أرشيف التصنيف: آراء وتحليلات

آراء وتحليلات

مداد القلم: ذاكرة قلم..يلتسين على طريق إيفان الرهيب وستالين

ذاكرة قلم..يلتسين على طريق إيفان الرهيب وستالين

غزو الشاشان وبداية النهاية للامبراطورية الروسية

ما الذي يجعل قضية جمهورية الشاشان وشعبها “مشكلة روسية داخلية”، وجعل قضية جمهوريات البلطيق الثلاث أيام انهيار الاتحاد السوفييتي “قضية دولية”؟..
ما هو تعليل المطالبة بحقّ تقرير المصير لبعض الشعوب وإنكاره على أخرى من الشعوب التي يستعمر الروس أراضيها؟..
كيف تتعرّض موسكو للضغوط لتسحب البقية الباقية من قواتها من أراضي البلطيق وتجد التشجيع على أعمال التقتيل والتدمير والإرهاب في أرض القوقاز؟..
هل يوجد فارق موضوعي واحد يعطي جواباً منطقياً على هذه الأسئلة وأمثالها، سوى أن أهل جمهورية الشاشان وأخواتها في منطقة القوقاز وما حولها، مسلمون، من أصل زهاء 25 مليون مسلم لا يزالون تحت سيطرة الاستعمار الروسي، ولا تزال أراضيهم تحت سيطرة الاستغلال الروسي!..
لقد نشأت الامبراطورية الروسية، القيصرية فالشيوعية فالرأسمالية، قبل زهاء ثلاثة قرون فقط، وكانت من اللحظة الأولى دولة استعمارية، احتلّت الأراضي الإسلامية في تركستان وقفقاسيا بالقوة العسكرية، وحملات التهجير الكبرى والتقتيل الجماعي، وحاولت عبثاً صناعة تاريخ جديد وجغرافيا جديدة فيها، من خلال الاستيطان الروسي الاستعماري، وجهود التنصير المتواصلة، ثمّ نشر الإلحاد الشيوعي بالحديد والنار. وهي نفسها روسيا الاستعمارية نفسها التي تحرّكت غرباً فاحتلت أراضي أوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدايفيا وأجزاء من رومانيا ودول البلطيق. وسقطت القيصرية، ثمّ سقطت الشيوعية، فما هي الأسس القانونية الدولية التي يُعتمد عليها لاعتبار بعض الأقطار التي كانت مستعمرة دولا مستقلة واعتبار بعضها الآخر مقاطعات تابعة للاتحاد الروسي في عهد الوفاق الجديد بينه وبين الدول الاستعمارية الغربية القديمة والحديثة؟..
الشاشان.. وشاعت تسميتها بالشيشان
mapp
وجمهورية الشاشان بالذات قامت واستقلت رسمياً قبل قيام الاتحاد الروسي نفسه بشكله الجديد، فقد ارتبطت إعادة تكوينه بوضع ما سمي “المعاهدة الاتحادية” في عهد يلتسين، ولم تشارك جمهورية الشاشان في وضعها ولا في التوقيع عليها، وبقيت رسميا وبمفهوم القانون الدولي خارج نطاق الاتحاد الروسي، مثلها في ذلك مثل 17 جمهورية مستقلة نشأت فور انهيار الاتحاد السوفييتي. رغم ذلك فإن ّالدول الإسلامية جميعاً لا الدول الغربية فقط، امتنعت عن الاعتراف بالدولة الإسلامية الناشئة واستقلالها، وفضّلت مراعاة موسكو ومطامعها الاستغلالية في ثروات الشاشان وأخواتها، بينما لم تكن موسكو على استعداد لمراعاة المسلمين وقضاياهم على أيّ صعيد، فمارست أشدّ الضغوط على جمهوريات تتاريا وداغستان وباشكيريا وسواها، لا سيما تلك التي بقيت الهياكل الشيوعية القديمة مسيطرة عليها، كي تستمر السيطرة الروسية الاستعمارية عليها أيضا، كما مارست أشدّ الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية لتفريغ الاستقلال من مضمونه الحقيقي في طادجكستان وقيرغيزيا وأذربيجان وقازاقستان وأوزبكستان وفرض الهيمنة الروسية عليها مجددا. هذا علاوة على ما تمارسه موسكو من سياسة همجية عدائية ضدّ المسلمين في البلقان، وسياسة تواطؤ دولي ضدّ العرب والمسلمين في فلسطين، وهكذا في كل منطقة لا تزال قضايا المسلمين فيها تنتظر موقف العدالة الدولي منذ عشرات السنين، كما في كشمير والفلبين وبورما وسواها.
إنّ روسيا التي تقصف بطائراتها ودباباتها وصواريخها ومدافعها المدن والقرى في أرض الشاشان، ولا تميّز في ذلك بين مدنيين وعسكريين، ولا بين رجال ونساء، وشيوخ وأطفال، هي عينها روسيا التي كان قيصرها الجديد يلتسين يدعو بين الشاشان وسواهم من الشعوب المستعمرة إلى ممارسة حقهم في تقرير المصير، ويعارض استخدام القوّة العسكرية لإنقاذ الاتحاد السوفييتي من الانهيار، يوم كان يمارس تلك السياسة وسيلة في معركته على السلطة ضدّ جورباتشوف.
وكما تحرّك جورباتشوف بالقوّة العسكرية ضدّ المسلمين في أذربيجان في محاولة يائسة لإنقاذ الاتحاد السوفييتي آنذاك من الانهيار دون جدوى، إذا بيلتسين يتحرّك بالأساليب العسكرية نفسها، بعد إخفاقه على كل صعيد داخلي في موسكو ليعيد للامبراطوية العجوز مظهر الدولة الكبرى الحديثة، وإذا بالجيش الروسي مع أواخر القرن الميلادي العشرين يعيث فساداً كما كان يصنع الجيش الروسي في عهد إيفان الرهيب قبل ثلاثة قرون، وكما كان يصنع الجيش الروسي في عهد ستالين قبل بضعة عقود، وذلك في الأراضي الإسلامية نفسها، في طادجكستان وأذربيجان، وأوستينيا الشمالية وإنجوشيا، وفي الشاشان، أي في كلّ منطقة تجدّدت فيها مبادرات التمرّد بروح إسلامية ضدّ الاستعمار الروسي بشكله الحديث، ولم تتمكّن الأنظمة المحلية من إخمادها بدعم روسي مباشر أو غير مباشر كما في أقطار أخرى داخل تركستان وقفقاسيا.
وكانت واشنطون أوّل من أعلن قبيل بداية الغزو الروسي الأخير، وأثناء مسرحية الخلاف المتقنة في قمة بودابست على حساب المسلمين في البوسنة والهرسك.. كانت أوّل من أعلن أن قضيّة الشاشان في نظرها مشكلة روسية داخلية، وكأنّها تدعو يلتسين إلى التخلّي عن مخاوفه من حريق القوقاز، وإلى إرسال قوّاته العسكرية لتصنع ما صنعته في أرض الشاشان. وكان هذا الموقف الأمريكي إيذاناً بمواقف مماثلة صدرت عن باريس ولندن وعواصم أوروبية أخرى، وهي تردّد في الوقت نفسه، ذرّا للرماد في عيون الرأي العام لديها، أنّها تعارض استخدام القوة العسكرية “المكثّفة” على النحو الذي يصنعه الروس بأسلحتهم، بعد أن عجزوا عن الوصول إلى أهدافهم طوال ثلاث سنوات سبقت من خلال اصطناع “تمرّد محلّي مسلح” وإمداده بالمقاتلين والسلاح.
