المؤتمرات الروسيّة المفاجئة بشأن شركيسيا
تقديم: عادل بشقوي
14 مايو/أيار 2011
على مدار التاريخ الإمبريالي، فإن الدول المحتلة والإستعماريّة التي تفرض الهيمنة وممارسة الحكم والسّلطة المطلقين من أجل تغيير الواقع والسمات والمعالم في جميع مناحي الحياة للأمم المستعمرة، تهدف الى ابعد حد ممكن من البداية إلى استبعاد السكان الأصليين من تحمل المسؤولية عن حكم أنفسهم بأنفسهم، إلا إذا قامت الأمة المقهورة بمعارضة سياسة استبدادية من هذا القبيل، والتي تميل إلى الضغط على وإجبار الدولة الجشعة والطامعة للامتثال لمطالب وطموحات الحرية في اختيار مصيرهم الخاص بهم الذي من شأنه بالضرورة أن يؤدّي إلى الإستقلال.
شركيسيا من بين آخرين في شمال القوقاز وفي أماكن أخرى هم كونهم إحدى تلك الضحايا المذكورين أعلاه والذين لم يكونوا دائرة متمّمة الى جانب وجود مجموعة من الشراكسة الذين يتمسّكون بفخر بهويتهم الشركسية وبانتمائهم مع ما يمليه عليهم ضميرهم وواجبهم الوطني في السنوات الأخيرة، فروسيا لم تنسى فقط عن شركيسيا، بل أيضا كانت المتآمر الرئيسي والمسيطر في ذلك الأفق للقضاء على سكانها وذلك بذبح نصفهم وترحيل و/أو تشريد الباقي من دون إعادة تفكير أو ورحمة أو صلة إنسانيّة أو إنصاف تجاه أمة التي كانت ولا تزال تؤمن بالحرية والحق في العيش في وطنها الخاص بها بدون أي تدخل أجنبي. {حيث ذكر الرئيس الروسي بوريس يلتسين في مايو/أيّار 1994 بأن المقاومة للقوات القيصرية كانت مشروعة؛ إلا أنه لم يتعترف “بذنب الحكومة القيصرية عن الإبادة الجماعية”.} Goble 2005
الدولة الروسية ، بدءا من المسكوفيين قبل أكثر من 450 سنة مضت، عندما أعلنوا في وقت لاحق إطلاق اسم روسيا على ذلك الكيان من خلال روسيا القيصرية والإتحاد السّوفياتي (المهيمن عليه بالكامل من قبل روسيا والروس)، وصولا إلى ما يسمّى في الوقت الحاضر بروسيا الفيدراليّة، والتي لا يوجد فيها من الفيدرالية بين روسيا المهيمنة وعشرات من الأمم الضحايا وكيانات ذات منحى لمفهوم الرقيق والتوابع المسيطر عليها مركزيا فيما عدا الوصف، في ذلك أن السياسات الإمبراطورية تشكلت باستخدام المرتزقة لتنفيذ سياساتها الشريرة مثل القوزاق الذين”كانوا معروفين بوحشيتهم”، وهم الذين كانوا من “أصل تركي تركي/منغولي بدلالة اسمهم، حيث أن القوزاق يمكن أنهم كانوا قد نشأوا في آسيا الوسطى، وهاجروا إلى الأراضي السلافية باعتبارهم بدو رحّل، وربما في أعقاب الغزو المغولي”، وتم إحضارهم من قبل الغزاة الرّوس لتنفيذ السياسة الوحشية التي خطط القياصرة الروس لتنفيذها!
كل ذلك من خلال هذا التاريخ المحدود منذ إنشائها، في مقارنة مع أمم أوروبّيّة اخرى عريقة وعميقة الجذور، فقد جرت واقترفت جرائم شرّيرة ورهيبة وأعمال عدائية وذلك مع سبق الإصرار والترصد للدولة ضد عشرات بل حتى مئات الأمم التي كان كل من شركيسيا وكذلك شعبها وما زالوا ضمن هؤلاء الفرائس-الضحايا. “لقد كان تاريخ روسيا سلسلة من التوسعات إلى الغرب والجنوب والشرق، نحو البحر المكشوف. أن كل من الأراضي المحتلة، يتم عاجلا أم آجلا استيعابها في الإمبراطورية التي أصبحت من جميع النّواحي جزءا لا يتجزأ منها”.
