حضرات القُرّاء الأعزاء،
يتم هنا نشر جزء آخر من كتاب ”شركيسيا: ولدت لتكون حرة“ مترجم الى اللغة العربية، وسيتبع ذلك نشر أجزاء أخرى فيما بعد
عادل بشقوي
06 مايو/أيار 2022
النشاط السياسي الشركسي
الفصل العاشر
الجمعيّة الشركسيّة العالميّة
تأسست الجمعية الشركسية العالمية (ICA) عندما بدأ الاتحاد السوفياتي في الانهيار. كان أول كيان شركسي تمكن من ربط أفراد الشعب الشركسي معاً عبر الحدود الدولية. وفي الوقت نفسه، وحّدت مبادئها القومية الشركسية في الشتات مع مواطنيها الذين ما زالوا يعيشون في الوطن، أي في شمال القوقاز. كانت الأهداف القوميّة الموضوعة غير مسبوقة.
جذبت المنظمة الوليدة انتباه الشركس في جميع أنحاء العالم. وذلك لأنهم يسعون للحصول على حقوقهم وإنقاذ وطنهم. ناقشت الجمعية الطرق التي يجب اتباعها لاستعادة الوضع الطبيعي والمحترم لشركيسيا كأمة معتبرة بين أمم العالم الأخرى. وللأسف، لم تكن الظروف في ذلك الحين مناسبة لتحقيق تلك الأهداف، حيث كانت منظمة حديثة النشأة، تم تأسيسها لمعالجة قضايا حاسمة.
الخلفية
وجد الشركس أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه لأن معظمهم أجبروا على مغادرة وطنهم بعد نهاية الحرب الروسية–الشركسية في 21 مايو/أيار 1864، والتي نفذت خلالها الإمبراطورية الروسية سياساتها الاستعمارية في الإرهاب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي في جميع الأراضي الشركسية المطلة على البحر الأسود. لقد جمعوا كل أولئك الذين نجوا، وأجبروهم على مغادرة أماكن إقامتهم إما إلى مناطق ما وراء نهر كوبان أو إلى الإمبراطورية العثمانية. كان ذلك من أجل إقامة مستوطنات برعاية الحكومة الروسية لإعادة توطين الروس والمرتزقة الذين ساهموا في العمليات العسكرية والاحتلال وتدمير الوطن الشركسي.
لم يقبل الشركس أبدًا لغة القوة وسياسة الأمر الواقع وما أراد الروس فرضه عليهم؛ بل على العكس من ذلك، فقد حافظوا على كرامتهم وحريتهم وهمومهم وتطلعاتهم. وبسبب حرمانهم من وطنهم، شاهدوا زوال عائلة رومانوف إلى جانب إمبراطوريتهم الروسية الشريرة، ولاحظوا قيام الاتحاد السوفياتي بكل ممارساته الوحشية والهمجيّة بما في ذلك وضع ”الستار الحديدي“، ثم تفَكُّكَهُ بعد 70 عامًا من قيامه ليشهدوا انبثاق الفيدرالية الروسية دون ظهور أي مسؤولين روس على استعداد للاعتراف بمحنة الأمة الشركسية واستعادة حقوق الشركس المصادرة.
المهام والمبادئ الأساسيّة
منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع بداية تفكك الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات من القرن الماضي، عمل القوميون الشركس، سواء في الداخل أو في الشتات، على إنشاء كيان تنظيمي مشترك يهدف إلى معالجة القضيّة الشّركسيّة. في شمال القوقاز، بدأت في الثقافة والتاريخ من خلال إنشاء منظمة ”أشمز“ (Ashemez)، التي تطورت إلى ”خاسه“ (Khase)، ثم أبقت النافذة مفتوحة للبحث عن جوانب أخرى مثل: ”اللغة الأم، وعودة الشتات، والجوانب الحقيقية لحروب القوقاز، واستدامة الثقافة“.991
وكنتيجة مباشرة لأهداف الجمعية الشركسية العالمية (ICA)، أخذ الشركس في عين الاعتبار ”تبني أبجدية شركسية واحدة ولغة أدبية موحّدة، واستخدام اللغة الأم في التعليم والمسائل الرسمية، والاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية وترحيل الشركس من قبل الإمبراطورية الروسية مع السعي للحصول على مساعدة المنظمات الدولية، والحصول على حق الجنسية المزدوجة، وإنشاء إذاعة وتلفزيون شركسِيّيْن مستقلين وخدمة قنوات فضائية“.992
يوضح عمر الجمعية الشركسية العالمية (ICA)، منذ إنشائها وحتى الآن، المراحل التشغيلية التالية:
— تكوين وتأسيس الجمعية بالإضافة إلى الموافقة على أجندة المبادئ والأهداف القومية الشّركسيّة.
