قصة قصيرة : اين هم الشركس؟
صحيح ان الناس الذين يعرفون يقولون ” بأن الشركس قد مروا من هذه المناطق ” …نعم فلاديمير بوتن قال ذلك ! حسنا مروا ! ممكن ان احدهم قد رآهم وهم مارون , ولكن الى اين ؟ اين هم الان؟ ويقال ايضا بانهم وفي اثتاء مرورهم قد منحوا اللباس الشركسي الجميل ( الشركيسكا )* الى كافة سكان القفقاس , لابد انه اعجبهم , يا لهذا الشعب الجميل! هذا هو السبب بان اللباس الشركسي انتشر في القفقاس. ولكن الشركس اين ذهبوا ومن اين خرجوا؟ هذا السؤال لا يجيب عليه احد لا باحثينا ولا روسيا الام , هل من المعقول انهم لايعلمون؟ ام انهم يشكون بالموضوع! ألهذا حفروا لكي يعثروا على شركسي حي؟ ولماذا حي؟ لان الشركسي الحي هو الوحيد الذي يستطيع ان يقول الحقيقة بان الشركس قد عاشوا هنا , و الا لن يصدق احد! لو انهم وجدوا شركسيا بلباسه ودرعه لما اضاعوا وقتهم الثمين الذي لم يتبقى منه الكثير حتى اولمبياد سوتشي 2014 كي يكتبوا تاريخ كوبان* لان الارض الذي يجب ان تقام عليها الالمبياد يجب ان تكون نظيفة لاغبار عليها.
ولكن لنفترض انهم وجدوا , ماذا اذن؟ حتى وان لم يكن شركسي حي بل هيكل عظمي.
وبينما اسرح في تفكيري تذكرت قصة رواها لي صديق قد حدثت معه , قصة لم يختلقها ولكنها عجيبة , من الممكن ان تتعبر لدى الكثير من الناس قصة رمزية والبعض قد لا يصدقها ولكنها كانت قصة حقيقية اخبرني بها صديق لي. لهذا اسمحوا لي ان اسردها .
بعد قراءة العديد من كتب التاريخ الشركسي ( ليس التاريخ الذي يكتب من قبل الحكومة , بل التاريخ الحقيقي المكتوب من قبل المؤرخين والمستنبط من الأرشيفات ) , ذهب علي للبحث عن الامكنة التي دفن فيها الشركس وبالتحديد محافظة مايكوب جنوب الاديغي , تجول في العديد من المناطق وجمع عدد لا بأس به من المعلومات من مواد وشهادات كبار السن ولكن اكثر شيء ادهشه ذلك العجوز القوزاقي الذي كان جالسا بجانب السور على المقعد الخشبي متكأ بذقنه على عكازه , جلس العجوز متأملا الافق, الله وحده يعلم بما كان يفكر فيه , هذه النظرة لفتت انتباه علي وجعلته يتوقف عن المسير, ولسان حاله يقول لابد انه يوجد العديد بجعبة هذا العجوز ليخبرني به , كانت هيئة الرجل كأنه نائم ولكن عندما اقترب علي اكثر وجده يدندن بأغنية غريبة كلها حزن واسى , فكر علي وقال في نفسه افهم هذا الشعور لانني عشته عندما قرأت وسمعت عن تاريخ شعبي , حقا كان العجوز يبدوا انه ملئ بالاحاسيس في قلبه. مرحبا ايها الجد… قالها علي باستحياء املا بان لا يعكر صفو العجوز وخلوته . اهلا يابني تفضل… قال القوزاقي بينما ازاح جانبا داعيا الشاب الى الجلوس . جلس علي على الجانب الايسر من الرجل حسب العادات ولكن الرجل قال له , لا بل تعال واجلس الى يميني , نهض علي متعجبا وفكر بانه يمكن ان يكون للعجوز عادات خاصة مختلفة .
حسنا قل لي ماذا تريد وعن ماذا تبحث… قال القوزاقي
اجاب الشاب بسرعة وبدون تفكير , عن الوطن!
عن الوطن ؟ سأل العجوز مندهشا ,
نعم عن الوطن… اجاب الشاب , اريد ان اعرف اين عاش الشركس واين دفن الاجداد والجدات , انني اشعر بان هذه المناطق كانت لهم , عاشوا فيها ايامهم الحزينة والمؤلمة , لا اعرف بالضبظ… اردف علي.
تنهد العجوز وابتسم لامر الشاب, وحزنه على ماض غير معروف وقال بعدها , نعم يا بني احساسك صائب بان الاجداد قد دفنوا هنا , انا اعرف احدهم وذكراه ماثلة لدي الى هذا اليوم , قال ذلك وهو يتذكر ويتمتم بكلمات غير مفهومة. ايها الجد! ماذا تقول؟ كيف ذكراه ماثلة لديك ؟ كيف ذلك وقد مرت السنين العديدة منذ الحرب الروسية القفقاسية ؟
قال العجوز , اتعلم يابني قالها وهو يوقف الشاب لقد رأيت العديد وسمعت العديد , انظر اترى تلك التلة ؟
نعم… قال الشاب.
