الشركس يصرّون على ادعاءات الإبادة الجماعية
شعب شمال القوقاز يقول أن جريمة تاريخية اُرتكبت ضده ومضت بدون تذّكر.
مارينا مارشينكولوفا ـ نالتشيك
في الحادي والعشرين من أيار، أحيت جمهورية كاباردينو ـ بالكاريا الذكرى الثالثة والأربعين بعد المئة لنهاية الحرب القوقازية الدامية عام 1864، حيث يقول بعض المؤرخين أنها أسفرت عن مقتل أكثر من مليوني شركسي وإبعاد مليون آخرين على الأقل إلى تركيا والشرق الأوسط.
لقد اعتاد الشركس ـ أو الأديغيين ِAdygs كما يدعون أنفسهم ـ من ثلاث جمهوريات ذات حكم ذاتي في شمال القوقاز هي كاباردينو ـ بالكاريا وكرشاي ـ شركيسيا وأديغيا، على إحياء الذكرى السنوية للتأكيد على مطالبهم الداعية إلى الاعتراف بأن قتل الشركس على يد قوات الجيش الروسي القيصري في القرن التاسع عشر هو إبادة جماعية.
نشطاء من حركة المؤتمر الشركسية القومية مع زعيم الحركة روسلان كيشتوف، وجميعهم يضعون شارات الحداد السوداء، ويحمل الكثيرون رايات شركسية، تجمّعوا في حشد غير مرخّص ـ وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لناتشيك عاصمة كاباردينو ـ بالكاريا ـ أمام النصب التذكاري للضحايا الشركس في حديقة الحرية في المدينة.
قال كيشتوف: “تسمع أحياناً الناس يقولون أنه من السابق لأوانه إثارة الإبادة الجماعية للشعب الشركسي كقضية، وعلينا أن نؤجّل الأمر لمدة عشر سنين أو إلى حين توفّر ظروف مؤاتية”.
وأضاف: “لكننا لا نلمس من الجانب الروسي أيّ استعداد لحلّ القضية الشركسية. كما لو أننا لم نكن شعباً من روسيا، بخلاف أي من جيراننا في القوقاز الذين تحققت لهم عدالة تاريخية”.
عمّ الغضب الكونغرس الشركسي، وذلك بعد أن أرسل طلباً للبرلمان الروسي، دوما الدولة، يسأله فيه الاعتراف “بالإبادة الجماعية للشركس”، لكن البرلمانيين الروس ردّوا بالقول أن الشركس لم يخضعوا لإبادة جماعية أثناء الحرب العالمية الثانية ـ بعد حوالي مئة سنة على الحدث الفعلي.
في الوقت الحاضر، ما زال الكثير من الشركس يعيشون خارج وطنهم الذي ليس فيه إلا أقل من مليون منهم. وذلك هو أحد الأسباب في أن مسألة الحصول على اعتراف بالمعاناة التي لاقوها في القرن التاسع عشر هي قضية سياسية حيّة، كما يمكن أن يُنظر إلها كتشجيع للشتات الشركسي للعودة إل روسيا.
زامير شوخوف، الذي يترأس منظمة شعبية تُدعى الأخوية الأديغية العالمية، أبلغ IWPR أن قضية الإبادة الجماعية تصدّرت جدول الأعمال لأن مختلف البلدان التي يعيش فيها الشركس تصبح أكثر ديمقراطية، ولذا هم يستطيعون الآن طلب حماية ثقافتهم بطريقة لم تكن متوفرة من قبل.
قال شوخوف: “لقد بدأ الشركس يتحدثون بانفتاح أكثر عن تاريخهم، عن ماضيهم، حاضرهم ومستقبلهم. وأعتقد أن الشعب الشركسي يمرّ الآن بفترة صحو للوعي الوطني والشعور بالهوية الوطنية. إننا أقلية في كل الدول التي نعيش فيها، بما في ذلك حتى وطننا التاريخي ـ القوقاز”.
وأضاف: “لقد وصلنا إلى فهم أن حفظ الأمة الأديغية يجب أن يكون الأولوية الأولى لكل وطني شركسي”.
وفي روسيا، تُواجَه الحملة من أجل الاعتراف بالإبادة الجماعية معارضة على العديد من المستويات. ففي وقت سابق من هذا العام، أرسل الكونغرس الشركسي رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي أواخر نيسان تلقّى الكونغرس الشركسي رداً من ممثّل الرئيس في إدارة السياسة الداخلية في المنطقة الفيدرالية الجنوبية: “التشريع الروسي لا يتضمن قوانين معيارية يمكن أن تحدد طريقة لمعالجة المشاكل التي عرضتموها في رسالتكم للرئيس”.
