أرشيف التصنيف: آراء وتحليلات

آراء وتحليلات

الجزيرة: الأزمة القوقازية ومستقبل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية

الأزمة القوقازية ومستقبل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية

عادل عبد السلام

خلفيات أحداث القوقاز الحالية

 أبعاد الأزمة ومستقبل المنطقة

كان البرزخ القوقازي وما زال مسرحا لصراع القوى الكبرى التي تحيط به من جميع الجهات (الفرس والعرب، والترك، ثم الروس فيما بعد) سعياً وراء السيطرة على هذا الجزء الغني بالموارد الاقتصادية وذي الموقع الجغرافي الإستراتيجي الخطير من العالم.ومن سوء حظ سكانه أنهم لم يكونوا أمة واحدة، أو شعباً موحداً قوياً قادراً على مواجهة أطماع الغزاة والمحتلين، بل كانوا وما زالوا أقواماً صغيرة متفرقة يزيد عددها على الأربعين قومية تستحق الذكر، لكل منها موطنها ولغتها، ولقد ذكر المسعودي القوقاز في القرن العاشر للميلاد، وأنه يضم 72 أمة، ولكل منها لغتها الخاصة بها.

 

لكن صراع القوى الكبرى الطامعة بالقوقاز تجاوز اليوم نطاق الدول الكبرى المحيطة به والقريبة منه، وجر إليه قوى الغرب في أوروبا بل وأميركا، التي أصبحت مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية تشمل بقاعاً واسعة من العالم بما فيها منطقة القوقاز بعد تحرر جنوبيه (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان) من الحكم الشيوعي الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزواله.

 

وتحول روسيا ما بعد الحرب الباردة إلى بلد يحكمه اقتصاد السوق والمبادئ الاقتصادية الرأسمالية المعاصرة والانفتاح على الاقتصاد الأوروبي وغيره. لكن القوقاز وإضافة إلى صراع القوى الكبرى للسيطرة عليه، كانت مقاومة شعوبه للغزاة لا تنقطع، وسعيها للتحرر من نير المحتلين متصلاً. كما كانت الصراعات المحلية فيه تنشب بين شعوبه وقبائلها بين الحين والآخر.

 

وتعد الحرب الأخيرة التي شنتها جورجيا على أوسيتيا الجنوبية في أغسطس/آب من عام 2008 وتداعياتها في أبخازيا أحدث مرحلة من مراحل الصراع حول القوقاز، وآخر إفرازات النزاعات التاريخية الموروثة من الواقع القوقازي المحلي وصراع القوى الكبرى الحديثة على حكم العالم.

 

خلفيات أحداث القوقاز الحالية

 

رغم التشابكات والتعقيدات التي تميز الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية فيما يتعلق بالمشكلة القوقازية، التي يرى بعض المحللين أنها قد تكون إحدى الشرارات التي قد تشعل نار حرب باردة جديدة، فإن بالإمكان إيجازها بما يناسب المقال لخدمة أحداث القوقاز الراهنة.

 

فمنذ بدايات ظهور روسيا دولة يحسب حسابها في القرن السادس عشر، دخلت طرفاً ثالثاً وبشكل تدريجي في الصراع الذي كان ناشباً بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية على القوقاز. ففي عام 1553 تقاسم العثمانيون والفرس جورجيا، ووصل التنافس بين القوتين إلى أن أقام الفرس المملكة الجورجية (الكرجية)، التي طلبت من روسيا فيما بعد حمايتها من الفرس، مقابل قبول الجورجيين بالسيادة الروسية على بلادهم.

 

وهكذا بدأ التدخل الروسي في شؤون القوقاز الجنوبي منذ سنة 1783. لكن روسيا وتنفيذاً للبند الثامن من وصية بطرس الأكبر (حكم بين 1682-1723) القاضي بتوسع الروس واستعمارهم البلاد حتى الوصول إلى البحار الدافئة في الجنوب، قامت باحتلال شرقي جورجيا (1801) ووسطها (1810)، ثم أبخازيا (1810-1818)، وبقية الغرب الجورجي بين (1829-1878).

 

ولما كانت روسيا قد استكملت احتلالها للقوقاز الشمالي واستعماره بالقضاء على المقاومة الشركسية سنة 1864، أصبح البرزخ القوقازي بأكمله مستعمرة روسية. وبقي هكذا حتى قيام الثورة الروسية سنة 1917، حين قامت جمهوريات مستقلة في كل من القوقاز الشمالي والجنوبي، ومن بينها دولة جورجية في مايو/أيار سنة 1918.

 

لكن الجيش الأحمر الشيوعي ما لبث أن هاجم هذه الجمهوريات المستقلة واحتلها ثانية وضمها إلى الإمبراطورية السوفياتية سنة 1922. ولقد حرص البلاشفة على أن تدخل أراضي أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وأجاريا في إطار الكيان الجورجي، على الرغم من أن كل واحدة منها تشكل قومية مختلفة عن الجورجيين والروس.

 

وهكذا أصبحت جورجيا وبقية دويلات الجنوب القوقازي جمهورية سوفياتية واحدة من أصل خمس جمهوريات شكلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي.

 

لكن ستالين عاد, فاعتمد مبدأ التفرقة من أجل السيادة، ففتت القوقاز الشمالي والجنوبي إلى كيانات صورية صغيرة تحمل تسميات زائفة، وعادت جورجيا جمهورية سوفياتية اشتراكية تحكمها موسكو منذ 1936.

 

ولقد حقق ستالين وأورجونيكيدزة ثم بيريا وكلهم جورجيون، بذلك هدفين أولهما: توسيع أراضي وطنهم جورجيا، والثاني: التفريق بين أبناء الأمة الواحدة، بفصل أوسيتيا الجنوبية عن أوسيتيا الشمالية، التي بقيت مستعمرة روسية تحمل اسم جمهورية ذات حكم ذاتي، وكذلك فصل أبخازيا عن بقية الأراضي الشركسية على البحر الأسود والقوقاز الشمالي، الذي قطعت أوصاله إلى أشلاء كيانات عجيبة. وبقي الحال على ذلك حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين.

 

ففي السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي والأحداث التي رافقت زواله، انطلقت حركات تحرر الشعوب التي كانت مستعمَرَة من قبل الروس، للاستقلال والانفصال عن الاتحاد، الذي كان مفروضاً على شعوب كثيرة في آسيا والقوقاز وأوروبا.

 

وكانت شعوب القوقاز الشمالي من أول الشعوب التي نادت بالتحرر من النير الروسي، بل وثار بعضها على محاولات عودتها للانضمام إلى الاتحاد الروسي وريث الاتحاد السوفياتي، مثل الشيشان، أو إلى الانفصال عن جمهورية جورجيا مثل الأبخاز والأوسيتيين الجنوبيين، بل وحتى الأجاريين.

