إنهاء الاستعمار في روسيا: نظرة فاحصة (الجزء الثاني)
عادل بشقوي
8 يوليو/تموز 2024
أرسل لي أحد الأصدقاء المميزين ”بودكاست وثائقي“ لوسائل الإعلام في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، يتناول ”الاستعمار الأوروبي“ وعلى وجه التحديد ”إنهاء الاستعمار في روسيا“. وفي عرض تمهيدي يتم طرح أسئلة متنوعة ساخرة ومستنكرة ومجازية، تؤدي إلى الشوق إلى حرية الشعوب والأمم. والحقيقة السائدة تشير إلى أنهم ينتظرون اللحظة المناسبة والحاسمة لذلك.
ونظرا لطول المقال فقد تقرر نشره في جزأين.
2. الجزء الثاني: الاستعمار السوفياتي والروسي المعاصر
• الحقبة السوفييتية من 1917 – 1991
• الدولة الروسية المعاصرة منذ عام 1991
• افاق المستقبل
• خاتمة
الجزء الثاني:
الحقبة السوفيتية من 1917 إلى 1991
العنصريّة والإبادة الجماعيّة والمجاعة المتعمّدة:
• أدت الثورة البلشفية إلى وراثة الاتحاد السوفياتي للدول التي احتلتها الإمبراطورية الروسية، وتحديداً جمهوريات آسيا الوسطى. ولا بد أن كل من خضع لهذه الإمبراطوريات المارقة قد ذاق مرارة الخضوع لهؤلاء المستعمرين الذين مارسوا العنصرية المقيتة في أبشع معانيها.
مجاعة كازاخستان في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين:
• ”كان اللحم البشري حرفيا يؤكل“، وكان 40% من كافّة الكازاخستانيين، قد ماتوا جوعاً في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين في المجاعة التي سببتها سياسة ستالين الجماعية القسرية للزراعة. وببساطة لأن ماشيتهم كان قد تم أخذها ونقلها لعمال المصانع في موسكو وسانت بطرسبرغ … وقد تم أكل الكثير من الأطفال الصغار. لذلك قام الآباء فعْلًا ببيع أطفالهم … والحرارة هناك تصل في حدّها الأدنى في الشّتاء إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر. لا يوجد شيء للأكل. ولا توجد أشجار. والناس يصابون بالجنون حقًا عندما يصبحون جائعين جدًا“. 1
• ”لقد أودت مجاعة كازاخستان في الفترة من 1930 إلى 1933 بحياة 1.5 مليون شخص، نحو 1.3 مليون منهم من العرقية الكازاخستانية، إلا أن أسباب هذه الكارثة تظل غير مدروسة إلى حد كبير“. 2
المجاعة الأوكرانية (هولودومور) 1932-1933:
• “المجاعة الأوكرانية – المعروفة باسم هولودومور، وهي مزيج من الكلمات الأوكرانية التي تعني ”المجاعة“ و ”التسبب في الموت“ — أودت حسب أحد التقديرات بحياة 3.9 مليون شخص، أي حوالي 13 بالمائة من عدد السكان“.3
الدولة الروسية المعاصرة منذ عام 1991
إنهاء الاستعمار الروسي واستغلال الموارد:
• في أعقاب الحرب التوسعية التي شنتها روسيا على أوكرانيا، أكّدت روسيا على انتهاج سياسة استعمارية مفتوحة تطال كافة الدول والمناطق التي تقع في نطاق الأطماع الرّوسية الّلامحدودة.
• اختارت أوكرانيا إنهاء الاستعمار في روسيا عندما أصبح هناك تناقض بين المصلحة الوطنية الأوكرانية والطموحات الاستعمارية الروسية.
