لندن الحياة
مستقبل غامض ينتظر الصحيفة المسائية الأعرق في لندن، بعدما اشتراها البليونير اليهودي الروسي ألكسندر ليبيديف.
ضمنت صحيفة «إيفننغ ستاندرد»، إحدى أعرق اليوميات في لندن، استمرارية صدورها في ظل الخسائر الضخمة التي تتكبدها سنوياً، بعدما وافق مالكوها على بيعها مع كل الديون المترتبة عليها للبليونير الروسي الكسندر ليبيديف في صفقة كلّفت هذا الجاسوس السابق للاستخبارات الخارجية السوفياتية «كي جي بي» جنيهاً استرلينياً واحداً.
وتعتبر «ستاندرد» إحدى أقدم المطبوعات في العاصمة البريطانية، إذ بدأت توزّع منذ عام 1827 كصحيفة يومية صباحية قبل أن تتحول إلى طبعتها المسائية («إيفننغ ستاندرد») في العام 1859، وكان سعرها آنذاك مليماً واحداً. ولمع نجم الصحيفة في تلك الفترة بسبب تغطيتها الواسعة للأخبار الدولية، خصوصاً مواضيعها عن الحرب الأهلية الأميركية (1861 – 1865) والحرب النمسوية – البروسية في عام 1866، والحرب الفرنسية – البروسية في عام 1870. وتطبع الصحيفة حالياً نحو 300 ألف نسخة في اليوم، وتملكها شركة «أسوشيتد نيوزبيبرز» (مالكة صحف «دايلي مايل» و «مايل أون صنداي» و «مترو»… وغيرها من المطبوعات)، وترأس تحريرها فيرونيكا وادلي. وتوصف الصحيفة بأنها «صوت لندن»، ولها تأثير بارز في توجيه الرأي العام، بل هناك من يعتبر انها لعبت دوراً كبيراً في خسارة العمالي كين ليفنغستون منصب رئاسة بلدية لندن في وجه منافسه بوريس جونسون في العام الماضي، بعدما شنّت حملات انتقادية متتالية ضده.
وأطلقت «إيفننغ ستاندرد» في عام 2004 نسخة مسائية مجانية بعنوان «ستاندرد لايت» بهدف الترويج للمطبوعة الأم، قبل أن يتغيّر اسم المطبوعة المجانية في 2006 إلى «لندن لايت».
لكن «ايفننغ ستاندرد» بدأت تعاني مادياً في شكل واضح منذ سنتين، بعدما دخل على خط منافستها «الحوت الإعلامي» روبرت ميردوخ الذي أصدر صحيفة مسائية مجانية باسم «لندن بايبر»، فحرم المطبوعة الأولى من شريحة واسعة من القراء. وزاد الطين بلة فقدانها مردودها الكبير من الإعلانات (خصوصاً الوظائف والسيارات والبيوت) التي انتقلت إلى مواقع متخصصة في شبكة الانترنت، وتراجعت نسبة مبيعاتها إلى أقل من 300 ألف نسخة يومياً. وحالياً تُقدّر الخسارة المادية للصحيفة بنحو 25 مليون جنيه استرليني سنوياً.
وعلى خلفية هذه الأزمة، تقدّم أخيراً رجل الأعمال الروسي ليبيديف بعرض كي يستحوذ على نسبة 76 في المئة من أسهم «ايفننغ ستاندرد»، ما وافق عليه رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة للصحيفة اللورد روزيمير (الذي كان رفض عرضاً آخر من ليبيديف السنة الماضية). وأُعلن رسمياً أن صفقة بيع الصحيفة كلّفت البليونير الروسي جنيهاً استرلينياً واحداً، لكنها تضمنت تعهداً من الجاسوس السابق بضخ السيولة اللازمة لضمان استمرارية الصحيفة التي تقترب من عامها الـ 200.
