قضية الإبادة الجماعية الشركسية

قضية الإبادة الجماعية الشركسية

بقلم: عادل بشقوي

23 مارس/آذار 2015

photo-4

عند ذكر أو التذكير بالإبادة الجماعية الشركسية، فهذا يعني أنّهُ ينبغي لفت الانتباه إلى الماضي من أجل إستقاء العبر من التجارب، ويمكن استخدامها لمعرفة الحقائق ووقائع الأحداث التي أثرت جذريا على أمّة بأكملها ونتيجة لحرب ضروس أتت على الأخضر واليابس وأثّرت على الوضع الديموغرافي في البلاد.

ويقوم الشركس في الوقت الحاضر بإدارة شؤون هويتهم وبقائهم، والقلق على مستقبلهم وتوقع ما لم يحدث للآن. إن الإشارة إلى الماضي بكل تفاصيله المجيدة والمؤلمة يتطلب ضرورة متابعة الآثار التي تبيّن كيفية إيجاد حل للقضايا المتعلقة بالجرائم والفظائع إلى جانب تحديد هويّة الجناة  واختيار الآلية المناسبة لتطبيق القواعد ذات الصلة لإحقاق حقوقهم القانونية.

غير أنّهُ، وبغض النظر عن الحقائق والأرقام المعروفة عن الاحتلال والإبادة الجماعية والترحيل، لا يزال هناك بعض الذين يجهلون التاريخ، والمُحْبِطين، والانهزاميّين، والانتهازيين، والذين يسهمون في أن يكونوا جزءا من الحرب الدعائية المحمومة ضد الشّعب الشركسي وحقوقه غير القابلة للتصرف. وماذا يعنون عندما يقولون: ولما الإهتمام بالماضي؟

في عرض لكتاب بعنوان “مذبحة في التاريخ”، الذي أعدّهُ كل من مارك ليفين (Mark Levene) وبيني روبرتس (Penny Roberts)، الّذي نشر في نسخة إلكترونية على جوجل (Google)، يذكر مذابح معيّنة وقعت في العالم منذ القرن الحادي عشر، مع احتواء الفصل السّابع من الكتاب على عنوان، “الشركس: إبادة جماعية منسيّة؟” للكاتب ستيفن د. شنفيلد (Stephen D. Shenfield)، والذي يوضح فيه تفاصيل الموضوع (https://books.google.jo/books?id=PjPCmnzztfkC&pg=PA149&lpg=PA149&dq=%E2%80%9CThe+Circassians:+A+Forgotten+Genocide?%E2%80%9D+by+Stephen+D.+Shenfield&source=bl&ots=_F0lAay5W-&sig=sHlfyAAG-JCp289pRcnEGaSQK3E&hl=en&sa=X&ei=DDEQVcbOIszeavq6geAH&ved=0CC4Q6AEwAw#v=onepage&q=%E2%80%9CThe%20Circassians%3A%20A%20Forgotten%20Genocide%3F%E2%80%9D%20by%20Stephen%20D.%20Shenfield&f=false).

إن المعلومات القيمة والغنية المذكورة، توفر ثروة من المعلومات في عدد قليل نسبيا من الصفحات عن الأمة الشركسية. فيما يلي، تم اختيار عدد قليل من النقاط، في حين يُنصح بشدّة  بأن تتم قراءة النّص:

– يبدأ المؤلف بالسؤال المعتاد: من هم (أو من كانوا) الشركس؟ ويكتب فيقول أن هناك قلة فقط من الناس والمتخصّصين في شؤون القوقاز من يعرفون الشركس في “العالم الغربي”، حيث أنّهُ يُسأل في العادة من هم  هؤلاء كلما يُذكر إسم الشركس.

– يذكر في النّص أن هناك شعباً يكاد أن يكون في طي النسيان وأن وطنهم {شركيسيا} يقع في شمال القوقاز و“لا يوجد في أي  خارطة حديثة” وبدوره يحدّد “الحدود الجنوبية للإمبراطورية الروسية”، على الرغم من أنه ذكر ونشر في الكتب القديمة وفي الخرائط التي نُشِرت في أوائل القرن التاسع عشر والتي تبين الموقع والحدود.

– ويمكن القراءة عن شركيسيا والشركس في “الكتب القديمة للقنصل الفرنسي غامبا {Gamba} (1826)، والمغامر الإنجليزي جيمس بيل {James Bell} (1841)، والفرنسي كوبل دي هيل {couple de Hell} (1847)، والأمريكي جورج ليتون ديتسون {George Leighton Ditson}، والقنصل الهولندي دي مارينيي {de Marigny}”.

– حتى في القرن الثامن عشر، ذُكِرتْ شركيسيا على الخريطة، التي دلت على أن شركيسيا تمتد بين نهري كوبان والدون وعلى طول المسافة إلى حدود أوسيتيا والشيشان حتّى سلسلة جبال القوقاز الرئيسية وعلى امتداد ساحل البحر الأسود من زاوية بحر آزوف إلى أبخازيا، مما يدل على أنّهُ قبل الإحتلال القيصري، بلغت مساحة شركيسيا 55663 كيلومتراً مربعاً — إلى حدٍ ما أكبر من مساحة الدنمارك — وعدد السكان الأصليين فيها كان يزيد على مليوني نسمة.

– في الحديث عن أصالة الشركس، يذكر المؤلف أنه “يمكن تتبُّعهم لغاية مملكة البوسفور (Bosphoran Kingdom) التي كانت في القرن الثامن قبل الميلاد، وربما إلى الإمبراطورية الكيميريّة (Cimmerian Empire) التي كانت موجودة على طول شواطئ بحر آزوف قبل عام 1500 قبل الميلاد”.

– تم تأسيس تجارة وعلاقات ثقافية شركسية مع الإغريق وخصوصاً مع “الأثينيين وقد شاركوا في الألعاب الأولمبية”.

– كان معظمهم يعملون في الزراعة، وكانت آلهتهم مشابهة لآلهة الإغريق، وقد ذكر الكاتب تشابهها وعدّد أسمائها.

– بدأ تأثير الإسلام على ما يبدو في القرن الثامن عشر تحت تهديد “غزو روسي وشيك”، وقد شكلوا حلفاً دفاعياً مع “تركيا العثمانية وخانات تتار القرم”.

– إنّهُ من المؤكّد أن الشركس “قاتلوا ضد الغزو الروسي من 1763 – 1864 وهي مدّة أطول من قتال أي شعب آخر في القوقاز، وحتى الشيشان”.

– تأكيد الحقيقة وعلى عكس المزاعم الروسية بأن “الهزيمة النهائية في أعوام الستينيات من القرن التاسع عشر أدت إلى المذبحة والترحيل القسري، وبشكل أساسي عبر البحر الأسود إلى تركيا” (90 ٪ من الأمّة الشّركسيّة)، وذكر أن “نسبة كبيرة منهم لقوا حتفهم” بسبب أهوال البحر وغيرها من التأثيرات، وقد تم استبدالهم بالمستعمرين مثل القوزاق والروس والأرمن.

– وتحت العنوان الفرعي “مذبحة وإبعاد”، أشار الكتاب إلى الجنرال ييفدوكيموف (Yevdokimov)، الذي كان قد فُوّضَ لتنفيذ سياسة الإمبراطورية الروسية في الإقتلاع من الوطن سواء إلى مناطق أخرى فيما وراء نهر كوبان أو إلى الإمبراطورية العثمانية، لافتاً حتّى النّظرإلى نداء الشركس للقوى الكبرى في ذلك الوقت، لكن لم يكترث أحد لمساعدة الشركس على البقاء في وطنهم. كما التقى وفدا من زعماء الشركس في عام 1861 مع القيصر الكسندر الثاني (Tsar Alexander II) في بلدة ييكاتيرينودار (Yekaterinodar)، الذين “أعربوا عن استعدادهم للاعتراف بسيادة روسية شريطة سحب القوات الرّوسيّة والقوزاق من الأراضي الشركسية إلى ما وراء نهري كوبان ولابا”. لم يوافق الرّوس على ذلك، لأنه ضد خططهم في الحصول على شركيسيا دون الشركس.

– وتم ذكر الحقائق المعروفة جيدا ونتائج الغزو الروسي، مثل الحرق الممنهج للقرى الشركسية، “أحرقت كل قرى الشابسوغ دون استثناء” وقد ديست المحاصيل الشركسية في الحقول بخيول القوزاق.

– وعنوان فرعي آخر: “هل كان ما حدث إبادة جماعيّة؟”، حيث يسهب في التساؤل عما إذا كان قد تم ارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي أم لا. قارن المؤلّف ما حدث مع الشركس بجرائم واجتياحات أخرى ارتكبت في ذلك الوقت من قبل الإمبراطورية الروسية مع شعوب وأمم أخرى.

– وأوضح الكاتب أن “المسؤولين والجنرالات الروس لم يكونوا ليرفضوا فكرة إبادة جزء كبير من الشركس. اعتقل أيضاً الجنرال فيدييف (Fedeyev) لهذا السبب عندما كتب أن الروس قرروا إبادة نصف الشعب الشركسي من أجل إجبار النصف الآخر على إلقاء أسلحتهم”.

– العنوان الفرعي الأخير هو: “نهاية الشركس؟”، حيث ذكر النص في الجزء الأخير منه، “إن الكارثة التي حلت بالشركس في ستينيات القرن التاسع عشر جعلت بقائهم كشعب في خطر سواء داخل الإمبراطورية الروسية (وفيما بعد الإتحاد السوفياتي والدول التي خلفته) أو في المنفى. وقد كان هناك تبايناً كبيراً نتيجة لعمليات الترحيل على مختلف المجموعات الفرعية الشركسية”.

 – وخلص الكاتب في الفقرة الأخيرة إلى:

“إذا كان مصير الأرمن في تركيا واليهود في أوروبا لا يزال يُذْكَر اليوم على نطاق واسع، ألا يعود ذلك في المقام الأول إلى فضل النفوذ بما فيه الكفاية، الذي تتمتع به العديد من الطوائف الأرمنية واليهودية المحظوظة من أجل النجاة في مكان آخر؟ لكن الحالة المتناقضة للشركس تذكّرنا كيف أنّ الإبادة الجماعية لشعب، وفي ظل ظروف أقل مواتاة، تجعلهم لا يزالون يتلاشون من وعينا التاريخي”.

قائمة الملاحظات (22) في النهاية تحتوي على مراجع بالإضافة إلى تأكيد وتفسير للمعلومات.

إن المنطق والأخلاق والواجب الإنساني يتطلب استخدام تعبير محدّد في وصف معنى الإبادة الجماعية مع ما من شأنه أن يعكس الوقائع على الأرض، بغض النظر عن التلاعب بالألفاظ جنبا إلى جنب مع أعذار واهية وتفسيرات غير منطقية، في تناقض مع تعريف الإبادة الجماعية، والذي يشمل الأفعال المرتكبة  بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية (http://www.preventgenocide.org/ab/1948/)، كما أن هناك وثائق وبراهين أخرى.

فكلما كانت الوقائع والحقائق معروفه لجميع المعنيين، كلما كان يمكن تأدية أعمال أكثر إيجابية وتأكيداً، وفقا للقانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بالنسبة لأولئك الذين لقوا حتفهم وأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، علينا صون الأدلة وتقديمها للعالم.

Share Button

اترك تعليقاً