الإستعمار الرّوسي ودكتاتورية حكم الشّعوب

الإستعمار الرّوسي ودكتاتورية حكم الشّعوب
دأبت الدولة العنصرية الروسية الجاثمة على صدور ورقاب الشعوب المستعمرة والأمّة الشّركسيّة هي واحدة منها، وعلى مر الأعوام على التّعامل مع كل من حولها بفوقيّة وعنجهيّة وعداء مستأصل مدعومة بالأساليب الأكثر دمويّة ووحشيّة وبربريّة وهمجيّة قلّ مثيلها بالتّاريخ الإنساني، وإنّ السّكوت على ما اقترفته من مجازر وإبادة وتطهير عرقي منذ إنشائها ليعتبر تأييدا لدولة قامت بتنفيذ أكبر الجرائم في حق الإنسانيّة.
 
فكيف بنا نرى أصحاب الحقوق المسلوبة وهم نياما ولا يأتون بأيّ ساكن مهما كان، إلّا أنّهم وعلى الدوام يعلنون ويبطنون ويظهرون وينتحبون أحيانا أخرى بأنّهم من تلك الأقوام التي قامت القوّات الهمجيّة الرّوسيّة باحتلال أوطانها وانتهاك حرماتها وأعراضها وقتل أفرادها نساءا وشيوخا وأطفالا من دون تمييز أو شفقة وكذلك بتهجير أبنائها خارج الوطن، فلا يكون هناك أيّ تأثير يذكر في الإنتماء الوطني مع أن الواجب القومي يدعو لأن ينمو ذلك الشّعور كلّما ازدادت وعظمت هموم الوطن، ويجب التّذكر بأنّ السّكوت أو القبول بالأمر الواقع يعني الرّضى، وحسب الحكيم كلمةٌ واحدة، حيث يكفي التّأمّل في قول الشّاعر: “العبدُ يُقْرعُ بالعصا/والحُرّ تكفيه الإشارهْ!
 
ينتاب الإنسان في بعض الأحيان  شعور القبول بالأمر الواقع وربّما الإستسلام للقدر، حيث أن ذلك الشعور قد يصيب الجميع في بعض الأحيان. إلا أنّ الحياة مغامرة، وفي بعض الأحيان هي مغامرة قد تصيب البعض منّا، لكن يجب علينا التّمسّك بالإستمراريّة، لأنه ربّما تأتينا المفاجأة التي لم نرها من قبل، وستكون شيئا رائعا.
 
والأساليب المتّبعة في سياسة ما يسمّى بالفيدراليّة الرّوسيّة في الوقت الحاضر هي مزيج من الأساليب الإعلاميّة والمخابراتيّة والقمعيّة، فهي تريد الإبقاء على مستعمراتها ومن خلال الحكم المطلق ضمن الحكم البوليسي الّذي تنفّذه أجهزة المخابرات والإستخبارات مدعومة من قبل الأكثريّة السلافيّة والمرتزقة كالقوزاق وكذلك العملاء والجواسيس الّذين قد يكونوا أفرادا منتقون ومعيّنون من الشّعوب المحكومة بالحديد والنّار، لكنّهم مروّضين ومدرّبين وفقا للسَياسات الإستعماريّة لتنفيذ أوامر السّلطات الإمبرياليّة في المناطق المحتلّة، والشّاهد الأكبر على ذلك ما يحدث في شمال القوقاز المحتل!
 
إنّ سياسة الدّولة العامّة المتبدّلة والمتأرجحة بصورة دراماتيكيّة أحيانا، تتراوح بين الهدنة غير المعلنة مع البعض وفتح الجبهات سواء المحدودة أو المفتوحة مع آخرين سواء في الدّاخل أو في الخارج، فيتم من خلال ذلك لعب أدوار مختلفة كلعب دور الشّرطي الطّيّب أو الشّرطي السّيّئ، فيقوم أقطاب السّياسة مدعومين أحيانا بالأذرع العسكريّة بلعب أدوارهم وفقا للمقتضيات والمتغيّرات التي تطرأ على السّاحة غير مكترثين بالآثار السّلبيّة التي يخلّفوها عادةً للآخرين، فهم كما قال فولتير، “يقوموا بصنع الأمواج، ثمّ يجعلوك تظن أنّهم الوحيدين الّذين يمكنهم أن يقودوا السّفينة إلى شاطئ الأمان”.
 
إنّ الشّعوب مسلوبة الحقوق، كلّها أمل وعشم بالشّرفاء وأصحاب الضّمائر الحيّة النقيّة المتمسّكين بالمبادئ الإنسانيّة الحقّة للتّصدي لما تمارسه هذه الدّولة العنصريّة الرّوسيّة بحق الشّعوب العزلاء لأنّه من واجب كل إنسان التّصدّي لهذا الكابوس وهو كيان مزعوم نشأ وترعرع على دماء وعظام الأبرياء وكذلك الإفساد في الأرض، حيث أنّهم لم يبالوا مطلقا بحرمة الإنسانيّة، وفي نفس الوقت يتشدّقون كذبا وبهتانا بأنّهم سنّوا قوانين (لم يطبّقوها بطبيعة الحال) تلزم باحترام الأمم والشّعوب الصّغيرة والمشارِفة على الإنقراض، ولماذا؟ لأنّ جيوشهم ومرتزقتهم المجرمين شنوا شرّ الهجمات وأعنفها ضد كل من هو ليس مسكوفيّا أو سلافيّا ما أدّى إلى تقليص هذه القوميّات بدرجات متفاوتة في حين أنّ هناك قوميّات كاملة، كانت قد أبيدت عن بكرة أبيها، والعالم لم يحرّك لها ساكنا ولم يقم للآن بمحاسبة المجرمين. إنّهم تجاوزوا يكثير ما قاله باسكال، بأنّ “عظمة النّفس البشريّة في قدرتها على الإعتدال لا في قوّتها على التّجاوز.”
 
إنّ الكثيرين في هذا العالم المترامي الأطراف لا يعلمون بأن المدعوّة زورا وبهتانا بجمهوريّة روسيا الإتّحاديّة أو الفيدراليّة لهي أكبر كيان مغتصبٍ ومعادٍ للإنسانيّة عرفه التاريخ. إنّ مقارنة أفعال هذا الكيان الإستعماري بالعنصريّة النّازيّة خلال الحرب العالميّة الثّانية ونظام التّمييز العنصري الّذي حكم جنوب أفريقيا إلى حين، يجعل الحقيقة تنجلي وهي أنّ الأعمال الشّائنة والموثّقة التي اقترفتها السّلطات الروسيّة على مر السّنين لهي أعمال يندى لها الجبين الإنساني وهي أشدّ وقعا وأكثر فتكا وأطول ديمومة من تلك الجرائم التي اقترفها النّظامين النّازي في أوروبّا والعنصري في جنوب أفريقيا مجتمعين.
 
إنّه لمن الجدير أن نذكر ما قاله توسان: “أيّها العبيد… انهضوا. إنّهم لا يبدون أمامكم عظماء إلّا لأنّكم راكعون”، ويجب التّنبّه إلى ما نقل عن جبران خليل جبران: “قال ذئبٌ مضياف لحملٍ مسكين: هل تريد أن تشرّف منزلنا بزيارة؟ فأجابَه الحمل: كم كان فخري بزيارتك عظيما لو لم يكن منزلك في معدتك!”  
 
إنّ أحلك السّاعات تلك الّتي تسبق الفجر.
 
إيجل
24 آب / أغسطس 2009
Share Button

اترك تعليقاً