— العمل لفترة زمنية قصيرة نسبيًا، بما يتوافق مع الواجب وتنفيذ برامج المهام وفقًا للأولويات، مع مراعاة عدم السرية بسبب تسرب المعلومات، خاصة عند معالجة القضايا والشّؤون الشركسية الهامة.
— ساهم تجنيد وتثبيت موظفين من خلفيات حكومية روسية في اختطاف الجمعية ثم استيعابها وإملاء عمليات تشغيلها من خلال نقل مركزها وإدارتها المركزية من الشتات إلى نالتشيك، عاصمة جمهورية قباردينو – بلكاريا، حيث فرضوا في نهاية المطاف واقع السيطرة على الإدارة لتوجيه جميع الوظائف من خلال التنصل من المطالب الشركسية الحقيقية.
— فمنذ التغيير الذي حدث في قيادة وإدارة الجمعية الشركسية العالمية، شرعت في التوجه في مسار موازٍ ومطابق لما تمليه عليها السياسات الروسية من خلال رفض الاستماع إلى المطالب الشركسية العادلة، والمطالبة باستعادة الحقوق الشركسية.
حقيقة عدم الاكتراث في الوضع الشركسي
تؤدي القائمة التالية إلى تقييم واقعي يُقصد به أن يكون موضوعيًا؛ لكنها خطوات ارتجالية لا تغتفر تم اتخاذها ضد المصالح القومية للشركس:
اتبعت إجراءات غامضة وغير واضحة لجميع إجراءات الجمعيات، مما أثر على انتخابات الجمعية وعلى طريقة إجراء الانتخابات وتعيين الأعضاء والموظفين. في سبتمبر/أيلول من عام 2007، كانت الجمعية الشركسية العالمية جزءًا من احتفال مسرحي لما يسمى بـ ”450 عامًا من الارتباط الطوعي مع روسيا“، وهو شيء لم يحدث أبدًا. كان القصد منه ”تضليل وغش وخداع وغدر عامة الناس والمجتمع الدولي وحتى الضحايا أنفسهم!“993 لعب بعض أعضاء الجمعية الشركسية العالمية في شمال القوقاز وفي الشتات دور العرّاب في احتفالات السلطات الروسية المرتبطة بالاحتفالات الزائفة. سافر البعض إلى شمال القوقاز والبعض الآخر أرسل خطابات للتهنئة بالمناسبة إلى كل من السُّلطات الروسية وقادة الجمهوريات الشركسية المحلية.
عندما دعا النشطاء والمنظمات الشركسية في الجمهوريات الشركسية الثلاث في شمال القوقاز إلى توحيد الشركس في جمهورية شركسية موحدة، وقف مسؤولو الجمعية الشركسية العالمية وأنصارهم حتى ضد التفكير في هذا الأمر.994
فعلى الرغم من أن الجمعية الشركسية العالمية قد فشلت في إقناع حلفائها الروس بمساعدة الشراكسة في سوريا بأي طريقة ممكنة (للخروج من منطقة الحرب هناك)؛ إلا أن ما حصل كان على عكس من هذا المطلب، فتوقفت السفارات والقنصليات الروسية استجابة لتعليمات الحكومة الروسية عن منح الإذن لشراكسة سوريا بالعودة إلى وطنهم الأصلي.
ومن المفارقات، أن ”رئيس اتحاد قدامى المحاربين في أبخازيا“ بعث برسالة انتقادية إلى الجمعية الشركسية العالمية، والتي جاء فيها: لا رئيس الجمعية الشركسية العالمية، حاوتي سخروكوف، ولا الجمعية الشركسية العالمية، ولا أي جمعية شركسية أخرى يمكنها إنكار الإبادة الجماعية للشعب الشركسي.
وأكدت الرسالة أن سوخروكوف ”لا يعتبر أن قتل الشعب الشركسي جريمة“. وأضافت الرسالة: ”وردت معلومات تفيد بأنه أرسل رسالة إلى برلمان جورجيا نيابة عنه ونيابة عن الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة يطلب فيها من البرلمان الجورجي إلغاء قراره الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية“، على الرغم من أنه ”غير مخول“ للقيام بذلك.995
بالإشارة إلى الفقرة السابقة، أرسل رئيس الجمعية الشركسية العالمية السابق، كانشوبي أجاخوف (Kanshobi Azhakhov)، خطابًا إلى المؤتمر الشركسي الذي عقد في تبليسي في شهر مارس/آذار من عام 2010، أظهر رغبته في أن يصبح جزءًا من المشاورات، بطريقة يحاول من خلالها نقل رسالة سادية نموذجية من أجل أن تناسب سياسات الجمعية الشركسية العالمية التي تتجاهل المصالح الحقيقية للأمة الشركسية وتتناقض معها؛ وذلك في محاولة لفرض تكتيكات معينة لفرض الاعتقاد بأن جميع الشركس محكومون من قبل أولئك الذين قبلوا واجب تنفيذ السياسات الخرقاء، في محاولة على ما يبدو لتوجيه المؤتمر نحو الاتجاه الخاطئ.996
فقد انضم أعضاء ”النخبة البيروقراطية“ في الجمعية الشركسية العالمية، سواء عن قصد أو عن غير قصد، إلى حملة دعاية روسية ضد أمتهم. وهم يعتبرون أي انتقاد لطريقتها في التعامل مع القضايا الشركسية، تدخلاً في الشؤون الروسية الداخلية أو ما يسمى بِوجود ”مؤامرة غربية وراءها“ 997 وهو ما يتعارض مع وصف ومبادئ الجمعية الشركسية العالمية. إن الغالبية العظمى من الشركس، سواء في الشتات أو في الوطن، يعرفون حق المعرفة أين تكمن الإجابة بشأن معاناتهم.
والجدير بالذكر أن بعض المقاولين الشركس المرتبطين ببعض المنظمات الشركسية في تركيا، وبالتالي مع الجمعية الشركسية العالمية، شاركوا في بناء بعض الإنشاءات في سوتشي استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014.-998
في كانون الأول (ديسمبر) 2013، كان سخروكوف رئيس الجمعية الشركسية العالمية يخطط للسفر إلى لندن لمواجهة أنشطة النشطاء الشركس الداعية لمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، لكنه لم يفعل ذلك في النهاية لأنه لم يتمكن من الحصول على تأشيرة سفر بريطانية؛ لكن ”نيته في مساعدة الحكومة الروسية على قمع الموضوع الشركسي في تناقض واضح مع غالبية النشطاء الشركس، الذين سعوا لإعلان محنتهم لعامة الناس“. وفي سياق ذي صلة، كانت الجمعية الشركسية العالمية تؤيد قبول فكرة إقامة مشروع يسمى ”شركسيادا“، يُعتقد أنه كان مشروعَا رياضيًا يهدف إلى جعل المجتمعات الشركسية في كل مكان تتجمع في عام 2012، أي قبل عامين تقريبًا من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014 كتجسير لجعل الشركس يقبلون فكرة وحقيقة أولمبياد سوتشي، لكن الفكرة المرفوضة على نطاق واسع حالت دون إقامة مثل هذا المشروع رغم الحملة النشطة من قبل مروجي المشروع في عدة مواقع بما في ذلك الشّتات.999
التعاون مع السلطات الروسية لدعوة بعض الزملاء الشركس من الشتات ووطنهم لزيارة مواقع بناء منشآت الألعاب الأولمبية في سوتشي قبل انعقاد الألعاب، متجاهلين حقيقة اعتقال النشطاء الشركس في وطنهم في شمال القوقاز؛ 1000 لكن من العدل أن نقول إن اثنين من الشركس من ”كفر كما“ غادرا الجولة عندما علموا أن نية منظمي الرحلة كانت هي نقل المجموعة إلى سوتشي. تمت دعوة بعض هؤلاء الزملاء أيضًا لحضور مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، وغيرها من الأحداث المرتبطة بالألعاب في محاولة عنيدة لتحدي المشاعر القومية الشركسية، لكنهم في جميع الحالات لا يمثلون الشتات الشركسي. 1001
تجاهل اللامبالاة المتعمدة من قبل السلطات الروسية بشأن التحدي الذي اتخذته السلطات الروسية عند التعامل غير المبرر في المطارات والمراكز الحكومية 1002 مع الشركس الزائرين من الشتات الذين هم أعضاء في المنظمات التي تعتبر جزءًا من الجمعية الشركسية العالمية.
