حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
25 فبراير/شباط 2022
اللغة والثقافة وتكنولوجيا المعلومات
الفصل السابع
الأبجدية الشركسية
يطفو على السّطح من وقتٍ لآخر البحث والتّحرّي حول الأبجدية الشركسية. نشر بول غوبل (Paul Goble) مقالاً تناول هذه القضية بالتفصيل. كشف مقاله في ”نافذة على أوراسيا“ عن معلومات مهمة وبدأ بالتعليق على السياسات المتعجرفة التي نُفِّذت ضد الشركس: ”إن نهج النظام السوفييتي في التعامل مع الأمة الشركسية لم يتركهم مقسمين على أربعة رعايا للفيدراليّة الرّوسيّة فحسب، بل أعطاهم أيضًا أبجديات مختلفة، في محاولة لمنع 500000 شركسي في شمال القوقاز من الالتقاء والتكاتف مع أكثر من خمسة ملايين إثني شركسي في الشرق الأوسط“.832
ولسوء الطّالع، لم يقم الرّوس فقط بتقسيم وتفكيك التماسك الجغرافي بين الشركس، بل قاموا أيضًا بتكثيف كل ذلك من خلال تمزيق الشركس ديموغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا ولغويًا وإداريًا وسياسيًا.
ذَكَر الكاتب السياسات العدائية المفروضة على الشركس: ”لقد أوضحت الحكومة الروسية ما بعد الفترة السوفييتية أنها ستمنع أي جهد لتوحيد الأراضي الشركسية في وطن مشترك، لكن الشركس الآن من هذه المناطق الأربع وخارجها يَتَحدُّون الإدارة العرقية الروسية في طريقة أخرى ويقومون بالمطالبة بأبجدية مشتركة للّهجات التي روّجت لها موسكو كلغات منفصلة“.833
وذكر مقال ”نافذة على أوراسيا“ المخاوف التي تغذيها السياسات الروسية المعتادة: ”إن الخروج بأبجدية مشتركة ليس بالمهمة السهلة، ومن المؤكد أن هناك معارضة من موسكو، خوفًا من أن هذه الخطوة يمكن أن تقوي الشركس وتؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في شمال القوقاز، ومن بين الشركس الذين هم ابعد ما يمكن عن التوحد، يجب اختيار الأبجدية وما إذا كانت هذه هي الخطوة التالية المناسبة للتّحرُّك“.834
أظهرت التطورات في الاتحاد السوفياتي السابق ”الحاجة إلى أبجدية مشتركة للمساعدة في التغلب على الاختلافات في اللهجات، وتعزيز لغة أدبية شركسية مشتركة، وعلى أساس تلك الأبجدية واللغة يتم تشجيع الأمة الشركسية الموحدة التي ستكون في وضع أفضل للنُّهوض بأهدافها السياسية“.835
الإرث الثقيل الموروث من سنوات الغياب عن الحقيقة والانتماء التاريخي للأمة ”وقعت الأُمّة ضحية ليس فقط للخلافات الداخلية حول أي من الأبجديات العديدة، السيريلية، أو اللاتينية ، أو الشركسية التقليدية، يجب استخدامها، سواء كانت اللهجات متقاربة، و ما إذا كان تغيير الحروف الهجائية سيؤدي في الواقع إلى تقويض الوحدة من خلال تخفيض الشباب الشركسي للثقافة المنتجة في النصوص الحالية وأيضًا من قبل موسكو وبعض قادة الجمهورية المهتمين بمناصبهم“.836
وخلصت ”النافذة“ إلى أنه ”في 19 مايو/أيّار، شكّلت الجمعية الشركسية العالمية (ICA) لجنة من المفترض أن تتوصل إلى برنامج من أجل أبجدية شركسية موحدة تعتمد على الأحرف السيريلية (Cyrillic) بالإضافة إلى لغة أدبية مشتركة يتم تقديمها في سبتمبر/أيلول في المؤتمر العاشر للجمعيّة (kavkaz-uzel.ru/articles/264019).837
مكّنت آثار الوضع الحالي من أن ”مؤيدي هذه الفكرة متحمسون ولا يرون أي مشاكل مستعصية: يقول بيتر إيفانوف (Petr Ivanov)، مدير مركز قباردينو – بلكاريا العلمي التابع لأكاديمية العلوم الروسية (Kabardino-Balkaria Scientific Center of the Russian Academy of Sciences)، إن مثل هذه الخطوة بمثابة {رد الفعل الطبيعي لشعب صغير يسعى إلى الحفاظ على نفسه} من الاستيعاب (kavkaz-uzel.ru/articles/264071/)“. وبالتالي، ”{نحن شعب مميّز، ولدينا سيكولوجيا مشتركة ورؤية خلّاقة مشتركة للعالم}، كما يقول إيفانوف، وبالتالي، حان الوقت لإيجاد أبجدية مشتركة“.838
كما أعرب الشركس المهتمون عن رأيهم في توحيد الأبجدية: ”الخبراء الشركس بمن فيهم خايشا تيميجيف (Khaisha Timizhev) من جامعة جمهورية قباردينو–بلكاريا (KBR) ورئيس الكونغرس القباردي (Kabardin Congress) أصلان بيشتو (Aslan Beshto) يقولون بأنه لا توجد عقبات لا يمكن التغلب عليها لامتلاك أبجدية مشتركة وأن مثل هذه الخطوة لن تؤدي إلى أي “تسوية” لتنوع الخبرة بين مختلف الجماعات الشركسية“.839
يظهر الواقع المُعاش والذي ندركه توقًا لوصف الحقيقة المرة. وأضافت ”النافذة“، أنّ ”المعلق أنزور داور (Anzor Daur) متشكك، بحجة أن موسكو ستوقف هذه الخطوة خشية أن تؤدي الوحدة الأبجدية إلى الوحدة السياسية في شمال القوقاز وتوسيع العلاقات مع الشركس في الخارج. ويشير إلى أن موسكو ستثير الخلافات بين الشركس حول الأبجدية التي يجب أن يتبنوها (onkavkaz.com/news/63-cherkesam-ne-dadut- sozdat-edinyi-alfavit.html).840
في نهاية المطاف، يُعد بديل الأبجدية السيريلية أحد الخيارات المتاحة.
