذا كان لا مفر من القتال، فاضرب أولاً“. فهذا ليس أوج أخلاقيات خودوركوفسكي الذي يدّعي دور زعيم المعارضة الرّوسيّة فحسب، بل وأيضاً أوج أخلاقيات الأغلبية الساحقة مما يسمّى بالمعارضة الروسية، التي تحلم بالجلوس على عرش بوتن. فبعد أن عاش لسنوات عديدة في دول أوروبا الغربية الديمقراطية، لم يتمكن من تحرير نفسه من التفكير الإستبدادي والرغبة في الحفاظ على روسيا كسجن للأمم. ورغم أنه خرج من السجن منذ أكثر من عقد من الزمن، إلا أن عقلية السجن للأسف لم تفارقه.

إن المعارضة الروسية الحقيقية، غير الوهمية، وغير الخاضعة للسيطرة، بدأت تظهر اليوم في أوكرانيا في ساحة المعركة، وهي تحمل أسلحتها في أيديها. هؤلاء هم الأشخاص الذين لديهم فرصة لاكتساب الذاتية السياسية، في حين أن الآخرين ليس لديهم أي فرصة على الإطلاق. ومن الصعب أن نتصور ولو سيناريو افتراضي واحد، بأن يحظى خودوركوفسكي بمستقبل سياسي داخل روسيا. فعلى الأرجح، لا يرى مستشاروه السياسيون أي آفاق، ولكن طالما أنه يمتلك المال، فسيظلون حاشية الملك المكشوف.

إينال شيريب

وزير الشؤون الخارجية

جمهورية إيشكيريا الشيشانية

ترجمة: عادل بشقوي

المصدر:

https://thechechenpress.com/analytics/18023-golyj-korol-na-russkom-i-anglijskom-yazykakh.html

Share Button