التوترات بين موسكو والشركس تصل إلى حد الأزمة
الناشر: أوراسيا ديلي مونيتور (Eurasia Daily Monitor) المجلد: 19 العدد: 74
بقلم: بول غوبل (Paul Goble)
19 مايو/أيار 2022
ترجمة: عادل بشقوي
20 مايو/أيار 2022
وصلت التوترات بين موسكو والشركس، داخل روسيا وخارجها، إلى نقطة الغليان. فالعوامل الدافعة عديدة ومتنوعة. وهي تنبع جزئيًا من جهود شركسية طويلة الأمد لتعزيز لغتهم وهويتهم الوطنية، وإعادة الشركس الذين يعيشون في الخارج إلى وطنهم في شمال القوقاز، وتأمين الاعتراف الدولي بما يشيرون إلى إنه صنيع روسي من أعمال ”الإبادة الجماعية“ اقتُرِف ضدهم في عام 1864 (Caucasus Times, April 25). في الآونة الأخيرة، اندلعت الخلافات بسبب تصريحات الشركس بالتضامن مع الأوكرانيين في مقاومتهم للعدوان الروسي. على الجانب الآخر، كان الشركس أكثر غضبًا من القناعة الواضحة للرئيس فلاديمير بوتين بأنه الآن في وضع يسمح له بقمع هويات الشعوب داخل الفيدرالية الروسية، تمامًا كما يسعى للتعامل مع الأوكرانيين في الخارج. في الواقع، التوترات بين الشركس وموسكو في الوقت الحاضر أعلى مما كانت عليه في عام 2014، عندما اشتبك بوتين والشركس حول إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الموقع الذي أبعدت منه القوات الروسية تلك الأمة في 21 مايو/أيار 1864. واليوم، يبدو أن كلا الجانبين أكثر التزامًا بتحقيق أهدافهما المشتركة، أكثر من أي وقت مضى. يمكن أن يؤدي هذا الموقف بسهولة إلى انفجار — يمكن أن يبدأ في شمال القوقاز ولكنه سيرسل بسرعة موجات الصدمة إلى الخارج.
لطالما كانت العلاقات بين الدولة الروسية والأمة الشركسية مشحونة (see EDM, May 9, 2020, August 11, 2020, October 5, 2021). وفي كل عام، مع احتفال الشركس بالذكرى السنوية لترحيلهم قبل قرن ونصف، تتدهور هذه العلاقات مع الشركس أكثر، مع دفاع السلطات الروسية عما اقترفته الإمبراطورية القيصرية في عام 1864، حيث أن الشركس الذين توحدهم ذكرى ذلك الرعب، يتخذون مواقفًا تعتبرها موسكو معادية لروسيا، وبالتالي فهي خطيرة. لكن هذه المرة، ارتفعت المشاعر على كلا الجانبين إلى مستوى محموم، مما قلل من احتمالية تراجع أي منهما. وتزداد احتمالية التصادم، ربما بعنف، في الأسابيع والأشهر القادمة أكثر من أي وقت مضى.
مثل غيرهم من غير الروس داخل الفيدرالية الروسية، واجه الشركس سياسات بوتينية تهدد بقاء لغتهم وجمهورياتهم وحتى هويتهم. لكن بالإضافة إلى ذلك، يواجهون مشكلتين أخريين تميزهما عن بعضهما البعض. فمن ناحية، جزّأت السلطات السوفيتية الأمة الشركسية إلى مجموعات فرعية مختلفة مقسمة على مناطق إدارية متعددة. وسعى لمنع الشركس من تأكيد هوية وطنية مشتركة أو المطالبة بجمهورية شركسية واحدة في شمال القوقاز. لكن في الآونة الأخيرة، قاوم الشركس ذلك، واعتبروا التعداد السكاني الروسي لعام 2020 الذي تأخر كثيرًا بمثابة وسيلة لإعادة توحيد القباردي والشركس والأديغيى وأجزاء أخرى من الأمة الشركسية تحت مظلة ”شركسية“ واحدة. لم يتم نشر نتائج التعداد بعد، لكن من الواضح أن جهود التعبئة هذه قد أظهرت بالفعل نجاحًا كبيرًا (see EDM, October 14, 2021).
ومن ناحية أخرى، يسعى المزيد من الأعضاء من بين أكثر من خمسة ملايين شركسي يعيشون في الخارج إلى العودة إلى الوطن، وهو الأمر الذي تخشى منه موسكو لأن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة من خلال تغيير المزيج العرقي الحالي هناك بشكل كبير. اليوم، يعيش أقل من 700000 شركسي في شمال غرب القوقاز (see EDM, February 22, 2022). وضعت موسكو كافة أنواع العقبات لمنع عودة مجتمعات الشتات؛ والآن، فقد تم إعداده لجعله مستحيلًا فعليًا. يدرس مجلس الدوما الروسي (الغرفة السفلى بالبرلمان) تشريعًا من شأنه تجريد الشركس في الخارج من الذين لا يتحدثون اللغة الروسية — وقليل منهم يتحدثونها — من الحق في المطالبة بوضع المواطن، على الرغم من كونهم أحفاد الأشخاص الذين عاشوا في روسيا في وقت سابق. وقد أثار ذلك حالة من الغضب بين الشركس في الداخل والخارج (Zapravakbr.ru, May 3).
