حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
14 يناير/كانون الثاني 2022
العلم الشركسي، الوطن، الهوية الشركسية
الفصل الخامس
العلم الشركسي
هناك عدة مصادر مرجعية تشرح وتوضح تاريخ العلم الشركسي. من بين تلك المصادر رواية حجر الرّحى للمؤلف الشركسي إسحق مشباش، والتي توضح كيف تلقى الشركس الأخبار حول معاهدة أدريانوبل {Treaty of Adrianople} (أو معاهدة أدرنة) في 14 سبتمبر/أيلول 1829. 740
أنهت معاهدة أدرنة، الموقعة في 14 سبتمبر/أيلول 1829، الحرب الروسية–العثمانية 1828 – 1829.
وفقًا لأدرنة (أدريانوبل القديمة)، في تركيا، استفادت روسيا من هذه المعاهدة لأنها أشارت على التوالي إلى ضعف الإمبراطورية العثمانية في العديد من المواقع. عززت المعاهدة الموقف الروسي في أوروبا الشرقية وساهمت في إضعاف الإمبراطورية العثمانية، مما مهد الطريق في نهاية المطاف لآفاق نهائية بشرت بمستقبل تفكُّك الإمبراطورية العثمانية وفقدان مناطقها ودولها الخاضعة للسيطرة، خاصة في أوروبا.741
جاءت المعاهدة لفرض حكم القوي على الضعيف، مما مكن روسيا القيصرية من الاستيلاء على الجزر التي تتحكم في مصب نهر الدانوب،742 والحصول على الضوء الأخضر لغزو وضم الساحل الشركسي على البحر الأسود وتحقيق الحلم الروسي القديم بالسيطرة على المياه الدافئة لموانئ البحر الأسود الشركسية بالإضافة إلى احتلال منطقة شمال–غرب القوقاز التي تحتوي على الجزء الشمالي–الغربي من جبال القوقاز لأهميتها من خلال وجود جبل البروز (ارتفاعه 5642 مترًا / 18510 قدمًا).743 وهو أعلى قمة في أوروبا، ناهيك عن الجمال الطبيعي للغابات والجبال.
تؤكد موسوعة بريتانيكا، ”سمحت المعاهدة لروسيا بضم الجزر التي تتحكم في مصب نهر الدانوب وشريط القوقاز الساحلي للبحر الأسود، بما في ذلك قلعتا أنابا (Anapa) وبوتي (Poti). اعترف العثمانيون بحق روسيا في جورجيا وإمارات قوقازية أخرى وفتحوا مضيق الدردنيل والبوسفور أمام الشحن الروسي“.744
إن التأثير الهزلي لمثل هذا الاتفاق بين رمزين انتهازيين لا يكمن في تبادل المنافع التي ميزت اللحظات النهائية من الانسجام بين هؤلاء الشركاء الخبيثين. بل تظهر هذه الحقيقة أن الإمبراطورية العثمانية قد ترنّحت وتخلت عن أشياء لم تكن مملوكة أو محتلة من قبل تركيا لدرجة التنازل عن نفوذها في القوقاز وفقًا للاتفاقية، والتي تم الاستحواذ عليها في نهاية المطاف من خلال حرب وحشية وجبروت عسكري لا يرحم.
في عام 1830، علم الشركس بالاتفاقية الموقعة بين الروس والعثمانيين، حيث تمكّنوا من الحصول على نسخة من المعاهدة باللغة الروسية، والتي مكّنت المندوبين من قراءة موادها في مجلسهم ”أديغا خاسه“ لاتخاذ قرار مناسب خلال الاجتماع، على الخطوة التالية التي يجب اتخاذها.
نظرًا للظروف المهمة للغاية، عُقد الاجتماع في وادي أداغو (Adago Gorge)، حيث أعرب المندوبون عن عدم تصديقهم بشأن محتويات المعاهدة بسبب الأفكار التي آمنوا بها، مثل اعتقادهم بأن تركيا، باعتبارها دولة مسلمة، لن تتخلى عن الشركس أو شركيسيا، خاصة وأن الاتفاقية المذكورة ستضر شركيسيا ومواطنيها، مما جعلهم يرسلون وفدًا مكوّنًا من القادة الشركس إلى اسطنبول للقاء السلطان العثماني، لتوضيح الموقف وفحص دقة الأخبار.
تم تأكيد ذلك من قبل السلطات العثمانية من خلال التقليل من اتصالاتهم وعلاقاتهم مع شركيسيا بينما بدأ الروس بدورهم في تصعيد استعراض قوتهم وبذل المحاولات لمواصلة التلاعب بالمنطقة دون منافسة.
