شركيسيا الحرة: كي لا ننسى

شركيسيا الحرة: كي لا ننسى

عادل بشقوي

16 أبريل/نيسان 2025


يجب ألا تُنسى الأعمال الوحشية مطلقا. لقد شنّ الموسكوفيون على مدى عقود حروب إبادة ممنهجة وتهجير قسري ضد الأمة الشركسية وشعوب القفقاس الأخرى. مهما طال الزمن، ومهما تم إخفاءهم في الأعماق في غياهب النسيان التاريخيطغت عليهم المؤامرات والجرائم الاستعماريةفلن ينسى الشعب الشركسي حقوقه المشروعة والمسلوبة التي تم جحدها ولن يكف عن المطالبة باستعادة الوطن  المغتصب.

الأصالة والمصداقية

ليس من قبيل الصدفة أو المبالغة اعتبار الأنظمة الروسية المتعاقبة معتديةً ومستبدةً للأممبدءًا من الحقبة القيصرية، وخاصةً في عهد سيئ السمعة إيفان الرهيب، مرورًا بمحطات بارزة في عهد سلالة رومانوف، مع شخصيات عامّة مثل بطرس الأكبر، وكاترين الثانية، وألكسندر الثاني، ونيكولاس الثاني، وصولًا إلى ثورة أكتوبر في عام 1917، والاتحاد السوفياتي، وصولًا إلى الفيدرالية الروسية الحديثة.

يُعد التوثيق التاريخي والبحث العلمي أساسيين لحفظ الحقيقة وتحديد المصادر الموثوقة. وتؤكد هذه الجهود وقوع أحداث مهمة ومصيرية، مما يُمكّن من نقلها إلى الأجيال القادمة ودمجها في السرديات الأكاديمية. ووفقًا للمعايير الدولية، فإن المعلومات التي تفتقر إلى مصادر موثوقة لا تُعتبر مشروعة ولا موثوقة، ويجب رفضها على اعتبار أن لا أساس لها.

فمنذ بداية الحروب في القوقاز، عانت شركيسيا وأمم أخرى في المنطقة من فظائع مروعة، بما في ذلك المجازر والإبادة الجماعية. وأصبحت المنطقة نفسها ورقة مساومة في المؤامرات والحروب. يحمل الناجون ذكريات قومية مؤلمة عن الجرائم التي ارتُكبت خلال حرب الإبادة الجماعية هذه، بما في ذلك التطهير العرقي، والضّم القسري، واضمحلال اللغة والثقافة والتراث. لقد كان اضطهاد شعوب القوقاز نتيجة مباشرة للعدوان الإمبريالي والاستعماري الروسي.

التطلعات نحو الحرية

لطالما تطلعت الشعوب والأمم المُستضعفة إلى الحرية والاستقلال. فقد وقع الشركسكغيرهم من شعوب القوقاز المضطهدةضحية ظلم تاريخي. ورغم نضالهم الذي امتد لأجيال من أجل الحرية وتقرير المصير والاستقلال، إلا أنّهُ حُكم على مصيرهم باتفاقيات سرّيّة ومعاهدات مشؤومة أُبرمت من وراء ظهورهم. لقد تركتهم هذه الاتفاقيات عُرضة للقوى الاستعمارية التي طمعت في أراضيهم ومواردهم وحتّى تراثهم الثقافي.

استغلال الدين

بدلاً من التمسك بقيم الدين المتمثلة في الرحمة والاحترام المتبادل، فقد انحاز رجال الدين الأرثوذكس الروس إلى الطموحات الإمبريالية. فقد نشروا بنشاط معلومات مضللة ضد الأمم المستهدفة، بما في ذلك الشركسالذين كان نصفهم من المسيحيين الأرثوذكس حتى القرن الثامن عشر. وفي خيانة مروعة للإيمان، جنّدت المؤسسات الدينية السُّذّج وغير المثقّفين لشن الحروب وارتكاب الفظائع وتنفيذ عمليات إبادة جماعيةحتى ضد من يشاركونهم معتقداتهم الدينيّة.