 

إذ أخذ الأبخاز والأوسيتيون الجنوبيون يطالبون جورجيا بمزيد من الحقوق والحريات وصلاحيات حكم أوسع في إطار كياناتهم السياسية، ما سبب تصاعد التوتر بينهم وبين جورجيا، التي رفضت تلك المطالب.

 

وتمثل رد الفعل الجورجي بفرض اللغة الجورجية لغة رسمية واحدة على الجميع سنة 1989. أعقبه في 9 أبريل/نيسان من العام نفسه قيام مظاهرات في تبليسي تندد بسعي الأبخاز والأوسيتيين الجنوبيين للاستقلال عن جورجيا، تصدت لها قوات الأمن السوفياتية وسقط فيها 19 قتيلاً وعشرات الجرحى، ما أجج مظاهر العداء والكراهية بين الأطراف المتنازعة، متمثلة بالجورجيين الذين يعدون أراضي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية جزءاً لا يتجزأ من الأرض الجورجية، وبالأبخازيين، والأوسيتيين، أصحاب الأرض المحكومين سابقاً من السوفيات ولاحقاً من الجورجيين، وبالروس الذي استعمروا بلاد الجميع منذ بدايات القرن التاسع عشر. وكان أصحاب الأرض أضعف الأطراف الثلاثة وما زالوا.

 

وقد ازداد موقف جورجيا تطرفاً وعنصرية بعد استقلالها في أبريل/نيسان عام 1991، وانتخاب زفياد غمساخورديا رئيساً لها، ثم أعقبه ادوارد شيفرنادزه الذي شنت جورجيا في عهده الحرب على أبخازيا، واحتلت عاصمتها سوخومي، لكنها دحرت من قبل الأبخاز وأنصارهم من الشركس والشيشان وغيرهم، كما أن شيفرنادزه حوصر في سوخومي وكاد يقتل لولا وساطات روسية أنقذته.

 

أما في أوسيتيا الجنوبية فإن حرب الاستقلال عن جورجيا كانت قد بدأت سنة 1989 وقتل فيها الجورجيون أعداداً كبيرة من المدنيين الأوسيتيين. وكانت النتيجة في الحالتين نشر قوات حفظ السلام الدولية على خطوط التماس.

 

واستمر الوضع على حاله حتى عام 2006 حين توغلت قوات جورجية في الأراضي الأبخازية واحتلت أعالي وادي نهر قودور، وفي شهر أغسطس/آب من عام 2008 شنت جورجيا هجوماً كبيرا على أوسيتيا الجنوبية وقتلت أكثر من ألفي أوسيتي معظمهم من المدنيين.

 

وهنا تفجرت الأزمة القوقازية بوقوف روسيا ومحاربين من جمهوريات القوقاز الشمالي إلى جانب الأوسيتيين. وكان الرد الروسي سريعاً وعنيفاً، تجاوز حدود أوسيتيا إلى داخل الأراضي الجورجية.

 

كما قام الأبخاز في الوقت نفسه بطرد الجيش الجورجي من وادي قودور. أعقب ذلك أحداث كثيرة أهمها إعلان البلدين استقلالهما، واعتراف روسيا بذلك رسمي.

 

أبعاد الأزمة ومستقبل المنطقة

 

لقد احتفل الشركس (الأديغة والأبخاز وغيرهم) والأوسيتيون وبقية الأقوام القوقازية الشمالية المُهجرة في بلدان الشرق الأوسط وغيرها، بنيل أبخازيا وأوسيتيا الاستقلال.

 

لكن الحكماء منهم يدركون أن روسيا لم تدعم استقلالهما محبة بهما، ولا رحمة بأبناء القوقاز المحكومين من قبل الجورجيين أو الروس. وينظرون إلى ما حدث على أنه مرحلة أولى لإلحاق هاتين الجمهوريتين بروسيا الاتحادية، بمباركة وعرفان بالجميل من قبل سكانهما، لما قامت به روسيا من منع إبادتهم من قبل الجورجيين وحلفائهم، وبافتعال ظروف دولية واقتصادية واجتماعية وسياسية لخدمة تلك الإستراتيجية.

 

بحيث تجد الجمهوريات هذه نفسها ملزمة بطلب الانضمام الطوعي للأخ الأكبر روسيا الاتحادية، التي ارتدت حلة الأخ الأكبر الشيوعي سابقاً، الذي سيكسب بانضمام أبخازيا إليه واجهة بحرية طولها أكثر من 75 كلم على البحر الأسود تضاف إلى الساحل الشركسي. ويكون حال الجمهوريتين حال المستجير من الرمضاء بالنار.

 

هناك مثل شركسي يقول (حين طُلِب من المخلوقات أن يضرب كل فرد من يستطيع ضربه، ضربت العجوز القطة) وهذا ما قام به ساكاشفيلي بغزوه أوسيتيا وأبخازيا قبلها، وهذا ما كان صدام قد قام به حين غزا الكويت.

 

ولقد أخطأت جورجيا الحساب، بظنها أن روسيا لن تتدخل، وبهذا العنف أولاً، وأن الغرب سيدخل بمواجهة عسكرية مع روسيا من أجلها ثانياً.

 

إن الغرب لن يعادي روسيا إلا إذا شعر أن مصالحه الاقتصادية ستتهدد، وأن أنابيب نقل الطاقة من روسيا إلى أوروبا يمكن أن تغلق صنابيرها، كما وأن الغرب مستعد للتخلي عن أصدقائه وحلفائه إذا تطلب الأمر ذلك، وهنالك أمثلة تشهد على ذلك، ابتدءا من شاه إيران 1979 وانتهاء بنورييغا باناما 1989 وما بينهما.

 

فلا يحلمن ساكاشفيلي أن يعامل معاملة مميزة عنهما في حال رجحان كفة مصالح حلفائه على مصلحة دعمه ضد روسيا ومن تساندهم. ولا يفرحن بزيارات المسؤولين الغربيين لجورجيا، ودخول السفن الحربية الغربية إلى البحر الأسود، وعقد الاجتماعات التخديرية لبحث أزمة القوقاز في بروكسل وغيرها.

 

والحديث يدور الآن حول التهدئة والمفاوضات. فالمسألة أكبر بكثير مما يمكن تصورها، وتدور في فلك صراع القوى الكبرى على حكم العالم مع بقاء الرادع النووي مسلطاً على الرقاب، وتشمل بلداناً تبدأ من كوريا الشمالية وتنتهي بفنزويلا وكوبا مروراً بأفغانستان وإيران والشرق الأوسط وكوسوفو، مع عدم نسيان دور تجارة الأسلحة، وامتلاك الطاقة النووية والتقنيات العالية المستوى والطاقة وغيرها من عناصر فعالة في معادلات تشابكات مصالح الدول، إضافة إلى تزايد المطالبة العالمية بتعددية الأقطاب في العالم, وبدء ظهور قوى تناضل لاستعادة أمجاد إمبراطورية سابقة لها.

