مؤسسة ساراتوغا
حسب تعليق الخبراء: الشركس يوسعون تحالفاتهم لاستعادة استقلالهم الوطني
بول غوبل (Paul Goble)
11 ديسمبر/كانون الأوّل 2024
ترجمة: عادل بشقوي
11 ديسمبر/كانون الأوّل 2024
لم يسبق للشركس من قبل أن كان لديهم الكثير من الحلفاء في العديد من الأماكن. ويرجع هذا جزئيًا إلى الوضع الخاص الذي يجد المجتمع الشركسي نفسه فيه والعمل الهائل الذي قام به النشطاء الشركس في الوصول إلى البلدان والأمم بمفردهم؛ وجزئيًا، يعكس ذلك التغييرات في العالم منذ أطلق بوتن غزوه الموسّع لأوكرانيا والاعتراف الغربي الناتج عن ذلك بأن أفعاله هي نتاج حقيقة مفادها أن روسيا ما تزال إمبراطورية.
يمنح هذان العاملان الشركس فرصًا هائلة جديدة للضغط من أجل قضيتهم، وهي فرص أكثر من أي وقت مضى منذ تهجيرهم من وطنهم في عام 1864 في عمل من أعمال الإبادة الجماعية من قبل الإمبراطورية الروسية. والآن، بعد أن أدرك الشركس هذا الواقع الجديد، فإنهم عازمون على اتخاذ خطوات إضافية مهمة للبناء على ما حققوه وربما تحقيق أهدافهم بشكل أسرع وبنتائج جيوسياسية أعظم مما يتصوره الكثيرون الآن.
بالنسبة للعديد من الناس في مختلف أنحاء العالم، لفت الشركس وتاريخهم المؤلم انتباههم لأول مرة قبل عقد من الزمان في وقت انعقاد أولمبياد سوتشي الذي أقامه بوتن، والألعاب التي نظمها الكرملين على ما كان موقع تهجير الشركس في نهاية كفاحهم الذي دام أكثر من قرن ضد التوسع الروسي. وبعد الأولمبياد، نظّم بوتن ضم شبه جزيرة القرم واحتلال بعض الأجزاء من شرق أوكرانيا؛ وقد تراجع إهتمام الرأي العام بالشركس وتوارى عن الأنظار العامة على الأقل في الغرب. ونتيجة لذلك، نسي أغلب الناس في الدول الغربية ما كان الشركس يفعلونه منذ ذلك الوقت والحلفاء الذين اكتسبوهم سواء بين الشعوب داخل الحدود الحالية للفيدرالية الروسية أو في بلدان أخري فيما وراء حدودها، وأبرزها أوكرانيا وتركيا.
حتى قبل سوتشي، كان الشركس ميالين إلى البحث عن حلفاء، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن السوفييت قسموهم ليس فقط بين عدة جمهوريات، بما في ذلك الجمهوريات الثنائية القومية، ولكن أيضا من حيث الهويات التي استخدمتها موسكو لإضعاف تأثيرهم الجمعي والحقيقة الأكثر أهمية ربما وهي أن عدد الشركس في الشتات أكبر بعشر مرات من عددهم في الوطن الأم — أكثر من سبعة ملايين في المجموع — مقارنة بالوطن الأم — 700 ألف — موزعين بين العديد من البلدان ويتحدثون مجموعة متنوعة من اللغات.
بالتالي، كان لزاماً على الشركس أن يتعاونوا أولاً مع بعضهم البعض، وثانياً أن يعملوا مع دول وحكومات أخرى إذا ما أرادوا أن يحظوا بأي فرصة للنجاح. فكانت المنظمات التي أنشأوها تمثل النجاح الأول، وكان قرار جمهورية جورجيا في عام 2011، حتى قبل إنعقاد أولمبياد سوتشي، بالاعتراف بالتهجير الروسي للشركس باعتباره إبادة جماعية يمثل النجاح الثاني.
لقد أحرز الشركس تقدماً كبيراً ليس فقط في الحفاظ على تماسك سكانهم في الشتات وربطهم عبر الإنترنت وغير ذلك من الوسائل بالمجتمع الشركسي في الوطن الأم في شمال القوقاز، بل وأيضاً في التواصل مع جمهوريات غير روسية مختلفة ومناطق روسية في الغالب داخل الحدود الحالية للفيدرالية الروسية. والتحالف الأول يعني أن الضغط الذي تمارسه موسكو على أحد الطرفين يؤدي إلى تطرف الطرف الآخر؛ والتحالف الثاني يعني أن الشركس على استعداد لأن يصبحوا قوة رئيسية في مرحلة ما بعد الإمبراطورية. في الواقع، من العدل أن نقول إن الشركس اليوم يلعبون دورًا مشابهًا للدور الذي لعبته جمهوريات البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، في نهاية العصر السوفييتي.
ويبدو أن الشركس الآن على وشك اتخاذ الخطوة التالية من خلال إنشاء جمعية تضم ممثلين عن المجموعات الرئيسية في الشتات والوطن وحتى على أساس تلك الهيئة حكومة في المنفى تتحدث باسم التطلعات الشركسية وتصبح الأساس لعودة شركيسيا. وقد طرحت هذه الفكرة في نهاية الشهر الماضي في المؤتمر الدولي الثاني لشركيسيا المستقلة ويبدو أنها تمتلك الزخم اللازم لتصبح حقيقة واقعة. وفي الوقت نفسه، تواصل الشركس مع أوكرانيا التي أظهرت نفسها كشريك راغب في دعم تطلعات الأمة الواقعة في شمال القوقاز، وتركيا، الدولة التي تضم أكبر عدد من الشتات الشركسي، والتي تتحرك بشكل متزايد في نفس الاتّجاه.
وليس من المستغرب أن تشعر موسكو بالغضب والانزعاج؛ فقد كان القمع الروسي ضد الشركس في شمال القوقاز وأنشطة أجهزة الاستخبارات الروسية في اختراق وتعطيل واستنساخ مجموعات الشتات بهدف إرباك الشركس وعملهم أحد مقاييس النجاحات الشركسية في هذا الصدد. ولكن هذه الجهود الأخيرة أثبتت أيضاً أنها غير منتجة: فالشركس يرون ما يجري ويصبحون أكثر تطرفاً نتيجة لذلك. والواقع أن الجمع بين الدعم الخارجي للقضية الشركسية والجهود الروسية لتدميرها قد يعني الآن أن الدفع نحو استعادة استقلال الشركس، الذي طالما تم تجاهله أو رفضه في الغرب، قد يعني أن شركيسيا المستعادة قد تكون من بين أولى المناطق غير الروسية في الفيدراليّة الرّوسيّة الحاليّة التي تنفصل عن موسكو.
وإذا حدث ذلك، فسوف تكون له عواقب وخيمة على الجغرافيا السياسية لأوراسيا. إن روسيا سوف تنفصل عن القوقاز، وسوف يزداد النفوذ التركي والأوكراني ليس فقط في منطقة القوقاز حيث تتمتع روسيا بالنفوذ بالفعل، بل وأيضاً في شمال القوقاز، الأمر الذي قد يدفع الحركات القوميّة هناك إلى التطرف والسعي إلى الاستقلال من تلقاء نفسها. ولأن هذه الإمكانية واردة، فإن هذا الاحتمال قد يجبر موسكو على محاولة وقفه، ربما بسحب القوات من أوكرانيا على أمل أن تتمكن من الحفاظ على تماسك الإمبراطورية الداخلية الحالية. ولكن من غير المرجح أن يثبت هذا التكتيك نجاحه. فالواقع أن الكرملين سوف يتوصل إلى نتيجة عكسية عندما يدرك المزيد والمزيد من أجزاء الفيدرالية الروسية الحالية أن موسكو لم تعد قادرة على الاحتفاظ بكل شيء، ويقررون أنهم سوف يكونون من بين أولئك الذين سوف يتعين عليها التخلي عنهم.
بالنسبة لأولئك الذين تجاهلوا التّحرُّك الشركسي على مدى العقد الماضي، فإن هذا سيكون بمثابة مفاجأة، ولكن بالنسبة لأولئك الذين كانوا ينتبهون إليها، فلن يكون الأمر كذلك — وهذه هي أفضل حجة ممكنة لماذا يجب على أولئك المهتمين بمستقبل أوراسيا ككل الانتباه إلى ما يفعله الشركس داخل الفيدرالية الروسية وخارج حدودها الحالية وكذلك إلى كيفية رد فعل موسكو.
المصدر:
https://www.saratoga-foundation.org/p/expert-commentary-circassians-expanding