كان دائمًا، وسيبقى كذلك: صوت شيفتشينكو ضد الإمبراطورية
كيف كرّم الشاعر القومي الأوكراني سكان الجبال الذين تحدوا الحكم الإمبريالي
عادل بشقوي
15 يوليو/تموز 2025

في عام 1845، ومع إحكام الإمبراطورية الروسية قبضتها على القوقاز، رفع شاعر أوكراني صوته — ليس مدحًا للغزو، بل تضامنًا مع المضطهدين. تاراس شيفتشينكو، الذي تعرّض للنّفي والرّقابة بسبب تحدّيه، فقد كتب قصيدة ”القوقاز“، وهي تحية حارّة لسكان الجبال الذين قاوموا الهيمنة الإمبريالية. وكان من بينهم الشركس، الذين عصفت الحرب وكذلك النزوح والإبادة الجماعية بوطنهم. ولم تقتصر أشعار شيفتشينكو على رثاء معاناتهم فحسب، بل أشادت بشجاعتهم أيضًا. وذلك في زمن كان الصمت فيه أكثر أمانًا، إلا أنّهُ اختار أن يتكلم. فأصبحت كلماته شعلة عابرة للحدود، تُنير إرثًا مشتركًا من المقاومة لا يزال متّقدًا حتى اليوم.
الصّلة الشّركسيّة
على الرغم من الادعاءات غير المؤكدة بأصوله الشركسية، تؤكد المصادر الموثوقة أن تاراس شيفتشينكو كان من أصل أوكراني، وُلد في منطقة شركاسي في وسط أوكرانيا. [1]
مع أن شيفتشينكو لم يكن شركسيًا بالأصل، إلا أن انحيازه الأخلاقي والشعري لنضال الشركس لا لبس فيه. ويُعد عمله من أوائل الأعمال الأدبية التي تُشيد بمقاومتهم للإمبريالية الروسية. [2]
• نُظِمت قصيدة ”القوقاز“ تكريمًا لنضال سكان الجبال البطولي. فقد شجّعهم شيفتشينكو على الصمود والدفاع عن وطنهم ضد الغزو الإمبريالي الروسي. [3]
• وليس من قبيل المصادفة أن يعترف البرلمان الأوكراني بالإبادة الجماعيّة الشّركسية. فأوكرانيا تقف متضامنة مع الشركس وشعوب القوقاز الأخرى، وتتشارك موقفًا إنسانيًا ضد الجرائم التي ارتكبها الكيان الاستعماري نفسه — روسيا — عبر القرون.
• في 9 يناير/كانون الثاني 2025، اعتمد البرلمان الأوكراني قرارًا يعترف بالإبادة الجماعية للشعب الشركسي التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية. [4]
• في 23 فبراير/شباط 2024، ”عترف برلمان أوكرانيا بحق الشعب الإنغوشي في تقرير مصيره وإقامة دولة ذات سيادة“. [5]
• في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، اعترف أيضًا البرلمان الأوكراني بالاحتلال والإبادة الجماعية للشعب الشيشاني، وأعلن أن أراضي جمهورية إيشكيريا الشيشانية محتلة مؤقتًا من قبل روسيا. [6]
قصيدة تاراس شيفتشينكو ”القوقاز“ (1845)
أشاد تاراس شيفتشينكو، المولود لعائلة من الأقنان في وسط أوكرانيا، صراحةً بمقاومة الشعوب القوقازية — بمن فيهم الشركس — في قصيدته القوية المناهضة للإمبريالية ”القوقاز“ (Кавказ).
مواضيع في القوقاز:
• إدانة الإمبريالية الروسية والعنف الاستعماري.
• تكريم المقاومة البطولية لسكان الجبال (الشركس، الشيشان، الإنغوش، الداغستان، وغيرهم).
• استخدام بروميثيوس رمزًا للتحدي الأبدي.
• دعوة ملهمة للعدالة والمساواة.
• تعاطف عميق مع المناضلين من أجل الحرية.
أبياتٌ بارزة (ترجمة جون وير):
”استمروا في النضال، فأنتم منتصرون لا محالة! أعانكم الله في معركتكم! للاعتزاز والحرية، أسير معكم، فالحق إلى جانبكم!“ [7]
أصبحت هذه الأبياات أيقونةً في أوكرانيا وخارجها، وخاصةً خلال لحظات المقاومة ضد العدوان الروسي.