 

ومع ذلك كله، فإن خطر نشوب حرب شاملة، أو حروب إقليمية متوسطة الحجم يبقى قائماً، بوجود مسؤولين دوليين متطرفين وأغبياء لا يرون أبعد من أنوفهم.

 

ـــــــــ

 

اكاتب سوري

 

المصدر: الجزيرة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4A89436E-258A-4F30-AFA7-395918EAB24C.htm


 

Share Button

الجزيرة: بين الصديق المكروه والعدو المحبوب

بين الصديق المكروه والعدو المحبوب
علاقات روسيا مع العرب أحلام وآمال تنتظر الواقعية
conf

اتسمت الجلسة الثانية من ملتقى مركز الجزيرة للدراسات حول العلاقات العربية الروسية بحدة النقاش بشأن التعاون السياسي والدبلوماسي، سواء لجهة تصنيفه في إطار الحنين للماضي أو القراءة الواقعية للمتغيرات الدولية التي وضعت العلاقات بين الطرفين في ثنائية غريبة وهي “الصديق المكروه والعدو المحبوب”.

أدار الجلسة رئيس تحرير قناة الجزيرة الإنجليزية إبراهيم هلال، الذي تحدث عن الصورة التي يحاول الجيل العربي “القديم تحديدا” إطلاقها على روسيا المعاصرة بألوان سوفياتية لم تعد أصلا موجودة إلا في ذمة التاريخ، الأمر الذي منح الجلسة ومنذ البداية زخما سجاليا اتضحت حدته في مداخلات الحضور والضيوف والمشاركين.

الدكتور عاطف عبد الحميد، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة القاهرة، قدم في مستهل الجلسة عرضا للوضع الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وبروز وريثته الشرعية روسيا على مدى عقدين منذ مطلع التسعينات إلى العام 2000، ثم بعده إلى الوقت الراهن.

وتحدث د.عبد الحميد عن تداعيات الوضع الداخلي في هذه الفترة على السياسة الخارجية الروسية في إطار ما سماه قوى الطرد والجذب المركزية، في إشارة إلى التحولات السياسة والاقتصادية الداخلية التي جعلت من روسيا “وريثة حطام مهلهل” دفع بالقوة العظمى إلى مجرد دولة إقليمية منزوعة المخالب ومتهالكة القدرات الاقتصادية.

وركز المتحدث نفسه على أن حرب الشيشان لعبت دورا سلبيا في إمكانية تطوير العلاقات الروسية العربية في هذه المرحلة، لا سيما مع محاولة الغرب تحجيم الدور الروسي وحصره في خانة “محاربة المسلمين” و”دولة المافيا وتجارة الرقيق والمخدرات”.

وفي إطار ما سماه “مراكز الجذب” أشار المحاضر إلى ظهور البراغماتية الروسية في عهد فلاديمير بوتين، مشيرا إلى تمسك موسكو بمفهوم الأمن القومي واستفادتها من ارتفاع أسعار النفط والغاز لتحديث قدراتها العسكرية والعودة تدريجيا إلى الساحة الدولية، وصولا إلى خوض مواجهة عسكرية مع جورجيا، واستخدام الطاقة سلاحا سياسيا، لا سيما مع الجمهوريات السوفياتية السابقة الساعية للخروج عن مجالات التأثير الروسي، كما هو الحال مع أوكرانيا.

 

 

السياسة الأوراسية
من جانبه ركز السفير الروسي السابق لدى واشنطن فاتسيلاف ماتزوف على أن روسيا -التي تمتد من المحيط الهادي شرقا إلى بحر البلطيق غربا- لديها من المقومات ما هو كفيل بجعلها فاعلا في الساحة الدولية بقوة.

واعترف في الوقت ذاته بأن العودة الروسية إلى الساحة الدولية لم تكن ممكنة لولا نجاح الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين بفرملة تداعيات الانهيار عبر إعادة هيبة الدولة وسيطرتها على مقدراتها القوميةوعن حالة الانحسار الكبير التي شهدتها العلاقات الروسية العربية في عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، لفت الدبلوماسي الروسي السابق النظر إلى سيطرة اللوبي اليهودي على 65% من المقدرات الاقتصادية الروسية التي تجمعت في يد سبعة أشخاص جميعهم كانوا ولا يزالون أعضاء في مؤتمر اليهود الروس ويحظون بتأييد الغرب الذي كان يسعى لتفكيك روسيا إلى دويلات.

ومن هذا المنطلق، قدم السفير ماتزوف قراءة دقيقة للسياسة الخارجية الروسية المستندة على قدمين ثابتتين، أولاهما في آسيا والثانية في أوروبا، في إشارة واضحة للمصطلح الجيوسياسي المستجد في القاموس الروسي، وهو “التحالف الأوراسي”.

وفي هذا الإطار الكبير يقف العالم العربي والإسلامي -برأي ماتزوف- عمقا إستراتيجيا لروسيا ذات الديانة الأرثوذكسية التي تضم بين مواطنيها 25 مليون مسلم، وأشار إلى أن روسيا قدمت في حقبتها السوفياتية دعما كبيرا للعرب ولا تزال، مستشهدا بتأييد موسكو للمبادرة المصرية، سواء الخاصة بموضوع التهدئة في قطاع غزة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، أو تلك المتعلقة بالحوار الفلسطيني-الفلسطيني.

 

الصديق المكروه

السفير العراقي السابق لدى موسكو عباس خلف قدم قراءة للعلاقات العربية الروسية استند فيها على خبرته الدبلوماسية التي تجاوزت ثلاثين عاما، معتبرا أن هذه العلاقات ببعديها السوفياتي والمعاصر شابها من السلبيات والإيجابيات ما جعلها تتراجع وتتقدم ما بين مد وجزر.

بيد أن الدبلوماسي العراقي السابق حمل الجانب العربي مسؤولية عدم تطوير العلاقات العربية الروسية إلى المستوى المأمول، إما بسبب الأحكام المسبقة التي تسكن عقلية السفراء العرب الموفدين على العاصمة الروسية وجهلهم بالثقافة واللغة الروسية، وإما بسبب افتراض مواقف وتمنيات لا يمكن لروسيا بوضعها الحالي تقديمها.