من المرجح أن يسعى الأشخاص الأكثر تأثرًا من الخارج إلى كتابة نص لاتيني، لكن هذا هو الخط الأحمر لموسكو التي رفضت السماح للتتار والبشكيريين بالتّغْيير إلى النص اللاتيني خشية توسيع هويتهم مع تركيا. قد يرغب أولئك الذين يميلون أكثر من الناحية اللغوية إلى العودة إلى الأبجدية الشركسية القديمة، لكن استعادتها ستكون صعبة للغاية. وبالتالي، يقول داور، إذا كان أي تغيير سيحدث، فمن شبه المؤكد أنه سيتعين عليهم اتباع زعيم الجمعية الشركسية العالمية الّذي أوضح أنه يسعى إلى كتابة نصية تعتمد على السيريلية للشركس في شمال القوقاز. وستكون من المفارقات حقًا أن يؤدي استخدام هذا النص الروسي إلى تعزيز التطلعات القومية للشركس.841
التعامل مع اللغة
لم يكن وضع وظروف معظم الشركس الذين اضطروا للمغادرة والعيش في الشتات أفضل بكثير للعيش بالمقارنة مع مواطنيهم الذين يعيشون في شمال القوقاز، ولم تكن ظروفهم أفضل بكثير فيما يتعلق بعناصر البقاء القومي للأمة الشركسية ككيان خاص بهم. بالنسبة لهذه الحالة بالذات، يجب على الشركس إظهار اهتمام وعناية أكبر من خلال الاتصال بالهيئات الدولية والإقليمية المتخصصة في مجالات الثقافة واللغة على وجه الخصوص.
لغة الأديغه هي لغة جميع الشركس.فقد تم استغلال وجود عدة لهجات بين الشركس كوسيلة لتقسيم اللغة الأديغيه خلال الحقبة السوفيتية، حيث أعطيت لهم أسماء وأوصاف وألقاب مختلفة. اللغة القباردية 842 لشركس القباردي! والنسخة الأخرى المخترعة تم الاحتفاظ بها تحت اسم لغة الأديغه 843 أيضًا، وتم استخدام الأحرف السلافية السيريلية لكتابة كليهما، والتي تبين أنها غير عملية للشركس الذين لا يتحدثون الروسية لتعلم لغتهم الأم، واستخدموا ستة وخمسين من الأحرف السلافية التي تم استخلاصها من نفس مصدر اللغة الروسية!
وقد جعل ذلك الأمر صعبًا للغاية، بل ومن المستحيل، على الشركس في الشتات أن يكونوا قادرين على الحفاظ على لغتهم الأم وإيجاد طريقة سهلة ومنطقية لتعليم اللغة لجميع الشركس المهتمين بتعلم لغتهم الخاصة. وبالمثل، نشأ وضع حرج بين الشركس الذين يعيشون في وطنهم وفي الشتات، مما أدى إلى خلق عقبات أمام صون ثقافتهم وهويتهم ولغتهم والحفاظ عليها.
وفقًا للوضع الحالي، لا تستخدم السلطات الفيدرالية والإقليمية في شمال القوقاز لغة الأديغه في جميع مراحل التعليم، لذلك جعلوها لغة اختيارية يتم تدريسها فقط لبعض الطلاب المهتمين لفترة محدودة فقط، بينما يتم تدريس كافّة المواد باللغة الروسية. قد تؤدي هذه الممارسة غير المسؤولة إلى ظروف تجعل اللغة في طريقها إلى الانقراض. ويجب أن يسعى خبراء اللغويات وعلماء اللغة الاجتماعية وعلماء الأنثروبولوجيا الشركس إلى حماية اللغة بطريقة أكثر جدية.