وأضاف علماء في المركز العلمي الجنوبي، الذي هو جزء من الأكاديمية الروسية للعلوم، آراءهم الخبيرة بأن الأحداث التي وقعت خلال الحرب القوقازية في القرن التاسع عشر لم تشكّل إبادة جماعية كما هي مفهومة من قبل الأمم المتحدة.
وكان نشطاء ومؤرخون شركس غاضبين جداً بسبب الخطط التي وُضعت لوقت لاحق من هذا العام لإحياء الذكرى الأربع مئة وخمسين لـ “الانضمام الطوعي للدولة الروسية” للجمهوريات الثلاثة مع سكانها الشركس، مناسبة دعوها “اختلاق التاريخ” بأجندة قومية روسية.
وتشكّى محمد خافيتسي، رئيس مجموعة Adyge Khase في كاباردينو بالكاريا: “منذ مئة سنة وسنة، قاتلت روسيا بأقصى ما تمتلك من قوة بهدف قهر الشركس. وقد غادر تسعة من أصل عشرة من الأديغيين وطنهم أو قُتلوا في ساحة المعركة.
وأضاف: “بل كان هناك أمر بإبادة الشركس عن بكرة أبيهم إن هم رفضوا النزول إلى السهول والعيش هناك كما أُبلِغوا. فإذا لم تكن هذه إبادة جماعية فماذا يجب أن تُدعى إذن؟”.
وقال خافتسي أن الاعتراف بالإبادة الجماعية سيعطي الشركس تعويضاً أخلاقياً، إذا لم يكن أمر آخر.
لكن هناك بعض الأصوات المتشكًكة. فسفيتلانا آكييفا، الباحثة في نالتشيك، أطلقت تحذيراً حول تعريف الإبادة الجماعية لحدث قالت أنه كان “كارثة كبرى” نتجت عن حرب تدميرية.
قالت آكييفا: ” يبدو لي أننا مؤخراً نسيء استخدام هذه العبارة. ينبغي أن يكون هناك معايير معينة للاختيار. وأنا أوافق على أن ما حدث كان خسارة كبيرة جداً للسلالة الجينية للشعب، لكن من الصعب القول أنها كانت إبادة جماعية فعلاً.
فالإبادة الجماعية هي تدمير على أساس عرقي محض، ومهما كانت درجة سوء النظام القيصري، لا أعتقد أنه وضع لنفسه هدف إبادة الشركس وغيرهم من القبائل القوقازية بأي ثمن. لكن الدولة هي تجسيد للعنف. ومن المؤسف أن هذا العنف لا حدود له. ويُظهر لنا التاريخ الكثير من الأمثلة المتطرفة لأنواع العنف التي تسبّبت في مقتل الآلاف والآلاف من الناس الأبرياء”.
وقدّم عثمان مازوكابزوف، مدير بوابة كافكازويب Kavkazweb الإلكترونية، حججاً على أن الاعتراف بالإبادة الجماعية يجب أن يكون متركّزاً على تحقيق نتائج عملية بالنسبة للشركس.
قال: “لم يعد سراً أن التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمع الشركسي هي إنعاش الاقتصاد والحد من الفساد. فبدون قاعدة اقتصادية لن يكون بمقدور الشعب استعادة ثقافته ولغته. وفي رأيي، ذلك هو ما يعنيه الاعتراف بالإبادة الجماعية”.
أما فاليري خاتازوكوف، وهو ناشط معروف في مجال حقوق الإنسان في كاباردينو ـ بالكاريا، فلا يعتقد أن قضية الإبادة الجماعية ستجد لها حلاً قريباً. وهو يتوقع أنها ستصبح باطراد قضية سياسية أكثر حساسية بينما تسعى الدولة الروسية إلى تقليص سلطات جمهوريات شمال القوقاز.
مع إحساسهم بأن هويتهم مهددة، شنًت المنظمات الشركسة حملة ناجحة ضد المقترحات الداعية لدمج جمهورية أديغيا ذات الحكم الذاتي بمنطقة كراسنودار المجاورة.
وتوقع خاتازوكوف أن: “قضية الإبادة الجماعية ستلقى دعماً أقوى فأقوى في أوساط المثقفين والشباب”.
مارينا مارشينكولوفا: مراسلة لصحيفة Sovetskaya Molodezh في كاباردينو ـ بالكاريا.
IWPRS الخدمة الإخبارية للقوقاز
http://tharwacommunity.typepad.com/tharwareview_arabic/2007/06/post_29.html