وخلص خلف إلى وضع العلاقات الروسية العربية في إطار معادلة ذات حدين متناقضين، وهما “الصديق المكروه” في إشارة إلى روسيا و”العدو المحبوب” في إشارة إلى الولايات المتحدة، مما وضع –برأيه- هذه العلاقات في إطار مفارقة غريبة تحمل سمة الشجرة السامقة التي لا تستند إلى جذور قوية تمنحها الثبات في عالم لا يعترف إلا بتبادل المصالح.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F137B1E2-3C80-47DA-B8B3-0ABA54B575A9.htm

 

 

Share Button

تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

 تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

في ضوء هذه التعليقات والّتي يقصد منها أن تكون إشادة وتقدير عظيمين لجهود الدّكتور والتر ريتشموند لمهمّته الصّعبة ومحاولته الهائلة للسّعى من أجل الحصول على  معلومات موثّقة ومثيرة للدّهشة عن واحدة من أهم المعضلات والكوارث البشريّة الّتي شهدها شمال القوقاز والعالم في القرن التّاسع عشر والّتي امتدّت حتى هذا اليوم، ممّا جعل من الممكن للقراء من وصل حقبة ما قبل عام 1864، مع التّاريخ اللّاحق، والّذي تمكّن من خلالها الكشف عن تسلسل الأحداث لتصل الى الوقت الحاضر واّلتي نصّت على ما أعدّت وحدّدت له روسيا القيصرية لمنطقة شمالغرب القوقازشركيسياولسكّانها. متابعة قراءة تذكّر الماضي، وعش في الحاضر، وفكّر في المستقبل

Share Button

الجانب المؤسّسي للتعاون: الجمعية الشركسيه العالمية

الجانب المؤسّسي للتعاون: الجمعية الشركسيه العالمية

 تقديم: السيد حاجي بيرم بولات

تاريخ: 13-ابريل/نيسان 2008

جامعة وليم باترسون/نيوجيرسي/الولايات المتحدة الأميركيّة

أوّلا وقبل كل شيْ، أود ان أشكر المنظمين لهذا الحدث؛ قسم اللغات والثقافة في جامعة وليام باترسون و المجلس الثقافي الشركسي، وأقدم لكم وافر التقدير.

اليوم، سأسلط الضوء على الجمعيه الشركسيه العالمية (آي سي اى) {ICA} التي تدعي تمثيل الشركس في جميع انحاء العالم. كيف انشئت وأين وصلت؟

تحديدا فانه من الضروري معرفة الخلفية التي وجدت الرابطه من أجلها والأزمة خلال فترة تأسيسها من أجل تحليل خريطة الطريق وفلسفة التأسيس بشكل صحيح. ولذلك، تجب العودة الى الوراء 15 عاما لتاريخ تأسيس الجمعية الشركسية العالمية.

في النصف الثاني من سنوات السبعينات – في العصر السوفييتي، دأب بعض الشباب الشراكسة المثاليين على تعميم النصوص المختلفة التي كانت ترفض التاريخ الرسمي(المزيف)، وقاموا بمطالعاتهم السرية. وكانت تلك النصوص تتعامل مع القضايا الثقافيه والاجتماعية والسياسية مثل تفعيل اللغة الشركسيه، وذلك جنبا الى جنب مع حوادث من التاريخ الصحيح.

وبعد الآثار المترتبة على سياسات الغلاسنوست (التعددية الحزبية) والبيريسترويكا (سياسة اعادة البناء) وهذه السياسات جاءت فكرة للتنظيم القانوني خرجت الى حيز الوجود؛ بحيث أنشأت منظمة الثقافة – أشمز من قبل هؤلاء الشبان. وقد شبه الناس أشمز بالجمعيات التاريخية العامة ودعوها بجمعية (خاسة).

ومهمة أشمز تضمنت النشاطات الثقافية وايقاظ المجتمع. وخلال التجمعات التي عقدت مرة كل اسبوعين، كان هناك أفرادا محترمون ومختصون يتناولون قضايا مثل اللغة الأم وعودة الشتات الشركسي وبحث الجوانب الصحيحة المتعلقة بالحروب القوقازيه، وكذالك استدامة الثقافة. وفي 21 مايو/أيار 1989 – وفي الذكرى السنويه ال 125 لانتهاء الحروب الروسيه – القوقازيه، عُقد للمرة الأولى نشاطًا لإحياء الذكرى في تجمع عام في مبنى المسرح القبارديني. وذُكِر للمرة الاولى بان الاباده الجماعية قد نُفذت ضد الجبليين، وكانت تلك الحروب هي للنضال من اجل التحرير الوطنى للقفقاسيين. وفي الجمهوريات الأخرى كاراشىاي-شركيسيا والأديغييه حيث يعيش الشراكسة، بدأت تنظم فعاليات احياء لذكرى الحادي والعشرين من مايو/أيار بعد هذا التاريخ (21 مايو/أيار 1989). وفي ظل عمل أشمز- في عام 1989، أنشئت الجمعية العمومية لشعوب القفقاس وبدون الوفاء بأي اجراء قانوني معمول به. ثم تم تغيير اسم الجمعية العمومية فى عام 1991 الى كونفدرالية شعوب القفقاس. وكما هو معروف، فان تنظيم شعوب القوقاز كان الهيكل الذي حوّل مجرى الحرب الجورجيه التي ابتدأت فى 14 أغسطس/آب 1992 وذلك بارسال قوات المتطوعين للقتال ضد القوات الجورجيه.

وباعتبارها وسيلة فعالة في الحركة، فقد قامت أشمز بتفعيل ارسال زاور نالوييف وموازين خشتلوف ومحمد شفكوييف، كنواب الى مجلس الشعب لجمهورية قباردينو – بلكاريا في عام 1990. وقام هؤلاء النواب بالتوقيع على العديد من القرارات الهامة.

كان الاتحاد السوفياتي قد وقع في عملية الانهيار. وكانت المجتمعات الشركسيه في حاجة الى منظمة رائدة من شأنها ان تعمل على التحرك لتحديد مستقبل المجتمعات الشركسيه وتوحيد الوطن الأم مع الشتات. واستنادا الى هذا المفهوم، فقد عقد اجتماع استضافته الجمعية الشركسيه في هولندا بين 04-06 مايو/أيار / 1990. وحضر هذا الاجتماع 61 مندوبا من الجمعيات في تركيا وألمانيا مع رابطتي أشمز ورودينا من جمهورية قباردينو – بلكاريا. وجاءت القرارات من ذلك الاجتماع كما هو مذكور أدناه:

إنشاء منظمه شركسية عالمية واعلانها من نالتشيك.

ومع الاجتماع المقرر عقده في نالتشيك في 19-20 مايو/أيار 1991 والذي تم استضافته من قبل منظمتي أشمز ورودينا، فقد تم تأسيس الجمعية الشركسية العالمية وعقدت أول مؤتمراتها وتم انتخاب البروفيسور الدكتور يوري كالموكوف كأول رئيس لها.

