حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
15 أبريل/نيسان 2022
الوضع القانوني الشركسي والحق في تقرير المصير
الفصل التّاسع
محاولات التزوير
لقد اتبع الروس بشكل دائم ومستمر سياسة التهميش وحتى ”الحذف من الوجود“ ضد الشركس. تبدو روسيا غراب يلعب دور الحمامة، وفي الوقت نفسه تجاهلت الأنظمة الروسية المتعاقبة الجرائم المختلفة التي ارتُكِبَت ضد أمة احتُلّ وطنها وانتهكت حقوقها وقتل شعبها أو تم تشريده أو تهجيره.
نشرت فاطمة تليس (تليسوفا) مقالاً بعنوان ”موسكو تستخدم {لجنة التزوير التاريخي} لإنكار الحقوق الشركسية“. وتناول المقال بالتفصيل ما يُدعى بـ ”اللجنة الرئاسية الخاصة“ بغرض إعلان البراءة من المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي بدت أنها شهادات زور.939
يعلق الشركس على الأمل بالرغم من الألم، بينما المؤشرات الواضحة تكشف عن المواقف العدوانية والسلوكيات المُريبة. يذكر أن ”اللجنة الرئاسية الخاصة لمكافحة تزوير تاريخ الفيدرالية الروسية الذي يتسبب في إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية الروسية“ هو تحديد ومحاربة عمليات التزوير الواعي والطائش التي تستهدف المآلات السياسية“.940
صرح بذلك ”سيرغي ماركوف (Sergei Markov)، نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للجمعيات العامة والمنظمات الدينية وعضو اللجنة الرئاسية الخاصة (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009)“.941
يُذكر أن سيرغي ماركوف ذكر ”هولودومور“ (Holodomor) التي ارتكبت ضد الشعب الأوكراني في 1932 – 1933، باعتبارها واحدة من ”عمليات التزوير التي تضر بالمصالح الوطنية لروسيا“. فهذا ”وفقًا للمزاعم الأوكرانية، لم يكن للمجاعة سبب طبيعي، ولكن تم تنظيمها من قبل الدولة الروسية من أجل تقليل عدد الأوكرانيين“.
وأضاف المقال: ”هناك مثال ثانٍ لمثل هذا التزوير التاريخي، كما قال ماركوف، يتعلق بدورة الألعاب الأولمبية في سوتشي لعام 2014 ويهدف إلى تزوير تاريخ الحرب الروسية–القوقازية من 1817 إلى 1864. قال ماركوف: {نعم، كانت الحرب دموية}، مضيفًا: {ومع ذلك، فقد حصل الأديغه–الشركس على دولتهم (منطقتهم) فقط بفضل روسيا. أولئك الذين غادروا إلى دول الشرق الأوسط هم اليوم في وضع أسوأ بما لا يقاس من أولئك الذين بقوا في القوقاز. وأكد أن هؤلاء <المتطرفي> الذين يستخدمون شعار {لا ألعاب أولمبية على أرض الإبادة الجماعي}، ليسوا قلقين بشأن {الحقيقة التاريخية}، بل يحاولون دعوة العالم بأسره لمقاطعة ألعاب سوتشي (Vechernyaya Moskva, December 29, 2009)“.942
وكانت تلك التصريحات قد سبقت الاحتلال الروسي وضم شبه جزيرة القرم، مما شدد على الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت. وتابع المقال، ”إن الهدفين الرئيسيين للجنة الخاصة كما أشار سيرغي ماركوف هما (الأوكرانيين والشركس) حيث أصبحا مصدر إزعاج للكرملين، ليس لأن هاتين القضيّتين هما تزييف للتاريخ، ولكن لأن هناك في الواقع أدلة تاريخية لا تقبل التّأويل وراء مزاعم الإبادة الجماعية“.943
فمن الناحية القانونية، لدى الشركس السبل والوسائل المؤكدة لإثبات الجرائم المرتكبة ضد أسلافهم، حيث تدّعي منظمة الكونغرس الشركسي غير الحكومية أن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها روسيا ضد الشركس يمكن إثباتها بسهولة بناءً على الوثائق الرسمية من أرشيف الإمبراطورية الروسية. ووفقًا للكونغرس الشركسي، تم الذبح والترحيل جزئيًا من القوقاز، لما يقرب من 1500000 نسمة، وخسر الشركس 99٪ من سكانهم خلال الحرب والترحيل (www.circassiangenocide.org).944
ذكر المقال نجاح الشركس في الشتات في لعب دور نشط في البلدان التي يعيشون فيها، لكنه أضاف بأنهم قد عانوا من فقدان هويتهم وتقاليدهم ولغتهم وثقافتهم وصلتهم بوطنهم. فالعودة إلى الوطن هي إحدى احتمالات استعادة وطنهم في القوقاز، لكن العملية تعني مناشدة الفيدرالية الروسية للحصول على وضع الإقامة الدائمة، وبعد ذلك، إذا تم منح هذا الوضع، يجب العيش في القوقاز لمدة سبع سنوات يليها التقدم بطلب للحصول على الجنسية. وعلى الرغم من أن العملية نفسها معقدة بالفعل، فإن أولئك الذين أعيدوا إلى أوطانهم غالبًا ما يواجهون متطلبات إضافية غير عملية.945
وقد ذَكَّر المؤلف بالصعوبات التي واجهها حاجي بيرام بولات مع السلطات الروسية
(هذا مذكور في فصل آخر من الكتاب): “ومع ذلك، حتى أولئك الذين استوفوا جميع المتطلبات لا يزالون غير متأكدين من أن وضعهم في وطنهم آمن أم لا. إن حالة الشركسي الذي عاد إلى نالتشيك في (قباردينو – بلكاريا)، وهو المواطن التركي بولات حاجي بيرام (Bolat Haci Bairam)، هي واحدة من الأمثلة الواضحة للشركس الذين يفتقرون إلى الحق في العودة بحرية إلى بلادهم“.946
لقد أثبتت السياسات التمييزية أن ”حكومة قباردينو – بلكاريا (KBR) لم ترفض فقط نفس النداء الجماعي لاستقبال وإعادة توطين الشركس من تركيا، بل ناشدت رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، مطالبةً باستبعاد جمهورية قباردينو – بلكاريا KBR من البرنامج الفيدرالي الذي يهدف إلى إعادة الروس من جميع أنحاء العالم إلى روسيا {Sootechestvennik} (www.elot.ru ، 6 يناير).947
فشلت سلطات الجمهورية الشركسية مرارًا وتكرارًا في تلبية التوقعات العالية المتفائلة للأفراد والأحزاب الذين يتوقون إلى تحقيق أحلامهم في استجابة السلطات الروسية بحسن نية: ”لقد بذل الشتات الشركسي في الأردن جهدًا خاصًا لإقناع الحكومة الروسية لتضمين الشركس في البرنامج. ومع ذلك، تشير الأخبار الواردة من جمهورية قباردينو – بلكاريا إلى أن نجاحهم كان، في أحسن الأحوال، مؤقتًا.948 ومع ذلك، فقد أثبت الواقع أن كلاً من روسيا وسلطاتها المحلية في شمال القوقاز يُقِرّان تنفيذ قرارات المركز.
ويعيش أفراد الأمة الشّركسّة حرب دعاية معلنة ومفتوحة لا تتوافق مع الحقيقة.
إن محاولة سيرغي ماركوف لعرض الموقف على أن الشركس يتمتعون بـ ”دولتهم الخاصة بهم“ في القوقاز هي، في واقع الأمر، جهد كبير ومتعمد لتزوير التاريخ. في الواقع، بينما يعيش ما يقرب من خمسة ملايين شركسي في المنفى في أكثر من 50 دولة حول العالم، لا يزال اليوم أقل من مليون شركسي يعيشون في وطنهم. ويعيش غالبيتهم في ثلاث جمهوريات في شمال القوقاز مفصولة عن بعضها البعض بحدود مصطنعة ويُعرفون رسميًا باسم قباردي وشركس وأديغه وشابسوغ — أي ليس بأسمائهم العرقية بل بمواقعهم الجغرافية.949
السكان الأصليون مستهدفون في وحدتهم وسلامة أراضي وطنهم المجزأ منذ احتلاله من قبل قوات الإمبراطورية الروسية، مما أدى إلى إنكار الوضع القانوني للشركس: ”من خلال تقسيم أراضي شركيسيا إلى أجزاء منفصلة ومنحهم أسماء مختلفة، تحقق روسيا بشكل فعال هدف القضاء على الهوية القومية للشركس، بالإضافة إلى محو شركيسيا ظاهريًا من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة“.950
وقد حدث تغيير تجاه العلامات المزيفة التي كانت معروفة، بما في ذلك الطائفة الإثنيّة والمناطق الفرعية. اتخذ الشركس مبادرتهم الخاصة لإطلاق اسم موحد لهم، حيث ”توصلوا مؤخرًا إلى مبادرة، إذا نجحت، سيمكن أن تعيد لهم الاسم العرقي الموحد والموقع الجغرافي السياسي (Window to Eurasia, January 8). ويدعو الشركس مواطنيهم إلى تحديد عرقهم كشركس في التعداد الروسي القادم، وليس على وقع أديغه أو قباردي أو شركس، كما هو مطلوب منذ فترة الحقبة السوفيتية إلى وقت قريب“.951
وأضاف المقال: ”لأغراض الدعاية، طور الشركس موقعًا خاصًا، (www.perepis2010.org)، حيث ينشرون مقتطفات من الدستور الروسي فيما يتعلق بحقوقهم في تحديد الهوية العرقية، والأخبار حول الإحصاء والمواد الدعائية التي يخططون لنشرها في شكل مطبوع بين الذين لا يستخدمون الإنترنت“.952
يتبع…