بعد احتلال شركيسيا في القرن التاسع عشر، فقد تم تقسيمها وإعادة تقسيمها عدة مرات، بالإضافة إلى تغيير الوضع السكاني والتركيبة السكانية، وأسماء الأماكن قدر الإمكان من دون الالتفات الى سبعة ملايين من الشركس المظلومين الذين هم يحرصون على استعادة حقوقهم المصادرة، وللعودة إلى وطنهم الحبيب للعيش بحرية في سلام مثل الأمم الأخرى في العالم. ولا نقلل من أهمية الطرق الخبيثة المستخدمة في السيطرة شركيسيا، والنصب التذكارية التي اقيمت في ذكرى الجرائم التي ارتكبها القادة العسكريين والجنرالات الروس، بحيث يمكن القول أن قاموا ببناء نصب تذكاري بين كل نصب تذكاري وآخر، لجنرالات وقادة مجرمين مثل يرمولوف ويفدوكيموف وزاس الذي اعتاد على إرسال المرتزقة لجمع رؤس الشركس ليقوم بغليهم ثم إرسالهم إلى برلين كما وُصِفَ في سبيل إجراء التجارب عليها.
لقد ذكر الرئيس الروسي بوريس يلتسين في مايو/أيّار من عام 1994 بأن المقاومة للقوات القيصرية كانت مشروعة؛ ومع ذلك، لم يعترف “بذنب الحكومة القيصرية عن الإبادة الجماعية“.Goble 2005} ؛ ولكن على ما يبدو، فإنّ خلفه الرئيس بوتين، الذي يتولّى منصب رئيس الوزراء في الوقت الحاضر، طرح فكرة الاحتفال بحدث وهمي وغير واقعي ألا وهو ما سمي بذكرى “450 عاما من الإنضمام الطوعي إلى روسيا“، والذي لا يتطابق من المنطق عندما يعلن الرئيس أن الدفاع ضد القوات القيصرية كان مشروعا، بينما بعد سنوات قليلة يقوم خلفه تماما باستبعاد ان حربا استمرت لمدة 101 عاما كانت قد وقعت! في فقرة بعنوان “يوم للذكرى“، ذُكر التالي: الأديغة / الشركس يعتبرون 21 مايو/أيّار من كل عام يوما للحزن لاستذكار سقوط شركيسيا، الإبادة الجماعية التي اقترفها القياصرة بحق أجدادهم وبالإضافة إلى ذلك ترحيل القياصرة لغالبية الأمّة الشّركسيّة إلى دول الشرق الأوسط، من أجل تكريم وتقدير الشراكسة الخالدون (ذويالبطولة والإيثار) والّذين كافحوا وضحوا بأنفسهم للحفاظ على شركيسيا مستقلة في معارك الحرب مع قوات الإمبراطورية الروسية ومرتزقتهم خلال مقاومة الشّراكسة.
لقد تعودنا أن نلقى من روسيا كل ما هو مختلف عن الإجراءات التي تتخذها الأطراف الراشدة. إن السياسة الروسية تميل إلى ركوب أي موجة من أي نوع من أجل أن تكون قادرة في نهاية المطاف على التغيير في اتجاه وميل الأحداث إلى سياسة ونزعة ملائمة، وبالتالي التحكم في مجرى الأحداث للحصول على سلطة اتخاذ القرار. مثال على هذه الخطوة الانتهازيّة هو الاستيلاء وتوجيهالجمعيّة الشركسية العالميّة (International Circassian association)، التي كان قد أسّسها شراكسة وطنيّون في الوقت الذي بدأ فيه الاتحاد السوفياتي يتمزّق، الأمر الذي أدى إلى قرارات وتوصيات واستنتاجات في شأن معالجة تداعيات نتائج معضلات الأمة الشركسية في كلا الوطن في شمال القوقاز وفي الشّتات. ومحصّلة تحرّكهم قاد إلى تعيين أفراد من الذين كانوا إما أعضاءا عاملين أو سابقين من مؤسّستي جهاز الأمن الفيدرالي الرّوسي/لجنة أمن الدولة السوفياتيّة (FSB/KGB)، في إدارة الجمعيّة الشركسية العالميّة، وهم الذين وجّهوا العملية برمتها لنقلها، وتركيزها في نالتشيك، عاصمة جمهوريّة قباردينو/بلقاريا وذلك لتكون تحت السّيطرة المباشر للسلطات الروسية من خلال فروع الأمن والمخابرات المتخصّصة المعتمدة وذات الصلة، التي نفذت في نهاية المطاف سياسة قبول الوصاية الروسية من قبل الجمعيّة الشركسية العالميّة وجميع شركائها وأعضائها من كافّة المجتمعات الشركسية في الشتات.
