الحركة القوميّة الشركسية تكتسب زخماً بعد اعتراف كييف بإبادة روسيا الجماعية
الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor)
بول غوبل (Paul Goble)
14 يناير/كانون الثاني 2025
ترجمة: عادل بشقوي
14 يناير/كانون الثاني 2025

الملخص التنفيذي:
• صوّت البرلمان الأوكراني على الاعتراف بالأفعال الروسية ضد الشركس في القرن التاسع عشر باعتبارها عملاً من أعمال الإبادة الجماعية — وهي الخطوة التي يأمل الشركس ونشطاء حقوق الإنسان أن تؤدي إلى قيام دول أخرى باتباعها.
• وتعمل موسكو على تقليص تأثير أفعال أوكرانيا ومنع دول أخرى من اتباعها، فضلاً عن منع عودة الشركس إلى وطنهم.
• ونتيجة لذلك، اكتسب الشركس زخماً جديداً في الوطن وفي الشتات. وهم يتوقعون تحقيق المزيد من أهدافهم وأن يصبحوا مجموعة تنظيمية أكثر مركزية لغير الروس الذين يتحدّون حكم موسكو.
في التاسع من يناير/كانون الثاني، صوّت البرلمان الأوكراني بأغلبية ساحقة لصالح قرار يعلن أن الأفعال الروسية أثناء وبعد الغزو والاحتلال الروسي لشركيسيا كانت عملاً من أعمال الإبادة الجماعية. وعلى وجه التحديد، ينص القرار على أن الأفعال الروسية بين عامي 1763 و 1864 تحمل ”كل علامات الإبادة الجماعية، وإذا ارتُكبت مثل هذه الجرائم اليوم، فسوف يتم الاعتراف بها بلا شك“ كعمل من أعمال الإبادة الجماعية كما حددتها اتفاقية الأمم المتحدة (Ukrainian National News, January 9; Circassia Today, January 10; Ukrainian Government Portal, accessed January 14). ويقول البيان أيضًا إن البرلمان الأوكراني يسعى إلى تكريم ”ذكرى جميع ضحايا هذه الجريمة والتعبير عن تضامنه مع الشعب الشركسي (الأديغي)“ ويدين بأشد العبارات الممكنة ”أعمال الإبادة الجماعية” التي ارتكبتها الحكومة الروسية. كما يدعو الفيدرالية الروسية إلى الاعتراف بهذا العمل باعتباره جريمة والاعتذار عنه. كما اعترفت ”بحق الشعب الشركسي (الأديغي) في الشتات في العودة إلى الأراضيالتي استوطنوها في السابق في شمال غرب القوقاز مع تحقيق المزيد من الحق في تقرير المصير القومي على أراضيهم التاريخية“ ودعت الدول الأخرى إلى اتخاذ خطوات مماثلة.
لطالما هدفت الحركة القومية الشركسية إلى استعادة الدولة الشركسية في شمال القوقاز التي دمرتها الإمبراطورية الروسية خلال حملتها التي استمرت 101 عامًا لضم تلك المنطقة. وفي سعيها إلى تحقيق هذا الهدف، فإن الحركة الشركسية لديها ثلاثة أهداف على المدى المتوسّط. أولاً، يأملون في الحصول على اعتراف دولي بأفعال روسيا، واعتبار موت أو طرد 90 في المائة من الشركس عملاً من أعمال الإبادة الجماعية بنفس الدرجة التي كانت بها المجاعة وفظائع الإرهاب في أوكرانيا. ثانيًا، يتطلعون إلى عودة الشركس إلى وطنهم الأصلي. يوجد الآن حوالي سبعة ملايين شركسي في الشتات مقارنة بـ 700 ألف فقط اليوم في وطنهم الأصلي. ثالثاً، يهدف الروس إلى التغلب على الانقسام الذي فرضه السوفييت وحافظ عليه الروس في شمال القوقاز إلى قوميات أصغر وأسهل للسيطرة عليها، وتعزيز إحياء أمة شركسية مشتركة. وقد عملت موسكو جاهدة لمنع كافّة هذه الجهود الثلاثة. فهي تخشى ما قد يعنيه وجود أمة شركسية موحدة ليس فقط لسيطرتها على القوقاز، ولكن بشكل عام، نظراً للنفوذ الشركسي بين الجماعات الأخرى، لهيمنتها على أطراف الإمبراطورية الروسية. ومع ذلك، فقد تكبد الكرملين خسارة كبيرة في الهدف الأول نتيجة لحل أوكرانيا، مع احتمال أن تؤدي هزيمته إلى خسائر أخرى في الهدفين الآخرين. (On these Circassian aspirations and Moscow’s moves against them, see Window on Eurasia, October 17, 2020, May 22, 2021, May 29, 2023; see EDM, May 19, 2022, May 23, June 22, September 20, 2023).