ولكن.. هل تستطيع القوة العسكرية الروسية إخضاع مسلمي الشاشان ومسلمي قفقاسيا وتركستان مجددا للامبراطورية الروسية؟..
أين في ذلك منطق التاريخ على امتداد ثلاثة قرون مضت، كانت الغزوات السوداء والحمراء الروسية تتوالى خلالها في تلك المنطقة، وكانت الثورات الشعبية ضدّ الغزاة تتجدّد فيها أيضاً دون انقطاع؟..
وأرض الشاشان بالذات كانت أرض الشيخ شامل الداغستاني وثورته التي استمرّت أربعين عاما ضدّ القياصرة الروس وامبراطوريتهم الاستعمارية الكبرى آنذاك، وكانت أرضَ الثورة التي استمرّت عدة أعوام ضدّ القيصر الأحمر ستالين وهو على رأس امبراطوريته الشيوعية في أوج امتدادها الدموي عالميا. ولم يبقَ بعد الغزوات والثورات، وبعد التنصير الأورثوذوكسي والإلحاد الشيوعي، إلاّ إسلام شعوب يأبى الخضوع جولة بعد جولة وحقبة بعد حقبة.
ولقد كانت أرض الشاشان بالذات شاهدا على ذلك، عندما ألغت الامبراطورية الروسية لفترة وجيزة قوانين التنصير التي بقيت سارية المفعول عشرات السنين، وإذا بمئات الألوف من السكان يعلنون مجدّدا أنّهم لا يزالـون على إسـلامهم.
كما كانت جروزني، عاصـمة الشـاشـان بالذات شاهدا على ذلك، عندما هوت صروح الشيوعية المهترئة، فإذا بها خلال سنوات معدودة تشهد أكبر موجة بناء للمساجد، بعد أن كان القياصرة والشيوعيون قد هدموا المئات منها فلم يبقَ فيها سوى ستة مساجد فقط في مطلع الثمانينات الميلادية.
كذلك فقد كان شعب الشاشان بالذات شاهدا على ذلك، فقد شرّد القياصرة ثلثه، وشرّد الشيوعيون نصفه، وإذا بأبنائه يعودون إلى أرضهم، ويجدّدون عهدهم مع الإسلام عليها، وعلى الجهاد من أجل تحريرها، وإذا بأهل الشاشان الذي لا يصل تعدادهم داخل أرضهم اليوم إلى عُشر تعداد العاصمة الروسية موسكو وحدها، يتحدّون قوّات الدولة التي ورثت أسلحة الاتحاد السوفييتي وزهاء أربعة ملايين جندي من قواته تحت السلاح!..
ولا تزال التحليلات الروسيّة نفسها والتحليلات الغربيّة عاجزة عن تفسير ظاهرة الصمود في أرض الشاشان، إلى درجة أنٌ القوّات التي تجاوزت الحدود تحت حماية غارات جويّة مستمرّة ليلا ونهارا، وقصف صاروخي ومدفعي شمل المدن والقرى سبعة أيام متوالية.. إذا بها تضطر إلى التراجع عن أكثر من موقع في اليوم الثامن للقتال، أمام عدد محدود من المقاتلين يغيرون عليها هنا وهناك.
ولم تعد التساؤلات تُطرح فقط عن مصير الغزوة الروسيّة الجديدة، وعن مصير المسلمين الشاشان، بل أصبحت تقترن بالتنبّؤات العسكريّة أنّ احتلال الشاشان عسكريّا لا يعني انتهاء القضيّة، بل بداية النهاية ليلتسين على الأقلّ، ولأحلامه القيصرية الروسية فوق ما يصنع من أنقاض ويزهق من أرواح وسط تواطؤ دوليّ رهيب لا يماثله إلاّ ما كان من تواطؤ دوليّ مع نشأة الامبراطورية الروسيّة للمرّة الأولى.
والعجز في التحليلات الأجنبيّة وكذلك على أقلام من ينهج نهجها داخل البلدان الإسلامية، عن تفسير ظاهرة الصمود في أرض الشاشان وأخواتها، عجز صادر عن ذلك المنطق المادي القاصر عن استيعاب التاريخ والسنن الربّانية في صنعه، فهذا ما يدفع كثيرا من تلك الأقلام إلى التعلّق بتعليل يقول بوعورة الجبال الشاهقة في القوقاز فلولاها لهزم المسلمون نهائيا، وهي عينها الأقلام التي تريد إقناعنا بأنّ صمود المسلمين في فلسطين يرجع إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردّية فحسب فإن تحسّنت “نسي” المسلمون عهدهم مع الإسلام ضدّ الاغتصاب والغاصبين للأرض المباركة، ويقال شبيه ذلك عن صمود المسلمين في كشمير، وفي طادجكستان، وفي البلقـان.. وهكـذا كأنّ أولئك المحلّلين لا يرون ولا يريدون أن يروا القاسم الأعظم المشترك بين المسلمين في سائر المناطق المذكورة وسواها، والذي يجمع بينهم، ويصنع صمودهم واستبسالهم، ويفتح أمامهم الطريق نحو انتصارات قادمة حتما، عاجلا أو آجلا، فقد استيقظت العقيدة في أعماق القلوب وعلى سواعد المجاهدين وفي واقع الحياة اليومية على السواء. وهذا الذي تشهده الأراضي الإسلاميّة، ما بين طادجكستان والبلقان، وفي حياة الفتيات الناشئات المحجّبات على أرض فرنسا وفي أيدي الصغار والكبار وهي تقذف الأحجار على أرض فلسطين.. هذا ما تخشاه القوى الدوليّة المعادية، لأنّها تقدّر نتائجه على المدى القريب والبعيد، فهو جزء لا يتجزّأ من السنّة الربّانية الثابتة في مجرى التاريخ منذ القدم في صناعة الأمم، وفي صناعة الأمّة الإسلاميّة على وجه التحديد.
إنّ العودة إلى العقيدة، وتجدّد فهم الإسلام، واستيعاب دوره في حياة البشريّة، ورؤية الأحداث والتطوّرات العالمية عبر المنظور الإسلاميّ، وكذلك الإقبال على تطبيق ما يقتضيه هذا الوعي في كلّ ميدان ممكن، ورسوخ اليقين بأنّ الطاقات الذاتيّة هي التي تصعد -بإذن الله- بالمسلمين من عصر الانحطاط الراهن الذي نعاني من آثاره ونتائجه، إلى المستقبل المشرق بتجديد مآثر الإسلام في حياة البشرية حقّا وعدلا وسماحة وهديا.. هذه المسيرة التي أخفقت جهود عشرات السنين الماضية وعجزت عن إطفاء جذوتها، هي التي تجعل قوى الوفاق الدوليّ الحديث تخفق أيضا في منطقة بعد أخرى وفي جولة بعد جولة، وهي التي تجعل شدّة الضربات ووطأة المحن من وسائل تستهدف القهر، إلى منطلقات تجدّد العزائم وتضاعف أسباب التعبئة والنهوض والجهاد، على طريق واصلة إلى الأهداف العزيزة الجليلة، حتّى ولو تطاولت هذه الحقبة جيلا أو جيلين، فهي في عمر التاريخ لمحة وجيزة، ومقياسها عند المسلم لا يتبدّل ما دامت غايته إحدى الحسنيين، مرضاة الله وجزاؤه الأوفى في الآخرة الباقية، أو نصر للإسلام في هذه الحياة الدنيا.