وفي عام 1993، أعاد العضو المؤسس أشمز تسمية حركته لتصبح أديغه خاسه لتحقيق جانب حيوي واعطائها طابع سياسي. وانتخب زاور نالوييف كرئيس للحركة الاجتماعية – السياسية المستحدثة. وأصبحت كل الحركات والمبادرات في القفقاس تستوحي ما قامت به الأديغه خاسه في قباردينو – بلكاريا والتي كانت تتبع نهجها على نحو منسق. وكانت جمعية شعوب القفقاس (كونفدرالية شعوب القفقاس) والجمعية الشركسيه العالمية قد أُنشئتا ضمن نطاق الأديغه خاسه.

وأعلن مؤسسو الجمعية الشركسية العالمية أهدافهم على النحو التالي:

“تزامنا مع الاتجاه بضرورة اتخاذ الأمة قراراتها الذاتية كأمة بين الأمم وذلك من أجل وجودها وحتمية مساعدة أبناء العائدين الذين تم ابعادهم عن وطنهم قسرا”.

باستثناء الأهداف ومجالات العمل التي أعلن عنها في النظام الأساسي، فمن الممكن ايجاز بعض الاستنتاجات التي اعتمدت في مختلف المؤتمرات والمجالس الاداريه على النحو التالي :

اعتماد أبجديه ولغة أدبية شركسيه واحدة.
زيادة مستوى تعلم اللغة الام في المدارس.
زيادة استخدام اللغة في الأمور الرسمية.
توفير الاعتراف بالابادة الجماعية والترحيل اللذان قامت بهما روسيا اعتمادا على مساعدة المنظمات الدولية.
الحق في الحصول على ازدواجية الجنسيه.
انشاء محطات اذاعة وتلفزيون وكذلك قناة فضائيه.

ويمكن التنبؤ بسهولة بان منظمة بهكذا مطالب هامة، سوف لن تترك لها “الحرية” في العمل. وهناك في الواقع، كان زملاء وكالة الاستخبارات الروسيه يشاركون في تشكيل الجمعيات منذ البداية. واضطر الناس من ذوي النوايا الحسنة للعمل مع هؤلاء الناشئين على الضغينه. في حين كان الناس ذوو النوايا الحسنة يسعون جاهدين الى فعل شيء ما، وكان  الحاقدون دائما يدوسون على الفرامل ‘ويتصرفون وفقا لتطور الأحداث’. وفي نهاية المطاف لم تستطيع الجمعية الشركسية العالمية من المضي قدما لمتابعة الوعود المؤكدة المعلنة في المؤتمرات والاجتماعات.

في الفترة المذكورة اعلاه وتشمل المراحل التالية:

1991 – 1993 – برئاسة الاستاذ الدكتور يوري كلماكوف

1993 – 1996 – برئاسة أبوسخالاخوف

1996 – 1997 – الرئاسة الثانية برئاسة الاستاذ الدكتور يوري كلماكوف

1997 – 2000 – رئاسة بوريس أكباشيف (بعد وفاة يوري كلماكوف)

في هذه الفترة، فأن المسؤولين التنفيذيين لم يستطيعوا فعل اي شيء جاد وذلك بسبب تسريب المعلومات. على أي حال فان الاجراءات المذكورة تاليا كانت قد تمت بنجاح:

تقديم الدعم المؤسسي للأبخازيين

اصدار جريدة نارت التي لم تدم طويلا

اصدار مجلة سُمِّيت العالم الشركسي

انشاء جمعية برلمانيه تجمع نواب من برلمانات الجمهوريات الثلاث (أديغييه وكراشىاي – شركييسك وقباردينو – بلكاريا)

الانضمام الى عضوية منظمة الامم والشعوب غير الممثله (UNPO)

واذا أعدنا التفكير ببعض المهام التي تنفذها الأديغه خاسه في قباردينو – بلكاريا حسب المذكور أدناه، فانه يمكننا بسهولة ان نتصور كيف كانت الجمعية الشركسية العالمية مشروعًا للهواة:

اعلان السياده من قبل برلمان قباردينو – بلكاريا بمبادره من الأديغه خاسه.
سن قانون بشأن المساواة في الحقوق والعدل بين المواطنين الذين يعيشون في الشتات والشركس الذين يعيشون في الوطن.

اقرار عودة الشتات الشركسي واعتباره مهمة حكوميه.

زيادة عدد محاضرات اللغة الشركسيه في المدارس الى 70 ٪ وذلك باشراف الأديغه خاسه.

تعزيز التوسع في استخدام اللغة القوميّة جنبا الى جنب مع نشر كتب جديدة.

اعتماد اللغة الشركسيه باعتبارها لغة رسمية لجمهورية قباردينو – بلكاريا في عام 1993.

محاولات للتوسط في مفاوضات بين ادارة جوهر دوداييف  والفيدرالية الروسية وذلك لمنع الحرب الروسيه – الشيشانيه التي بدأت في 11 سبتمبر/كانون الأول كانون 1994.

إجراء مظاهرات ومسيرات ضد الحرب.

اصدار اعلان من اجل وقف الحرب بتوقيع أكثر من 300 من اعضاء مجلس الدوما فى عام 1995.

تقديم دعاوى الى المحكمه الدستورية في الفيدرالية الروسية بحجة ان الحرب تتعارض مع الدستور في الفيدرالية الروسية. واصدار صحيفة اسبوعية سميت “خاسه” وكذلك اصدار يوميات عن الحرب في الشيشان.

تقديم طلب الى الحكومة بوجود 10،000 توقيع في عام 1998 مع مشروع قانون بشأن تعريف الاثنية الأديغية على كافة الوثائق الرسمية بانها الاثنية الشركسية (باللغه الروسيه) والأديغية (الشركسية)، لكن لسؤ الطالع فان رئيس مجلس النواب في ذلك الحين زوربيي نيخوج والذي أصبح رئيسا للجمعية الشركسية العالمية فيما بعد وكذلك رئيس جمهورية قباردينو – بلكاريا في ذلك الوقت فاليري كوكوف قاما بشطب مشروع القانون هذا من جدول الاعمال.

العمل على تحويل أسماء الشوارع والجادات إلى اللغات المحلية، وازالة المعالم والرموز المستمده من العهد الشيوعي.

هذه المساعي التي كانت بمثابة “تأميم الجمهورية” و/أو الجمهوريات، أفقدت كل من الكرملين  وعملائه صوابهم وان الظلم الكبير بدأ ينفّذ ويطبّق بعد عام 1998 على هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم تلك الانشطه.

