المتطرفون في الجالية الروسية يصبحون كتنظيم ”المئات السود“ في الوقت الحاضر
الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور المجلد: 21 العدد: 148
بقلم: بول غوبل (Paul Goble)
15 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024
ترجمة: عادل بشقوي
15 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024
ملخص تنفيذي:
• لقد هاجم تنظيم الجالية الروسية، وهو مجموعة من القوميين الروس اليمينيين المتطرفين، وهو مدعوم من قبل الكرملين، بشكل متزايد المجتمعات المهمشة مثل الروس غير العرقيين والمهاجرين والأفراد من المجتمع المثلي وأطباء الإجهاض.
• تعمل الجالية الروسية مع وكالات الأمن الروسية، لكن الحكومة ليست مستعدة للآن لتحمل المسؤولية المباشرة عن أعمال العنف التي ارتكبها تنظيم الجالية الروسية، على غرار دور حركة المئات السود (وهي حركة رجعية قومية وملكية متطرفة أُنشِئت في روسيا قبل الثورة البلشفية وتم حلها بعد الثورة) التي تأسّست في نهاية الفترة القيصرية.
• لقد نما تنظيم الجالية الرّوسية بسرعة من تنظيم هامشي إلى أكبر تنظيم يميني متطرف في روسيا. وتؤدّي أفعاله إلى تطرف معارضيه، مما يزيد من احتمالات وقوع اشتباكات عنيفة بين المضّطهدين من جهة، والجالية الرّوسيّة، والدولة من جهة أخرى.
إن تنظيم الجالية الروسية (Russkaya Obshchina)، المتمثّل في تنظيم يميني متطرف مستعد لمهاجمة أي شخص لا يحبه زعيم البلاد بعنف مع إفلات نسبي من العقاب، وهو في طريقه ليصبح بسرعة كتنظيم ”المئات السود“ في روسيا التي يرأسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن. كان تنظيم ”المئات السود“ تنظيم سيئ السمعة تأسس بعد ثورة 1905. ودعا التنظيم إلى جنسية (قومية) روسية شاملة وكان صريحًا بشكل خاص ضد تأثير الجماعات غير الروسية، مثل الشعب اليهودي (Encyclopedia of Ukraine, Vol 1. {1984} accessed on Encyclopediaofukraine.com). إن تنظيم الجالية الروسيّة، وهو مجموعة جديدة إلى حد ما تم تنظيمه في عام 2020، وله صلات معروفة بكونستانتين مالوفييف (Konstantin Malofeyev)، وهو مؤيد للمحافظين الأرثوذكس الرّوس والقوميّين الرّوس المتطرفين. وقد حلّقت المجموعة إلى حد كبير تحت الرّصد في موسكو والغرب. اكتسب أفرادها شهرة في عام 2023 بعد العمل بنشاط مع الشرطة في جميع أنحاء شمال القوقاز لقمع الاحتجاجات العرقية وتنفيذ هجمات عنيفة. كان المسؤولون الروس سعداء بالاستفادة من جهود تنظيم الجالية لكنهم لم يرغبوا في تحمل المسؤولية المباشرة عن عنفه. ويقول المتخصصون الروس في الجماعات اليمينية المتطرفة، على مدى الأشهر القليلة الماضية، إن تنظيم الجالية الروسية نما بشكل كبير. واكتسب التنظيم حضورًا هائلاً على الإنترنت، وافتتح فروعًا نشطة بشكل متزايد في المدن الكبرى خارج شمال القوقاز، ولم يهاجم التنظيم الأقليات العرقيّة فحسب، بل وأيضًا أعضاء مجتمع المثليّين والمهاجرين وأطباء الإجهاض (Sova Center, July 11; Bumaga, September 24).
ومن غير المستغرب أن تثير أعمال العنف هذه مقارنات مع كتيبة العاصفة (Sturmabteilung) أو ذوي القمصان البنّيّة (SA) التابعة لهتلر ودورها في صعود الفاشية في ألمانيا من خلال ترهيب الأقلّيّات المستهدفة. وفي الوقت نفسه، وفي صدى مزعج لحركة ”المئات السود“، تعمل تصرفات تنظيم الجالية الرّوسيّة على تطرّف معارضيه وزيادة احتمالات اندلاع اشتباكات عنيفة بين تنظيم الجالية الروسية والدولة وتلك المجموعات المستهدفة. (بشأن المائة السود وبعض أوجه التشابه المبكرة مع اليمين الروسي المتطرّف في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، أنظر دونالد سي. راوسون، اليمينيون الروس وثورة 1905 {كامبريدج، 1995} ووالتر لاكوير، المائة السود: صعود اليمين المتطرف الروسي {نيويورك، 1993}). لا شك أن الكرملين سوف يستغل هذا النوع من العنف المتصاعد لتعبئة الشعب الروسي ضد أولئك الذين يعتبرهم أعداء. ومع ذلك، فإن هذا التطرف من شأنه أن يُعرّض بقاء الفيدرالية الروسية للخطر بمجرد انتهاء نظام بوتن. وإذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار، فإن المقارنات بين تنظيم الجالية الروسية الحالي وحركة المائة السود في زمن القيصرية الروسية تبدو أقل تطرّفاً وأكثر دقّة مما قد يرغب الكثيرون في تصديقه في الوقت الحاضر.