 


Share Button

أضواء على تهجير الشركس من وإلى البلقان

فيما يلي مقالا كتبه “غروزني” وهو أحد أعضاء موقع “منتدى المحترفين العرب” بعنوان “أضواء على تهجير الشركس من وإلى البلقان”، والّذي يعكس المآسي والأهوال الّتي جابهت الشّراكسة المهجّرين من الوطن الأم إلى البلقان ومن ثمّ تهجيرهم مرّة أو مرّات أخرى عبر البلدان المختلفة:

أضواء على تهجير الشركس من و إلى البلقان

 

و على الشعوب البلقانية رغم قصر مدتها (من بدايات عام 1860 إلى نهاية عام 1878) حيث أن العدد الأكبر من الشركس كان قد هاجر من البلقان في نهاية عام 1878 و بقي هناك عدد أقل من ذلك. إن منطقة البلقان في الواقع كانت خاضعة للدولة العثمانية في ذلك الحين، و كانت تعتبر منطقة استراتيجية بالنسبة لها، فهي أولا كانت تمتد من سواحل البحر الأسود الغربية شرقا إلى سواحل بحر الادرياتيك غربا، كما أن نهر الدانوب كان يفصل حدود الدولة العثمانية الشمالية عن الإمبراطورية النمساوية و الممالك الرومانية المستقلة مثل: ولاشيا، مولدافيا، الافلاق و البغدان، بالإضافة إلى أن منطقة لاريسا ـ يانينا كانت تفصل الدولة العثمانية عن مملكة اليونان في الجنوب الغربي و التي استقلت عن الدولة العثمانية عام 1801. بسبب خصوبة منطقة البلقان فقد كانت تعتبر سلة غذاء بالنسبة للدولة العثمانية أضف إلى ذلك وقوعها في قارة أوربا، و كذلك كانت تعتبر البلقان بوابة شمالية غربية للعاصمة إسلام بول (استنبول) و بسبب تنوع الشعوب و اللغات و الأديان في البلقان فقد كانت مصدرا للثورات ضد الدولة العثمانية فكان لا بد من كبح جماح هذه الثورات، لهذا السبب كان أحد الجيوش العثمانية الستة متواجدا بشكل دائم في البلقان و كانت الدولة العثمانية تقوم بعمليات ترحيل و إعادة تسكين دائمة في البلقان بهدف غربلة السكان و إبقائهم ضعفاء.

 

ازداد اهتمام الدولة العثمانية في البلقان بعد عام 1859 أي بعد هزيمتين للأتراك العثمانيين في حرب القرم و التي اشتركت فيها روسيا القيصرية و بريطانيا و فرنسا و التي خرجت منها الدولة العثمانية مهزومة و مثقلة بالديون التي استدانتها لتمويل حملتها في حرب القرم، كما أنها قد خسرت أيضا شبه جزيرة القرم التي ضُمت إلى روسيا الأمر الذي أدى ذلك إلى نزوح مئات الألوف من التتر إلى الدولة العثمانية منهم 200 ألف تتري تم إسكانهم في البلقان في مناطق شرق بلغاريا و دوبرجه في قرى تركية و بلغارية. كانت عملية تهجير التتر إلى البلقان تهدف إلى زيادة عدد المسلمين في الرومللي و استغلال الأيدي العاملة التترية في الزراعة و مد الطرقات و زيادة عدد الناطقين باللغة التركية.

 

و بالفعل تم الاهتمام بالبلقان بعد عام 1859 حيث تم إنشاء سكة حديد تربط ما بينها و بين كونستانجا على البحر الأسود و سيرنافودا على نهر الدانوب كما تم إحضار الوالي مدحت باشا لتنظيم شؤون ولاية الرومللي. إلا أن عملية تهجير الشركس إلى البلقان كانت شيئا مختلفا عن تهجير التتر إلى البلقان، ففي البداية لا بد من ذكر أن عملية تهجير الشركس إلى البلقان لم يعرها المؤرخون الكثير من الاهتمام، بل كادت أن تكون منسية لولا وجود الوثائق البريطانية، فوزارة الخارجية البريطانية كما هو معروف تقوم بنشر الوثائق و المعلومات التي جمعتها من مختلف مناطق العالم بعد مرور مائة عام عليها ليستفيد منها الباحثون و لتكون ملكا للتاريخ، فمنذ عام 1960 و حتى يومنا هذا تقوم بريطانيا بنشر الوثائق الخاصة بالبلقان و من ضمنها تلك المتعلقة بالشركس، كما قامت بالمقابل الدول المعنية بالبلقان مثل تركيا و بلغاريا و غيرها بنشر وثائقها التاريخية المتعلقة بالفترة بدءا من عام 1860 و ما بعد ذلك و المتضمنة أحداث و تواريخ و معلومات حصلت في البلقان في تلك الفترة الأمر الذي أدى إلى تسليط الضوء على مزيد من المعلومات المتعلقة بالشركس و تهجيرهم من البلقان و فيما يلي مقتطفات من مصادر مختلفة حول تهجير الشركس: مع مطلع عام 1860 بدأ وصول المهجرين الشركس إلى البلقان و قد اشتدت موجات التهجير عام 1864 أي بعد انتهاء الحرب القفقاسية الروسية، و كانت الموانئ الرئيسية في البلقان التي استقبلت المهجرين الشركس هي الموانئ التالية: فارنا و بورجاس في ولاية الرومللي و ميناء كونستنجي في دوبروجا. و قد كان وصول المهجرين الشركس إلى هذه الموانئ من موانئ قفقاسية مثل: توآبسة و تسميز (نوفوروسك) و غيرها و كانت تقوم بنقل المهجرين الشركس سفن تركية و إنجليزية و فرنسية و روسية. كان عدد كبير من هذه السفن هو عبارة عن سفن تجارية و غير صالح للملاحة و لقد غرق عدد كبير من المراكب في البحر بسبب الحمولة الزائدة و ذُكرت قصص مرعبة عن غرق مراكب عديدة بمن عليها، و كثيرا ما كانت السفن تنزل المهجرين الشركس في شواطئ مظلمة و غالبا لم يكن معهم أي من المراقبين الرسميين. و قد ذُكر أن 25 % من المهجرين الشركس إلى البلقان قد قضوا نحبهم في الأشهر الأولى بسبب سوء التغذية و الأمراض. ذكر أحد المراقبين أن 80 ألفا من المهجرين وصلوا ميناء فارنا و وصف حالهم بقوله:”إن الشركس وصلوا فقراء معدمين يعانوا من الحمى و الدوسنطاريا، لقد كانوا على الأغلب بدون مؤونة، فقط طبيب واحد و بدون أودية، لقد تغطت الشواطئ بالموت، و قد استُخدم السجناء لدفن الموتى أو قذف جثثهم إلى البحر”. بعد مرور أشهر على هذه الحالة السيئة قامت الإدارة العثمانية بتوزيع آخر للشركس من سواحل البحر الأسود إلى داخل اليابسة حيث قام العثمانيون بنقل المهجرين من شواطئ البحر الأسود بالعربات و القطارات إلى ميناء سيرانافودا على نهر الدانوب، و من هناك استعملوا سفنا صغيرة تسير على نهر الدانوب إلى موانئ أخرى تقع على هذا النهر مثل: سومن، تولشا، سيليستر، لوم، فيدين، رنسي، سفيستور، نيكوبوليس و من هذه الموانئ وزع جزء من الشركس داخل البلاد إلى مناطق مثل: صوفيا، نيش، سكوبيا و كولارفجاردا. و قد أسكن آخرون في مناطق: مسادونيا، تراس، ما حول سالونيكا، سيررش، لارسا و قد قام العثمانيون بتوزيع الشركس في المناطق المذكورة في قرى بلغ عددها المئات تمتد من سواحل البحر الأسود إلى سواحل بحر الادرياتيك.