وكان الناشطون في الأديغه خاسه يواجهون الجور والظلم كفقدان فرص العمل والطرد من المدارس والقمع المالي والإساءة الى الاقارب والادعاء على الممتلكات والتهديد بهدف وقف عمل الأديغه خاسه.

وفي عام 1999، قام وزير العدل في جمهورية قباردينو – بلكاريا باتخاذ الاجراءات القضائية من أجل منع ووقف الأديغه خاسه من التعامل بالقضايا السياسية. وقد رفضت المحكمه هذا الطلب. فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي معارضة اداريو الأديغه خاسه (عضو مؤسس) للجهود التي بذلت لجعل فاليري كوكوف رئيسا للجمعية الشركسية العالمية وهي أعلى هيئة تمثيليه للشركس في المجال الدولي.

وفي هذا المجال، فقد حاولوا “شراء” رؤساء الأديغه خاسه التنفيذيين. وحسب وسائل الإعلام الروسيه، والعمل في وزارة الرياضة والسياحة، فقد تم عرضه وظائف على أعضاء المجلس التنفيذي للأديغه خاسه في وزارة الرياضة والسياحة مقابل ترك العمل في الأديغه خاسه.

وعلى الرغم من الظلم والجور، فقد وقف الرؤساء التنفيذيين في الأديغه خاسة موقفا حازما.

في هذه الفترة، كانت تحدث تغيرات أساسية في الادارة المركزية للفيدرالية الروسية. أصبح فلاديمير بوتين المُدَرّب في ال {KGB} (كى جي بي) رئيسا للفيدراليّة الروسية فى عام 1999 بالانابة وفي عام 2000 بالأصالة. فلاديمير بوتين وباصابعه الذكية قام بتعيين كل زملائه القدامى من ال (كى جي بي) كبار مسؤولين تنفيذيين في الهيئات الفيدرالية. وبعد ذلك، بدأ عملية يمكن ان يطلق عليها تسمية “الثورة المضاده” عندما وقف عند الحقوق التي تم الحصول عليها في سنوات التسعينات. فقد كمم وسائل الاعلام واحتجز رجال الاعمال المعارضين في السجن، وحيّد البرلمان وأعاد تأميم مصادر الطاقة الخ… وفلاديمير بوتين الذي اتبع أسلوب “الغاء الآخر” كان ضد كل المنشقين وعمل على مركزية السلطة. وبموازاة تلك العمليات، بدأت المنظمات غير الحكوميه تصبح تحت سيطره النظام.

على الرغم من انه لم يملك الحق لمنصب رئاسة جمهورية قباردينو – بلكاريا للمرة الثالثة، فقد تم ترشيح فاليري كوكوف للرئاسة مرة أخرى من قبل الكرملين وبصورة غير قانونيه. قام فاليري كوكوف بتحويل الجمهورية الى دولة بوليسيه وهيمن على طريقة الحكم كما أرادها الكرملين وبأساليب هاشم شوجنوف.

وقد تم التصدي لمقاومه الأديغه خاسه لنظام فاليري كوكوف وجرى قمعها ضمن عملية فظّة.

وبداية، عقدت جلسة عامة غير عاديه باسم الأديغه خاسه من قبل جواسيس وكالة الأمن الفيدرالي (FSB ). ومع ذلك، فوفقا للنظام الأساسي، فان جلسة عامة غير عاديه يمكن أن تعقد فقط في حال مطالبة 2/3 من الأعضاء التنفيذيين (أي ثلثي الأعضاء).

وبالتغاضي عن القوانين المرعية فقد تم إقصاء المؤسسين الحقيقيين للأديغه خاسه بالقوة. أما الجواسيس مثل كوستا ايفندييف وهاوتي سوخروكو ومحمد حافتزه وهم الذين لم يكونوا أعضاء قط، قاموا بالاستيلاء على مجريات الأمور في الأديغه خاسه وفق طريقة استبدادية. أمّا ممثلي الجمهور مثل زاور نالوييف فقد تم اذلالهم.

واعلن المسؤولون التنفيذيون الجدد بان الأديغه خاسه منذ ذلك الحين ستتعامل مع القضايا الثقافيه بدلا من النشاطات السياسية وذلك استنكارًا  للأعمال السابقة.

كما عُيِّن مندوبين تنفيذيين أيضا ضمن وفد الأديغه خاسه الذي سيشارك في انتخابات الجمعية الشركسية العالمية.

وباستخدام اساليب مماثلة، فانه تم الإستيلاء على الجمعية العمومية للجمعية الشركسية العالمية في 25 يوليو/تموز 2000. الوفد من تركيا وغيره من الضيوف الذين كانوا قد أحيطوا علما بالوضع، طالبوا حاوتي سوخروكو بالتعليق على الأوضاع. لكن وجهت لهم الاهانات مثلما قال لهم حاوتي سوخروكو: “لا تتطفّلوا علينا..! اتبعونا أو إذهبوا بعيدًا..!”. في اليوم التالي، ونظرا للاعتذار الذي قدمه حاوتي سوخروكو لما قاله في الليلة السابقة، خلال دورة الجمعية العمومية – فإن ممثلين الجمعيات الاعضاء (بما فيهم وفد من تركيا) الذين كانوا قد وعدوا المسؤولين التنفيذيين السابقين للأديغه خاسه بانهم سيقومون بالاستفسار عن الطريقة التي عوملوا بها في الليلة السابقة حيث تخلوا عن ذلك وتبين أنّهُم تخلوا عن الناس الذين وعدوهم حينها بالمطالبة بحقوقهم الطبيعية. وبشكل مفاجئ أتوا بانقلاب غير قانوني. كل من رئيس برلمان جمهورية قباردينو – بلكاريا والرئيس الاقليمي لحزب روسيا المتحدة الحاكم (United Russia Party ) زوربيي نيخوج أصبح رئيس الجمعية الشركسية العالمية. ونتيجة لذلك، أصبحت الجمعية الشركسية العالمية منظمة مسيطر عليها وأصبحت تدعى من قبل الراي العام ووسائل الاعلام ب “نادي العملاء”.

الجمعية الشركسية العالمية تستحق ذاك الوصف “نادي العملاء” بسبب ان موظفيها الدائمين هم من جواسيس أل “اف اس بي” (كى جي بي) FSB (KGB)  مثل اناتولي كادزوكوف ومحمد حافتزه وفلاديمير ناكاتزييف وباراسبيي برزجوف كمندوبين تنفيذيين.

وعلى سبيل المثال، فيجب ان لا نغفل المخضرم الكسندر أوكتا الذي صرح في يوليو/تموز من عام 2003 الى راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية الذي يذيع من براغ ما يلي:

“يجب القضاء على الأنظمة الاساسية للجمهوريات في القوقاز وينبغي على الشعوب ان تقتصر نشاطها بالاستفادة من الحقوق الثقافيه فقط.”

هذه العبارة تثبت بانه موال للإمبرياليه الروسيه.

عمليات ‘تأميم’ المنظمات غير الحكوميه فى الفيدرالية الروسية كانت قد بدأت مع عمليات روسنة الجمعية الشركسية العالمية والأديغه خاسه فى عام 2000. والشيوعيون المتقاعدون ضمنوا وظائفهم من خلال عملهم في الأديغه خاسه والجمعية الشركسية العالمية حيث قدموا خلالها الرسالة المذكورة أدناه الى “صاحب القبضة الحديدية” فلاديمير بوتين :

“المنظمات غير الحكوميه سواء في الشتات أو في القوقاز هي {تحت السيطرة}…!”

ان الجمعية الشركسية العالمية والتي لم تتمكن من اداء المهمة الحاسمه الملقاة على كاهلها، أصبحت تماما مختله وظيفيا وكذلك منظمة استطرادية وغير جديرة بالاحترام.

فعلى سبيل المثال، وفقا لبرنامج العمل بتاريخ 17 / 8 / 2003، فان الجمعية الشركسية العالمية لا تتعامل بالأنشطه السياسية.

“اليوم، وبصراحة فان الجمعية الشركسية العالمية لا يوجد لها مكان في الانشطه السياسية… اذا كان أي عضو في الجمعية الشركسية العالمية في اي جزء من العالم يريد الدخول في عالم السياسة، فينبغي على هذا العضو ان ينهي عضويته أو تنهي عضويتها في الجمعية الشركسية العالمية ثم الانضمام الى حزب سياسي ومن ثم العمل في النضال السياسي.”

وانه من المؤسف والمعيق للعمل بان يكون زوربيي نيخوج الذي قام بالتوقيع على هذه الوثيقة رئيسا للقسم الاقليمي لحزب روسيا الموحدة الحاكم.

هذا الشخص – زوربيي نيخوج – بقي في السلطة لفترتين حتى مؤتمر اسطنبول في عام 2006، وأنه اصبح احد نواب مجلس الدوما في روسيا عن حزب روسيا الموحدة وذلك مقابلا لخدماته.

وفي مؤتمر اسطنبول غير الفعّال في عام 2006 عندما لم يتمكن المشاركين فيه من فهم بعضهم البعض، رُشّح جميخ كاسبولات ليكون رئيسا.

اذا قمت بتلخيص أنشطه الجمعية الشركسية العالمية منذ عام 1991، فانك ستجد صفرا كبيرا.

وعلى هذا النحو يمكن لمنظمات الشعب أن يٌعترض سبيلها وتدمّر التوقعات بهذه الطريقة.

وبعد التشويش على الأديغه خاسه والجمعية الشركسية العالمية، فان جميع المكاسب التي حصلت عليها في السنوات السابقة قد فقدت، ولم يسمع أي صوت للتحدّي من قبل أكبر منظمة شركسيه بصدد تلك الخسائر.

وفيما يلي هي الخسائر من خلال التشويش على الأديغه خاسه والجمعية الشركسية العالمية:

القانون المتعلق باعلان السياده.

القانون المتعلق بشرط أن يكون الرئيس ثنائي اللغة.

قانون التكافؤ.

قانون منع هجرة الأجانب الى جمهورية قباردينوبلكاريا.

القانون والانظمه المتعلقة بتعزيز العودة.

تراجع نسبته 70٪ في برامج اللغة الأم على التلفزيونات والاذاعات.

وبطبيعة الحال اصبحت اللغة الشركسيه موضوع اختياري في المدارس بدلا من لغة للتعليم الالزامي.

عن طريق ايجاد مشاكل التأشيرات وجوازات السفر، أصبح العائدين في وقت مبكر برحلون عن الوطن.

الغاء حق الجمهوريات في انتخاب الموظفين الاداريين.

 

وقد بدأت موسكو في تعيين كل من الشواغر الاستراتيجيه والوظائف، مثل الرؤساء ووزراء الداخلية ورئيس القضاة ورؤساء الأجهزه الأمنية ورؤساء مكاتب الضرائب ورؤساء البنك المركزي…

وفي قباردينو – بلقاريا والجمهوريات الأخرى من القوقاز، فانّه قد تم الغاء وزارة العدل وتم نقل صلاحياتها الى لجنة في “روستوف أون دون”.

فقدت السلطات المحلية حق اقتراح سن القوانين على الوكالات الحكوميه لصالح المنطقة الفيدراليه الجنوبية – “روستوف أون دون”.

وبعد مأساة بسلان في عام 2004، اتبعت الترتيبات القانونية المتعلقة بتعيين رؤساء الوحدات الفيدرالية بدلا من طريقة الانتخاب.

وأثناء الاعتراض على اندماج جمهورية أديغييه بمقاطعة كراسنودار ضمن اطار مشروع دمج المناطق الفيدرالية، فان الجمعية الشركسية العالمية فشلت من خلال موقفها السلبي.

قام فلاديمير بوتين بالتقدم بقفزة الى الامام من جديد في القوقاز. من خلال تزييف التاريخ، فقد قام بتوقيع ثلاثة مراسيم في اطار موضوع “450 عاما على ذكرى الانضمام الطوعي مع روسيا” في ثلاث جمهوريات حيث يعيش فيها الشركس؛ وهذا دفع الادارات الى تنظيم برامج الاحتفالات من خلال تقديم منح مالية فلكيه. جميخ كاسبولات – رئيس الجمعية الشركسية العالمية – وافق على هذا التزوير من خلال عمل بيانات خطّيّة وجعل الجمعية الشركسية العالمية واحدة من المساندين للمشروع وطرح شعارات مثل “مع روسيا الى الأبد..!”.

على الرغم من ان الناس يشعرون بان ذلك يعتبر تشويها للتاريخ وانكارا للمآسي المروّعه التي عاشها الشراكسة، ولكن للأسف فانهم لم يستطيعوا التعبير عن افكارهم وذلك بسبب عدم وجود المنظمات غير الحكوميه لتعبر لهم عن عنها.

هذه العملية تثبت ان الجمعية الشركسية العالمية هي منظمة متعاونة في مهمّة “الحفاظ على مطالب المجتمع تحت السيطرة”.

هل يستطيعون كسب الرضا بتملقهم بهذا الشكل؟ كلاّ لن يستطيعوا ذلك..!

وروسيا لا تزال تعاملهم معاملة غير لائقة.

وفي العام الماضي، فان جيهان جاندمير – رئيس فيدرالية القفقاس (Kaf-Fed) التي تضم 56 جمعية ويمثل تركيا لدى الجمعية الشركسية العالمية – تُرِك ينتظر في المطار وبعد ذلك بيومين تم ترحيله رلى تركيا. وكذلك، فان نائب رئيس الجمعية الشركسية العالمية أورهان أوزمن واجهه رفض بالدخول على الحدود. ومع ذلك، فان جنكيز جول –  مندوب الجمعية الشركسية العالمية ورجل الاعمال – احتُجِزَ قي مطار “روستوف أون دون”.

كل ذلك يثبت ان الروس أرادوا أراضينا، وليس شعبنا…

الخاتمة

ان الخطّة الكلية (النهائيّة) لفلاديمير بوتن وأتباعه هي استبدال النظام الفيدرالي لروسيا القائم على “الاسس العرقية” (الاثنيّة) بآخر يقوم على “الأسس الاقليمية” كما هو معمول به في ألمانيا (جمهورية ألمانيا الاتحادية) والولايات المتحدة الامريكية. وبذلك، فان تقدما كبيرا سيحرز من أجل استيعاب الأعراق غير الروسيه بين الامة الروسيه. ونتيجة لذلك، فان التحدي الناتج عن تعدد الأعراق وهذا الذي يشكل مشكلة كبيرة لروسيا، سيجري حلّه. وهذه هي الحقيقة وراء الكواليس للمسرح الذي يجري التخطيط له بالنسبة لوضع جمهورية الأديغييه.

المهمّة المتبعة اليوم من قبل المنظمات المتعاونة مثل الأديغه خاسه والجمعية الشركسية العالمية هو أن تعيق اي معارضة محتملة للحركة المجتمعيه في حين ان روسيا تقوم بتنفيذ خطة كبرى، ولتدمير اية حركة مجتمعية معارضة قد تنشأ. اليوم، الجمعية الشركسية العالمية تعد ناجحة للغاية في ذلك، وهم يستطلعون التوقّعات وطاقة المجتمع ليدفنوها.

واذا لم تتمكّن الأمة الشركسيه من التخلص من هذه المنظّمات المتعاونة وكذلك الافراد الذين يقسمون المجتمع والتحصن من خلال ملاحظة هذه اللعبة، فانّه لا يجب عليها الابقاء على وجود امل في البقاء على قيد الحياة في المستقبل.

أود ان اشكركم على صبركم وأحييكم.

ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز

 

Share Button

الحياة: ولادة منظمة الأمن الجماعي في كنف موسكو

 

ر. بدانين، أ. سميفولينا، وإ. آذار     الحياة     – 11/02/09//
عقدت، أخيراً، بموسكو قمة منظمة الأمن الجماعي. وقررت سبعة بلدان أعضاء في رابطة الدول المستقلة إنشاء جيش مشترك من 15 ألف جندي هو قوام قوات التدخل السريع والفعال ضد الإرهاب الذي قد يهدد أمن روسيا وبيلاروسيا وقرقيزيا وأرمينيا وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان. والقوات الروسية هي عمود هذا الجيش الفقري. ومن المفترض ان ينضم عشرة آلاف عسكري روسي الى هذا الجيش، وأن تسهم قوات كازاخستان بنحو 3 أو 4 آلاف عسكري، وأن تشارك بقية البلدان الأخرى بقوات عديدها بين 400 و800 عسكري. ويرفع هذا منظمة الأمن الجماعي من منظمة شبه شكلية الى حلف عسكري فاعل، أشاد به الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف
ورفعت قيمة موازنة المنظمة 25 في المئة. ويرى بعضهم في روسيا ان لا «حاجة فعلية» لتشكيل القوات المشتركة، وأن الهدف من إنشائها يرمي الى تدعيم المنظمة التي تشكو ضعف التماسك بين أعضائها. فهؤلاء، ما خلا روسيا، لم يعترفوا باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وقد تكون أفغانستان والقوقاز مصدر المخاطر التي تتهدد أمن هذه البلدان. وقد تجد روسيا نفسها وحيدة في التدخل العسكري، إذا تجدد النزاع بينها وبين جورجيا. وتدعم كازاخستان أزذبيجان في النزاع على إقليم ناغورني – كاراباخ الأذري الواقع تحت السيطرة الأرمنية. وأغلب الظن أن تسعى دول المنظمة في تنسيق الجهود مع دول التحالف الغربي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، والتعاون معها لتنفيذ العمليات العسكرية

 

وأثمرت مساعي موسكو في قرقيزيا. فهي نجحت في اقتلاع قاعدة ماناس العسكرية الأميركية، ويستخدمها الطيران الحربي الأميركي على مقربة من العاصمة بشكيك، من قرقيزيا. وتذرع الرئيس القرقيزي ورئيس الحكومة بأن قرار إغلاق القاعدة رد على أميركا، وتقصيرها في تلبية الشروط المالية الضرورية لبقاء قواتها فيها. وعلى رغم مكانة القاعدة ودورها في الخطة الأميركية، فلن يكون رحيلهم عنها لحظة عصيبة، بل خطوة لا تبعث على الراحة. ويضطر الاميركيون الى نقل مؤنهم وعتادهم عبر باكستان. وسعت بشكيك الى رفع قيمة إيجار قاعدة ماناس العسكرية. وهي رفضت الشراكة مع اميركا نزولاً عند طلب موسكو. فكلف الطلب هذه ثمناً باهظاً. فروسيا التزمت منح قرغيزيا قرضاً مالياً قيمته بليونا دولار، تخصص منها 1.7 بليون دولار لاستثمارات في بناء محطة لتوليد الكهرباء وشراء معدات وتجهيزات، و300 مليون دولار لدعم النظام المالي، بفائدة سنوية قدرها 0.75 في المئة طوال 40 عاماً. وألغت روسيا  قرضاً قيمته 180 مليون دولار، كان جزء منه سُدد عينياً

 

وفي المقابل، حصلت روسيا على 48 في المئة من مؤسسة «داستان» المنتجة للسلاح البحري وأدوات تكنولوجية تستخدم تحت الماء لأغراض خاصة. ونالت قيرغيزيا أيضاً مساعدة من دون مقابل قيمتها 150 مليون دولار لمعالجة الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعانيها. وبلغ حجم ديونها الخارجية في حزيران (يونيو) 2007 نحو ثلاثة بلايين دولار، وبلغت نسبة التضخم فيها في 2008، 22 في المئة. وأغلب الظن أن تكون قاعدة «ماناس»، بعد إبعاد الأميركيين عنها، قاعدة القوات المشتركة الخلفية المفترض تشكيلها

 

عن «غازيتا رو» الروسية 3- 4/2/2009
http://www.daralhayat.com/culture/media/02-2009/Article-20090210-61270a16-c0a8-10ed-0095-ef1787c44ba5/story.html


 

 


Share Button