حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
8 فبراير/شباط 2022
اللغة والثقافة وتكنولوجيا المعلومات
الفصل السابع
اللغة والثقافة الشركسية
كما ذكرت في أقسام أخرى من هذا الكتاب، فإن تطور الثقافة الشركسية هو عنصر مهم للأمة. يمكن رؤية جميع جوانب الثقافة الشركسية عبر العصور. ويمكن تتبع اللغة والسلوك الاجتماعي والفنون والأدب والعلوم والموسيقى والرقص والأنشطة القومية الأخرى من خلال الممارسات الشركسية.
تلعب الأغاني دورًا مهمًا في مجتمع الأديغة التقليدي، وكل نوع منها موجود ليؤدي وظيفته المحددة. وتشكل حكايات الأبطال أساس الفولكلور الشركسي. وبما أن شعب الأديغه لم يُكوِّنوا (يوجِدوا) أبدًا بأنفسهم أدبًا مكتوبًا خاصًا بهم، فهم يحافظون على تاريخ شعبهم وينقلونه بمثل هذه الأغاني. تتواجد جنبًا إلى جنب الخرافات المرحة وحكايات الإبداع الوثني والموسيقى الروحية الإسلامية. فعلى سبيل المثال، تم تخصيص نوع الذِّكْر (Zachiry) لتأسيس العقيدة الإسلامية والثناء على النبي محمد (صلعم). ويعتمد تقليد الأغنية الأديغية على الأداء الجماعي: يغني أحدهم السطر السردي بينما يغني الآخرون النغمة أو ”أقل من الصدى“ — تُترجم إلى الشركسية باسم (Zhyyu).777
ستبقى اللغة والثقافة الشركسية ركائز مهمة في بقاء الأمة الشركسية. في هذا الصدد، نشر بول غوبل مقالًا بعنوان ”هل يمكن إنقاذ اللغة الشركسية والأشخاص الذين يتحدثون بها؟“ واستهل المقال بالقول: ”يشير تقريران جديدان إلى أن اللغة الشركسية الآن معرضة لخطر الانقراض في العقود المقبلة، ودخلت الأمة التي تنتمي إلى شمال القفقاس لأولئك الذين يتحدثون بها في مرحلة من التدهور الديموغرافي ويمكن أيضًا أن تختفي في المستقبل، مما حثّ مؤيديهم للنظر في دفاعات جديدة“.778
اختتمت مجموعة حقوق الأقليات في أوروبا نتائجها بشأن لغات الأقليات في روسيا بما يلي:
بينما لا تزال روسيا بلدًا متنوعًا — حيث تقوم المدارس بتدريس لغات الأقليات القومية والشعوب الأصلية، والعديد من ممثلي الأقليات المندمجين بالكامل في المجتمع الروسي — لا تزال هناك العديد من المشاكل الخطيرة. لم يكن هناك سوى تقدم محدود في تنفيذ معايير الحماية الدولية، مثل الاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية (FCNM)، ومناهضة للتصديق على الميثاق الأوروبي للغات الإقليمية أو لغات الأقليات (European Charter for Regional or Minority Languages). تقدِّم الحكومة تقارير إلى مجلس أوروبا بشأن تنفيذ الاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية التي تحوي معلومات بشأن العديد من البرامج لحماية الأقليات والشعوب الأصلية وتعزيز التنوع الثقافي واللغوي، ولكنها لا تتضمن تحليلاً واضحًا للأثر العملي لهذه البرامج.779
اللغة الشركسية هي من اللغات المهددة بالانقراض. ومن المهم أن يتم عمل ما هو مطلوب لمنع حدوث ذلك. يجب تحقيق الإصلاح الضروري وفقا للموارد المتاحة.
حددت اليونسكو اللغة الشركسية كواحدة من اللغات في شمال القوقاز المعرضة لخطر ”الاختفاء التام في العقود القليلة القادمة“ وذلك بالنظر إلى العدد المنخفض بالفعل للأشخاص الذين يتحدثون بها في تلك المنطقة، وانقسام المجتمع، وغياب استخدام اللغة الشركسية في المدارس والأماكن العامة الأخرى (caucasustimes.com/article.asp?id= 21525).780
لقد تم ذكر بعض الطرق المقترحة التي يمكن تطبيقها لإمكانية التحكم في فقدان اللغة. وفي هذا السياق ذكر غوبل موضوعًا مهمًا منها، هو استخدام الأبجدية كأداة للمساعدة في الحفاظ على اللغة والمساعدة في تدريسها.
