كلمة بول غوبل في المؤتمر الدولي الثاني لشركيسيا المستقلة
عرض توضيحي:
يحتوي التالي على النسخة المكتوبة من الكلمة التي ألقاها المحلل السياسي بول غوبل (Paul Goble) في المؤتمر الدولي الثاني عبر الإنترنت لشركيسيا المستقلة. أقيمت الفعالية، التي نظمت من قبل مجلس شركيسيا المتحدة، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. ويتوفر تسجيل الفيديو للكلمة على الرابط (https://youtu.be/AG8f94YS164?si=f-O2gJsCSbqwrWIo).
قبل عام، أتيحت لي الفرصة للتحدث في مؤتمر سابق للمؤتمر الدولي حول شركيسيا المستقلة، وأنا فخور وسعيد للغاية لأنني أتيحت لي الفرصة للعودة والتحدث معكم مرة أخرى. فعلى الرغم من أنني أعرف أقل بكثير عن الشركس والقضية الشركسية من معظمكم، إلا أنني أستطيع تقديم وجهة نظر شخص أجنبي متعاطف وداعم، وهو ما أخطط للقيام به هذا الصباح.
كما قلت قبل عام، فأنا واثق — ولا أزال — من أن شركيسيا تسير على الطريق الصحيح نحو الاستعادة. وأعتقد أن هذا سيحدث في غضون عقد من الزمان أو أقل، وسوف يتم الاعتراف باستقلالها، وسوف نحتفل بانتصار شركسي هائل بعد سنوات عديدة من النضال. ولكنني حذرت في ذلك الوقت أيضاً من أن الخطوات النهائية نحو تحقيق هذه الأهداف قد تكون الأصعب. ولقد عززت أحداث الأشهر اللاحقة ثقتي في كل من توقعي لاستقلال شركيسيا والتحديات الهائلة التي تنتظرنا بسبب ردود فعل موسكو. ومن المفارقات ولأنّ ردود فعل موسكو، رغم أنها جعلت النتيجة أكثر ترجيحاً، فإنها عملت أيضاً على تعقيد المسار المستقبلي.
أعتقد أن المجتمع الشركسي لن يتغلب على هذه التحديات إلا من خلال مواجهتها بشكل مباشر والاستفادة الكاملة من الموارد المتاحة له. واليوم، أود أن أعيد النظر في بعض ما قلته في العام الماضي وأن أقدم تحديثاً في ضوء التغيرات في البيئة الدولية. لقد تطورت الاستراتيجيات التي يحتاج الشركس إلى استخدامها لتحقيق أهدافهم بطرق أساسية، ولابد من الاعتراف بهذه التغييرات.
هناك خمسة اعتبارات أساسية للقضية الشركسية
كما ذكرت قبل عام، يجب على الشركس وأنصارهم أن يضعوا في اعتبارهم خمسة اعتبارات حاسمة في ظل سعيهم إلى تحقيق أهدافهم. وتسلط هذه النقاط الضوء على الموارد المتاحة للشركس والصعوبات في استخدامها بشكل فعال، وخاصة في مواجهة التصعيد المحتمل من جانب موسكو لصلاحياتها البوليسية، وجهودها الدبلوماسية، وخدماتها الأمنية، والدعاية التضليليّة التي تهدف إلى تشويه سمعة القضية الشركسية.
1. القوة الفريدة للأمة الشركسية
يحتل الشركس مكانة فريدة بين الشعوب غير الروسية داخل الحدود الحالية للفيدراليّة الرّوسيّة. فهم لديهم عدد كبير من السكان العرقيين المتزايدين في وطنهم وشتات أكبر وأكثر وعياً بوطنهم. في الواقع، لدى الشركس أكبر شتات بين أي شعب داخل حدود روسيا. وعلاوة على ذلك، تعلم العديد من الشركس، بما في ذلك بعضكم هنا اليوم، كيفية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتوحيد مجتمعاتهم في الوطن الأم والشتات. وهذا يخلق ديناميكية قوية: فالأفعال في جزء واحد من الأمة الشركسية تعزز الجزء الآخر، وتؤدي تحركات موسكو ضد جزء واحد إلى خسائر جديدة لروسيا في أماكن أخرى.
2. أوكرانيا كحليف استراتيجي
لم يسبق أن كان للأمة الشركسية من قبل حليف مهم كما هو الحال الآن في أوكرانيا. وتعترف كييف بالشركس كحلفاء طبيعيين في نضالهم المشترك ضد الإمبريالية الروسية. وكلما تعمقت روسيا في حربها العدوانية، كلما كان من الممكن الاعتماد على أوكرانيا لدعم القضية الشركسية. لو كان أحد قد تنبأ في عام 2020 بأن البرلمان الأوكراني سيؤيد شركيسيا، لكان ذلك يبدو مستحيلاً. أمّا الآن، لم يعد الأمر سوى مسألة وقت قبل أن نرى تصريحات أقوى لدعم شركيسيا.
3. التحول الدولي في الإدراك
يدرك المجتمع الدولي بشكل متزايد حقيقة كان مترددا في الاعتراف بها ذات يوم: إن بوتن يجسد المشكلة، لكن وجود الفيدرالية الرّوسيّة كدولة إستعماريّة يشكل تهديدا دائما للسلام العالمي. ومن أجل الاستقرار الحقيقي، يجب تفكيك روسيا. إن الشركس، إلى جانب الشعوب الأخرى غير المعترف بها أو المخفيّة، يستفيدون من هذا التحول الجيوسياسي. إن انهيار الإدارة المركزية في روسيا يمنح الشركس فرصة غير مسبوقة لاستعادة استقلالهم.
4. التحالفات داخل روسيا
يتمتع الشركس أيضًا بحلفاء محتملين داخل الفيدرالية الروسية، بما في ذلك الروس العرقيون خارج هيكل السلطة في موسكو. يعاني هؤلاء الإقليميون والروس غير الموسكوفيين أيضًا تحت ”نير موسكو“ المركزي ويرون بشكل متزايد أن الشركس هم قوة رائدة للتحول بعد الإمبراطورية. ومثل دور دول جمهوريّات البلطيق في نهاية العصر السوفييتي، فإن الشركس على استعداد للعب دور قيادي في تشكيل واقع ما بعد روسيا.
5. ضعف المؤسسات في موسكو
في العهد السوفييتي وأوائل الحقبة السوفييتية، كانت مؤسسات موسكو أقوى، مما جعل من الصعب على الشركس تحقيق أهدافهم. والآن، كان تدمير بوتن المنهجي لهذه المؤسسات بمثابة نتائج عكسية. وهذا الانهيار يجعل من احتمالات ظهور نظام سياسي جديد جذريًا أكثر ترجيحًا، مما يعود بالنفع على الشعوب مثل الشركس. فالاعتراف بأهمية هذه اللحظة أمر بالغ الأهمية.
تجنب المواقف التي تؤدي إلى هزيمة الذات
على الرغم من هذه الفرص، فإنّ هناك مخاطر. قد ينظر البعض إلى التحديات على أنه لا يمكن التغلب عليها ويتراجعون إلى التقاعس، في حين قد يفترض آخرون أن النصر أمر لا مفر منه ويفشلون في التصرف بحزم. وكلا الموقفين خطيران. فالتقاعس يُضيّع مزايا اليوم، في حين يسمح الرضا عن الذات لموسكو بالزعم بانتصارات غير مستحقة. ويتعين على الشركس التصرف بحذر وتأنٍ وسرعة. ويتعين عليهم التكيف مع البيئة الدولية المتغيرة وتركيز جهودهم حيث سيكون لها التأثير الأكبر.
التركيز على أوروبا وتركيا
يتعين على الشركس أن يدركوا أن مستقبل قضيتهم أصبح الآن أكثر اعتماداً على أوروبا وتركيا منه على الولايات المتحدة. وفي حين أنه من المؤلم بالنسبة لي كأميركي أن أعترف بذلك، فإن أوروبا — جنباً إلى جنب مع أنقرة — سوف تلعب دوراً أكثر حسماً في تشكيل مستقبل المنطقة. ويتعين على الشركس أن يركزوا جهودهم الدبلوماسية والدعوية على بروكسل وباريس وبرلين وأنقرة مع الاستمرار في التعامل مع كييف والشعوب الشقيقة داخل روسيا.
الاستفادة من الشتات
يظل الشتات الشركسي مورداً فريداً لا يقدر بثمن. ولتعظيم تأثيره، يحتاج الشركس إلى موقع إنترنت مركزي متعددة اللغات لتوفير تحديثات يوميّة عن التطورات في شركسيا. ومن شأن مثل هذه المنصة، التي يمكن الوصول إليها باللغات التركية والشركسية والعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية، أن تضمن بقاء المجتمع العالمي على اطلاع بما يحدث. وهذا التدفق من المعلومات أمر بالغ الأهمية لبناء الدعم الدولي والحفاظ عليه.
الوحدة بدون التجانس
يتعين على الشركس أن يظلوا متحدين مع قبول حقيقة مفادها أن الوحدة لا تتطلب الإجماع. إن الاتفاق على المبادئ الأساسية أمر ضروري، ولكن تنوع الآراء صحي وضروري. إن أجهزة الأمن في موسكو ماهرة في استغلال الانقسامات، لذا يجب على الشركس أن يكونوا يقظين ضد محاولات زرع الفتنة.
الاستعداد لتصعيد موسكو
أخيرًا، مع اقتراب الشركس من هدفهم المتمثل في إحياء دولتهم، يجب عليهم توقع زيادة العدوان من موسكو. سيكون انهيار الإمبراطورية الروسية هذه المرة أكثر راديكاليّة، وقد يؤدي ذلك حتى إلى تفكك روسيا. هذا الاحتمال يرعب موسكو، مما يجعل رد فعلها أكثر عنفًا وتدميرًا. ويجب على الشركس مواجهة ذلك بمعلومات دقيقة وفي الوقت المناسب لحشد الدعم الدولي ومنع السّرديّات الرّوسيّة من الهيمنة على الخطاب.
الخاتمة
وفي الختام، أود أن أشكر المنظمين للسماح لي، بصفتي أجنبي، بالمشاركة في هذا التجمع المهم. وأتطلع إلى اليوم الذي يمكن فيه للمؤتمر الدولي لشركيسيا المستقلة (ICIC) أن يعقد مثل هذه المؤتمرات ليس في العواصم الأجنبية، بل في دولة شركسية منتعشة ومزدهرة. وآمل، إن شاء الله، أن أنضم إليكم جميعًا للاحتفال.
شكرًا لكم.
ترجمة: عادل بشقوي
29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024