لقد سعى الشركس وأنصارهم الأوكرانيون إلى تبني مثل هذا الإعلان لأكثر من عقد من الزمان (see EDM, May 27, 2014). وكان هناك ارتفاع في الاهتمام بمثل هذه التحركات بعد أن اتخذت جورجيا هذه الخطوة في عام 2011، وخطوة أخرى في وقت دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014، والتي نظمها بوتن في نفس موقع تلك الإبادة الجماعية في الذكرى السنوية المائة والخمسين لها. في السنوات الثلاث الأخيرة منذ أن أطلق زعيم الكرملين غزوه الموسع لأوكرانيا، زاد هذا الاهتمام نظرًا لاهتمام كييف بالتواصل مع الروس غير العرقيين داخل الفيدرالية الروسية (see Commentaries, February 10, 2014; see North Caucasus Weekly, May 20, 2013; see EDM, August 8, 2024; Window on Eurasia, October 20, November 9, 2022, August 2, 2024). لقد شعر الشركس بالنشاط بشكل خاص بعد أن اعترفت كييف بالشيشان كأرض محتلة مؤقتًا وعملوا عن كثب مع الشيشان والأوكرانيين منذ ذلك الوقت (see EDM, November 1, 2022).
لقد أبدى الناشطون الشركس فرحة غامرة بقرار أوكرانيا (Kavkaz Realii, January 10; Kavkaz Uzel; Ekho Kavkaza, January 11). وهم يخططون لتوسيع اتصالاتهم مع الحكومات الأخرى، في المقام الأول في دول البلطيق وبولندا وفنلندا، على أمل تأمين إعلانات إضافية من هذا النوع (Kavkaz Realii, January 10). وهم يناقشون كيفية توسيع اتصالاتهم مع القوميات الأخرى داخل الفيدرالية الروسية لتشكيل جبهة مشتركة لهزيمة الإمبريالية الروسية في أوكرانيا والفوز بالاستقلال لجميعهم (Caucasusfree.com, accessed January 14). بالإضافة إلى ذلك، فهم يعملون على تشكيل منظمات جديدة وأكثر شمولاً، مثل البرلمان الشركسي المشترك الذي من شأنه أن يربط بين الجماعات في الوطن والشتات بشكل أوثق، ونشرة إخبارية بعدة لغات حول الأحداث الشركسية للوصول إلى جمهور دولي أوسع (Window on Eurasia, November 26, 2024).
ومن اللافت للنظر أن حفنة من الجماعات الشركسية تحدثت ضد تصرف أوكرانيا، وهو ما يعكس جهود موسكو للسيطرة عليها لتعكير صفو المياه وإضعاف الحركة الشركسية (Aydınlık, January 12). وأبرز هذه الجماعات هي الجمعية الشركسية العالمية (ICA)، وهي الجمعية التي يشتبه العديد من الشركس منذ فترة طويلة في أنها وقعت في قبضة أجهزة الاستخبارات الروسية وتخلّوا عنها منذ ذلك الحين (see EDM, February 16, 2023; Window on Eurasia, July 2, 2020, May 4, 2022, February 1, 2023, January 11, 27, July 28, 2024). ومن شأن هذا الإجراء الأخير غير الشعبي على نطاق واسع من جانب الجمعية الشركسية العالمية أن يعزز مثل هذه الشكوك. ومن المؤكد تقريبا أنه سيؤدي إلى انهيارها، مما يجبر موسكو على تكثيف جهودها ضد الجماعات الأخرى واستخدام القمع على نطاق أوسع ضد الناشطين الشركس في روسيا. لكن مثل هذه التحركات سوف تأتي بنتائج عكسية، وهو ما يبرزه أحد أعظم نقاط القوة لدى الشركس. ففي عصر الإنترنت، سرعان ما يصبح ما تفعله موسكو في الشتات أو القوقاز معروفاً للآخر، مما يؤدي إلى تطرف الرأي العام وتقليص قدرة موسكو على السيطرة على وضع أمة يعيش معظم أعضائها خارج نطاق السيطرة المباشرة للدولة الروسية.
وبسبب العدد الكبير من السكان الشركس ونفوذهم بين مجموعات أخرى، سواء داخل الفيدرالية الروسية أو خارجها، ولأنهم تحالفوا مع أوكرانيا لمنع التعبئة الروسية في مناطقهم، فسوف يصبحون هدفاً أكبر للكرملين (see EDM, October 18, 2022). ومن المرجح أن تستنتج موسكو أنها الآن أكثر من أي وقت مضى مضطرة إلى استخدام تدابير قمعية أكثر صرامة ضد الشركس الذين يمكنها الوصول إليهم في الداخل أو الخارج، ومهاجمة أي شخص يدعم الشركس أو حتى يغطيهم، وهو ما فعلته مؤسسة جيمستاون لعقود من الزمن (e.g., Jamestown, May 29, 2020). ولكن هذا من شأنه أن يزيد من إضعاف موقف موسكو. وربما يكون الشيء الوحيد الذي يمنعهم من مثل هذه الهجمات هو بعض الإلمام بالكلمات التي ورد أن غاندي استخدمها حول الصراعات بين الأنظمة القمعية وأولئك الذين يعارضونها، والتي استخدمها هذا المؤلف في ملاحظاته أمام المؤتمر الدولي حول شركسيا المستقلة في إسطنبول في أغسطس/آب 2023 (Window on Eurasia, August 8, 2023). لقد قيل أن غاندي كانت لديه بصيرة لاحظ أولاً بنظرة ثاقبة أن معارضي الحركات الوطنية يتجاهلون الأخيرة، ثم يسخرون منها، ثم يهاجمونها، وأخيرًا يستسلمون لها. ولعل ما فعله البرلمانيون الأوكرانيون قد جعل ذلك اليوم أقرب. وما قد تفعله موسكو رداً على ذلك قد يجعل ذلك اليوم أقرب.
المصدر: