السياسات الاستعمارية لتهجير الشعوب والأمم والثقافات
عادل بشقوي
22 ديسمبر/كانون الأوّل 2024
لا تعد هذه المقالة مجرد تذكير بحملات التطهير والإبادة المأساوية التي نتجت عن التطبيق المتعمد للجريمة المنظمة والمؤسسية والممنهجة كسياسة رسمية للدولة الروسية ضد الأمة الشركسية وغيرها من شعوب وأمم القوقاز وما وراءها. لم تنته هذه السياسات، التي بدأت أثناء غزو الإمبراطورية الروسية واحتلالها، بتلك الفتوحات الإستهلاليّة؛ بل إن عواقبها لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
لقد رعت القوى الإستعمارية وفاقمت التوترات العرقية بين الشعوب الأصلية—المالكين الشرعيين لهذه الأراضي— والمجموعات ذات الأصول الأجنبية الّتي فُرِضت على المنطقة. فقد تم إنشاء المستوطنات على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني، واستغلال موارد الأمة الشركسية بعد تهجير السكان الأصليين قسراً إلى الإمبراطورية العثمانية عبر البحر الأسود.
كلما سنحت الظروف التي سمحت بمتابعة الحقوق الشركسية المشروعة، أدخلت السلطات الاستعمارية مجموعات غريبة—جلبتها في الأصل الأنظمة الاستعمارية السابقة— ومكّنتها من خلال الهياكل الإدارية الّتي تجذّرت في القوانين العسكرية القمعية. ومنذ ذلك الحين، تنافست هذه المجموعات، التي توطّدت من خلال الهندسة الديموغرافية المتعمّدة، بشكل غير عادل للإدّعاء بحقوق الآخرين.
لا يمكن تجاهل مثل هذه الأفعال أو إضفاء الشرعية عليها. وتؤكد القوانين والأعراف الدولية بشكل لا لبس فيه أن عواقب الاحتلال العسكري—بما في ذلك سلب ونهب ممتلكات الشعوب الأصلية—غير مقبولة تحت أي ظرف من الظروف. إنّهُ لا يُحتمل أن يستمر حرمان المالكين الشرعيين لوطنهم من حقهم الأساسي في تقرير المصير والاستقلال الوطني.
تطور الاستيلاء على الموارد من خلال الغزو العسكري إلى احتلال غير قانوني وغير مبرر، مما أدى بدوره إلى الضم الدائم. ومن خلال سياسات الاستيطان الاستعماري، شوّه المحتلون الثقافات المحلية وقوضوا الروح الحضارية الشركسية، التي كانت متجذرة في رسالةٍ إنسانيةٍ مقدسة. حتى أنّهُ تم قمع فرص الحوار المتحضر بشكل منهجي.
لقد انخرط المحتلون في سلوكيات إجرامية شملت، على سبيل المثال لا الحصر، أعمال احتلال وقتل جماعي وتدمير وإبادة جماعية وتطهير عرقي وترحيل وتهجير قسري. كما نهبوا الموارد، وتركوها في كثير من الأحيان ملطخة بدماء الأبرياء. ولضمان امتداد هيمنتهم إلى الأجيال القادمة، سرقوا وصادروا ودمروا في بعض الأحيان التحف الثقافية واللغة والتراث والفنون والعادات والقيم والتقاليد والأدب.
كانت هذه الحملة للهندسة الديموغرافية منظّمة سياسياً وتلقى التأييد من قبل المسؤولين على أعلى المستويات، بما في ذلك القادة العسكريون وجنرالات الجيش والمرتزقة. وكانت هذه التدابير جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات العسكرية المدروسة والمعدّة بعناية، والتي تم تنفيذها وتكييفها مع التقدم المحرز في ساحة المعركة — وخاصة في السنوات الأخيرة من الحرب.
كما قال فرانتس فانون على نحوٍ ملائم:
”القيمة الأكثر أهمية بالنسبة للشعوب المستعمرة هي الأرض قبل أي شيء آخر، لأنها أكثر شيء ملموس لكونها توفر لهم الخبز والأهم من ذلك الكرامة“.