لغة أديغه (Adyga) في طريقها إلى الانقراض وربما معرضة للخطر لأنها تستخدم في عدد أقل من الأنشطة اليومية وبالتالي تفقد الارتباط الوثيق المميز للغة بوظائف اجتماعية أو تواصلية معينة. الشكل يتبع الوظيفة واللغات التي يتم استخدامها في عدد أقل وأقل من مجالات الحياة تميل أيضًا إلى فقدان التعقيد الهيكلي، والذي بدوره قد يؤثر على تصورات المستخدمين فيما يتعلق بمدى ملاءمة اللغة للاستخدام في مجموعة أوسع من الوظائف. هذا يمكن أن يؤدي إلى حلقة مفرغة لهبوطها تؤدي في النهاية إلى فقدان اللغة بالكامل.844
من واجب اليونسكو (UNESCO) وهي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، التي يجب الاتصال بها، بالإضافة إلى المنظمات الأوروبية والدولية، لتشكيل منصة ديناميكية للقضايا اللغوية والثقافية من أجل إنشاء وتعبئة المعلمين والمتخصصين المؤهلين واستخدام برنامج لإحياء وتعليم لغة الأديغه.
يجب ترتيب وعقد مؤتمر لغة دولي موسع لجميع المجتمعات الشركسية لحفظ لغة الأديغه ويجب أن يكون متخصصًا ومصرحًا له لمناقشة جميع الجوانب الحاسمة، مثل إعداد برامج مستويات التدريس للأجيال الشركسية، والأبجدية، والجدوى. لحفظ أو تغيير السيريلية الحالية.
يميل الشركس إلى وصف أنفسهم بِ ”الأديغه“ في إشارة إلى لغتهم الأديغه بسبب يقينهم من أن الحفاظ على اللغة سيكون وسيلة للحفاظ على كيانهم وهويتهم كشركس. أجابت صفحة ”اللغات المهددة بالانقراض“ التابعة لليونسكو على السؤال التالي: ”ما الذي يمكن فعله لإنقاذ لغة ما من الإندثار؟“ لا تنطبق إجابة اليونسكو على حالة الأمة الشركسية، والتي يجب التعامل معها بطريقة مناسبة، لكن الإجابة النموذجية أشارت إلى ما يلي:
أهم شيء يمكن القيام به لمنع اختفاء اللغة هو تهيئة الظروف الملائمة لمتحدثيها للتحدث باللغة وتعليمها لأطفالهم. غالبًا ما يتطلب ذلك سياسات وطنية تعترف بلغات الأقليات وتحميها، وأنظمة تعليمية تعزز تعليم اللغة الأم، وتعاونًا إبداعيًا بين أعضاء المجتمع واللغويين لتطوير نظام كتابة وتقديم تعليم رسمي باللغة. ونظرًا لأن العامل الأكثر أهمية هو موقف مجتمع المتحدثين تجاه لغته الخاصة، فمن الضروري إنشاء بيئة اجتماعية وسياسية تشجع التعددية اللغوية واحترام لغات الأقليات بحيث يكون التحدث بهذه اللغة ميزة وليست عائقًا. بعض اللغات لديها الآن عدد قليل من المتحدثين بحيث لا يمكن الحفاظ عليها، ولكن يمكن للعلماء، إذا رغب المجتمع في ذلك، تسجيل أكبر قدر ممكن من اللغة حتى لا تختفي تلك اللغة دون أن تترك أثرًا.845
كما أجابت صفحة اليونسكو الخاصة باللغات المهددة بالانقراض على السؤال التالي: ”ماذا تفعل اليونسكو لمنع تعريض اللغات للخطر واختفاءها؟“ فجاء الجواب:
تعمل اليونسكو على عدة جبهات لحماية اللغات المهددة بالاندثار ومنع اختفائها:
في مجال التعليم، تدعم اليونسكو السياسات التي تعزز التعددية اللغوية وخاصة محو الأمية باللغة الأم؛ إنّها تدعم المكون اللغوي لتعليم السكان الأصليين؛ ويزيد من الوعي بأهمية الحفاظ على اللغة في التعليم.
في الثقافة، تجمع اليونسكو بيانات عن اللغات الأصلية والمهددة بالانقراض، وتطور أدوات ومنهجيات موحدة، وتبني قدرات الحكومات والمجتمع المدني (المؤسسات الأكاديمية والمجتمعات المتحدثة).
في مجال الاتصال والمعلومات، تدعم اليونسكو استخدام اللغات المحلية في وسائل الإعلام وتعزز التعددية اللغوية في الفضاء السيبراني {الالكتروني} (cyberspace).
في مجال العلوم، تساعد اليونسكو البرامج الرامية إلى تعزيز دور اللغات المحلية في نقل المعارف المحلية والأصلية.
يتبع…