 

بالنسبة لأعداد المهجرين الشركس إلى البلقان فإن التقديرات تشير إلى أنه يتجاوز النصف مليون شخص، و ذكرت المصادر البلغارية أنه قد تم إسكان 250 ألف شركسي على الأقل في الرومللي، و هي المناطق التي تشكل بلغاريا الحالية، هذا بالإضافة إلى دوبروجا التي تقع حاليا ضمن رومانيا و التي قُدِّر عدد الشركس و التتر فيها بـ 130 ألفا من أصل 179 ألفا في ذلك الحين. كما استقبلت مناطق مثل مقدونيا و كوسوفو و البوسنة و الهرسك التي أصبحت يوغوسلافيا فيما بعد 200 ألف شركسي، إلى جانب منطقتي لاريسا و سالونيك اللتان أصبحتا فيما بعد تشكلان جزءا من اليونان و قد استقبلتا عددا غير معروف من الشركس. و من الملاحظ أن توزع الشركس في البلقان جاء وفق ما تقتضيه المصلحة العثمانية، فقد جرى توزيعهم على طول نهر الدانوب ابتداء من

Nikopolis, Ruse, Si-listre, Cernavoda, Hirsova, Mecidia, Macin, Salina, Tolcha Vi-din, Kum,

و ذلك كي يُشكِّل الشركس خط دفاع أول في حالة الهجوم على الدولة العثمانية و اختراق نهر الدانوب، بينما قاموا بتوطين التتر في مناطق داخلية و آمنة، و كانت المسافة التي تفصل بين القرى الشركسية تبلغ مسافة مسير يوم واحد لتكون عملية مواجهة أي طارئ و استدعاء المقاتلين سريعة, و قام العثمانيون بإنشاء فرق “الباش بوزاق” و هي كتائب غير نظامية مهمتها حماية الأمن الداخلي، و قد شكل الشراكسة أغلب عناصرها. أدى هذا التوزيع السيئ للشركس إلى أن يكونوا على احتكاك دائم مع السكان الأصليين و خاصة البلغار، كذلك أدى عدم الاستقرار النفسي للشركس إلى عكوفهم عن الزراعة و بالتالي سوء أحوالهم المعيشية مما أدى إلى ثورتهم على الدولة العثمانية نفسها عام 1867،و قد أحضر العثمانيون مئات الفرق لإخضاعهم. كان معظم الشركس في البلقان ينتمون إلى قبيلتي الأبزاخ و الشابسوغ بالإضافة إلى عدد أقل من ذلك كانوا من قبائل الأبخاز الذين وصل بضعة لآلاف منهم إلى البلقان عام 1876، و في عام 1877 اندفع 300 ألف جندي روسي عبر Ruse على نهر الدانوب إلى داخل حدود الدولة العثمانية منهين بذلك حكم العثمانيين في البلقان الذي استمر على مدى أربعة قرون. و بحلول عام 1878 كانت القوات العثمانية قد انهارت تماما أمام القوات الروسية، و يجب أن نذكر هنا أن 15 ألفا من الخيالة الشركس قد اشتركوا في الحرب النظامية في جبهة البلقان. كما يجدر بنا أن نذكر بأن ألفين من المقاتلين الشركس قد دافعوا عن مدينة بلفن عندما حاصرتها القوات الروسية و الرومانية و ذلك بقيادة غازي عثمان باشا و ميرزا باشا، كما اشتركت قوات مصرية في الحرب تحت قيادة ضباط من الشركس إلى جانب القوات العثمانية، هذا بالإضافة إلى فرق الباش بوزاق التي شكل المتطوعون الشركس أغلب عناصرها. و قد استغل البلغار هجوم الروس فقاموا بالتعاون معهم بأعمال قتل جماعية ضد المسلمين عامة كما قام الصرب بنفس الشيء حيث أخذوا يقتلون كل من هو مسلم في المنطقة التي أصبحت خاضعة لهم (منطقة نيش) و قد بلغ مجموع ضحايا المسلمين في البلقان ما بين عامي 1877 ـ 1878 نحو 200 إلى 300 ألف حسب التقديرات البريطانية، و قد ذكر أحد البريطانيين واصفا المعاملة التي لقيها المدنيون المسلمون على أيدي الروس و البلغار والصرب من قتل و دمار بأنها لم تحصل في أوربا منذ عهد البرابرة الذين سادوا أوربا في العصور القديمة. و قد حصلت كل من بلغاريا و صربيا على الاستقلال من الدولة العثمانية و طُرِدَ مليون و نصف مسلم من البلقان إلى مناطق أخرى من الدولة العثمانية منهم 150 ألف شركسي حسب ما تذكره المصادر العثمانية، و من الملاحظ أن أشد المناطق التي ارتكبت فيها أعمال القتل و الدمار كانت منطقة نيش في صربيا و وادي تونجا في بلغاريا. بقي عدد آخر من الشركس في البلقان في مناطق مختلفة لم يغادروها في تلك الفترة بسبب استمرار خضوعها للحكم العثماني، لكن حصلت هجرات أخرى منذ ذلك الوقت و حتى يومنا هذا للمسلمين كافة و منهم الشركس أيضا، و نورد هنا الهجرات المختلفة التي حصلت من البلقان للمسلمين حتى الآن: هاجر من بلغاريا ما بين عامي 1893 ـ 1902 نحو 172 ألف مسلم توجه معظمهم إلى تركيا، و بين عامي 1908 ـ 1913 قامت بلغاريا باحتلال ساحل البحر الأسود منطقة بورجس حيث كان يعيش عدد من الشركس، و قد تم تهجير عدد كبير من المسلمين آنذاك. موجة أخرى للتهجير خضع لها المسلمون عام 1924 ما بين عامي 1949 ـ 1951 حيث طُرِدَ 152 ألف تركي إلى تركيا، و من الجدير بالذكر أن بلغاريا و بعد عام 1921 أخذت تطلق اسم تركي على كل من هو مسلم بغض النظر عن أصله العرقي، و كذلك فإن الإحصائيات السكانية في بلغاريا التي سبقت عام 1949 ذكرت الشركس تحت اسم القفقاسيين. و كانت الهجرة الأخيرة للمسلمين من بلغاريا عام 1985 حيث تم طرد 350 ألف شخص إلى تركيا منهم أعداد كانوا من أصل تركي. و بالنسبة لليونان فإن حوالي 370 ألف مسلم قد تم ترحيلهم إلى تركيا من المناطق الشمالية لليونان حول لاريسا و سيريس و سالونيكا و التي هي من المناطق التي سكنها الشركس منذ بدايات عام 1864. أما فيما يخص يوغوسلافيا فإن مملكة الصرب التي استقلت عن الدولة العثمانية عام 1878 قد رحَّلت بقية المسلمين من شمال مقدونيا حول نيش و هي مناطق سبق و أن سكنها الشركس و قد هاجر عدد كبير من الشركس من إقليم كوسوفو بعد أن احتلته الإمبراطورية النمساوية عام 1913. قدَّر أحد المؤرخين النمساويين عدد الشركس في إقليم كوسوفو و البوسنة و الهرسك في ذلك الحين بنحو 300 ألف شخص. ما بين عامي 1955 ـ 1960 غادر آلاف الشركس الذين بقوا في إقليم كوسوفو إلى تركيا، كما كان من المتوقع أن يغادر العدد القليل من الشركس الذين يعيشون في عدة قرى حول مدينة بريشتين إلى القفقاس لدى اندلاع الحر ب في الإقليم (استطاعت حكومة جمهورية الأديغة سحب 21 عائلة شركسية يتجاوز عدد أفرادها 85 فردا من كوسوفو عام 1998). و بالنسبة لإقليم دوبرجا الذي أصبح واقعا ضمن دولة رومانيا بعد عام 1878 فقد غادره معظم الشركس و التتر إلى تركيا في ذلك الحين.