تابع العجوز , عندما كنت صغيرا طلب مني ان احرث تلك التلة , وعندما هممت بالحراثة ارتطم شيء بالمحراث فتوقفت كي لا ينكسر المحراث ونظرت الى الاسفل فوجدت قطعة معدنية لامعة تحت سكة المحراث, اعتقدت انها على الارجح شيء ذات قيمة, فنزلت وبدأت احفر بكلتا يدي من الجوانب, وعندما هممت باخراجها ( وقد تبين انه سيف شركسي ), انزلقت وضرب الجزء الحاد منها عيني اليسرى وفقدتها , توقف العجوز عن الكلام برهه, وتابع, ولهذا السبب طلبت منك ان تجلس الى جانبي الايمن كي استطيع رؤيتك جيدا , وسكت العجوز.
في الواقع لم اكن قد لاحظت ان القوزاقي بدون العين اليسرى الا الآن , لحظات الصمت تلك كانت محرجة لعلي , اما بالنسبة للعجوز فقد كانت بمثابة استراحة من الذكريات والعواطف.
تابع العجوز , انا لست معنيا ولا مهتما بالموضوع الشركسي ولكن لم يكن هنالك داعي للرحيل ( الاستيطان ) هنا الي تلك المناطق التي طلب منا ان نأتي اليها , كنت افكر بينما انا عائد دامي العين من التلة بأنه لن نكون هنا سعداء ابدا في مكان ما زال حتى الاموات منهم يستمرون بالدفاع عنه. واعتقد ذلك الى اليوم يا بني , هذه ليست ارضي , انا ايضا ابحث عن وطن ولكن ليس بالذهاب على الاقدام والبحث, بل في ذهني. هل ترى يا بني عندما تقوم بعمل ضد مشيئة الله ماذا يحدث؟ الحياة تستمر خاطئة …هذا المكان ليس لنا , لم نتعلم كيف نتعامل مع هذه الارض لانها ليست لنا. انظر كيف يرحل الناس عن القرية خصوصا الشباب , لم يبقى الا العجائز الذين يريدون فقط انهاء ما تبقى لهم من وقت على الحياة. نعم يا بني كانت غلطة كبيرة جاءت من الاعلى , من القيصر ولكنها ليست الهية .
استمرت المحادثة مابين الشاب الشركسي والعجوز القوزاقي , كل يبحث عن وطن بطريقته!
عندما تذكرت قصة صديقي تذكرت مقولة بوتين على التلفاز ” بأن الشركس مروا من احدى تلك المناطق ” ……دون اية سخرية اريد ان اسأل من يعرف اين ذهبوا ومن اين اتوا واين وطنهم؟ من الذي جعلهم منتشرين في جميع اصقاع الارض كل تلك المدة؟ هل من الممكن انهم يبحثون عن وطن ولكنهم لا يجدون؟ لماذا هم مفرقون في اكثر من 50 دولة؟
الا يجوز نبش الماضي وحرث التاريخ ؟ اذن ربما لم يكن هنالك داع لكي تمس قبور اجدادنا واغراقها لبناء سد الكوبان* ( سد كرسنودار ) , ربما لايوجد هنالك داع لكي تنبش تلك الارض الغارقة بالدماء لعقد دورة الالعاب الاولمبية ! لا ادري ولكن العجوز القوزاقي كان محقا عندما قال ” كانت غلطة من الاعلى ( من القيصر ) ولكنها ليست ارادة الهية ” هل ترون انه يمكن للاموات ان تنتقم , القوزاقي فهم ذلك…..ماذا عنكم؟! هذه ليست ارادة الهية وحسب!
قاساي حاتشاوغو ملاحظة المدون : هذه المقالة مترجمة من اللغة الروسية ومنقولة من الموقع اعلاه للكاتب المخرج الشركسي قاساي حاتشاوغو والمقالة لاتعبر بالضرورة عن رأي المدونة .
هوامش : الشركيسكا : الكلمة الروسية التي تعني اللباس الشركسي , واستعمال الروس لكلمة شركيسكا اكبر دليل بان هذا اللبس هو للشركس .
كوبان : هو اسم اكبر الانهار في شمال غرب القفقاس ويسمى باللغة الشركسية بسيج وقد ذكر في المقال اشارة الى السلطة الروسية في اقليم كراسنودار , حيث ان كراسنودار تعتبر ( اليوم ) وطن قوزاق الكوبان.
سد كراسنودار : بني في الستينيات من القرن العشرين على نهر الكوبان و أدى الى غرق 11 قرية شركسية في الاديغي .
تنقيح : راديو اديغا
adigha group