يُفضِّل معظم الشّركس في تركيا الكتابة بالأبجدية اللاتينية (Latin) بينما يفضل المسؤولون في شمال القوقاز استعمال الأبجديّة السيريلية (Cyrillic). وتُعتبر اللغة السيريلية الروسية غير ملائمة للنظام الصوتي للُّغة الشركسية، لكن معظم الكتب المدرسية المتوفرة الآن هي باللغة السيريلية (السلافية). ولم تفعل الحكومة التركية الكثير لتطوير المواد التعليمية باللغة الشركسية بالنّص اللاتيني.781
إن إنشاء كيان شركسي هو أفضل طريقة لحماية لغة الشركس بالإضافة إلى جميع العناصر الثقافية والتراثية الأخرى. وفي الوقت نفسه، يتوجب الحفاظ على أسس وركائز الأمة، لكن يبدو أن الوقائع والأحداث تظهر رغبة وإصرار الدولة الروسية على تجاهل القضية تمامًا، حتى إلى حد المساس بوجود الأمة التي هي إحدى الأمم الأصليّة في شمال–غرب القوقاز.
ويذكر نوغزاري أنتيلافا (Nugzari Antelava) في كتابه الثقافة الأديغية (الشركسية) {Adygean (Circassian) Culture} الحقائق حول حالة اللغة والثقافة الشركسية. تم الترحيل إلى تركيا وأجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية، ولا يزال الشركس يعيشون في مكانهم المحدد حتى يومنا هذا. وكونهم أقليات، وبسبب التغيير المستمر للأنظمة السياسية في نفس البلد أو بلدان متعددة، لم يكن من الممكن الحصول على الحق في استخدام لغتهم الخاصّة. ونتيجة لما ذُكِر، أدى ذلك إلى احتمال انقراض اللغة.
استطلع المؤلف صعوبة معرفة تعداد السكان الشّركس في تركيا بالنظر إلى تشتتهم في جميع أنحاء البلاد. وفي غياب التعداد والإحصاءات الرسمية، لا يمكن معرفة العدد الدقيق لعدد السكان الشّركس. لذلك، لا يمكن معرفة النسبة المئوية للشركس (الأديغة) الذين يستخدمون ويمارسون لغتهم المحكيّة أو المكتوبة. فحتى وقت قريب، لم تكن هناك برامج تعليمية لاستخدامها في تعليم اللغة الأم.
لم يتم الحصول على بيانات دقيقة عن عدد المتحدثين الشركس. فخلال حرب القوقاز وبعدها، أدّى النزوح الداخلي للأديغه إلى تركيا ودول أخرى إلى تصدُّع ليس فقط مساحة لغتهم ولكن كان من المستحيل تقريبًا تحديد عددهم. ووفقًا لبعض المصادر الموثوقة، يعيش أكثر من 3 ملايين شركسي في تركيا، على الرغم من أن الشكل الرسمي لتحديد الهوية في البلاد غير ممكن (في تعداد عام 1965 توقف اعتبار اللغة الأم).782
في مقدمة كتابَهُ الثقافة الأديغية (الشركسية)، ذكر نوغزاري أنتيلافا، بأنّهُ سيتعين على شعوب القوقاز، وبالطبع الشركس كذلك، الانخراط في عملية التّطوُّر في الحضارة العالمية، لإيجاد مكانهم في النظام العالمي الجديد، ولتحقيق الطريق المستقبلي، ولاعتبار أنفسهم حديثًا في منطقة القوقاز وكذلك في عمليات التنمية الاجتماعية والثقافية والجيوسياسية الحالية. لقد كان على الشركس أن يتحملوا قسوة وعواقب حرب استمرت قرنًا من الزمان. وقد أثر ذلك على كل عناصر الأمة، حيث احتُلّ الوطن، وأُبيد نصف الشعب، وتعرض باقي المواطنين للترحيل أو الاضطهاد. كل ذلك كان له تأثير بالضرورة على وجوده ومستقبله. وكان له تأثير سلبي قسري على العوامل التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة واللغة، والتي يجب أيضًا معالجتها.783