وقال ليبيديف الذي وقّع الصفقة نيابة عنه نجله يفغيني (28 سنة) المقيم في لندن منذ كان في الثامنة من عمره: «إن عائلة ليبيديف مسرورة بالاستثمار في «ايفننغ ستاندراد». نُقدّر تقديراً كبيراً النوعية الرفيعة من مستواها الإعلامي وتعليقاتها… إننا ملتزمون استقلالية الصحيفة وقدرتها على المنافسة، ونتطلع إلى العمل مع شركة «أسوشيتد نيوزبيبرز» التي ستبقى مالكة لحصة أقلية من الأسهم (24 في المئة)».
وكان ليبيديف الأب البالغ من العمر 49 سنة، قال أنه كان يقرأ صحف «ايفننغ ستاندرد» و «غارديان» و «دايلي مايل» لجمع معلومات استخباراتية منها عندما كان شاباً يعمل للاستخبارات السوفياتية في لندن في أواخر الثمانينات من القرن العشرين. وأكد أنه لا ينوي التدخل في السياسة البريطانية من خلال الصحيفة التي اشتراها، وأن السياسة التحريرية فيها ستُترك لرئيس تحريرها والصحافيين العاملين فيها. غير أن صحيفة «غارديان» أشارت إلى احتمال أن يلجأ المالك الجديد إلى تعيين مجلس إداري واستشاري جديد للمطبوعة يمكن أن يضم وجوهاً عالمية «من الوزن الثقيل»، مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، بالإضافة إلى الرئيس السابق للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. والأخير صديق شخصي لليبيديف ويشترك معه في ملكية صحيفة «نوفويا غازيتا» الروسية المعارضة لسياسة حكومة فلاديمير بوتين.
وصنّفت مجلة «فوربز» ليبيديف في المرتبة الـ 39 من بين الأثرياء الروس (قبل الأزمة المالية الأخيرة)، بثروة تقدر بـ 3.1 بليون دولار أميركي جناها من خلال استثمارات في بنوك وشركات تأمين، ومن خلال امتلاكه حصة 30 في المئة من أسهم شركة الطيران الوطني الروسية «ايروفلوت». ويمتلك ليبيديف أيضاً مطعماً يابانياً مشهوراً في وسط العاصمة البريطانية، كما ان نجله يفغيني من الشخصيات الاجتماعية المعروفة في لندن.
وانضم ليبيديف إلى الاستخبارات الخارجية الروسية بعد انتهائه من إعداد شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. ويبدو أن «غرامه» بالعاصمة البريطانية جاء خلال فترة عمله جاسوساً في السفارة الروسية في أواخر الثمانينات ومطالع التسعينات.
وللبليونير الروسي مطامح سياسية، إذ نجح في الوصول إلى البرلمان الروسي (الدوما) حتى العام 1997. وهو حاول وفشل في عام 2003، إطاحة رئيس بلدية موسكو يوري لوشكوف. وفي عام 2008، أعلن ليبيديف وغورباتشوف تأسيس حزب سياسي جديد باسم الحزب الديموقراطي المستقل، لكن تأثيره سياسياً سيكون محدوداً على الأرجح (غورباتشوف، مثلاً، يحظى باحترام واسع في الغرب، لكنه لا يحظى بشعبية كبيرة في داخل وطنه).
وينضم ليبيديف الآن، بعد شرائه «الإيفنينغ ستاندرد»، إلى «نادي» الأثرياء الروس الذين غزوا الحياة الثقافية في لندن. وعلى رأس هؤلاء رومان أبراموفيتش مالك نادي «تشلسي» لكرة القدم في غرب لندن، وعليشار غثمانوف (من أصل أوزبكي) الذي يملك أسهم نادي «آرسنال» العريق في شمال العاصمة البريطانية، وألكسندر غيداماك الشريك في نادي «بورتسموث» لكرة القدم (هو من مواليد فرنسا، لكن والده من اليهود الروس)، وبوريس بيروزوفسكي الذي لجأ إلى بريطانيا بعد معارضته حكم الرئيس السابق فلاديمير بوتين.