تم اختيار الأمير جان ونور محمد حاغور وترام للذهاب إلى تركيا لمعرفة حقيقة الأمر. كان لدى المندوبين آمال كبيرة أثناء اتصالهم بالعثمانيين، لكنهم اكتشفوا بالطريق الأصعب عكس ما توقعوه، حيث أبلغ الروس الأتراك بالفعل عن وصول الوفد الشركسي، مطالبين باعتقال أعضائه حتى استقرار الوضع في شركيسيا. وتمكن الوفد فور وصوله إلى اسطنبول من الحصول على نسخة تركية من معاهدة أدريانوبل (أدرنه)، حيث تم أيضًا إرسال رسالة من الأمير جان إلى السلطان محمود، وتم التنسيق لمقابلته.
إلا أن الوضع في شركيسيا ساء أثناء زيارة الوفد الشركسي لأن القوات القيصرية الروسية بدأت هجومًا للتوغل في عمق الأراضي الشركسية، حيث تم إبلاغ الأمير جان بالأحداث وأجبر على البقاء في اسطنبول بينما عاد المندوبان الآخران، وبحوزتهم نسخة تركية من معاهدة أدريانوبل، حيث كانت هناك ضرورة لتجمع الشركس للتحضير للحرب.
بينما بقي الأمير زان في اسطنبول في محاولة للدفاع عن القضية الشركسية بأي طريقة ممكنة، فقد التقى ديفيد أوركهارت (David Urquhart)، سكرتير السفارة البريطانية في اسطنبول، الذي كان يعرفه منذ سنوات. السيد أوركهارت، الذي كان مثيرًا للإعجاب لطلاقته في التحدث بلغة الأديغة، طلب من الأمير جان مساعدة بريطانيا للشركس بينما أجاب أن البريطانيين والفرنسيين قلقون جدًا بشأن الوضع في شركيسيا وكانوا قلقين بشأن الشركس.
أوضح أوركهارت حقيقة أنه لا يوجد حد للطموحات الروسية التي أجبرت تركيا على التضحية بشركيسيا. وعبر عن قناعته: إنكلترا تعرف أن مصلحة روسيا الأساسية هي الوصول إلى مضيق البوسفور، بينما تستطيع بريطانيا وحلفاؤها وقف طموحات روسيا وتقديم مساعدتهم لمقاتلي الحرية.
كما وعد أوركهارت بتقديم المساعدة العسكرية التي تشتد الحاجة إليها، مثل البارود والبنادق والمدفعية والذخيرة. أراد الأمير جان معرفة تكلفة كل ذلك على الشركس مقابل كل هذه المساعدة الموعودة، حيث أعطى أوركهارت طمأنة بأن السداد يمكن أن يكون على شكل قمح، وذرة، وعسل، وجلود حيوانات، وخشب، إلخ…
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمهندسين الإنجليز المساعدة في استكشاف واستخراج الموارد الطبيعية من أراضي شركيسيا. أجاب جان أن الشركس سوف يسددون بالتأكيد جميع نفقات الأسلحة والذخيرة التي ستوفرها بريطانيا؛ ومع ذلك، فإن ما كان يأمل الشركس الحصول عليه هو الدعم السياسي (والدبلوماسي) بالإضافة إلى التّسَلُّح.
شدد أوركهارت على أن الأمير كان عليه أن يسعى إلى وحدة الشركس، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن يكون لديه مستشارون محترفون؛ لذلك قدم جان للسيد لونغورث (Longworth)، الصحفي في صحيفة مورنينغ كرونيكل (Morning Chronicle)، والسيد جيمس بيل (James Bell)، الذي طلب أن يتعرف على الشركس كرجل أعمال. وعد الأمير جان بأنه سيساعد في استيعاب لونغورث وبيل الذين سيصلان إلى شركيسيا.
بعد أن أعاد الأمير جان صفر بي (Zan Seferbi) النظر في الطريقة، استشار ديفيد أوركهارت وأدرج عرضًا للتفاوض بشأن الخطوات المستقبلية. لقد توقع مخاوف متشابكة وأفكارًا مجتمعة مختلطة بعد الاعتبارات السريعة والمعقدة، مما جعله يراجع جميع الأحاسيس والأحداث وإمكانيات ردود الفعل المتوقعة من مواطنيه الشركس عندما أصبح وطنهم فريسة للدول الطامعة، بينما ”بدأ يدرك“ أن المأساة الكبرى تكمن في حقيقة أن الشركس سيجدون أنفسهم محاصرين بين أوروبا وروسيا وهو ما يشبه حجر رحى (طاحونة)، وستكون شركيسيا مثل بذرة القمح التي ستُسحق إلى دقيق“.
يتبع…