http://www.arabprof.com/vb/showthread.php?t=4189


Share Button

تقديرا للنّجاح الّذي حقّقته حركة الشّباب الشّركسي

 تقديرا للنّجاح الّذي حقّقته حركة الشّباب الشّركسي

تصعد الأمم وتنمو وتزدهر، على النحو المستمد من نتائج المساعى العظيمة والجهود المبذولة والشعور بالواجب والإلتزام الّتي يشعر بتقديمها الأعضاء المخلصين، وكذلك يشعرون بأنهم ملزمين أخلاقيا للمساعدة في الأوقات التي تكون فيها المساعدة مطلوبة وضروريّة من أجل الحفاظ على موقف صلب، والذي يجب من خلاله تكريس  كل التوجّهات لتوجّه من أجل إنقاذ الوجود، ولغاية الحفاظ على البقاء كأمّة محترمة وكريمة بين الأمم الأخرى  الّتي تتساوى محاولاتها في الحفاظ على سيادتها كأمم تلقى الإحترام والّتي بنفس الوقت  لديها التقدير والإحترام المتبادل نحو بعضها البعض.

 

كل الشّكر للدوافع الممتازة للشباب الشّراكسة، ونحن نقدر لكم بصدق وعيكم الفائق والطريقة الّتي  أدّيتم بها مهمّتكم الهامّة، ونريد أن تعلموا كم نحن نقدر الطريقة التي من خلالها أظهرتم حرصكم نحو “القضيّة الشّركسيّة”. لا يمكننا أن نتذكر مرة في السّنوات الأخيرة، بدت فيها أمتنا مبجّلة، وموسومة بالتكريم، ومسرورة من جيل الشباب، الذين يمثلون المستقبل الواعد والواثق مع المبدأ الثّابت، والّذي بدى عبر إعلان بيان لبرنامج من ثماني نقاط  قاموا بالإعلان عنه بعد انتهاء جلسات إجتماع منتداهم المباركة. فجميع الرّاصدين والمراقبين علّقوا على كيفية ثبات وتماسك  القرارات النّهائيّة التّي جاءت إنتقادا للوضع الراهن وقدّموا مقترحات من أجل حل المشاكل الشّركسيّة القائمة التي لم تحسم بعد.

 

واليوم ، أكثر من أي يوم مضى، فإنّ آبائكم وأجدادكم، وأمتكم الجليلة ممتنّون ومقدّرون للقيام بتحرّككم في نهج منطقي.ونطلقها صيحة مدويّة لتأييدكم، لإنجازكم العظيم والرّائع، لقد كسبتم احتراما للعمل المتقن والمؤثّر جدا؛ إنّكم على الطريق الصحيح نحو إعادة تأكيد الهويّة الشّركسيّة، وهذا يعتبر تقدما ملحوظا. شكرا لجهودكم المدهشة ورعايتكم الّتي لا تصدّق وكذلك أعمالكم الملهمة من أجل أمتكم. نحن فخورون  بجهودكم غير العاديّة، لتثبتوا بأنّكم شركسا حقيقيّين، وتبعا لذلك فقد كسبتم الحب والإعجاب والإحترام.

 

نريد منكم أن تعرفوا كم هم أقرانكم الشّراكسة راضين ومسرورين، بعملكم التّطوّعي والبطولي وذلك بالمساعي الرائعة التي قدمتموها إلى أمّتكم الشّركسيّة. إنّ ذكائكم ونجاحكم بالعمل كفريق، قد ساهم في تشكيل إنحناء المهام الصّعبة أمامكم، والذي لم يترك أي شك في أن مجموعة صغيرة من الّذين يراعون مشاعر الآخرين وهم ليسوا بأنانيّين، والذين كرّسوا أنفسهم لقضية نبيلة، من شأنه أن يمهد الطريق وكذلك من شأنه أن يغيّر العالم الشّركسي، لأن العمل الجماعي هو هام لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل على أي شخص من الوصول إلى قدرات عليا من دون تضحية؛ ولكن الأهم من ذلك كلّه، أنّ من المذهل ان الشباب الشركسي أثبت بأنّه قادر على انجاز مثل تلك المهمة المقدسة، في حين أنهم ليسوا قلقين بشأن من الذي سيحصل على السّمعة المشرّفة، والذي يتعارض مع الموقف المعهود في معظم المجتمعات الشركسية  في كلا الوطن الأم والشتات!

 

إنّ ذلك مثالا على ولاء حقيقي وانتماء إلى الوطن الأم والأمّة، تم الإعراب عنه من قبل أولئك الذين شاركوا وخرجوا بالنّتائج الرائعة من خلال يوم واحد من المنتدى الّذي عقد في الثّاني عشر من أيلول/سبتمبر 2009،  في الحدث الهام الّذي عقد في شركيسك، تحت عنوان “منتدى الشباب الشركسي”، الذي حضره شبانا شراكسة، والذين هم أعضاء فاعلين في فروع الجمعيّات الشّركسيّة، والكونغرس الشّركسي، وغيرها من المنظمات النّاشطة، حيث جاؤا من الجمهوريات والجيوب الشركسية في الوطن، إلى جانب جمهورية ابخازيا في منطقة شمال القوقاز، لمناقشة الشّؤون الهامّة التي تهم الأمّة الشّركسيّة في الوطن وفي الشتات.

 

عموما، فقد أعلن عن برنامج يتألّف من ثماني نقاط، من قبل المنتدى في نهاية دورته غير العادية، والتي تبين أنها بمثابة “المارد الّذي خرج من قمقمه”، بعد 145 عاما من “النوم العميق”، الذي يعتبر بكل المقاييس، نتيجة ناجحة للغاية بالنسبة لجميع هؤلاء الشباب الشركسي الشجعان (الّذين يعملون نيابة عن أمتهم الحبيبة) الّذين بدوا كأنّهم لم ينسوا واجباتهم تجاه أمّتهم الشّركسيّة مطلقا.

 

هذا الحدث الهام يعتبر ناجحا في جميع الموازين والزوايا والمقاييس، التي أظهرت تحولا جذريّا والّذي يؤدّي الى تغييرات جوهرية وشاملة في التّفكير والأفكار وعقول الناس من جميع الطبقات والخلفيات، التي هي إن وجّهت بشكل مناسب، فإنّها ستعبّر عن الوصف الحقيقي لإعلان المنتدى عن الحاجة لتغيير عملي لانعاش الوضع المتجمّد الحالي المستخدم من قبل الحرس القديم، والذي بدوره  كان مسؤولا عن أجندة  الاحتلال لبعض الوقت، والذين أظهروا إرادة مترددة لعمل أي شيئ مفيد لمصالح الأمّة الشّركسيّة،  وفي نفس الوقت يجرون اتصالاتهم مع أطراف وجهات مشبوهة، من أولئك الّذين لا يريدون للشّركس أن يستيقظوا من سباتهم أو لاتخاذ الموقف والعمل الصحيح، من أجل حاضرهم  ومستقبلهم، وهو ما عنى تغييرا “عميق الجذور” وخروجا عن المعتاد والنّمطيّة والسّياسات الموجّهة والمتآكلة، والسلوك العام الّذي هو ليس مهمة سهلة للإبتعاد عنه في ظل هذه الظروف “السياسية”، و في نفس الوقت فإنّ أخبار ووثائق هذا الحدث قد وصلت إلى دوائر وآفاق أوسع وأرحب لتشمل كامل شمال القوقاز وما وراءها لمجتمعات الشّتات والإغتراب.

 

والشركس المؤمنين بقضيّتهم كلّهم أمل في أنّه ليس هناك أيّ شخص سوف يكون قادرا في أي وسيلة كانت، لخطف أو للإستيلاء على نتيجة هذه المناسبة لتحقيق مكاسب شخصية أو إنتهازية، ولكن في نفس الوقت، فإنّي مقتنع بأن هكذا آليّة تنظيميّة وتنسيق والّتان أدّتا إلى نتيجة ناجحة، سوف تؤدّيان إلى مسعى ونجاح يقظين.

 

إن هذه الرسالة الصادقة تم توجيهها إلى جميع المشاركين ومؤيديهم، لإحاطتهم علما بأن شراكسة الشتات فخورين بالجهود الرّقيقة والجديرة بالثّناء والّتي تحقّقت خلال تلك المناسبة الهامة، ويتطلّعون لمزيد من الإنجازات.

 

إيجل

21 أيلول / سبتمبر 2009

Share Button

شمال القوقاز الغربي: خيارات موسكو

النّشرة:  أوراسيا ديلى مونيتور المجلد : 6

17 آب/ أغسطس 2009
بواسطة: فاليري دجوتسيف

مدير دائرة مشاكل العلاقات العرقية

في معهد الدراسات السياسية والتحليل

العسكري في موسكو سيرغي ماركيدونوف

Sergei_Markedonov

التغييرات الأخيرة في القوانين الاتحادية (الفيدراليّة) في قباردينو – بلقاريا والمتعلقة بالتعليم في المدارس أثارت الجدل. “ممثلو الأقليات سيكونوا قادرين على تعليم أبنائهم للغاتهم الأصليّة (الأم) في البيت فقط” – رثى ذلك موازين خاشتلوف، رئيس الكونغرس القبارديني في قباردينو – بلقاريا.  قال خاشتلوف بأنه نظرا لعدم وجود “سياسة متماسكة” في روسيا فإنّ عدد المتحدّثين بلغة القباردي بين الأطفال يتناقص سنويّا (غازيتا يوغا، 13 آب/أغسطس).

وفيما عزى رئيس الكونغرس القباردي هذا الإنحدار في اللّغة إلى غياب سياسات فيدراليّة ملائمة، فإنّ العكس يبدو أكثر احتمالا: حيث أن هناك مجموعة من السّياسات المستمرّة على المستوى الفيدرالي للحد قدر الإمكان من استخدام اللغات المتداولة من قبل الأقليات. وعلى وجه الخصوص القانون القيدرالي الّذي يحمل الرّقم 309، والّذي كان قد أقرّ في الأوّل من كانون الأوّل/ديسمبر 2007، الّذي توخّى الانخفاض التدريجي للغات الأقلّيّات في جميع أنحاء روسيا – وخاصة بعد كانون الأوّل/ديسمبر 2009 (www.consultant.ru, December 1, 2007). قد يبدو ترفا مبالغا به إذا تم تدريس الأقلّيّات  في روسيا للغاتهم في المدارس. ومع ذلك، فإنّ الأقلّيّات، مثل شعوب شمال القوقازالأخرى،  ليسوا أقليات بمعنى أنّهم من الأقليات المهاجرة إليها؛ لا بل إنهم يعيشون في وطنهم التّاريخي، ويشعرون بأن لهم الحق في الحفاظ على لغاتها في روسيا.

إحدى ورقات المساومة التعويضية التي تعرضها موسكو للشّركس هي زيادة الحصص المخصّصة للجنس الشّركسي للعودة الى الوطن في شمال القوقاز. وذلك  في أعقاب الحرب الوحشيّة في القرن التّاسع عشر خلال فترة الغزو الروسي للقوقاز،  عندما طردت  أو  حملت الامبراطورية الرّوسيّة الأمّة الشّركسيّة للهجرة إلى تركيّا وبلدان الشّرق الأوسط. غالبية الشركس يعيشون الآن في تلك البلدان، ويصل عددها الى نحو ستة ملايين نسمة. وفي شمال القوقاز يعيش الشّراكسة بشكل عام  في الجزء الغربي من المنطقة، في الأديغيه وقراشاي – شركسيا وقباردينو – بلقاريا، مع تمتّع الأخيرة بوجود أغلبية شركسيّة في عدد سكّانها.

سمح للأديغيه بزيادة حصتها من أجل العودة إلى الوطن من 50 إلى 1400 سنويا في عام 2009. وتمت زيادة الحصة بسبب الضغط المتواصل للمنظمة القوميّة الشركسية، الأديغيه خاسة.  وهو المطلب الرئيسي من الشتات الشركسي وهو أن يعترف بذلك قانونيّا كي يعتبروا مواطنين، الّذي تتيح لهم إعادة توطينهم في أراضيهم التاريخية وأن يتلقّوا مساعدات كبيرة من الحكومة. زعيم الشّركس في تركيّا جيهان جاندمير،  طلب هذا المطلب عندما تحدّث إلى وزير الخارجيّة الرّوسي سيرجي لافروف بعد وقت قصير من الحرب في جورجيا في عام 2008 (www.regnum.ru, August 4). الشركس لا يشكّلون سوى ربع عدد سكان جمهوريّة الأديغيه الصّغيرة والّتي يبلغ عدد سكّانها  500،000 نسمة،  ومع ذلك فهم يشغلون مناصب رئيسية في حكومة الجمهوريّة، وجمهوريّة الأديغيه كانت الاوفر حظا فيما يتعلّق بالقومية الشركسية في شمال القوقاز خلال السّنوات الأخيرة.

مدير دائرة مشاكل العلاقات العرقية في معهد الدراسات السياسية والتحليل العسكري في موسكو،  سيرغي ماركيدونوف يجادل بأن العودة الجماعية للشركس فشلت على أرض الواقع، ليس نتيجة للسياسات الروسية لإبقائهم خارج البلاد فقط، ولكن لأنهم ظهروا بهويات منفصلة ولا يمكنهم مغادرة بلدانهم الحالية بسهولة. على الرغم من العدد المنخفض نسبيا من الشركس الذين تمكنوا من العودة إلى شمال القوقاز منذ بداية سنين التسعينيات من القرن الماضي، وفقا لماركيدونوف وأنّ عددهم الإجمالي لا يتجاوز 3000 نسمة،  فإنه يصرّح على أنه “سيكون من الخطأ الكبير ترك موضوع الوحدة الشّركسيّة في أيدي أولئك الذين يريدون إضعاف الموقف الروسي في منطقة القوقاز الكبرى” (www.polit.ru, August 11). إنّ التفكير فيما قاله هذا المحلل المتنفّذ قد يعني ان موسكو ستحاول استيعاب المصالح القومية الشركسية إلى حد معين، في الوقت الذي وضعوا فيه تحت المراقبة بوسائل أخرى.

واحد من أساليب هذه الرّقابة قد يكون الشعوب الأصلية الأخرى في منطقة القوقاز التي تعيش جنبا إلى جنب مع الشركس ولها العديد من النزاعات المعلقة معها. على سبيل المثال في قباردينو- بلقاريا، حيث أنّ النقاش حول ملكية الأراضي العرقيّة بدأ بالظّهور باعتبار أن هذه قضية تعتبر ساخنة. أعضاء من الكونغرس القبارديني يطالبوا بأنّه إذا حصل واقترح البلقر إجراء تغييرات لإدخالها على تشريعات معتمده من قبل البرلمان، فإنّ “عشرين من قرى البلقر التي يبلغ عدد سكانها 45000 سيتم منحهم حوالي 37 في المئة من مجمل أراضي قباردينو-  بلقاريا” (Gazeta Yuga, August 13).

قضايا خلافية تزداد وضوحا، ليس فقط  بين الشركس وشعوب أصلية (عريقة) أخرى في شمال القوقاز، ولكن بين الشّركس والرّوس أيضا. عندما احتفلت جمهوريّة الأديغيه بيوم العودة إلى الوطن في الأوّل من أغسطس، أشاد مسؤولين ومنظمات من المجتمع المدني بضحايا حرب القوقاز في القرن التاسع عشر في المكان الذي سيتم فيه تشييد نصب تذكاري لهم. وفي الوقت نفسه، هؤلاء الضباط  الرّوس الذين قادوا غزو منطقة القوقاز، مثل الجنرال الكسي يرملوف، كان قد نصب لهم نصب تذكاريّة أقيمت في المناطق الروسية المجاورة مثل ستافروبول وكراسنودار (Stavropolskaya Pravda, October 10, 2008). الروس والشركس على وجه الخصوص يبدو واضحا أن ليس لديهم فقط أبطالا مختلفين، ولكن أبطالا يعارض كل منهما الآخر بشكل واضح. ومع ذلك، فإنّ هؤلاء الأعضاء في الحكومة الروسية، والّذين، وفقا لماركيدونوف لا يريدون  “أن يتساهلوا في موضوع الوحدة الشركسية”، سوف يواجهون معركة شاقّة في محاولة لاثبات ان الغزو الروسي لشمال القوقاز كان على نحو ما، مفيدا للشّركس.

 

نقل عن: مؤسّسة جيمس تاون

 

ترجمة: أخبار شركيسيا

6 أيلول / سبتمبر 2009

 

 

Share Button

أرجوحة المصالح الإستعماريّة الرّوسيّة والشّركس

تقدم الدول الإمبريالية مصالحها الذاتية فوق كل إعتبار، وتحت شعارات واهية  تواصل هذه الدول النهج الإمبريالي بالأساليب العسكريه والإقتصادية والثقافية، وتواصل سياساتها الأنانيّة  التي تسخّر لها كافّة الإمكانيّات المادّية والبشريّة والإعلاميّة المتاحة، من أجل أهداف غير سامية وغير إنسانيّة من أهمّها السّيطرة على  أوطان وأراضي وموانئ ومياه وثروات وخيرات الشعوب، ويتم ذلك إقتضاءا من خلال قتل المدنيّين الأبرياء وقمعهم  وحجب حرّيّاتهم ونهب ممتلكاتهم وطردهم بكل وحشيّة بالإضافة إلى إضطّهادهم واستغلالهم وقهرهم وتطبيق قرارات عنصريّة ضد قوميّاتهم وعقائدهم ودياناتهم وكذلك خرق بنود ومقتضيات تطبيق القوانين الدولية ولوائح حقوق الإنسان بما فيها قرارات الأمم المتحدة وميثاقها بالإضافة إلى الدّوس على المبادئ الإنسانيّة السّامية.