بسبب الدور الحاسم للشتات الشركسي في دعم الشركس في شمال القوقاز، وهو الدور الذي ازداد بسبب الإنترنت، سعت موسكو منذ فترة طويلة لتقسيم الأمة. فعلى وجه الخصوص، أنشأت روسيا العديد من الجمعيات التي تسيطر عليها الحكومة والتي تدّعي التحدث باسم الشركس ولكنها في الواقع لسان حال الكرملين. يتم استنكار جميع الجماعات الشركسية المستقلة الأخرى كخادمات الغرب. وضاعف الكرملين من هذه الاستراتيجية في الأسابيع القليلة الماضية لأنه بينما دعمت المنظمات الشركسية الخاضعة لسيطرة موسكو حرب بوتين في أوكرانيا، شجبت جميع الجماعات الشركسية المستقلة تلك الحملة (Politnavigator.net, April 26; Cerkesfed.org, February 26).
في مواجهة النشاط الشركسي المتزايد، منعت السلطات الروسية الشركس في شمال القوقاز من إحياء ذكرى 21 مايو/أيار لهذا العام وهددت باعتقال أي شخص يشارك بها (Zapravakbr.ru, May 15, 18). لم يرهب ذلك الحظر والتهديد الشركس بقدر ما أثار الغضب بينهم، ”ليس فقط في روسيا ولكن بين العديد من الجاليات الشركسية حول العالم“، وذلك على حد تعبير أحد المراقبين المتعاطفين (Doshdu.com, May 15).
ستكون هذه التطورات وحدها كافية للتنبؤ بأزمة مقبلة، لكن ما حدث يوم أمس (18 مايو/أيار)، يجعل من غير المحتمل للغاية عدم حدوث مثل هذه النتيجة. شارك أربعة من النشطاء والمؤيدين للشركس وهم — آنا فوتيغا (Anna Fotyga)، وهي برلمانية أوروبية بولندية، ويانوش بوغاجسكي (Janusz Bugajski) من مؤسسة جيمستاون، وفاطمة تليس (Fatima Tlis) من صوت أمريكا، وبريان ويليامز (Brian Williams) من جامعة ماساتشوستس، ونوغزار تسيكلوري (Nugzar Tsiklauri)، وهو سياسي جورجي — في ندوة بعنوان ”الإبادة الجماعية الشركسية“ وذلك في البرلمان الأوروبي حيث تمت الاستضافة من قبل حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين. وسيتم إصدار شريط فيديو للاجتماع في غضون ثلاثة أيام للتوافق مع يوم الذكرى الشركسية. من المؤكد أن موسكو ستكون غاضبة ليس فقط بسبب المكان واستخدام مصطلح ”الإبادة الجماعية“ ولكن أيضًا من حقيقة أن المتحدثين رسموا أوجه تشابه واضحة بين ما فعلته روسيا بالشركس وما تفعله بأوكرانيا اليوم (Ecrgroup.eu, May 18).
قامت تليس، الناشطة الشركسية منذ فترة طويلة، بمشاركة نسخة من ملاحظاتها، وهي تبرز فقط هذا الاحتمال. وقالت إنه ”من الضروري لاستعادة السلام والأمن في أوروبا أن نفهم جذور وحشية روسيا وعنفها“ في أوكرانيا ”لأن بذور بوتشا [إحدى ضواحي كييف حيث يُتهم جنود روس بارتكاب جرائم حرب فيها] زُرِعت في سوتشي ومئات البلدات والقرى الشركسية التي لم تعد موجودة … قسّمت روسيا الأراضي الشركسية إلى مقاطعات مصطنعة مختلفة لتهميش الأمة بشكل أكبر وكسر وحدتها وأهميتها السياسية“. وأكدت بالضبط ما تحاول القيام به في أوكرانيا (Justicefornorthcaucasus.info, May 19).
وقالت، علاوة على ذلك، ”حرمت روسيا الشركس الذين يعيشون على أرضهم في شركيسيا هذا العام من حق إحياء ذكرى يوم 21 مايو/أيار، [متوقعة أنه] في 21 مايو/أيار، سيتجمع الشركس في جميع أنحاء العالم في شوارع المدن والبلدات الأجنبية التي هي أوطانهم في الوقت الحالي. سوف يحزنون وسيتذكرون وسيخبرون العالم مرة أخرى — شركيسيا على قيد الحياة. وسوف تتحرر شركيسيا مرة أخرى“.
المصدر:
https://jamestown.org/program/tensions-between-moscow-and-circassians-reach-crisis-proportions/