أصالة الأمة الشركسية

عانت الأمة الشركسية، المعروفة بقيمها النبيلة وتقاليدها الحضارية، من عدوانٍ مروع على يد الإمبراطورية الروسية. فقد فرض الغزاة شريعة الغاب، ناشرين الدمار والفساد والموت. واتسمت حملاتهم بسفك الدماء والقتل الجماعي والتطهير العرقي.

لم يكن الهدف الاحتلال فحسب، بل الهندسة الديموغرافية أيضًامصادرة الممتلكات، ومحو الهوية الثقافية، واستبدال السكان الأصليين بمستوطنين من خلفيات عرقية مختلفة عبر المستوطنات العسكرية والاستعمارية.

لم تواجه القوات الغازية مقاومة تُذكر تُضاهي حجم عنفها. لم تُفرّق بين الرجال والنساء، والمدنيين والجنود، والشباب والكبار. دأبت هذه القوات على نكث الوعود والعهود، وتشويه التاريخ، وخرق الاتفاقيات. ومدفوعين بالاستياء، زوّروا الماضي في محاولة متعمدة لمحو حقوق وهويات الآخرين. ولكن عندما تتجلى الحقيقة، يصبح الجدل مضيعة للوقت.

النظام الاستبدادي والطبقية الاجتماعية

من اللافت للنظروالمقلقأن دولة استعمارية قائمة على الإقطاع والقنانة والعبودية هي التي شنّت مثل هذه الغزوات التوسعية. فمنذ عهد إيفان الرهيب، اعتمد النظام الروسي على أنظمة جعلت من الحياة البشرية سلعةعبر الاتجار بهم واستعبادهم والسيطرة على شعوب بأكملها.

ورغم إلغاء نظام القنانة رسميًا في ستينيات القرن التاسع عشر مع إصلاحات التحرير، إلا أن إرثه استمر حتى الثورة البلشفية في عام 1917. وقد حصر هذا النظام، المتجذر في الإقطاع، الفلاحين في الزراعة وتربية الحيوانات، بينما حوّلت العبودية الأفراد إلى مجرد ممتلكات.

في ظل الحكم السوفيتي وما بعده، ظل المجتمع الروسي مسكونًا بالاستبدادإذ هيمنت عليه أجهزة المخابرات وقوات الأمن ودولة بوليسية راسخة الجذور. واستمرت الطبقية الاجتماعية في تحديد المجتمعات والهياكل العسكرية والتسلسلات الهرمية السياسية. فمنذ القرن السادس عشر فصاعدًا، وبدافع الجشع الإمبريالي، شنّت القوات الروسية هجمات على عشرات الشعوب المجاورة. لقد غزت الأراضي، ودمرت الموارد، وارتكبت فظائع واسعة النطاق. وأحدث مثال على هذا العدوان هو الحرب الدائرة ضد أوكرانيا، الدولة المستقلة ذات السيادة والعضو في الأمم المتحدة.

الخلاصة

دمّر المعتدون الروس عمدًا عناصر أساسية من الثقافة والتراث الشركسي، بالإضافة إلى عناصر أخرى من شعوب أسيرة أخرى في القوقاز وما وراءه. لم يقتصر هدف هذه القوات الإمبريالية على السيطرة الإقليمية، بل امتد إلى الإبادة الثقافية. أينما سارت جيوشهم، فقد نهبوا وفككوا ومحوا هويات المستعبدين.

لقد كان هدفهم واضحًا: الاحتلال، والضم، والإبادة. ومع ذلك، ورغم هذه الفظائع، لا تزال روح الأمة الشركسية باقية. إن تذكّر هذا التاريخ ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل هو دعوة إلى العدالة والحقيقة واستعادة وطن مغتصب.

Share Button