من الإبادة إلى أفران الغاز وما بينهما
عادل بشقوي
5 مايو/أيار 2022
المقدمة
بصراحة وبشكل عملي وواقعي، فإن ذوي الذاكرة القصيرة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، يسعون إلى إعاقة أي عمل إيجابي يعتبر في المصلحة الوطنية العامة، لا بل ويهدفون إلى جر الناس إلى الوراء بكل الوسائل المتاحة.
من المفيد تتبع ما حدث في الماضي وما يحدث في الوقت الحاضر رغم التغيير الذي حدث في الأنظمة الروسية المتعاقبة. ومع ذلك، فإن ذلك لم يغير الحقائق القاسية فيما يتعلق بالسياسة الاستعمارية للدولة. وبالتالي، شعور هذه الأنظمة بالتفوق والتميز على الشعوب والأمم المضطهدة، والتي هي أصغر منها وأقل في عدد السكان.
خطاب الكراهية دون قيود
إن الوقائع المتعلقة بالفظائع التي تُرتكب بحق الشعوب المظلومة واضحة ومعروفة ولا يمكن تجاهلها أو دحضها. لا يمكن للمعتدين أن ينكروا أو يتنصّلوا من خطاب الكراهية الأحادي الاتجاه والدمار والاحتلال وجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة والتهجير القسري. في هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الإبادة الجماعية (هولودومور) التي ارتكبها الاتحاد السوفياتي السابق في أوكرانيا، عندما تم اختلاق مجاعة في عامي 1932 و 1933 أودت بحياة ملايين الأوكرانيين. [1]
ومما يزيد الطين بلة أنهم يميلون إلى إلقاء الاتهامات جزافًا، بالإضافة إلى اختلاق الاتهامات الباطلة وفق مخططات جاهزة وأحكام مسبقة.
لا يكفي للغزاة أن يغزوا ويدمِّروا ويقتلوا ويبيدوا. بدلا من ذلك، ولاستكمال مخططاتهم الشريرة، يتم التمثيل بالجثث والتخلص منها بأساليب خبيثة تفوح منها رائحة الكراهية العرقية المحضة والعنصرية والتمييز. في بعض الأحيان، يحدث التمثيل بالجثث لمجموعات كبيرة من الناس كما حدث مع الشركس خلال الحرب الروسية–الشركسية، يليه الدفن في مقابر جماعية. فخلال الحرب الروسية-الشركسية، ارتكب الجنرال غريغوري زاس ممارسات شريرة وذلك بزرع رؤوس الشركس المقطوعة على أسنة الرماح وذلك لإخافة وترهيب أعدائه الشركس. [2] وعند ارتكاب المجازر، يهدفون إلى التخلص من الجثث بطريقة غريبة أحيانًا عن طريق إدخال أساليب وحشية مبتكرة، حتى لو كانت شريرة ولا إنسانية من خلال حرقها للتخلص منها.
يتم تصميم الأفران لاستيعاب غرف الحرق للتخلص من جثث الضحايا. ويتطلب ذلك درجة حرارة عالية جدًا يمكن أن تصل إلى 1000 درجة مئوية. في نهاية المطاف، يتطلب فصل أجزاء وجزيئات المادة التي تتكون منها الجثث ايجاد حرارة عالية لتفتيت الجسم الذي يتكون من أجزاء صغيرة من رماد العظام واللحم الذي ينتج عمومًا بواسطة مصدر حراري قد يكون غازًا أو من مشتقات البترول الأخرى.
استخدام وسائل غير تقليدية
تذكرنا أفران الغاز ومحارق الجثث المتنقلة بإبادة البشر الأبرياء. يفترض الجناة دائمًا أنهم سينجون من العقاب من جميع الجرائم والفظائع المرتكبة. يؤدي الحرق إلى تغيير أساسي في طبيعة تكوين أعضاء أو مكونات جسم الإنسان، الأمر الذي سيفرض في نهاية الأمر تأثيرًا على تماسك الجثث للتخفيف من آثار انتشار الموت والدمار. بمعنى التأثير على تماسك المادة عبر تحويلها الى رماد يجعل الحياة أسهل على القوى الغازية.
لا يحتاج الأمر إلى علم الصواريخ للتعرف على الواقع. ومع ذلك، فإن الضحايا الذين ماتوا، يحتاجون إلى السماح لأحبائهم بدفنهم بكرامة، وفقًا للقواعد والعادات والتقاليد. لكن تعمد الجناة تخطي القوانين وتجاهل ما يجب اتباعه لإشباع رغبتهم وشوقهم في محاولة إهانة ليس الأحياء فقط، بل الموتى أيضًا. ويتسم الذين يمارسون هذه الأفعال الشريرة بالغطرسة الكامنة والعنصرية والاضطراب العقلي في صفاتهم وشخصياتهم.
أفران الغاز في الحرب العالمية الثانية والمحارق المتنقلة الحالية
إن أساليب مهمة الإبادة التي اتبعها الخبراء فيما يتعلق بتقنية الإبادة معروفة جيداً.
