شركيسيا ليست موضع نقاش: إنها لنا آنذاك، ولنا الآن
عادل بشقوي
30 يونيو/حزيران 2025

خلفية
على مدى قرون، شهد الشركس وطنهم يُمزق، ويُعاد تسميته، ويشطب من السرديات السائدة — لكن هذا الشّطب انتهى هنا. شركيسيا ليست مجرد هامش تاريخي، ولا جائزة لإعادة رسم الخرائط الاستعمارية. فلا يمكن دحض شرعيتها التاريخية. إنها الوطن الحي لشعبٍ صامد بلغته وثقافته وذاكرته رغم كل الصعاب. وفي مواجهة تحدياتٍ لا تُصدق، حافظ الشركس على هويتهم القومية في كل الظروف. لا يسعى هذا المقال إلى الحصول على إذن لبيان هذه الحقيقة. إنه يؤكد ما سجله التاريخ بالفعل — وما يحمله كل شركسي في أعماقه: فقد كانت شركيسيا لنا، وستظل لنا — لم يمزقها المنفى، ولم يؤثّر عليها الإنكار.
مقدمة

لاستعادة الرواية، علينا أن نبدأ بالتهجير والنُّزوح القسري لمليوني شركسي في أعقاب الحرب الروسية الشركسية الطويلة والمدمرة (1763 – 1864). لقد شُنت حرب الإبادة الإمبريالية هذه لاحتلال شركيسيا، وإبادة نصف سكانها، وترحيل 90% من الباقين إلى الإمبراطورية العثمانية، ممهّدة الطريق لضم وطنهم واستيطان المستعمرين الروس ومرتزقتهم بدلًا منهم.
فقد هلك عشرات الآلاف نتيجة التهجير القسري، والأوبئة، والجوع، والتعرض للطقس القاسي، والرحلات الخطرة عبر البحر الأسود على متن سفن متهالكة، والتهجير المتكرر من الموانئ العثمانية إلى أنحاء الشتات.
هذه ليست مبالغات، بل حقائق تاريخية تكشف عن كامل نطاق الكارثة التي حلت بالأمّة الشّركسيّة. فقد أُبيد نصف السكان على يد القوات الغازية خلال حربٍ استمرت 101 عامًا، وبلغت ذروتها بالإبادة الجماعية في 21 مايو/أيار 1864. دارت المعارك الأخيرة في سوتشي، عاصمة شركيسيا آنذاك. وكان هدف الإمبراطورية الروسية واضحًا: شركيسيا بلا شركس.
هذا ليس من قبيل الجدل، بل هو إعادة الإصرار والتأكيد على ارتباط الشركس الدائم بوطنهم وتاريخهم وحضارتهم وتراثهم — في الماضي والحاضر. ويجب أن يكون هذا الارتباط أساسًا لمستقبل يليق بأمة أصلية عريقة ومحترمة بين شعوب العالم.

الشرعية التاريخية
• أصول واستمرارية الوجود الشركسي في شمال القوقاز. > ”لشركيسيا تاريخٌ مشهودٌ يمتد لأكثر من ستة آلاف عام، تُسهم فيه للبشرية إسهامًا إيجابيًا ومستمرًا … نشأت الحضارة والثقافة الشركسية في شمال غرب القوقاز، واستمرت لآلاف السنين … ويحتل الوطن الشركسي موقعًا استراتيجيًا في جنوب شرق أوروبا، على طول الشواطئ الشمالية الشرقية للبحر الأسود“. [1]
• الغزو الإمبريالي وتقطيع أوصال الهوية. > ”عندما نتذكر التطهير العرقي والإبادة الجماعية الشركسية، نعود إلى الماضي — لا للتأمل فيه، بل لاستخلاص الدروس والعبر منه … في 14 أبريل/نيسان 1864، التقى الأمير ميخائيل بقادة الشركس في سوتشي وأمرهم بالنزول من الجبال والاستقرار في السهول. ومُنح من رفضوا مهلة شهر واحد للمغادرة إلى الأراضي العثمانية — أو معاملتهم كأسرى حرب … نُهبت القرى وأُحرقت، وقُتل الآلاف بدم بارد“. [2]
• بقاء اللغة والتقاليد وروابط الشتات. > ”ارتكبت القوات الروسية الغازية جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي — وهي جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم … والمخاوف المُلِحّة اليوم تتمثّل في لغة الأديغة، التي تُواجِه خطر الانقراض … فاللغة أساسية لاستدامة الثقافة الشركسية — أدبها وفنونها ودراساتها وصناعاتها التقليدية“. [3] وقد تضافرت جهود مجتمعات الشتات ومبادرات الوطن، لا سيما عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لمواجهة هذا التحدّي والحفاظ على شعلة الثقافة متّقدة.
• الدعاية والتضليل الأكاديمي. > يستمر التضليل في الخطاب الأكاديمي والسياسي كجزء من حملة الدعاية الروسية الممنهجة ضد شركيسيا وغيرها من الأمم المُستعبدة. فهذه الحرب السّردية تُشوّه الحقيقة، وتتجاهل الحقائق الموثقة، وتسْعى إلى محو الذّاكرة الثّقافيّة.
• الإستبدال الإستيطاني والانتهاكات القانونية. > ”عقب الترحيل الجماعي، استُبدل الشركس بمستوطنين. ورغم حلّ مقاطعة كوبان وإحيائها لفترة وجيزة خلال الحقبة السوفيتية، فإن جميع الإجراءات المرتبطة بهذا الاحتلال العسكري غير قانونية بموجب القانون الدولي. وكما تقول القاعدة القانونيّة: ”ما بُني على باطل فهو باطل“. [4]

سياسات الإصلاح
• تسمية الظلم بوضوح: يجب تسمية المجازر والإبادة الجماعية على هذا النحو. > ”في كتاب {مجازر في التاريخ}، من تحرير مارك ليفين وبيني روبرتس، يتناول فصل ستيفن د. شينفيلد، المعنون {الشركس: إبادة جماعية منسية؟}، نطاق الجرائم المرتكبة وطبيعتها المنهجية. ويؤكد المحرران أن مصطلح الإبادة الجماعية مناسب وضروري لوصف هذه الأحداث“. [5]
• تكلفة الصمت والحاجة إلى خطابٍ جريء، إن روسيا مُلزمةٌ قانونيًا وأخلاقيًا بموجب القانون الدولي بالاعتراف بجرائمها. > ”يجب أن تشمل المصالحة الاعتراف بالإبادة الجماعية، والاعتذار الرسمي، والتعويض المعنوي والمادي، وحق العودة تحت الحماية الدولية، وحق تقرير المصير“. [6]
استنتاج
لم تُنسى شركيسيا، بل هي حيةٌ في الذاكرة، وفي الأسماء، وفي القلوب. ”إنها لنا آنذاك، ولنا الآن“. ومع ذلك، ظلت الدولة الروسية لفترة طويلة بعيدةً عن المساءلة. فقد غطّت قوى عالميةٌ كثيرةٌ صمتها بالنفاق، مانعةً الاستعمار الروسي من العواقب منذ عهد إيفان الرهيب.
لكن شركيسيا ليست مجرد ذكرى، بل هي وطنٌ يجب تذكره واستعادته. إنها تسكن في العقل الجمعي لشعبها. فليُطالب الشركس بالتذكر والوعي والوحدة والرؤيةٍ الواضحة— مع السير في طريقٍ مُدروسٍ نحو أهدافٍ مشتركة.
المراجع
[1] Circassia: Born to be Free, Adel Bashqawi, p. 1
[2] The Circassian Miracle, Adel Bashqawi, pp. 293–294
[3] Circassia: Born to be Free, Adel Bashqawi, pp. 145–146
[4] Rethinking Russia’s Future, Janusz Bugajski, p. 416
[5] The Circassian Miracle, Adel Bashqawi, p. 294
[6] The Circassian Miracle, Adel Bashqawi, p. 367