وسلوك روسي مماثل بمصداقية وطموحات مشكوك فيها كانت قد بدأت منذ المؤتمرات والدراسات الأكاديميّة والمهنية التي انطلقت في جميع أنحاء الشتات وما وراءه، وذلك بعد عشرات السنين من المتاهات والخداع وطمس حقائق المسائل الشركسية المختلفة. وكانت جميع ردود الفعل الروسية في شكل يسير بالتوازي مع التيارات التي بحاجة إلى مناقشة القضية الشركسية، ولكن في مرحلة معينة فإنهم يميلون إلى الهروب من محور الموضوع و/أو إنهاء المسألة برمتها مع وعود فارغة من محتوياتها ولا تلبّ. وبعد مؤتمر تبليسي الأول في مارس/آذار من عام 2010، والذي عقد تحت عنوان: “الأمم المغيّبة، المُجابهة للجرائم: الشّركس وشعوب شمال القوقاز بين الماضي والمُستقبل“، بدأ القلق الروسي بتشويه السياسات والنوايا الجورجيّة التي هي في مصلحة الشراكسة من خلال نشاط الوطنيين والناشطين الشّراكسة. وقد بعث رئيس الجمعيّة الشركسية العالميّة المعيّن من قبل روسيا برسالة إلى الجهة التي نظمت وعقدت مؤتمر تبليسي الأول المذكور لعدم توجيه الدعوة له وانه يرغب في حضور مثل هذه المؤتمرات! ويبدو ان الروس يحاولون تهيئة خدعة من خدعهم في ما يتعلق بإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية وبخاصة المادة 36 التي تنص على :
- الشعوب الأصلية، ولا سيما الشعوب التي تفصل بينها حدود دولية، الحق في الحفاظ على اتصالاتها وعلاقاتها وتعاونها وتطويرها، بما في ذلك الأنشطة التي تقام من أجل أغراض روحية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية مع أعضائها ومع شعوب أخرى عبر الحدود.
- على الدول أن تتخذ، بالتشاور والتعاون مع الشعوب الأصلية، تدابير فعالة لتيسير ممارسة هذا الحق وضمان إعماله.
في تحول لاستيعاب و/أو تبديد الموضوعات ذات الشان، اتخذت خطوة غير معتادة لكسر الجمود في المسار لشركسي وحتى القوقازي، من خلال مبادرة روسية عندما بدأت روسيا بعقد مؤتمرات وأحداث للتقليل من أهمية وجدّيّة المؤتمرات المهنيّة، ولإيجاد تشويش على المعلومات الصادقة من أجل أن تُمنع من الوصول إلى الذين يمكن أن يكونوا المعنيين في الأمر. لقد وجّهت دعوة من السلطات الروسية من خلال مجلس الدولة “دوما” للفيدرالية الروسية إلى الشراكسة الذين يرتبطون مع الجمعيّة الشركسية العالميّة لاجتماع / مؤتمر في مجلس الدوما في موسكو في 16 مايو/أيار 2011 لما يبدو أنه تحسبا إلى أخبار تتوقّعها روسيا حول تطور هام في قضيّة الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية وأمور شركسية أخرى مثل معارضة دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي في عام 2014 وذلك على المقابر الشركسية، لهؤلاء الذين قضوا نحبهم وهم يدافعون عن وطنهم بأسلحة شخصية بسيطة. ونشر موقع المجلة الشّركسيّة (The CIRCASSIAN JOURNAL) مقالا عن هذا التحرك الروسي الأخير بعنوان “تحذير بشأن إجتماع 16 مايو/أيار“، وقالت “ان الحكومة الروسية سوف تعقد لقاء وسط الشراكسة (http://cherkessia.net/news_detail.php?id=4569) في رد فعل على إمكانيات الإعتراف من جانب جورجيا في 16 مايو/أيار القادم. بالتأكيد، فإنّهم قلقون جدا عن رد الفعل في المستقبل إذا تم الاعتراف. وأظهرت المنظمات الشركسية في جميع أنحاء العالم الدعم لمساعدة جورجيا نظرا لأنها منذ أن قدمت إلتماسات للحصول على الاعتراف. لم يعلن عن الاجتماع ولكن معلومات سرية بشأنه تسربت من خلف الكواليس”. ويبدو أن سوء الحظ لا يأتي أبدا منفردا. في هذا الصدد ، يجدر بنا أن نتذكر أن الشراكسة قد ارسلوا العديد من الخطابات والرسائل للاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية، إلى مجلس الدوما الروسي والحكومة الروسية ومكتب رئيس الفيدرالية الروسيّة، ولكن جميعهم لم يردوا بشكل مناسب.
فلماذا الاندفاع من قبل الروس في الوقت الراهن؟
هل انهم يتوقعون مشاكل قانونية بحيث لن يكونوا قادرين على حلها على الطريقة التي تعودوا عليها؟
هل هم يتذكرون في الوقت الحاضر 21 مايو/أيّار لعام 1864، أكثر من أي وقت مضى؟