— تتشابه نوايا وسياسات الطغاة إلى حد ما، بغض النظر عن انتماءاتهم. ”بعد الغزو الألماني للاتحاد السوفياتي في يونيو/حزيران 1941 وإطلاق النار الجماعي على المدنيين، جرّب النازيون شاحنات الغاز للقتل الجماعي. كانت شاحنات الغاز عبارة عن شاحنات مغلقة بإحكام مع تحويل عادم المحرك إلى المقصورة الداخلية. بدأ استخدام عربات الغاز بعد أن اشتكى أعضاء وحدات القتل المتنقلة من إجهاد المعركة والألم النفسي الناجم عن إطلاق النار على أعداد كبيرة من النساء والأطفال. كما ثبت أن استخدام الغازات أقل تكلفة“.[3]
— يمكن تشغيل محرقة الجثث المتنقلة على النحو المطلوب. وفي جميع الأحوال، ليس فقط القوات المدافعة والمدنيون هم عرضة للفظائع التي تليها عمليات حرق للجثث، ولكن ”روسيا لديها محارق جثث متنقلة في ترسانتها يمكن أن تتبع القوات الغازية و“تتخلص“ من جثث جنودها القتلى، وفقًا لتقرير صحفي“. أيضًا، ”أبلغ موقع صحيفة التلغراف (The Telegraph) البريطانية أن روسيا تستخدم محارق جثث متنقلة في أوكرانيا في محاولة لإخفاء خسائرها“.[4]
— غرّدت الصفحة الرسمية التي تتبع ”وزارة الدفاع الأوكرانية“ نقلاً عن عمدة مدينة ماريوبول: ”من أجل إخفاء الأدلة على جرائمهم، استخدم المحتلون محارق جثث متنقلة في ماريوبول. لقد أحرقوا وفتّتوا جثث المئات من المواطنين المعذبين والقتلى. وقال رئيس بلدية المدينة: {لم يشهد العالم مأساة على نطاق مأساة ماريوبول منذ المعسكرات النازية}“.[5]
— ليس مدهشًا ولا غريبًا أن نستكشف أسلوب المجهود والمساعي التي يبذلها خبراء ومحترفو اضطهاد وإبادة الشعوب والأمم. هذه السياسات معروفة، والحكام المستبدين والطغاة الذين يقفون وراءها معروفون بغض النظر عن الزمان والمكان. ومع ذلك، فهم متشابهون ويلتقون في طموحاتهم وأهدافهم العدوانية.
لا تُقاس الأفعال المماثلة أحيانًا بالوقت المنقضي بين حالتين من السلوك اللاإنساني المماثل؛ بل قانون الغاب الذي يتم تطبيقه واستخدامه من قبل عقلية شوفينية نموذجية مشبعة بالتعصب والغطرسة وحتى العنصرية البغيضة من قبل الغزاة والمحتلين ضد ضحاياهم المضطهدين والمتضررين.
— شارك مسلحون في اعتداءات نالتشيك التي نفذها شبان في جمهورية قباردينو–بلكاريا في عام 2005 ضد مقار الأمن، وأسفرت عن مقتل 14 مدنياً و 35 من عناصر الأمن و 92 مسلحاً. تم القبض على 58 شخصًا ومحاكمتهم في أكتوبر 2007. وفي ذلك الوقت، ذكرت وكالات الأنباء أن الجرائم التي ارتكبتها روسيا هي استمرار لفظائع مستمرّة ضد المواطنين والشعوب والأمم.
فقد وقعت جريمة أغضبت ضمير البشرية، وتتسم بأنّها ”مختلفة باختلاف الزاوية والعيار والحجم والمقدار والمعنى؛ لكن في نفس الوقت يعتبر مع سبق الإصرار والتّرصُّد والتّوق. إنها ليست جريمة عادية أو عرضية فحسب، بل هي جريمة حرب وقتل واغتيال والقتل العمد والذبح، وذلك ضد رفات وجثث الأبرياء الذين تم اختطافهم جسديًا والاستيلاء عليهم ومصادرتهم من قبل السلطات الروسية وقواها الأمنية الفاشية، منذ عام 2005“.
لقد تم إعطاء وصف منمق لهذه الحماقة الجديدة ”وفقًا للسلطات التي ارتكبت تلك الفظائع الأخيرة وضمتها لقائمة جرائم لا حصر لها، بكلمة حرق الجثث، التي يُنظر إليها بالفعل على أنها ممارسة للتعامل مع أفران الغاز، التي يجب أن توصف بوصفها الحقيقي“.[6]
الخاتمة
العداء العنصري الناجم عن الشوفينية والنّفور الشديد من الشعوب والأمم الأخرى يخلق الكراهية القومية ويولد العنصرية وإساءة معاملة الآخرين وفق آلية البعد اللاإنساني، والتي تتميز بها أطراف معينة. وعلاوة على ذلك، للتعامل مع المزيد من الجثث في وقت أقل اعتمادًا على الأساليب الحصرية للفتك والإبادة وتطويرها لتكون أكثر قسوة وأكثر وحشية وفي نفس الوقت أكثر تقدمًا في التكنولوجيا بحيث يمكن التعامل مع المزيد من الجثث في وقت أقل.
*******************
المراجع
[1] https://cla.umn.edu/chgs/holocaust-genocide-education/resource-guides/holodomor
[2] https://twitter.com/kreiten_irma/status/1136066397551910913
[3] https://encyclopedia.ushmm.org/content/en/article/gassing-operations
[4] https://nypost.com/2022/02/24/russia-has-mobile-crematoriums-that-evaporate-the-dead-report/
https://www.youtube.com/watch?v=mVPTqHZqdz0
[5] https://twitter.com/DefenceU/status/1511742637291839488