بروح التضامن الدائم مع شيفتشينكو
قمت مؤخّرا بنشر كتاب بعنوان ”شركيسيا وأوكرانيا: أُمّتان حتى الإبادة الجماعية الروسية لا يمكنها تدميرهما“. وتعكس صفحاته نفس روح التحدي التي نجدها في قصيدة ”القوقاز“ — رفضًا لإعادة كتابة التاريخ على يد الإمبراطورية. وكما كرّم شيفتشينكو سكان الجبال الذين صمدوا في وجه الغزو الروسي، يسعى هذا العمل إلى تسليط الضوء على الصمود المشترك لأمتين استُهدفت هويتهما لكنهما لم تُمحى أبدًا. ولا يُعدّ هذا الكتاب شهادةً على الصمود فحسب، بل يُمثّل أيضًا تكريمًا لوضوح شيفتشينكو الأخلاقي — شعلة شعرية لا تزال تُرشد الذين يتحدثون بالحق الى السلطات. [8]
السياق التاريخي
• منذ صغره، انغمس شيفتشينكو في الثقافة والشعر الأوكرانيين. وقد أدّت موهبته في الرسم إلى تحرره من العبودية.
• تأثر بالحركات الثورية في ليتوانيا وبولندا، وتعرّف على الفولكلور الأوكراني وأعمال كوتلياريفسكي وكفيتكا–أوسنوفيانينكو والشعراء الرومانسيين. [9]
• أظهر شعره وعيًا وطنيًا عميقًا.
• في عام 1845، عاد شيفتشينكو إلى أوكرانيا وانضم إلى الحركة الوطنية. أُلقي القبض عليه في عام 1847 وحُكم عليه بالبقاء تحت الإشراف الصارم، ومُنع من الكتابة أو الرسم، وسُجن لسنوات.
• أدرك أن الحرية لن تأتي من خلال اللطف الإمبريالي، بل عبر النضال. وقد كوّنت أعماله معرضًا للمقاتلين من أجل الحرية — أبطال الحرية المقدسة.
• كُتبت رواية ”القوقاز“ خلال الغزو الروسي الوحشي لشمال القوقاز، بما في ذلك الإبادة الجماعية الشركسية. وكان شيفتشينكو من الأصوات القليلة في الإمبراطورية التي أدانت هذه الأعمال وأعربت عن تضامنها مع الشعوب الأصلية.
تحليل قصيدة ”القوقاز“
• أعجب شيفتشينكو بمقاومة سكان الجبال وشجعهم على تحدي الاستعمار الروسي.
• يرمز استخدامه لـ“بروميثيوس” إلى صمود الشركس وإيمانهم بأن نضالهم سيعود بالنفع على البشرية في نهاية المطاف — من خلال الحرية والمعرفة والتجدد الحضاري.
• أدى وضوحه الأخلاقي في إدانة الوحشية الروسية إلى معاناة شخصية، بما في ذلك تعرّضه لسنوات من السجن.
الخاتمة
يُشكل شعور شيفتشينكو بالوحدة والتضامن الشعري مع شعوب شمال القوقاز جسورًا بين سرديات المقاومة الأوكرانية والشركسية — التي هي ثرية في الوقت والتاريخ. وتُذكرنا كلماته بقوة التضامن بين الثقافات من خلال الأدب.
في إحدى أكثر قصائده تأثيرًا، كتب إلى مواطنيه: ”لا أحد يراني، لا أحد يعرف، فهم صُمّ، لا يصغون، يتاجرون بأغلالهم، مستغلين الحقيقة للمساومة، وهم جميعًا يتجاهلون الله، — في نير ثقيل يُربطون. هكذا يحرثون أرضهم بالدمار، ويزرعون فيها الهلاك …“ [10]
المراجع:
[2] https://kyivindependent.com/taras-shevchenko-ukrainian-poet-and-national-hero/
[6] https://www.kyivpost.com/post/5063
[8] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251684673
[9] https://shevchenko.ca/taras-shevchenko/biography/
[10] https://shevchenko.ca/taras-shevchenko/poem.cfm?poem=31