يمكن القول بأن كافة الدراسات والإستبيانات التي تقف من وراءها السلطات الرّسمية الرّوسية المتمثّلة بأجهزة وعملاء وجواسيس المخابرات والإستخبارات تقوم بالترويج لما تريد تسويقه وكذلك تهيئة المناخات والظروف التي توصل الباحثين والدارسين الى النتائج المعلنة لديهم والتي هي بالضرورة معروفة لهم سلفا لأنّهم وعلى عكس الأسلوب العلمي في البحث والمتمثّل بدراسة قضايا أو ظواهر أوحالات أو أزمات معيّنة إعتمادا على المعطيات والمؤثّرات المختلفة، فإنّهم في السياسة الموجّهة والمتّبعة من قبل المرتبطين بالسّلطات الإستعماريّة الرّوسيّة ومنفّذي سياساتها، فإنّهم يقومون بإعداد الملفات المنوي التّعامل معها بهدف الإيغال بتدمير الأمّة الشّركسيّة واستمرار نفي الغالبيّة العظمى منها في أصقاع الأرض.

لايحتاج المرء إلى مهارة خاصّة للمقاربة بين المهارات المعرفية التي يجب أن تخضع لمقارنة حذرة للوصول إلى الحقائق، فالسلوك العدائي يكون عادة لدى المعتدين الّذين لا يرون سوى مصالحهم الذّاتيّة والمتمثّلة بتطبيق سياسة “إلغاء الآخر”، من أجل تنفيذ سياسة الإستحواذ على الآخرين دون أن تكون لهم بالضرورة قدرات عقلية عالية تجعلهم يفكّرون وفقا للمبادئ الإنسانيّة السّامية. والتّجارب االسّابقة واللاحقة مع الذين ارتكبوا القتل وأنزلوا الدّمار بالبلاد والعباد، وسلكوا التطهير العرقي والإبادة الجماعيّة عبر تحليل سلوك هؤلاء المستعمرين يتبيّن بأنهم لا يتصرّفون عشوائيا، بل وفقا لإعداد وتدريب مسبق، بل إن الذين يرسلون من قبل السّلطات المركزية الروسيّة إلى المناطق المحتلّة لديهم الإستعدادات الإجرامية لتنفيذ المآرب الأنانيّة فيرتكبون جرائم خطيرة بحق الإنسانيّة وهم يعانون عيوبا في كافّة الأمور العائدة إلى اتخاذ القرارات الّتي تتعلّق بالمشاعر والأخلاق القويمة والرّزانة في التعامل مع نبضات وهموم الذين احتلّت أوطانهم وهذا يعتبر ابتذالا في الأساليب المتّبعة.

وتشرق علينا يوما بعد يوم حالات من نهضة الشعوب في سباق وتلهّف نحو حرّيّاتها الأساسيّة واسترداد حقوقها وثقافاتها وحضاراتها وثرواتها وفقا للوائح حقوق الإنسان للتخلّص من الإستعمار والتسلط الأجنبي، وفي نفس الوقت نجد أن السّلطات الإستعماريّة الرّوسيّة تقوم بتطوير أساليبها المتّبعة من حين لآخر وتلجأ إلى فرض شرذمة من الحكام العملاء المعيّنين من قبل المركز أو العاصمة موسكو من أجل تحقيق ما تطمح إليه من أهداف ومصالح لا مشروعة، وذلك بالعرف الأنساني والدّولي، إضافة إلى دعم منظّمات مشبوهة لكن محسوبة على المناطق المحتلّة لتمرير سياسات إستعماريّة ظاهرها برّاق لكنّها في الواقع خبيثة وخادعة.

ومع مرور الزمن تكاد هذه الدّولة الإمبرياليّة التّسلّطيّة أن تفقد  فرصتها وموقعها الإستعماري كوضع تقليدي اتّصفت به لأكثر من أربعمائة وخمسون عاما، وذلك بفضل صحوة الشعوب وكفاحها من أجل استرداد استقلالها، فستضطر على الرغم منها إلى تغيير أساليبها الإستعمارية والسّلطويّة واتّباع أساليب جديدة ومستحدثة حسب تطوّر الأوضاع، وما حصل لما سمّي آنذاك بالإتّحاد السّوفياتي المقبور، فإنّه سيحصل لهذه الدّولة الإستعماريّة المهيمنة على مقدرات أمم وشعوب عددها يتجاوز المائة، رغم أنّها ستحاول  استخدام الوسائل الحديثة والمتطوّرة وأساليب الدّعاية الإعلامية في نشر الإشاعات الملفّقة والأكاذيب المغرضة إضافة إلى فرض لغتها وثقافتها على الآخرين، فتغيّب الشعوب عن قضاياها المصيريّة الهامّة، ومن مقتضيات الأمر بالنسبة للمستعمرين أحيانا هو سلوك ديناميكية تبديل الأساليب الأستعمارية المتّبعة، من أجل تنفيذ الهدف الإمبريالي الذي لا يتغيّر عندما تتغيّر طرق الإحتيال، ولكن يبقى الإستعلاء والتّسلّط وكذلك النّهب أهدافا رئيسيّة.

يجب على الشركس أن يكونوا متّحدين وأن يستطيعوا تمييز الغث من السمين وأن يكونوا مستعدين للدفاع عن مصالحهم لأنّه “تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي”، ويجب عليهم التمييز بين الصديق والعدو، خاصة وأن بعض ضعاف النفوس ومن أجل التهّرّب من الواجب الملقى على عاتقهم فإنّهم يقولون بأن على الشركس أن لا يأتوا على أيّ عمل قد يغضب الروس ويعتبرونهم أصدقاء، متناسين بأنّ “الصديق الذي لا خير منه في الحياة لا ينفع بعد الممات”، ويجب عدم الإفراط في التّواضع مع من احتلّوا الوطن لأنّ “الإفراط في التواضع يجلب المذلّة”، ولا يجب الإستجارة بالّذين ينكرون علينا حقوقنا لأن من يفعل ذلك ينتهي به الأمر “كمجير أم عامر”. ومن أجل إستعادة الحقوق الشّركسيّة، يجب مراعاة المنطق في التعامل مع الّذين صادروا حقوق الأمّة الشركسيّة بحيث يجب مراعاة المثل القائل، “لا تكن صلبا فتكسر و لا ليّنا فتعصر”، فالحب والكراهية كلاهما طاقة ثمينة، لا يصح أن نبددها فيمن لا يستحق، ولأجل مصلحة الوطن العليا يجب ألاّ تصيب الشّركس الفرقة لأنّه “إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء”، ويجب تمحيص الأمور وتقديرها حقّ قدرها، وإنّ ظنُّ العاقل خير من يقين الجاهل.

أنّ في الإتحّاد قوّة، وإن غداً لناظره قريب لأنّ كل آت قريب، ولن تغرق سفينة الحياة في بحر اليأس طالما هناك مجد إسمه أمل…

إيجل

10 آب / أغسطس 2009

Share Button