سوتشي هي شركيسيا الكبيرة
عادل بشقوي
15 سبتمبر/أيلول 2024
المقدمة
لقد سررت كثيرًا بتلقي بعض الصور من صديق عزيز للتضاريس الجميلة في سوتشي، والتي تم التقاطها مؤخرًا. وتُظهر الصور المناظر الطبيعية الساحرة لجزء عزيز من الوطن الشركسي. لقد تم التقاط هذه الصور بواسطة مصور من إحدى أمم القفقاس الذي زار المنطقة وأعجب بشدة بالطبيعة الخلابة لسوتشي ومحيطها. سوتشي، التي احتلتها الإمبراطورية الروسية في 21 مايو/أيار 1864، لم تُنسى بعد، والتي أقيم فيها في حينه عرضًا عسكريًا للاحتفال بالنصر. وتظل شركيسيا غير المجزّأة وجميع مكوناتها في قلوب وعقول جميع الشركس المخلصين.
التضاريس الجميلة في سوتشي
لا شك أن ما يوحد الشركس أكثر أهمية بكثير مما يفرقهم. *”يمكن الإشارة إلى عوامل الوحدة الشركسية في الآتي:
• الهوية المشتركة، والتي تشمل الوحدة الجغرافية والثقافية واللغوية والروحية والعرقية؛
• الحضارة القديمة المشهود لها والتي تطورت على مر السنين؛
• التاريخ المشترك، وتوافق الناس وفقًا لواقع الشعوب الأصلية؛ و
• التضامن الوجداني.“* [1]
التلوث البيئي بسبب الحفريات والنفايات الكيماوية
ذكرتني هذه الصور الجميلة بالحرب الروسية – الشركسية وغزو الإمبراطورية الروسية لشركيسيا، إلى جانب جرائمها المتمثلة في الاحتلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية وتدمير الوطن الشركسي. إن تشييد مدينة سوتشي الكبرى للعديد من المرافق المتعلقة بالألعاب الأولمبية والأنشطة الرياضية — التزلج على الجليد، وميادين التزلج على الثلج، والمنتجعات، والفنادق، والطرق، والسكك الحديدية، والمطارات، والموانئ، والقرية الأولمبية — ناهيك عن ملاعب كرة القدم ومضمار سباق السيارات، وكل ذلك جاء بتكلفة باهظة.
لقد حدث هذا التطور على حساب الأراضي والمواقع المحمية بالقوانين الدولية، وفقًا لقوائم اليونسكو وحتى الحملات البيئية داخل روسيا نفسها. ومن المؤسف، فقد تم تجاهل كل هذه الحماية. ولا ينبغي لنا أن ننسى المقابر التي دُمِّرتْ لبناء المرافق في مكانها، علمًا بأنّ المقابر تحتوي على رفات أولئك الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن وطنهم.
إن موقع التراث العالمي لليونسكو في غرب القوقاز هو موطن لأنواع وموائل متنوعة. ولا تزال أطول شجرة في أوروبا تنمو في مناطق الغابات في غرب القوقاز. وعلى الرغم من ذلك، فقد أثّر التلوث البيئي على موارد المياه، ودمر الغابات، وساهم في التلوث.
ورغم أن الهدف كان الحفاظ على الحياة الطبيعية، إلا أن الكوارث البيئية الناجمة عن تشييد المنشآت الأولمبية في منتزه سوتشي الوطني أدت إلى عواقب مدمرة على البيئة ومحمية الحياة البرية، وتدمير الأنواع المهددة بالانقراض.
فقد ساهم تشييد الملاعب والمنشآت الأولمبية والبنية التّحْتيّة، بما في ذلك مسارات التزلج والمنحدرات والمصاعد، في تدمير المحميات الطبيعية، بما في ذلك مناطق الحفاظ على الطبيعة الفريدة. وبالتالي، فمن المستحيل التغلب على المشاكل الناجمة عن التلوث البيئي. وقد تم إدراج بعض المناطق المحمية في الأماكن التي أقيمت فيها المرافق والمنتجعات والخدمات، والتي يطلقون عليها الآن المناطق الحضرية، المرتبطة بالألعاب الأولمبية الشتوية.
إن كل العواقب السلبية الناجمة عن هذه التصرفات غير المسؤولة تتعارض مع هدف الديمومة البيئية. ويبدو أن التلوث البيئي كان نتيجة مقصودة، مصحوبًا بالإهمال في الحفاظ على التوازن البيئي.
قائمة اليونسكو للتراث العالمي
نشر موقع اتفاقية التراث العالمي لليونسكو معلومات حول المواقع المحافظ عليها في غرب القوقاز: ”تمتد منطقة غرب القوقاز على مساحة 275000 هكتار في أقصى الطرف الغربي من جبال القوقاز وتقع على بعد 50 كم شمال شرق البحر الأسود، وهي واحدة من المناطق الجبلية الكبيرة القليلة في أوروبا التي لم تشهد تأثيرًا بشريًا كبيرًا. لم ترعى مراعيها الفرعية والألبية إلا الحيوانات البرية، ومساحاتها الواسعة من الغابات الجبلية غير المضطربة، الممتدة من الأراضي المنخفضة إلى المنطقة الفرعية الألبية، فريدة من نوعها في أوروبا. ويتمتع الموقع بتنوع كبير في النظم البيئية، مع نباتات وحيوانات برية متوطنة مهمة، وهو مكان المنشأ وإعادة إدخال الأنواع الفرعية الجبلية من البيسون الأوروبي.“ [2]
تظل مواقع التراث العالمي المحمية من قبل اليونسكو في غرب القوقاز معرضة للخطر ومعرضة للهدم والإبادة.
*”تتضمن العوامل المؤثرة على الموقع في عام 2024 ما يلي:
• البنية التحتية للنقل البري
• الأنشطة غير القانونية
• تأثيرات السياحة والزوار والترفيه
• الإطار القانوني
• أماكن الإقامة الرئيسية للزوار والبنية التّحتِيّة المرتبطة بها
أنظمة الإدارة/خطة الإدارة“* (البعثات إلى الموقع حتى عام 2024:
أبريل/نيسان 2008، مايو/أيار 2009، مايو/أيار 2010، سبتمبر/أيلول 2012، نوفمبر/تشرين الثاني) [3]
التنوع البيولوجي
يحتوي موقع غرب القوقاز المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي على تنوع من أنواع النباتات والموائل. ولا تزال أطول شجرة في أوروبا تنمو في هذه المنطقة. ”تتمتع منطقة القوقاز بأكبر قدر من التنوع البيولوجي مقارنة بأي منطقة غابات معتدلة في العالم. فهي تؤوي 6500 نوع من النباتات الوعائية، منها 1600 نوع على الأقل (25%) فريدة من نوعها في المنطقة، وعدد من الحيوانات المستوطنة، بما في ذلك الطّور الشرقي والغربي القوقازي، والأروية الأرمنية، والسلمندر القوقازي. وتحدد القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض للاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة لعام 2010 خمسين نوعًا من الحيوانات المهددة بالانقراض عالميًا في القوقاز.“ [4]
أهمية سوتشي
تتميز سوتشي بجمالها الطبيعي المذهل على مدار العام: ساحلها وسهولها وجبالها ووديانها وغاباتها ومناظرها الطبيعية. وقد تعطل هذا الجمال بسبب التلوث والتعدي على المناطق الطبيعية المحمية المدرجة في قائمة اليونسكو. وتغطي النباتات الدائمة معظم المنطقة، مع مناخ ساحلي معتدل، وهطول أمطار على مدار العام، وجبال ثلجية. وتوجد مصادر مياه وفيرة في حديقة سوتشي القوميّة، بما في ذلك الينابيع والشلالات والأنهار والروافد والوديان والخلجان والجداول، والتي يتدفق الكثير منها إلى البحر الأسود.
أُنشئت المنتجعات في سوتشي خلال الحقبة السوفييتية، وكانت مخصصة في البداية لكبار المسؤولين ورجال الدولة وأعضاء الحزب الشيوعي. وفي نهاية الأمر، تم فتحها للسياح المحليين والأجانب. وجعلت السمات الطبيعية الفريدة لسوتشي، بما في ذلك مياهها المعدنية ومناخها، منها وجهة شهيرة للسياحة العلاجية والرياضية.
أموال فلكية تنفق لتدمير الطبيعة
في محاولة لتشويه التاريخ، ”أنفقت روسيا مبلغًا قياسيًا يزيد عن 50 مليار دولار لاستضافة ألعاب سوتشي، وبناء الملاعب الرياضية والفنادق والبنية التّحتيّة للنقل والإسكان من الصفر… لقد غيرت المنشآت الأولمبية المعالم والتّفرُّد البيئي، مع غياب السكان الأصليين من المنطقة، مما أثر على التراث الشركسي.“ [5]
تظل سوتشي عزيزة على كل الشركس الذين يهتمون بقضيتهم ووطنهم. ومع ذلك، أثار عقد دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي مخاوف بشأن الآثار البيئية والتاريخية والثقافية.
ما وراء سوتشي
تصر السياسة الروسية، حتى في القرن الحادي والعشرين، على عقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي على أرض الإبادة الجماعية الشركسية، في محاولة لتزوير التاريخ. ”يوم الجمعة 7 فبراير/شباط 2014، شهد بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي… وقف الشركس حدادًا وإدانة لهذا الحدث الحزين، الذي تبنته ودعمته الدولة الروسية، بغض النظر عن جميع المخاوف الأخلاقية والتاريخية والبيئية.“ [6]
بعد أيام قليلة من انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، قامت القوات الروسية بغزو شبه جزيرة القرم، بهدف مواصلة ممارسة سياستها الاستعمارية التوسعية النموذجية ضد جيرانها، مما أدى إلى ضم شبه الجزيرة الى الدولة الروسية.
الخاتمة
لمحو الهوية الشركسية الأصلية للمنطقة، تم إجراء تغييرات مصطنعة، متجاهلة حقوق الشعوب الأصلية. أقيمت الألعاب الأولمبية للتأكيد على عظمة روسيا على حساب الأمم الخاضعة، مما أدى إلى تدمير البيئة الفريدة لمنطقة سوتشي والتأثير سلبًا على موقع التراث العالمي في غرب القوقاز.
المراجع
[1] (The Circassian Miracle: the Nation Neither Tsars, Nor Commissars, Nor Russia Could Stop, Adel Bashqawi, p. 631)
[2] (https://whc.unesco.org/en/list/900)
[3] (https://whc.unesco.org/en/soc/4632, https://whc.unesco.org/en/list/900/maps/)
[4] (https://www.caucasus-naturefund.org/ecoregion/caucasus-hotspot/)
[5] (Circassia: Born to be Free, Adel Bashqawi, p. 563)
[6] (The Circassian Miracle: the Nation Neither Tsars, Nor Commissars, Nor Russia Could Stop, Adel Bashqawi, p. 406)