”لا تزال روسيا تعاملهم على أنهم {رؤوس سوداء}. في العام الماضي، ظل جيهان جانديمير – رئيس كافيد (KAFFED) التي تضم 56 جمعية وتمثل تركيا في الجمعية الشركسية العالمية – لم يسمح له بالدخول، وظل ينتظر في المطار إلى أن تم ترحيله بعد يومين. كذلك، قوبل أورهان أوزمن (Orhan OZMEN) نائب رئيس الجمعية الشركسية العالمية برفض الدخول على الحدود. ومع ذلك، تم احتجاز جنكيز غول (Cengiz GUL) – مندوب الجمعية الشركسية العالمية ورجل الأعمال – في مطار روستوف أون دون (Rostov on Don)“.1003
الغالبية الساحقة غير المسرورة من أداء الجمعية الشركسية العالمية (ICA) من منظمات الشتات الشركسي أوجدت ظروف التغيير في الجمعية الشركسية العالمية. دفع الجدل الحاصل، فيدرالية المنظمات القفقاسية في تركيا (KAFFED) وهي أكبر منظمة شركسية (قفقاسية) في تركيا إلى التفكير بالانسحاب من الجمعية الشركسية العالمية.1004
قال عسكر سوخت، رئيس ”الجمعية الشركسية، خاسه“ (Circassian Khase) في كراسنودار، إنه في السنوات الأخيرة لم تشارك منظمة كراسنودار الإقليمية ”أديغه خاسه“ في أنشطة الجمعية الشركسية العالمية، وأضاف أنه ينبغي على الجمعية الشركسية العالمية أن تُحضِّر لعقد اجتماع يضم منظمات شركسية مختلفة لإجراء حوار فيما بينها، لكنه اشتكى من رفض الجمعية الموافقة على فكرة كهذه.1005
الفراغ الأخير للهيكل الإداري
تشير الأحداث الأخيرة إلى وجود فراغ في هيكل إدارة الجمعية الشركسية العالمية، وتعطي فكرة عن نمط العرض الفردي الذي تؤديه الإدارة العليا للجمعيّة، ولا سيما رئيس الجمعية الشركسية العالمية، الذي سلط الضوء على القضايا التي تم التعامل معها وفقًا لمتطلبات السياسات الروسية؛ لكن جزءًا كبيرًا من القواعد والرتب الدنيا لا يتفقون على إنكار المصالح والتطلعات المشتركة للأمة الشركسية.
آدم بوغوس (Adam Bogus)، نائب رئيس الجمعية الشركسية العالمية، ”صرّح بأنه قرر تعليق عضويته في الجمعيّة حتى انتخابات قيادتها المقبلة، وأن {أديغه خاسه} في جمهورية أديغيا قد علّقت مشاركتها في الجمعية الشركسية العالمية“.1006 وقد رفض بوغوس كذلك، الذي هو من جمهورية أديغيا، المشاركة في مؤتمر الجمعية الشركسية العالمية الذي عقد في 12 يونيو/حزيران. وفقًا لبوغوس، قام هاكوز آدم (Khakuz Adam)، عضو اللجنة التنفيذية للجمعيّة الشركسية العالمية من جمهورية أديغيا، بتعليق عضويته في الجمعية الشركسية العالمية. ”وقد ارجع الزعيمان الشركسيان قرارهما إلى عدم موافقتهما على سياسات رئيس الجمعيّة، حاوتي سوخروكوف، واعتُبِرَ ذلك سببًا لخطوتهما“.1007
اجتمع مندوبو منظمة ”أديغه خاسه“ في جمهورية كراشيفو – شركيسيا في السابع والعشرين من يونيو/حزيران 2015 لمناقشة ”تقاعس سلطات الدولة في معالجة مشاكل الشركس“، وقرروا عقد مؤتمر استثنائي للشعب الشركسي“.1008
يجب تعزيز وتقوية الهوية والوحدة الشركسية بدلاً من الارتباك الذي يؤدي إلى توجيه جمعيات الشتات نحو الاستيعاب والركود. وقد صنف الرجل الحكيم الرجال في خمسة أنواع:
النوع الأول يخدم وطنه بالمال، والنوع الثاني بالعمل، والثالث بقلمه، والرابع بحياته، والنوع الخامس بالصمت. كلهم سيخونون وطنهم إذا فشلوا في فعل ما يجب عليهم فعله تجاه وطنهم في الوقت المناسب.
يتبع…