مصير الشركس: لتذكير من خانته الذاكرة (4)

مصير الشركس: لتذكير من خانته الذاكرة (4)

عادل بشقوي

28 أكتوبر/تشرين الأوّل 2024

هذه هي المقالة الرابعة في سلسلة مقالات بشأن العنوان أعلاه.


https://www.pinterest.com/pin/467530005046665575/

مداخلات رئيسية

في ظل القتل والتدمير والإبادة الجماعية والتهجير الذي تعرضت له الأمة الشركسية خلال حربها الدفاعية ضد الإمبراطورية الروسية ومرتزقتها، انتهى الأمر بأفراد هذه الأمة المتشظِّية إلى الانقسام والتشتت والانفصالسواء في الوطن المحتل أو في أعماق النسيان في الشتات.

لا جدال في أن حقوق الإنسان الأساسية لا تزال متجاهلة، وأن الحقوق المشروعة لأصحابها الأصليين لا تزال غير معترف بها وفقًا للالتزامات الدولية التي يجب الالتزام بها. فبعد أكثر من 160 عامًا من الإبادة الجماعية والتهجير القسري غير المسبوقين، تواصل الدّولة الرّوسية التهرب من الالتزامات القانونية، متجاهلة تطبيق القوانين والأعراف الدولية.

العواقب والإرث

ليس من غير المتوقع ولا المدهش أن يكون هناك احترام وتقدير متبادل بين الشعوب الأصلية في القوقاز ومواطنيهم في مواجهة المُتطفِّلين والغرباء والمحتلين. وفي إشادته بالشراكسة، كتب الشاعر والشخصية العسكرية الجورجي غريغول أوربيلياني أنهم:

شعب محب للحرية حارب روسيا من أجل حريته لسنوات عديدة. وعلى الرغم من أن روسيا قمعت وأذلت واحتلت كل قباردا، إلا أنها لم تتمكن من قتل حب الحرية فيهم. إنهم مستعدون دائمًا للقتال ويبحثون باستمرار عن فرصة لتحرير وطنهم من الروس“.

وفقًا لأوربلياني، كان الانخفاض الحاد في عدد السكان الشركس يرجع إلى حد كبير إلى نضالهم المستمر ضد الغزاة الروس. ويقدم وصفًا تفصيليًا للتقاليد الشركسية، مؤكدًا على كرم ضيافتهم، وحفلات الزفاف وعادات الثأر عندهم، وكفاءة القتال الموروثة لديهم. [1]


التغيرات الديموغرافية

Circassians leaving their villages / Wikipedia

بعد أن دمرت الحرب الشركس، تم تهجير السكان المتبقين منهم إما إلى ما وراء نهر كوبان إلى المناطق الداخلية من روسيا أو إلى الإمبراطورية العثمانية. كان هذا النزوح القسري كارثة وطنية لا تزال تتطلب حلولاً إلى اليوم. وكان استمرارًا لجرائم الحرب والإبادة الجماعية، وانتهاكًا لحق الإنسان في العيش بكرامة في وطنه.

كانت هذه الأعمال الإجرامية مصحوبة بإدخال المستوطنين الاستعماريين من الأجناس والقوميّات والأعراق الغريبة إلى غرب القوقاز. فقد تم إنشاء المستوطنات على الأراضي الشركسية لتحل محل القرى والبلدات التي دُمِّرت. وقد تم الاستيلاء على الممتلكات الشركسية وأُسيء التعامل معها، بينما تم تهجير ضحايا الحرب والإبادة الجماعية قسراً. وباختصار، أرادت روسيا أن تكون شركيسيا خالية من الشركس.

ومن الجدير بالذكر أن المُهَجّرين إلى الإمبراطورية العثمانية واجهوا رحلات محفوفة بالمخاطر على متن سفن متداعية وغير صالحة للإبحار، وواجهوا ظروفًا معيشية قاسية، ومجاعة، وأمراضًا، ومياهًا مضطربة. وقد أدت هذه الكوارث إلى تفاقم الأهوال التي أحدثها الغزاة قساة القلوب.

التأثير الثقافي

أصبح العديد من الشركس المنتشرين في جميع أنحاء العالم قادرين الآن على الوصول إلى بيانات ومعلومات أفضل لم تكن متاحة من قبل بسبب الحرب والاحتلال والترحيل وصعوبة التواصل. ”الشركس هم السكان الأصليون لشركيسيا، التي هي جزء لا يتجزأ من شمال غرب القوقاز. فَهُم بلا شك ينحدرون من حضارات ما قبل مايكوب ومايكوب“. [2]

مع حصولهم على معلومات موثقة عن ماضيهم والتدابير الروسية القمعية ضدهم، فإن الشركس ملهمون لمواصلة عملهم الدؤوب نحو تحقيق الحاضر واستكشاف آفاق المستقبل.

إن إنشاء كيان شركسي هو أفضل طريقة لحماية اللغة الشركسية، إلى جانب العناصر الثقافية والتراثية الأخرى. ومع ذلك، يبدو أن الدولة الروسية تواصل تجاهل هذه القضية بالكامل“. ويناقش نوغزاري أنتيلافا وضع اللغة والثقافة الشركسية، مشيرًا إلى أن عمليات الترحيل إلى الإمبراطورية العثمانية وغيرها من المناطق أدّت إلى تحوُّل الشركس إلى أقليات في مواقعهم الجديدة. وبسبب عدم الاستقرار السياسي والقمع المنهجي، كان من المستحيل تقريبًا عليهم الحفاظ على حق استخدام لغتهم، مما أدى إلى تهديد انقراض الّلغة. [3]

حماية اللغة من الانقراض

يلوح خطر الانقراض فوق اللغة الشركسية، سواء في الوطن أو في الشتات. في مجتمعات الشتات، تكون القضية أكثر تعقيدًا، حيث يقتصر استخدام اللغة غالبًا على البيئات العائلية والمناسبات الاجتماعية، مع تعليم محدود في المدارس أو المؤسّسات.