السخط في المناطق الروسية:
• ”اشتبك مئات المتظاهرين في باشكورتوستان، وسط روسيا، مع الشرطة أثناء مطالبتهم بالإفراج عن ناشط مسجون. لقد قام بحملة للحفاظ على لغة الباشكير الأصلية وعارض عمليات التعدين الضارة بالبيئة“. 4
• ”لقد اضطرت المناطق الروسية من غير العرقية الروسيّة إلى توفير عدد كبير من الجنود بشكل غير متناسب للقتال والموت في أوكرانيا. يشتكي سكان ياقوتيا قائلين: «تذهب المليارات إلى موسكو وفي المقابل نحصل على القليل جدًا من المال.» هناك قدر كبير من الفساد، وليس هناك ما يكفي من المدارس، وليس ما يكفي من المستشفيات، وليس هناك ما يكفي من المساكن المريحة، ولا توجد سكك حديدية. ويريد العديد من الناشطين، المنفيين الآن من الجمهوريات الوطنية، إنهاء الاستعمار وحق تقرير المصير“. 5
الحاجة إلى إنهاء الاستعمار:
”الخطر الأكبر هو أننا نعيش في هذه المواجهة الكبرى، حيث يتم تبسيط التاريخ في هذه الرواية عن روسيا في مواجهة أي شخص آخر، في حين أن هناك في الواقع قصة أكثر تعقيداً بكثير. إذن، هل ينبغي لنا أن نتحدث عن إنهاء الاستعمار على الإطلاق؟ هل دفعنا التوازي إلى أبعد من اللازم؟“ 6
افاق المستقبل:
المطلوب هو استعادة حقوق الإنسان، واتخاذ تدابير ملموسة لإنهاء الانتهاكات، وبالتالي إنهاء الاستعمار الروسي. إن العشرات من الشعوب والأمم تستحق الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال.
قرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE):
في هذا الصدد، من المناسب الإشارة إلى تطوير ”مشروع قرار“ أعلنته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في اجتماعاتها التي عقدتها في بوخارست بين 29 يونيو/حزيران و 3 يوليو/تموز 2024، بعنوان ”التحديات الأمنية والجيوسياسية في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا: عشر سنوات من عدوان مسلح من قبل الفيدراليّة الرّوسيّة على أوكرانيا“. 7
ويدعم مشروع القرار مبادئ الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب والأمم التي تعرضت للاعتداء والاحتلال ومن ثم الضم قسراً إلى الدولة الروسية.
المادتان 32 و47 من مشروع القرار:
• المادة 32: ”الإدانة بشدة القمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق العديد من الشعوب الأصلية داخل الفيدرالية الروسية. لقد تم ترويس هذه الشعوب المستعمرة قسراً، وتتعرض للقمع والتمييز، وتُحرم من حقوقها الإنسانية والثقافية واللغوية والاقتصادية المعترف بها دولياً، كما يتم تجنيد أبنائها على نطاق واسع للمشاركة في الحرب العدوانية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، وتعاني من خسائر عسكرية كبيرة بشكل غير متناسب“. 8
• المادة 47: “بالنظر إلى السياسة المنهجية لانتهاكات حقوق الإنسان والشعوب في الفيدراليّة الرّوسية الذي أضرّ شعوبها الأصلية، تدرك بأنّ هذه السياسة تُعْتبر سياسة استعمارية وتنتهك الإعلانات الأساسية للأمم المتحدة، وتعزيز قرار البرلمان الأوروبي رقم 29 الصادر في فبراير/شباط 2024 (2024 / 2579) وقرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا المؤرخ في 17 أبريل/نيسان 2024 (2024 / 2540)، اللذان يعترفان بأن إنهاء الاستعمار في الفيدراليّة الرّوسيّة هو شرط ضروري للسلام المستدام“.
الخاتمة
هناك فرق شاسع بين دولة استعمارية عابرة تأتي وتذهب بمسميات وألقاب مختلفة، وأخرى دائمة تمارس الغزو والتدمير والاحتلال والقتل والإبادة دون رادع أو حدود. وقبل كل شيء، النتيجة هي قرار الضم الدائم للدولة الاستعمارية دون موافقة السكان الأصليّين.
”نحن ندرك أن هذه الديكتاتورية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. ويُظهر التاريخ أن كل شيء يمكن أن يحدث في أي يوم، وبسرعة كبيرة“. 9
إنهم يتطلعون إلى الحصول على الحرية الحتمية وإنهاء الاستعمار من أجل الاستقلال والسيادة في نهاية المطاف. عشرات الشعوب والأمم التي احتلت أوطانها بقوة السلاح ارتكب بحقها جرائم القتل والإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والضم غير القانوني. ويتماشى ذلك مع مبادئ حقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة. بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. 10
المراجع
02.Wilson Center / Kazakh Famine
07.OSCE Parliamentary Assembly
10.Declaration on the Granting of Independence to Colonial Countries and Peoples