تصحيح: الشركس كانوا مُهجّرين، لا لاجئين
مُهجّرين بسبب الاحتلال: التهجير الذي مزّق شركيسيا
عادل بشقوي
7 يونيو/حزيران 2025

حتى عندما يُصبح الاحتلال وكافّة تداعياته واقعًا ملموسًا، فإنه لا يتحوّل إلى أمرٍ قانوني أو مشروع. لذلك، فإنّ مقاومته، والقيام بنشاطٍ مشروع، ورفع مستوى الوعي حتى تحقيق العدالة واستعادة الحقوق المسلوبة، واجبٌ أخلاقي. ورغم هذه الحقيقة، هناك محاولاتٌ مُستمرةٌ لتشويه الحقائق وإعادة كتابة التاريخ، بما يتماشى مع مصالح الدول المحتلة التي تهدف إلى محو وجود الشعوب والأمم التي تستعبدها.
لطالما قاوم الشركس، كغيرهم من الشعوب المُستعمَرة، هذا الاحتلال تاريخيًا. وقد شكّلت الحركات الاجتماعية أداةً استراتيجيةً لمعارضة القمع، مستخدمةً أنشطةً رمزيّة عامةً وجهودًا تنظيميةً لجذب الانتباه العالمي إلى محنتهم. ورغم سلطة الطغاة والإمبراطوريات الاستعمارية، لكنهم سيواجهون في نهاية المطاف الحساب الأخلاقي والتاريخي.
في حين أن درب العدالة قد يكون طويلًا، يبقى الاستعمار غير مشروع. لا يزال الناس في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الشركس، يتوقون إلى الحرية وحق تقرير المصير واستعادة حقوقهم غير القابلة للتصرف. فهذه التطلعات حتمية، وفي النهاية، ستنتصر الحقيقة. إن كل ما يقوم على القوة والباطل مصيره الانهيار.
المنهج العلمي في البحث التاريخي
يعتمد البحث التاريخي السليم على منهج علمي لجمع وتحليل الأدلة من مصادر موثوقة، بما في ذلك الوثائق الأرشيفية والمذكرات والشهادات والقطع الأثرية. ويجب أن يُبنى السجل التاريخي من خلال التحقق الدقيق والتحليل الموضوعي. ويشمل ذلك تأكيد التسلسل الزمني، وتحديد عدد الضحايا، وتحليل تأثير العمليات العسكرية على السكان والبيئة.
يجب أن يكون البحث الدقيق منطقيًا وموضوعيًا ومدعومًا بالأدلة. ويجب على الكُتّاب الحفاظ على النزاهة الأكاديمية، حتى لو فضّلوا رواية على أخرى. يجب تقديم روايات متنافسة، خاصةً عند تناول قصص تم التلاعب بها لدعم وجهات نظر استعمارية أو محرّفة.
الترويج للحرب والاحتلال عبر الدعاية
تكشف الوثائق التاريخية والحقائق القاطعة وحشية الإمبراطورية الروسية، التي أدت أجندتها التوسعية إلى قرون من الغزو والحرب والاستعمار، بما في ذلك ضم شركيسيا. لم تكن هذه الأعمال سلمية قط، بل غذّتها الدعاية والإرهاب والتضليل الإعلامي. وتواصل وسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية الروسية التلاعب بالروايات التاريخية، وتقديم رواية المنتصر للأحداث التي حدثت، وتزوير الحقائق لتتماشى مع الأهداف الاستعمارية.
وضع النقاط على الحروف
من الضروري الحفاظ على الوضوح الأخلاقي والدقة التاريخية عند سرد المأساة الشركسية. فعلى مدى 101 عام، استخدمت الإمبراطورية الروسية قوة عسكرية هائلة لغزو شركيسيا، مرتكبةً فظائع تركت ندبة لا تُمحى في تاريخ البشرية. أدت الإبادة الجماعية والتهجير القسري لـ 90% من السكان الشركس إلى الإمبراطورية العثمانية إلى تشتيت الأمة في جميع أنحاء العالم، بينما لم يتبقَّ سوى 10% منهم في الوطن.
التاريخ ليس مجرد مأساة عادية، بل هو تراجيديا حقيقية. على الرغم من ذلك، تُقدّم بعض المصادر الحديثة – سواءً عن قصد أو عن غير قصد – رواياتٍ مبنية على معلوماتٍ غير موثوقة أو مُحرّفة أو مُتأثّرة بالدعاية المضللة. وتظهر هذه الروايات المُخادعة في الكتب والمقالات والدراسات الأكاديمية والمؤتمرات ووسائل التواصل الاجتماعي. فالهدف هنا ليس استهداف الأفراد، بل كشف المغالطات التاريخية والتأكيد على أهمية السرد القصصي الصادق.