الديناميكيات (القوى المحركة) الثقافية للمجموعات العرقية التي تعيش في روسيا، بما في ذلك الشركس، هي موضوع خاص لدراسة مختلف التخصصات العلمية، ومعظمها من خبراء في الثقافة (culturology). الهدف من علم الثقافة هو الكشف عن الطّاقة الثقافية الداخلية للمجموعة العرقية الشركسية، والتي قادت ولا تزال تقود ديناميكيات ثقافية شركسية في الماضي والحاضر، والتي تعاني من تحولها الاجتماعي والثقافي بشكل كبير.784
من المفيد للمتخصصين، سواء كانوا شرْكسًا أم لا، البحث عن الأساليب التي يجب اتباعها لتسهيل الإجراءات المطلوبة لإصلاح الوضع. ويجب توفير برنامج متكامل لدراسة الأسس التي من شأنها تغيير الوضع الراهن: ”فيما يتعلق بتاريخ الثقافة الأديغية، فإن القضايا المتعلقة بالمشكلات الرئيسية لإحياء الشركس وتطورهم — الذين كانوا في وقت من الأوقات مجموعة عرقية متحدة لكنها الآن ثقافة مجزأة، حيث يقيمون في قارات مختلفة وبلدان مُتعدِّدة، وهم ما زالوا محل اهتمام“.785
الثقافة هي التراث الفكري الذي تتميز به الأمة عن الآخرين و ”تشير إلى الإيداع التراكمي للمعرفة والخبرة والمعتقدات والقيم والمواقف والمعاني والتسلسل الهرمي والدّين ومفاهيم الوقت والأدوار والعلاقات المكانية ومفاهيم الكون، وهي الأشياء المادية والممتلكات التي حصلت عليها مجموعة من الناس على مدى أجيال من خلال الكفاح الفردي والجماعي“.786
اللغة هي نمط من العلامات والرموز، تُستخدم كأداة للمعرفة والتفاهم بين الناس في جميع مناحي الحياة. ”يمكن تعريفها على أنها نظام إشارات (لفظية أو غير ذلك) مخصصة للتواصل. إنها نظام لأن مكوناتها ترتبط ببعضها البعض بطريقة معقدة ومنظمة. لكن التواصل ليس الوظيفة الوحيدة للغة. في الواقع، يمكن استخدام اللغة للأحلام، والمونولوج (الحوار الداخلي)، والمناجاة، والشعر، وما إلى ذلك“.787
تعكس اللغة واقع الشعب بينما الثقافة هي جزء لا يتجزأ من الواقع، وبالتالي تعكس التغييرات والانعكاسات في الحياة، في كل من الثقافة واللغة: ”العلاقة بين اللغة والثقافة متجذرة بعمق. تُستخدم اللغة للحفاظ على الثقافة والروابط الثقافية ونقلها. تنبع الأفكار المختلفة من اختلاف استخدام اللغة داخل ثقافة الفرد، ويبدأ التشابك الكامل لهذه العلاقات منذ الولادة“.788
من الضرورة بمكان أن تتضافر الجهود لربط الموضوعين للحفاظ على أهم عناصر الأمة ومراعاة واقع صعوبات الشّتات.
ولأن اللغة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالثقافة، فإنّهُ يجب على معلمي اللغة الذين يدخلون ثقافة مختلفة احترام قيمهم الثقافية. كما يصف إنجلبرت (2004) {Englebert}: ”. . . إن تدريس لغة أجنبية يعني أيضًا تعليم ثقافة أجنبية، ومن المهم أن تكون حساسًا لحقيقة أن طلابنا وكلياتنا وإداريّينا، وإن كنا نعيش في الخارج، فإن جيراننا لا يشاركوننا كافّة أنماطنا الثقافية“.789
يتبع…