لقد أدى دفع موسكو نحو اندماج غير الروس، تحت ستار الترويج للغة الرّوسيّة كلغة أصلية، إلى تسريع زوال اللغة الشركسية وغيرها من لغات الأقليات. ”إن فكرة أن غير الروس يمكنهم التخلي عن لغاتهم الأصلية دون المخاطرة بهويتهم الوطنية خاطئة ببساطة، كما تقول مدينا خاكواشيفا. “في الجمهوريات القومية، فإنّ الرّمز الموضوعي الوحيد للهويّة القوميّة هي اللغة الأم؛ وكل الدّلالات الأخرى مشتقة“. [4]

لقد تأثرت الثقافة واللغة الشركسية بشدة بالإبادة الجماعية والنزوح والترحيل بعد عام 1864. فخلال الحقبة السوفيتية، تسبب التدخل الروسي في تقسيم اللغة الشركسية إلى لغتين منفصلتين هما، الأديغا والقباردي، وذلك باستخدام أبجديات مختلفة. لكن اليوم، يطالب الشركس بإعادة توحيد لغتهم.

إن الجهود المبذولة للحفاظ على اللغة الشركسية، سواء في الوطن أو في الشتات، مستمرة، حيث تلعب المنظمات الدولية مثل اليونسكو دورًا محتملاً في هذه الجهود. [5]

يتميز الشركس بما يلي:

يضع الشركس في المقام الأول المحافظة على هويتهم وثقافتهم ولغتهم وتراثهم وحضارتهم، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى الحفاظ على وطنهم الأصلي.

العلم الشركسي هو عنصر توحيد مهم.

لهم ثقافة حضارية غنية وفريدة من نوعها إلى جانب التقاليد والتراث التاريخي الذي تفتخر به الأمة بأكملها.

العادات والتّراث.

الأدب القديم والقصائد الملحمية والأساطير والقصص الملحمية.

الخابزة، وتعني القانون الأخلاقي أو مجموعة القوانين والمبادئ، التي تحدد السّلوك بين الأفراد والمجتمع الذي ينتمون إليه. وهي مرتبطة بتقاليد وعادات الشعب الشركسي (الأديغه).

كانت القواعد العرفية القديمة لشعب خابزة تسير بالتوازي مع تبني الدين والمفاهيم الوثنية في المعابد الواقعة في البساتين المقدسة.

— (علم الإنسان) أو الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.

الشركس، باعتبارهم أحد الشعوب الأصلية في شمال القوقاز، هم جزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة.

الزي والملابس القوميّة الشّركسيّة المتميّزة. ”الزي الشركسي هو أكثر من مجرد ملابس. إنه ذاكرة وحكمة الأجيال، وهو جزء لا يتجزأ من الثقافة القوميّة، وهو انعكاس لشخصية الشعب. إنّهُ فخرهُ وكرامتَه“. [6]

لقد طوروا بمرور الوقت مفاهيم الفنون الجميلة والفولكلور التي شملت الموسيقى والرّقصات القوميّة.

أصالة القيم والأُسُس الموضوعيّة.

— ”اكتشف علماء الآثار قطعًا أثرية مثل التماثيل الصغيرة والقلائد والأكواب والأواني وأدوات أخرى مصنوعة من الذهب والفضة والبرونز والسيراميك. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن تعامل سلطات الاحتلال الروسي مع نتائج التنقيب في المناطق الأثرية والدولمينات والمقابر“. [7]

الشركس في العصر الحديث

بمساعدة الإنترنت، اكتسب النشاط القومي الشركسي زخمًا في كل من الوطن والشتات، الذي يوفر فرصًا هائلة للتعاون وتبادل المعلومات. فقد شجع توافر المنصات عبر الإنترنت الأنشطة المؤسسية الشركسية المشتركة، وتعزيز العمل الجماعي للحفاظ على تراثهم وهويتهم.

ومع ذلك، فإنهُ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يتم إجراء أي تحسينات ملحوظة على حياة الشركس في وطنهم أو في أي مكان آخر في الفيدرالية الروسية. وتظل أساليب الإخضاع الاستعمارية الروسية متجذرة بعمق، ويعود تاريخها إلى المذابح وحمامات الدم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

ويواصل الشركس تحمل عبء استعادة حقوقهم الوطنية المشروعة، والحفاظ على قضيتهم النبيلة في القلب والعقل.

الخلاصة

إنّ قصة الشركس هي قصة بقاء، ومرونة، وكفاح مستمر للحفاظ على لغتهم وثقافتهم ووطنهم. فالمخاطر التي يواجهونهاسواء استمرار القمع من قبل الدولة الروسية أو التهديد بالاندثار الثقافيتسلط الضوء على أهمية الوحدة والعمل الجماعي في السعي لتحقيق العدالة للأمة الشركسية.

********************

المراجع

[1] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251662239

[2] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251685201

[3] (The Circassian Miracle, by Adel Bashqawi, p. 295)

[4] https://windowoneurasia2.blogspot.com/2019/08/moscows-push-for-russification-and.html

[5] (Circassia: Born to be Free, by Adel Bashqawi, p. 307)

[6] https://circassianpress.blogspot.com/2020/09/day-of-circassian-national-costume-in.html

[7] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251685201

Share Button