يُلحق سوء استخدام المصطلحات ضررًا بالغًا. فغالبًا ما تُطبّق مصطلحاتٌ مثل ”اللاجئين“ بشكلٍ غير صحيح على الشركس. فبينما تعكس كلماتٌ مثل ”المُهجّرين“ و”الاحتلال“ و“الغزو“ و”الإبادة الجماعية“ و”التطهير العرقي“، الحقائق التاريخية بشكلٍ أفضل، يُصرّ البعض على استخدام تعبيراتٍ مُلطّفة تُقلّل من شأن عنف التجربة الشركسية.
توضيحات وتصحيحات
• المصطلح الصحيح هو المُهجّرون، وليس اللاجئون. ووفقًا لقاموس ميريام وبستر (Merriam-Webster):
— اللاجئ: شخص يفر بحثًا عن الأمان، وخاصةً إلى بلد آخر.
— المُهجّر: شخص أُبعد قسرًا أو صدر بحقه أمر ترحيل.
• التجربة الشركسية غزوًا واحتلالًا وإبادةً وتطهيرًا عرقيًا وتهجيرًا.
• الشركس هم السكان الأصليين لشركيسيا، بينما مصطلح ”القوقاز“ هو وصف جغرافي لمنطقة أوسع.
• الحرب الروسية الشركسية 101 عام (1763-1864)، وهي ليست المدد الأقصر التي تزعمها المصادر الروسية.
• كانت السلطات العسكرية الروسية متورطة بشكل مباشر في تنظيم وجدولة وتمويل السفن المستخدمة لترحيل الشركس إلى الإمبراطورية العثمانية.
• في بعض الحالات، تم تبادل الشركس مع الأرمن واليونانيين بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية.
• لم يكن الترحيل هجرة طوعية أو حجًا دينيًا، كما صوّرته بعض الروايات زورًا وبهتانًا.
• قضى الشركس شهورًا من المعاناة على ساحل البحر الأسود، معرّضين للأمراض والجوع والطقس القاسي أثناء انتظارهم السفن.
• وصل الشركس الأوائل إلى عمّان، الأردن، في عامي 1867 و 1868، وليس عام 1878 كما تدّعي بعض المصادر.
• ذكرت مجلة “لو ماغاسان بيتوريسك” الفرنسية أن وجود الشركس في عمّان بدأ منذ عام 1868.
• الباحث محمد شابسوغ يستشهد بشيوخ الشركس الذين أفادوا بأن وصولهم إلى عمّان حدث قبل عام من افتتاح قناة السويس والذي جرى في عام 1869.
• في عام 1878، طُلب من الشركس التفكير في الانتقال إلى منطقة ياجوز، الواقعة على بُعد 15 كيلومترًا شمال عمّان، لكنهم اختاروا البقاء في عمّان رغم الضغوط الخارجية. ويُقال إن هذه المحاولة مرتبطة بالمسافر وعميل المخابرات البريطاني لورانس أوليفانت. فهذه الحقائق مدعومة بمذكرات ووثائق وصور قديمة، تُفنّد الروايات المضللة والمُختلقة.
• يستمر التضليل عندما يقتبس المدونون والكتاب والمتحمسون المحليون معلومات غير مؤكدة أو مشوهة أو ينشرونها.
• فعلى سبيل المثال، يتم تصنيف الشركس بشكل خاطئ على أنهم لاجئون، ويتم التقليل من أهمية مصطلحي الإبادة الجماعية والاحتلال، ويتم استبدال الإشارة إلى “شركيسيا” بعلامات جغرافية غامضة مثل “القوقاز”.
الخلاصة
يجب أن يعكس التاريخ الحقيقة. لم تكن المأساة الشركسية هجرة سلمية، بل ترحيلًا مُتعمّدًا وعنيفًا صُمّم لمحو أمة. المصطلحات الواضحة والدقيقة مهمة. إن استعادة النزاهة التاريخية تُكرّم ذكرى الضحايا وتُمكّن الأجيال القادمة من مواصلة السعي لتحقيق العدالة وتقرير المصير. إن إرث الأمة الشركسية يستحق أكثر من مجرد التشويه — إنه يستحق التذكير والاعتراف والإحياء.