سوتشي مرة أخرى بؤرة الصراع الروسي–الشركسي — لكن الشركس يُسجلون فوزًا
الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور المجلد: 17 العدد: 100
بول غوبل (Paul Goble)
9 يوليو/تموز 2020
ترجمة: عادل بشقوي
10 يوليو/تموز 2020
للمرة الثالثة في التاريخ، أصبحت سوتشي بؤرة الصراع بين الروس والشركس. في عام 1864، كان المكان الذي قامت القوات القيصرية فيه بِنفي معظم الشركس الذين قاوموا التقدم الروسي لأكثر من 100 عام إلى الإمبراطورية العثمانية. في عام 2014، وفي الذكرى السنوية الـ 150 لتلك الأحداث المُروِّعة ، والتي يصفها الكثيرون بأنها ”إبادة جماعية“، نظم الرئيس فلاديمير بوتين الألعاب الأولمبية في هذا المكان بالتحديد. ورداً على ذلك، انتظم النشطاء الشراكسة في وطنهم الكائن في شمال القوقاز والشتات من أجل التحرك الدولي. ولفتوا الانتباه إلى الجريمة نفسها وكذلك إلى فشل الحكومة الروسية في إبداء الأسف. بالإضافة إلى ذلك، فقد سلطوا الضوء على الحظر الفعال الذي تفرضه موسكو على السماح للشركس بالعيش في وطن مشترك والسماح بالعودة من البلدان التي مزقتها الحرب في الشرق الأوسط لأحفاد المنفيين هناك. الآن، وفي الأيام العشرة الأخيرة، شهد هذا الركن الجنوبي الغربي من الفيدرالية الروسية مرة أخرى نزاعًا روسيًا-شركسيًا بعد أن وضع النشطاء المحليون نصبًا تذكاريًا للجنود الروس الذين هزموا الشركس في القرن التاسع عشر. مع ذلك، وبعد احتجاجات متجددة من الشركس في الوطن والشتات، اضطرت سلطات سوتشي لإزالة التمثال — إشارة لانتصار شركسي في صراع متعدد الأوجه لا يظهر أي علامة على تسويته في أي وقت قريب.
لقد بدأ أحدث عمل في حروب النُّصُب التذكارية في روسيا ضد غير الروس بشكل عام والشركس بشكل خاص (see EDM, May 27, 2014 and November 8, 2016) في نهاية مايو/أيار 2020، عندما كان الروس الأرثوذكس والنشطاء العسكريون، بعد أكثر من عام من التخطيط، قد قاموا بنصبِ نصبٍ تذكاري في ملتقى شارع ماركس وشارع كروبسكايا، في منطقة أدلر في سوتشي. كان النصب الحجري-المعدني يُبجِّل تلك القوات القيصرية التي حاربت ضد الشركس في عام 1837. قال المنظمون إنهم حصلوا على مباركة سلطات المدينة، التي نشرت في الواقع بيانًا على الموقع الخاص بها على الإنترنت مشيدة بهذا العمل الوطني. لكن الصفحة اختفت من الموقع الالكتروني الخاص بمدينة سوتشي بعد بدء الإحتجاجات الشركسية. وينكر المسؤولون المحليون الآن نشر بيان الموافقة على تشييد النصب (Kavkazsky Uzel, July 4).
ليس من المستغرب أن النصب الجديد، الذي يضم قالبًا معدنيًا يمثل حصن روسي من النوع الذي استخدم لاحتلال القوقاز قد أغضب الشركس. لقد اعتبروا ذلك ليس فقط إهانة مباشرة لأمتهم ولكن أيضًا كمؤشر آخر على أن بوتين يعود بشكل متزايد إلى سياسة الإمبريالية الروسية ويعامل غير الروس الذين يخضعون لسيطرة موسكو كمستعمرين. وتحدث المؤرخون والناشطون الشركس على الفور ضد المؤشر الجديد. قال أحدهم، رسلان جفاشيف (Ruslan Gvashev)، إن سوتشي لديها بالفعل ما يكفي من المعالم المخصصة للحرب الشركسية وان طرح المزيد تم ابتداعه فقط لإظهار قوة روسيا على المجموعات الأصغر عددًا مثل الشركس. وردد كثيرون آخرون كلماته، بما في ذلك المؤرخ حاجي مراد دونوغو (Khadzhimurad Donogo)، الذي أكّد أن وضع نصب تذكاري جديد هو ”سياسة غير حكيمة وجاهلة“، ومن شأنها أن تزيد من تأجيج الأعمال العدائية بين شعوب المنطقة. بدوره، أكد الباحث الداغستاني زوراب غادجييف (Zurab Gadzhiyev) أنه لا يمكن أن يكون هناك أي ”أساس أخلاقي لطرح مثل هذه النُّصب التذكارية“ (Kavkazsky Uzel, July 4; Kavkazr.com, July 7).