لقد تزايدت وتيرة الاشتباكات بين أفراد مجموعات الشتات، بما في ذلك الغجر والأكراد وسكان آسيا الوسطى وشمال القوقاز والسكان الأصليين من أصول روسية (التي سبقت سيطرة موسكو على مناطقهم)، بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية. والواقع أن العنف هو نتيجة لتصعيد الإجراءات التي يتخذها تنظيم الجالية الروسية، الذي يريد طرد المجموعات المستهدفة أو قمعها أو استيعابها. ويخشى بعض المسؤولين أن تنذر تصرّفات تنظيم الجالية بحرب عرقية شاملة، وقد نظّموا هيئات لمحاولة تهدئة الموقف (Radio Free Caucasus, August 27). لكن المسؤولين في العديد من الأماكن يحذون حذو الكرملين ويتعاونون علناً مع الجالية الروسية، وينظرون إليها باعتبارها حليفاً من شأنه أن يساعدهم في السيطرة على الموقف المتفجر على نحو متزايد (Radio Free Caucasus, August 7; Window on Eurasia, August 30, July 31).
كان من الممكن أن يظل دور تنظيم الجالية الروسية في مثل هذه الصراعات متجاهَلاً إلى حد كبير في في كل من موسكو والغرب لولا تطوّرين. أولاً، توسع تنظيم الجالية الروسية جغرافياً وأصبح الآن ضحية لمجموعة أوسع من الأهداف. ثانياً، كان رمضان قديروف من الشيشان والعديد من الزعماء غير الحكوميّين من الجماعات العرقية غير الروسية في شمال القوقاز وأجزاء أخرى من الفيدرالية الروسية يدقون ناقوس الخطر ويطالبون بوقف تنظيم الجالية الروسية. ووفقًا لموقع بوماغا الإلكتروني الاستقصائي، فإن نظام بوتن لا يود أن يتم وصف تنظيم الجالية الروسية بدقة بأنه ”أكبر منظمة يمينيّة متطرّفة في البلاد“ (Bumaga, September 24). ويشير الموقع إلى أن التنظيم لديه أكثر من 600000 مشترك على قناته على تيليغرام، وأكثر من مليون على يوتيوب، و440000 آخرين على موقع التواصل الاجتماعي فكونتاكتي. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يتحدث التنظيم الروسي ويتخذ إجراءات ضد المزيد والمزيد من المجموعات، والتي غالبًا ما تكون بعيدة كل البعد عن القوميات غير الروسية، والتي تتعارض مع ”القيم التقليدية“ لبوتن. ورغم أنّ تنظيم الجالية الروسية أصبح أكثر تقارباً مع أجندة بوتن في قضايا مثل الإجهاض، فإن تقاربه في قضايا معينة كان له في بعض الأحيان تأثيرًا سيئا على الجماعات اليمينية المتطرّفة الرّوسية التّقليدية التي تتحفّظ على أي مجموعة مرتبطة بشكل واضح بالقوى القائمة (Sova Center, July 11; T.me/antifaru, October 13, reposted at Doxa, October 13).
وفي المناطق التي تنشط فيها الجالية الروسية، كان دورها في العنف المتزايد في شمال القوقاز يمثل السبب الأعظم للانزعاج. وقد دعا قديروف وغيره من المسؤولين الشيشان الكرملين إلى فحص أنشطة تنظيم الجالية الروسية وربما حظرها تماماً (Radio Free Caucasus, October 4; Window on Eurasia, October 11). وفي الوقت نفسه، يحذر الناشطون الشركس من أن توسع أنشطة تنظيم الجالية الروسية في وطنهم من شأنه أن يزعزع استقرار الوضع. فعلى سبيل المثال، أفادت الجبهة القومية الشركسية بأن ”الفروع الأولى لهذه الجماعة القومية قد فتحت أبوابها في قباردينو–بلكاريا (نالتشيك) وكراشيفو–شركيسيا (شيركيسك)“ (T.me/cirnatfront, October 3). وتحذر التعليقات الشركسية من كارثة وشيكة إذا لم يتم وقف تنظيم الجالية الروسية، ليس فقط في المناطق الشركسية ولكن أيضًا في مناطق أخرى غير روسية (Window on Eurasia, October 5; YouTube.com, October 14).
ويضاف إلى هذا الشعور بالإلحاح قرار الحكومة الروسية بالسماح لرؤساء الكيانات الفيدرالية بتشكيل ميليشياتهم الخاصة (Window on Eurasia, September 27; see EDM, October 3). ومن المرجح أن يتم تشكيل العديد من هذه الميليشيات من خلال تجنيد نشطاء الجالية الروسية وقدامى المحاربين في حرب بوتن في أوكرانيا ــ وهما مجموعتان متداخلتان إلى حد كبير ــ مما يؤدي إلى تكثيف حملة بوتن ضد الشعوب غير الروسية. إن بعض جمهوريات الفيدرالية، مثل الشيشان، وغيرها من المناطق التي تضم حركات قومية، سوف تسعى بكل تأكيد إلى دمج مثل هذه الوحدات مع القوميين المعارضين لموسكو. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق للصراعات بين الأعراق داخل المناطق، وبين المناطق نفسها، وبين السلطات الإقليمية والحكومة المركزية (Radio Free Caucasus, October 9). إن تنظيم الجالية الروسية اليوم قد يشعل فتيل حرب أهلية تماماً كما لعبت حركة المئات السود دوراً رئيسياً في زعزعة استقرار المجتمعات الروسية وتطبيع العنف قبل ثورتي فبراير/شباط وأكتوبر/تشرين الأول في روسيا عام 1917. وبالتالي فإن هذه المجموعة التي لم تجتذب إلا القليل من الاهتمام حتى الآن في الغرب تستحق أقصى قدر ممكن من الأمان والإدانة، خشية أن يفوت صُنّاع السياسات النواة المحتملة لانتفاضة عنيفة في المستقبل.
المصدر:
https://jamestown.org/program/russian-community-extremists-becoming-the-black-hundreds-of-today/