دفعت هذه المناقشات وغيرها من الحوارات النقاشية الشراكسة في وطنهم في شمال القوقاز والشتات لصياغة نداء إلى الرئيس الروسي والعمل على جمع توقيعات داعمة له. تم تنسيق هذا الجهد من قبل الخاسه (اللجنة) الخاصّة بالتنسيق الشركسي، بما في ذلك رشيد موغو (Rashid Mugu)، وفاليري خاتاجوكوف (Valery Khatazhukov)، وأصلان شاظو (Aslan Shazzo)، وأليك شاشيف (Alik Shashev)، ومراد تيميروف (Murat Temirov). دعت الرسالة زعيم الكرملين إلى أن يأمر بإزالة التمثال وإجبار السلطات المحلية على الاعتذار، ومحذرة من أنه إذا لم يحدث ذلك، فإن التوترات العرقية في المنطقة سترتفع إلى مستوى يمكن أن يكون خطيراً (Kavkazsky Uzel, July 5; Zapravakbr.ru, Justicefornorthcaucasus.info, July 7).
ربما بسبب هذا التحذير ومن شبه المؤكد لأن الكرملين لم يرغب في حدوث انفجار في إفساد احتفالات شمال القوقاز بفوزه في تصويت يوليو/تموز على التعديلات الدستورية (see EDM, July 2)، تراجعت موسكو في هذه الحالة و أمرت سوتشي أن تفعل الشيء نفسه. ويوم أمس (8 يوليو/تموز)، أعلنت سلطات مدينة سوتشي، أولاً عبر رسالة نصية لوكالة أنباء (Kavkazsky Uzel) ثم على موقعها على الإنترنت، أنها أزالت النصب التذكاري، مما منح الشركس انتصارًا حقيقيًا ومرحبًا به (Kavkazsky Uzel, July 8). وسائل الإعلام في موسكو وفي أجزاء أخرى من الفيدرالية الروسية، ناهيك عن الشتات الشركسي، التقطت الأخبار على الفور، مما يوحي بأن الآخرين سيخلصون أيضًا إلى أن مقاومة مثل هذه الإستعراضات التي تقوم بها الإمبريالية يمكن أن يكون فعالًا (Ekho Moskvy, July 8; Bragazeta.ru, Capost.media, July 9).
يبدو من الواضح أن المسؤولين في العاصمة الروسية قرروا أن مرؤوسيهم في سوتشي قد ذهبوا بعيدًا جدًا وكانوا بحاجة إلى كبح جماحهم قبل إنتاج نوع من الكارثة التي ستكون لها عواقب بعيدة المدى. لكن من الصحيح أيضًا أن هذا الانتصار الشركسي ليس نهائيًا وقد لا يكون نقطة تحول. حتى مع إزالة النصب التذكاري من تقاطع شارعي ماركس وكروبسكايا، فإن المسؤولين وضعوا نصبًا آخر في منطقة أدلر، وذلك للقديسين الروس (RIA TOP 68, July 9). وفي الوقت نفسه، واصل حلفاء موسكو منذ فترة طويلة في المجتمع الشركسي مهاجمة الحملة لتشجيع جميع الشركس على تحديد هويتهم على أنّهم شركس، وذلك في التعداد الروسي القادم؛ بالإضافة إلى ذلك، انتقدوا الجهود المبذولة لتمكين عودة الشتات إلى وطنهم وكذلك استعادة جمهورية شركسية واحدة في شمال غرب القوقاز (Kavkaz Segodynya, July 6). في غضون ذلك، واصلت موسكو جهودها لتدمير الوحدة الشركسية عن طريق عملية على غرار عملية ”ثقة“ ضد الشتات (Windowoneurasia2.blogspot.com, July 2). وسَعَتْ الحكومة الروسية إلى تقويض الدعم الغربي لهذه القومية من خلال مهاجمة مؤسسة جيمستاون وغيرها ممن يتحدثون عن حقوق الشركس (Genproc.gov.ru, April 8; see Jamestown.org, April 9).
إن كلا هذين الإجرائين الروسيّين وتراجع موسكو عن نصب سوتشي، يُسلطان الضوء على أن الكرملين قلق بشكل متزايد من وحدة وقوة الشركس. فأفراد هذه القومية وأصدقائهم ومؤيديهم يمكنهم رؤية ذلك أيضًا؛ ونتيجة لذلك، لن يتراجعوا عن أيٍ من جهودهم الحالية. فبدلاً من ذلك — وهذا ليس شيئًا رمزيًا — شن النشطاء الشركس هجومًا مضادًا في حرب النُّصُب التذكارية. هذا الأسبوع، في مدينة إسكي شهير التركية، أقاموا نصبًا تذكاريًا لأولئك الذين سقطوا وهم يحاربون الروس في الحرب التي وقعت بين عامي 1763 و 1864 (Natpressru.info, July 7). من الواضح تمامًا أنه لا هم ولا موسكو يرون أن النضال مجرد مسألة تاريخية.
المصدر: